الثورة نت:
2025-12-11@19:10:10 GMT

صنعاء تفرج عن «153» من أسرى الطرف الآخر من جانب واحد

تاريخ النشر: 26th, January 2025 GMT

المرتضى: المبادرة رسالة إيجابية من قبل صنعاء وعلى الطرف الآخر أن يقرأها في سياقها الصحيح

 

الثورة / أحمد المالكي

أعلن رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى عبد القادر المرتضى أمس في صنعاء، عن تنفيذ مبادرة واسعة للعفو والإفراج عن «153» أسيرا من أسرى الطرف الآخر ، ممن تم أسرهم في جبهات القتال المتعددة ، وذلك بتوجيهات كريمة من قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، حفظه الله .

وأكد المرتضى – في المؤتمر الصحفي الذي عقدته اللجنة بهذه المناسبة – أن هذه المبادرة أحادية من طرفٍ واحد بدوافع إنسانية ، إذ أن أغلب من سيفرج عنهم من ذوي الحالات الإنسانية من المرضى ، والجرحى وكبار السن ووحيدي الأسر وغيرهم من الحالات الأخرى.

مشيرا إلى أن هذه المبادرة تعتبر الثانية من نوعها خلال أقل من عام إذ سبق تنفيذ مبادرة أحادية واسعة خلال شهر مايو من العام الماضي 2024م ، حيث تم الإفراج عن «112»أسيراً ، كما قامت اللجنة بين المبادرتين بتنفيذ عدد من المبادرات الفردية بالإفراج عن «270» أسيراً في فترات متعددة ، وأن هذه المبادرة جاءت بالتنسيق مع الأمم المتحدة عبر مكتب مبعوثها الخاص ، واللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي عبر بعثة اللجنة في صنعاء ، والذين قاموا مشكورين خلال هذه الأيام بالإجراءات اللازمة لتسهيل تنفيذ هذه المبادرة .

و بحضور عضو المجلس السياسي الأعلى سلطان السامعي، ووزير الشؤون الاجتماعية والعمل سمير باجعالة ورئيس اللجنة العسكرية اللواء الركن يحيى الرزامي ومستشار رئيس المجلس السياسي الأعلى محمد طاهر أنعم ومحافظ إب عبدالواحد صلاح والقائم بأعمال محافظ تعز أحمد المساوى، ونائب وزير العدل وحقوق الإنسان القاضي إبراهيم الشامي، قال المرتضى : « نود هنا أن نؤكد على بعض النقاط ونرسل بعض الرسائل، أولاً : هذه المبادرة أتت في وقت حساس يشهد فيه ملف الأسرى جموداً وتعثراً سئ فيما يتعلق بتنفيذ صفقات التبادل ، بسبب العراقيل التي يقوم بها الطرف الآخر ، كما أنها تأتي في الوقت الذي يشهد تحركات مكثفة وجيدة من قبل المبعوث الأممي وفريقه للدفع بهذا الملف الإنساني إلى الأمام ، والسعي لتنفيذ ما قد تم التوافق عليه من اتفاقيات ، حيث من المؤمل أن تشكل هذه المبادرة دفعة إيجابية لهذه الجهود.

ثانيا: نؤكداً أن هذه المبادرة هي رسالة إيجابية من قبل صنعاء ، وعلى الطرف الآخر أن يقرأها في سياقها الصحيح ، وأن ينظر إليها مبادرة حسن نية لبناء الثقة والتأسيس لمرحلة جديدة من التعامل الإيجابي والجاد مع هذا الملف الإنساني المهم .

ثالثاً : اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى تتعامل مع هذا الملف من منطلق إنساني بحت ، سواء في التعامل مع الأسرى داخل السجون من منطلق ديني وأخلاقي ، أو في التعاطي مع المفاوضات التي تتم عبر الأمم المتحدة ، وعبر الوسطاء المحليين .

معتبراً أن كل الممارسات اللا إنسانية بحق الأسرى من تعذيب وانتهاكات أو إهانات مهما كان مستواها ، فإنها تعد جرائم حرب بحق الإنسانية ، ومخالفة صريحة لكل الشرائع والأديان والأعراف والمواثيق والقوانين والاتفاقيات الدولية.

