جريدة الوطن:
2025-05-10@06:18:08 GMT

العولمة كظاهرة سياسية وعالم بلا هوية

تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT

العولمة كظاهرة سياسية وعالم بلا هوية

ليس من الصعب بمكان أن نرى شِبْه إجماع على أنَّ العولمة هي عالَم بلا هُوِيَّة حوَّلت هذا العالَم إلى قرية كونيَّة، كما يُجمع عليه أغلب المفكِّرين وروَّاد الفكر والمعرفة الشغوفين برصد ومتابعة تأثيرات هذا المفهوم الجديد على حياتنا ونمطها، وأشكال العيش فيها.
وتُمثِّل العولمة حلقة في سلسلة محاولات جعل العالَم عابرًا للحدود والثقافات وتوسيع دَوْر الشركات المتعدِّدة الجنسيَّات ما أدَّى إلى تراجع دَوْر الدولة القوميَّة إلى حدِّ وصف البعض بأنَّها نهاية الحضارات.


وما بَيْنَ مفهومَي العولمة كظاهرة سياسيَّة وعالَم بلا هُوِيَّة تبرز تأثيرات وتداعيات هذَيْنِ المفهومَيْنِ على عالَمنا العربي ومُجتمعاته وثقافاته المتنوِّعة، وهو الأمْرُ الذي أدَّى إلى تناقض المفهومَيْنِ من حيث الدَّوْر والنتائج على الأرض، ما يعني أنَّ حائط الصَّد للدولة القوميَّة وثقافتها المُجتمعيَّة لمواجهة تداعيات المفهومَيْنِ كان يرى أنَّ العولمة بمفهومها العابر للحواجز والحدود هو مصادرة للهُوِيَّة الثقافيَّة المُجتمعيَّة وتفكيكٌ لثوابتها وقواعد العيش المشترك بَيْنَ مُكوِّناتها.
والظاهرة السِّياسيَّة للعولمة واضحة المعالم والأهداف بعد أن كرّست هذه الظاهرة للتبشير بمفاعيلها الإيجابيَّة في مسار التحوُّلات السِّياسيَّة في عدَّة دوَل، فيما واجَه مفهوم العالَم بلا هُوِيَّة وخياراته المفتوحة على جميع الصُّعد حملة مضادَّة لهذا التحوُّل الذي يهدف إلى إلغاء الثقافات والمُثل التي تستند إليها هذه الدوَل التي تقاومه؛ لأنَّه يُلغي دَوْرها لصالح الشركات المتعدِّدة الجنسيَّات ومصالحها الاستعماريَّة.
إذًا فإنَّ الظواهر التي برزت بعد التبشير بالعالَم الجديد لَمْ تُحقِّق ما تصبو إليه المُجتمعات التي رأت في مفاعيله على حياتهم لا يُشكِّل نقلة، ولَمْ يحلَّ أيًّا من معضلاته بعد أن تغوَّلت الشركات المتعدِّدة الجنسيَّات في جشعها على حساب تطلُّعات الشعوب بحياة آمنة من دُونِ جشع واستغلال.
فالمشهد ـ الذي نراه طبقًا لواقع الحال في وطننا والعالَم ـ هو قاتم، تداخلت في طيَّاته عوامل التِّيه والضبابيَّة من فرط غياب بوصلة الحلِّ الذي يبدو أنَّه غير مرئي وواضح للعيان.
وعلى الرغم من أنَّ العولمة تؤكِّد أنَّ التنوُّع في جميع أنحاء العالَم يتبدَّل ويتطوَّر، لكنَّه يتحوَّل بذات الوقت إلى وباء بسبب ثقافة الاستهلاك الغربيَّة؛ بفعل هيمنة الثقافة الأميركيَّة المؤثِّرة على العالَم التي تؤدِّي في نهاية المطاف إلى القضاء على التنوُّع الثقافي، الذي يستهدف تدمير الهُوِيَّات الثقافيَّة، التي تُهيمن عليها ثقافة الاستهلاك الغربيَّة، والخاسر الأكبر بالنتيجة مُجتمعاتنا وهُوِيَّة أوطاننا. وخلاصة القول: إنَّ المطلوب لتحصين مُجتمعاتنا وأُسُس التعايش الثقافي والسِّلمي من شرور المفاهيم الدخيلة على مُجتمعاتنا، ومخاطر مصادرة هُوِيَّتنا القوميَّة هو التمسُّك بثوابت العيش الأبدي بَيْنَ أبنائه من خلال حملة جماعيَّة لمواجهة تحوُّل أوطاننا إلى محطَّات استهلاكيَّة لشركات استغلاليَّة عابرة للحدود بعد تحوُّل أوطاننا إلى أوطان بلا هُوِيَّة منزوعة الروح والتنوُّع الثقافي، وحوَّلتها إلى قرية كونيَّة تمرح وتسرح في فضائها، وتستغل وتعمل بدُونِ مُحدِّدات الشركات الاستعماريَّة لنهب ثروات الشعوب وتتغوَّل في جشعها على حساب وحاجات وتطلُّعات الشعوب إلى الرخاء والازدهار والأمن المُجتمعي.
أحمد صبري
كاتب عراقي
a_ahmed213@yahoo.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: بلا ه و ی العال م م بلا ه