وأضاف المرتضى: «نؤكد أن جميع الأسرى الموجودين لدينا يعيشون في ظروف طبيعية وإنسانية ، وأن لا أحد منهم يتعرض للتعذيب أو أي ممارسات لا إنسانية ، حيث يتم تقديم كل احتياجاتهم الضرورية بدءاً من التسكين والتغذية والرعاية الصحية، حسب الإمكانيات المتاحة ، كما نسمح لهم بالتواصل مع أهاليهم بشكل مستمرٍ ، ويتم السماح لهم كذلك بالزيارات المنتظمة من أهاليهم، ومن قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر ، بعكس الطرف الآخر الذي وللأسف الشديد ارتكب خلال السنوات الماضية أبشع الجرائم بحق أسرانا من التصفيات الميدانية بالمئات ، وكذا جرائم التعذيب داخل السجون والتي شملت آلاف الأسرى ، بالإضافة إلى الإنتهاكات والممارسات اللا إنسانية التي تمارس حالياً وخصوصاً في سجون حزب الإصلاح في مارب.

حيث رأى الجميع الحالة المأساوية التي خرج بها الأسير « مراد رزق البحري» الذي تم بعون الله تحريره قبل أيام ، إذ تعتبر هذه الحالة نموذجاً واحداً لما عليه المئات من الأسرى داخل سجون مارب.

ودعا المرتضى الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر وجميع المنظمات الدولية العاملة في اليمن ، وكذا الوسطاء المحليين وكل الشخصيات الإجتماعية إلى تشكيل فريق لزيارة السجون لدى جميع الأطراف والإطلاع على أوضاع الأسرى ، وكشف الحقائق للرأي العام عبر وسائل الإعلام ليوضح للجميع الطرف المجرم الذي يرتكب الجرائم والإنتهاكات بحق الأسرى.

وقال المرتضى: « نؤكد استعدادنا وجهوزيتنا الكاملة لتنفيذ كل الاتفاقيات التي تم التوافق والتوقيع عليها من الجميع برعاية الأمم المتحدة بدون قيد أو شرط، كما نؤكد استعدادنا للدخول في صفقة تبادل شاملة وكاملة تشمل جميع الأسرى على مبدأ الكل مقابل الكل، كما نصت عليه اتفاقية ستوكهولم نهاية العام 2018م» .

وخاطب رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى المفرج عنهم مذكراً إياهم بقوله تعالى: « يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيراً ، يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم» متمنيا لهم أن يعودوا إلى أهاليهم سالمين ، وأن تكون الفترة التي قضوها في الأسر قد وضحت لهم حجم الخطأ الذي ارتكبوه بقتالهم في صف الغازي الأجنبي الذي يسعى لإحتلال بلدهم وقتل أهلهم ، وأن تكون فترة الأسر قد كشفت لهم الكثير من الحقائق عن هذا العدو الذي قاتلوا معه ، والذي يتنكر لهم ويدعي في إعلامه أنكم لستم أسرى ، وإنما مواطنون تم اعتقالكم من منازلهم وهذا ما ستسمعوه اليوم بشكل أكبر ، آملاً أن يتم اعتبار هذه المبادرة بالإفراج عنكم نعمة من الله عليكم ، ومكرمة من السيد القائد يحفظه الله ، يحب أن تقابلوها بالإحسان من خلال عدم التورط مرةً أخرى في القتال ضد بلدكم وأهلكم في صف عدو وطنكم.

ووجه المرتضى رسالة لدول العدوان ومرتزقتهم بأن هذه المبادرة وما سبقها من مبادرات هي دليل قوةٍ وليست دليل ضعف ، بل هي دليل على جدية ومصداقية صنعاء في السعي لحل هذا الملف الإنساني ، حيث ينتظر أن يثبت الطرف الآخر ولو لمرّة واحدة جديته ومصداقيته في حلحلة هذا الملف ، من خلال اتخاذ خطوة مماثلة ، أو في أقل الأحوال الكف عن وضع العراقيل أمام تنفيذ الاتفاقيات التي التزموا بها ، والكف عن إعاقة الجهود التي تبذل من قبل الأمم المتحدة ومن قبل الوسطاء المحليين ، والهادفة إلى إيجاد حلول منصفة لهذا الملف الإنساني الحساس.

داعياً مرتزقة العدوان إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن كل المعتقلين الذين قاموا باختطافهم من الطرقات ومن أماكن عملهم والزج بهم في السجون لسنوات والكف عن المقايضة بهم في مقابل أسرى الحرب.

واختتم المرتضى حديثه في المؤتمر الصحفي، برسالة وجهها لأهالي الأسرى الكرام مثمناً تضحياتهم وصبرهم واحتسابهم، وما يتحملون من ألم فراق أبنائهم وإخوانهم وأولادهم وأن الله وحده هو القادر أن يوفيهم حقهم.

مؤكد أن اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى ستبذل كل جهد وتتحرك بكل ما تستطيع، وبكل الطرق لتحرير من تبقى من أسرانا.

مطمئناً أسر الأسرى بأن هذا الملف يحضر باهتمام خاص وكبير من القيادة الثورية والسياسية، بشكل دائم ومستمر، وأن قائد الثورة حفظه الله يتابع بنفسه هذا الملف الإنساني، وأن هناك لدى الجانب الوطني في صنعاء من أسرى العدو ومن ضباطه وقياداته وعناصره الهامة ما يضمن بعون الله سبحانه تحريره جميع من تبقى من أسرانا.

من جانبه اعتبر المتحدث الرسمي باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر إسكندر سعيد، الإفراج عن الأسرى من طرف أحادي خطوة إيجابية تأتي وفقًا لاتفاق ستوكهولم.

وقال «تلقينا بلاغ اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى بصنعاء بطلب تسجيل الإفراج عن 153 أسيرًا، ممن كانوا على تواصل مع عوائلهم، وهم متلهفون ومتشّوقون للقاء بأهاليهم».

وأضاف سعيد «سبق للجنة الدولية للصليب الأحمر أن عملت مقابلة مع الأسرى للتأكد من هوياتهم، وأنهم كانوا على تواصل مع أهاليهم وذويهم»، مؤكدًا استعداد اللجنة للعب دور الوسيط بهدف الإفراج عن كافة الأسرى من جميع الأطراف.

بدوره أوضح مراد ابو حسن نائب رئيس اللجنة الوطنية لشئون الأسرى – في تصريح خاص لـ «الثورة» أن المبادرة اليوم كانت إيجابية جداً وإنسانية بشكل كبير ونرجو من الطرف الآخر من مرتزقة العدوان أن يكونوا على قدر المسؤولية وألا يتنصلوا عن هؤلاء الأسرى الذين ضحوا من أجلهم في الجبهات وان ينكروا فضلهم وان ينسبوهم انهم من المعتقلين والمختطفين من الأسواق والبسطات، كما يقولون، وأن يكونوا بمستوى المبادرات وأن يعملوا على إطلاق مبادرة مثلها ولو بحق المعتقلين الذين اختطفوهم من الطرقات في مارب أو عدن أو تعز.

بدوره أوضح محمد محمد حمود المطري -عضو اللجنة الوطنية للوسطاء المحليين في تصريح لـ «الثورة» أنه يوجد في السجون من الأمراض يعانون كما رأيتم من مرض السرطان والامراض المزمنة فندعو للإفراج عنهم بشكل فوري دون أي مقابل لأننا في الأول والأخير نحن مسلمون لا ننتظر الصليب الأحمر، والأمم المتحدة ولا ننتظر أن يأتي اليهود والنصارى ليحلوا مشاكلنا، ولا بد أن نحل مشاكلنا بأنفسنا وأتمنى التجاوب مع هذه المبادرة وان يطلق مجموعة من الحالات الإنسانية مقابل هذه الحالات وهذه رسالة شخصية مني ومن زملائي الوسطاء المحليين في هذا الملف وأتمنى ان لا ندخل في المكايدات والمزايدات والمناكفات.

وقال «إلى هنا ويكفي ولا بد أن نبدأ في العمل للإفراج عن هؤلاء الذين هم خلف القضبان والذين يتمنون حلاً لهذا الملف ولا يريدون مناكفات ومماطلات، ويقول الله تعالى «إنما المؤمنون إخوة فاصلحوا بين أخويكم»، ومن هذا المنطلق نتمنى أن تتم صفقة الكل مقابل الكل وترى النور قريباً ونتمنى من الجميع التعاون في إنجاح هذه الصفقة وبفضل الله وبفضل المتعاونين من المخلصين من أبناء هذه البلد أن ترى النور قريباً.

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: اللجنة الدولیة للصلیب الأحمر اللجنة الوطنیة لشؤون الأسرى هذا الملف الإنسانی أن هذه المبادرة الأمم المتحدة رئیس اللجنة الطرف الآخر الإفراج عن من قبل

إقرأ أيضاً:

الرسول وحب من طرف واحد بين صحابي وصحابية!!

الحب عاطفة تتملك الإنسان، ولا يملك ردها، أو رفضها، أو توجيهها، ولذا كان موقف الإسلام منها واضحا، أنها أمر لا يملكه الإنسان، ولكن يملك ألا يتحول بحبه إلى ما حرمه الله تعالى، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حين يقسم بين زوجاته حقوقهن، يقول: اللهم إن هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني بما تملك ولا أملك. وما لا يملكه صلى الله عليه وسلم هو العاطفة القلبية، فهذا ليس بيد الإنسان.

وقد رأينا في السنة والسيرة النبوية، مواقف لعاطفة الحب بين طرفين، يتبادلان الحب العفيف، وعبر عن ذلك صلى الله عليه وسلم بتقدير الإسلام لمثل هذه العواطف التي تنطلق من حلال، ولا تخرج عن إطار ما شرعه الله، فقال: "لم يُر للمتحابين مثل النكاح"، ووردت في ذلك قصص في السنة والسيرة النبوية، في هذا المجال المشروع.

لكن هناك حالة لم تشتهر بنفس هذه القصص في السيرة والسنة النبوية، وهي: حالة الحب من طرف واحد، حيث يتملك قلب أحد الأطراف، وتحكي السنة والسيرة تفاصيله، بل يصل الأمر للرسول صلى الله عليه وسلم، ويطلب أحد الأطراف منه الوساطة لدى الطرف الذي لا يحب، حتى يقبل بهذا الحب، ليكون في مساره الطبيعي وهو الزواج.

بريرة جارية عائشة:

والقصة تتعلق بجارية كانت لدى السيدة عائشة رضي الله عنها، اسمها: بريرة، وكانت متزوجة بعبد اسمه: مغيث، وكلاهما على الإسلام، ومعروف حكم الإسلام في الرقيق إذا تزوجا، وأعتق أحدهما دون الآخر، فإن كان من أعتق الرجل دون المرأة، فتظل زوجة له، لكن المرأة إذا أعتقت ولم يعتق الرجل، تكون المرأة بعد عتقها بالخيار، إن شاءت ظلت زوجة، وإن شاءت انفصلت عنه، لكن بشرط ألا يحدث بينهما جماع بعد العتق.

أعتقت السيدة عائشة رضي الله عنها جاريتها بريرة، وبعد عتقها مباشرة، قررت أن لا تكمل حياتها الزوجية مع زوجها، والتي أنجبت منه ذرية، وتروي السيدة عائشة موقف اختيار بريرة فقالت: أن بريرة عتقت وهي عند مغيث، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لها: إن قربك فلا خيار لك" وفي رواية أخرى: عن عائشة رضي الله عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها في بريرة: خذيها فأعتقيها، وكان زوجها عبدا، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختارت نفسها، ولو كان حرا لم يخيرها".

وكان هذا القرار صادما للزوج الذي يحبها حبا شديدا، يصل للجنون بها، ويلح عليها باستمرار الزواج، وهي مصرة على رفضها، ولم يجد حلا لإقناعها بالاستمرار، سوى أن يطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشفع عندها له، وهي فكرة دلت على مدى تمسك الرجل بحبه لها، فأراد أن يستشفع بمن لا ترد شفاعته ولا وساطته، وقد جرب من قبل صحابي رفض طلبه للزواج بفتاة، نظر أهلها إليه نظرة إقلال من حيث وضعه المادي، وهو الصحابي جليبيب، فذهب معه النبي صلى الله عليه وسلم، فقبلوا خطبته، فأراد مغيث أن يكرر الأمر.

حب شديد من الرجل وبغض من المرأة:

تروي كتب السنة موقف الرجل من حبه لامرأته، وبغضها له، وإصرارها على الانفصال، وتروي تفاصيل غرامه وحبه الشديد، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن زوج بريرة، كان عبدا يقال له: مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس: يا عباس "ألا تعجب من شدة ‌حب ‌مغيث ‌بريرة، ومن شدة بغض بريرة مغيثا؟!"، فقال لها صلى الله عليه وسلم: "لو راجعتيه فإنه أبو ولدك"، فقالت بريرة: يا رسول الله أتأمرني؟ قال: "إنما أنا شافع"، قالت: لا حاجة لي فيه".

قال العلامة ابن بطال في شرح صحيح البخاري: (وفيه: أنه لا حرج على مسلم في هوى امرأة مسلمة وحبه لها ظهر ذلك منه أو خفي، ولا إثم عليه فى ذلك، وإن أفرط فيه ما لم يأت محرمًا، وذلك أن مغيثًا كان يتبع بريرة بعدما بانت منه في سكك المدينة، مبديًا لها ما يجده من نفسه من فرط الهوى، وشدة الحب، ولو كان هذا قبل اختيارها نفسها لم يكن، عليه السلام، يقول لها: (لو راجعتيه)؛ لأنه لا يقال لامرأة فى حيال رجل وملكه بعصمة النكاح: لو راجعتيه، وإنما يسئل المراجعة المفارق لزوجته، وإذا صح ذلك، فغير ملوم من ظهر منه فرط هوى امرأة يحل له نكاحها نكحته بعد ذلك أم لا، ما لم يأت محرمًا ولم يغش مأثمًا).هذا الموقف الذي لا يتعدى سطورا قليلة، يحمل في طياته دروسا مهمة، تشرح في صفحات طوال، فالحب كان من طرف واحد، هو طرف الرجل، ولم يجد ما يمس كرامته من التعبير عن هذا الحب، ولم يجد ما يمنعه من تتبعها في سكك المدينة، يبكي، ودموعه تسيل على لحيته، ويرى ذلك الناس كلهم، ويتعجب الرسول صلى الله عليه وسلم من شدة حب الرجل لزوجه، وشدة بعضها له، وربما يكون النكاح نشأ عن حب، وتغير مع الأيام والعشرة، أو لم ينشأ من الأساس، وكان خيارها محدودا في الاختيار، ولما اتسعت دائرة الاختيار لديها قررت الانفصال، دون حرج منها أن تخاف من نظرة المجتمع بأنها باعت زوجها ووالد أبنائها، أو أن تتهم بقلة الأصل، وعدم مراعاة العشرة، فهو اختيار لها كامل الحرية فيه.

فهم عظيم لفقهاء الأمة للحديث:

والعجيب أكثر، هو تعامل الفقهاء والعلماء من السلف مع الحديث، فلم نرهم يعرضون عنه، أو عن تفاصيله، أو يعمى أحدهم عن عناوينه البارزة، ودروسه الواضحة، في قضية لو أن بعض شيوخ زماننا من المتشددين تناولها، لربما نحا بالقصة والحادثة بعيدا عن مضمونها، ومع ذلك نرى كتب التراث الفقهي والحديثي، تعنون للقصة عناوين معبرة، فقد ذكر الخرائطي هذا الحديث وعنون له بما يلي: ‌‌باب إعراض المحبوب عن حبه وصبره عن الأمر جهده.

بل نقل الإمام ابن القيم مواقف عن الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، ومن بعدهم، بأنهم شفعوا لعشاق كي يجمعوا بينهم في الحلال بالزواج، وعنوان لفصل من كتابه: (روضة المحبين ونزهة المشتاقين) بعنوان: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء والراحمين للعاشقين.

وانتبه العلماء وشراح الحديث النبوي، لما اشتمل عليه الحديث، من حكم فقهي يتعلق بالحب من طرف واحد، وإصرار المحب على هذا الحب، فقال ابن القيم: (ولم يَنْهَهُ عن عشقها في هذه الحالة؛ إذ ذلك شيءٌ لا يُملكُ، ولا يدخلُ تحت الاختيار)، وقال: (ولم ينكر عليه حبّها، وإنْ كانت قد بانَتْ منه، فإنّ هذا ما لا يملكه).

وقال العلامة ابن بطال في شرح صحيح البخاري: (وفيه: أنه لا حرج على مسلم في هوى امرأة مسلمة وحبه لها ظهر ذلك منه أو خفي، ولا إثم عليه فى ذلك، وإن أفرط فيه ما لم يأت محرمًا، وذلك أن مغيثًا كان يتبع بريرة بعدما بانت منه في سكك المدينة، مبديًا لها ما يجده من نفسه من فرط الهوى، وشدة الحب، ولو كان هذا قبل اختيارها نفسها لم يكن، عليه السلام، يقول لها: (لو راجعتيه)؛ لأنه لا يقال لامرأة فى حيال رجل وملكه بعصمة النكاح: لو راجعتيه، وإنما يسئل المراجعة المفارق لزوجته، وإذا صح ذلك، فغير ملوم من ظهر منه فرط هوى امرأة يحل له نكاحها نكحته بعد ذلك أم لا، ما لم يأت محرمًا ولم يغش مأثمًا).

والأمر اللافت للنظر جدا هنا، هو: كيف فهمت هذه المرأة الفرق بين ما يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في باب التشريع ولا تملك فيه أن ترد أمره، وما يرد عنه في باب الشفاعة والوساطة التي ترد ولا إثم عليها، وأن ذلك لا يقدح في دينها، ولا في طاعتها لرسولها صلى الله عليه وسلم، ودل كذلك على ثقتها بأن ذلك لن يؤثر في تقدير النبي لها، وفي زماننا لو توسط كبير لدى شخص من الناس، فرد وساطته لأمر لا يطيقه، لغضب وأخذ الأمر على محمل السوء.

درس للمتشددين ومدعي التنوير:

وهذه امرأة أمية في عصر ليس فيه تعليم، وليس فيه موارد للثقافة العالية في المجتمع، مثل ما يتيسر في أزمنتنا، ولم تحتج المرأة لكثير من دروس العلم الطويلة التي يحصل عليها طلبة علم في زماننا، فنرى متدينين متشددين في زماننا لا يحسنون التفريق بين ما يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في باب التشريع الملزم، وما ليس في هذا الباب، وقد ضيقوا بفهمهم الضيق أبوابا من الفهم للدين والتيسير فيه، بينما هذه السيدة استطاعت بكل يسر وسهولة هذا التمييز، حيث قالت له: يا رسول الله جئتني آمرا أم شافعا، فهي تعلم أن باب الأمر ملزم لها شرعا، وإن عصته تأثم، لكن باب الشفاعة رغم مكانة النبي صلى الله عليه وسلم لا إثم في رفضه.

وهو درس أبلغ كذلك في الرد على علمانيين ومدعي تنوير في حياتنا، وهم جهلاء، يريدون أن يحولوا كل تشريع لرسول الله صلى الله عليه وسلم لمجرد كلمات تقال للبركة الدينية، أو للذكرى الدينية، ويجردون النبي صلى الله عليه وسلم من حق التشريع الذي منحه الله له، وكأنه جاء بالإسلام ليكون حاشاه مجرد حامل بريد برسالة إلهية، وموقف المرأة دلالة على أن نعمة الفهم الدقيق للدين، لا علاقة له بشهرة، أو مؤهل علمي وضع على فراغ في رأس صاحبه.

[email protected]

مقالات مشابهة

  • "الشعبية" تدين إعدام 110 أسرى منذ 2023 وتطالب بفتح تحقيق دولي بجرائم الاحتلال
  • الرسول وحب من طرف واحد بين صحابي وصحابية!!
  • صنعاء تفجر مفاجأة حول معالجة الملف اليمني
  • بالأسماء.. قوات الاحتلال تفرج عن 5 أسرى من قطاع غزة
  • "مهرجان صحار" يعد الجمهور بفعاليات استثنائية ونقلة نوعية في الأنشطة
  • ملابس الشتاء بأسعار مخفضة.. مواصلة فعاليات مبادرة «كلنا واحد»
  • الداخلية تواصل فعاليات المرحلة الـ 27 من كلنا واحد لتوفير مستلزمات الأسرة بأسعار مُخفضة
  • علي جمعة: العفاف الظاهر يؤدي إلى الباطن وفقدان أحدهما يعني فقد الآخر
  • إعلام الأسرى يكشف ظروفًا قاسية بحق أسرى غزة داخل سجن الرملة
  • تسليم رسالة للصليب الأحمر في غزة احتجاجًا على الجرائم الإسرائيلية بحق الأسرى