إقرأ أيضاً:

ربيع شهاب حالة مستفزة في المشهد الثقافي

#ربيع_شهاب حالة مستفزة في #المشهد_الثقافي

أ.د. #خليل_الرفوع
الجامعة القاسمية
زيارة فنان في منزله من قبل وزير الثقافة قد تحمل في ثناياها احترامًا لذات الفنان يشعر به هو لحظاتٍ في ظل الأيام الطويلة المنسية، لكنها لا تعبر عن حالة مؤسسية دائمة في المشهد الثقافي الأردني، هو البحث عن ومضة إعلامية وإنجاز شخصي في منصات التواصل والإعلام الحكومي، ولكن ما الذي يعقب تلك الزيارة؟ الفنان ربيع شهاب هو حالة فنية خاصة له حضور في الذاكرة الثقافية حينما كان قامة اختزلت ألق التمثيل دون تزييف أو تكلف. كان ابن الواقع الأردني في لهجته وشكله وملامح وجهه.
هل تنسى الدولة ممثلة بوزارة الثقافة مبدعيها كما نسيت رموز الوطن في الإبداع في حياتهم، نتذكر الأديب الكبير أديب عباسي والشاعر العظيم مصطفى وهبي التل والشاعر المجدد تيسير السبول والفنان متعب الصقار، نعم هناك مبدعون في مجالات كثيرة لم تحتفظ بهم ذاكرة الوزارة وغيرها من الوزارات، ولم يلاقوا تلك الومضة الإعلامية التي تشبه مساحيق تجميل البَشرة سرعان ما تذهب جُفاء من أول قطرة ماء تسقط عليها.
الحديث عن ربيع شهاب هو حديث عن المشهد الفني التمثيلي الذي نشرَ في الوطن العربي قدرة الأردني الإبداعية ودوره الطليعي في نشر الوعي الوطني والقومي.
كم نحزن منذ سنوات لما نراه من مسلسلات تجارية لا تعبر عن مجتمعنا الأردني سواء: البدوي أو الريفي أو المدني، نحن بحاجة إلى رقباء على تلك المسلسلات في اللهجة واللباس والشكل والملامح، من قال إن أبناء قبائلنا لا هَمَّ لهم إلا تكحيل عيونهم، وطلاء وجوههم بمساحيق التجميل، وتسريح شعورهم المستعارة، وتلوين ملابسهم، وبحثهم عن الفتيات على عيون الماء المصطنعة.
ما زال المثقف العربي يذكر ويسأل عن ربيع شهاب وروحي الصفدي وأسامة المشيني ونبيل المشيني وموسى حجازين وعن حارة أبو عواد والعلم نور ووضحى وابن عجلان وقرية بلا سقوف وأم الكروم، إن استحضار الماضي ليس للعن الحاضر بل لأنه التعبير الأنقى في مجمله عن الحياة الاجتماعية الأردنية بكل تفاصيلها في الإبداع والتفكير والنقد والحُلم.
زيارة الفنان ربيع شهاب من قبل وزير الثقافة ستبقى رصيدا مؤقتًا أو إنجازًا شخصيا للوزير ، لكن هل سَيُنَسى ربيع شهاب كما نُسِي غيره من قبلُ؟. زيارة المريض سنة حميدة لكن الأولى الرعاية الكاملة. المطلوب من كل مؤسساتنا ووزاراتنا الذهاب إلى القرى والبوادي وكل الأمكنة بحثًا عن المبدعين المنسيين وتكريمهم ورعايتهم، والبحث كذلك عن مواهب إبداعية للنشء الجديد في كل المجالات ورعايتها أيضا.

مقالات مشابهة

  • ترامب يصعق نتنياهو ويبطش بالبنتاجون.. اليمن يهزم أمريكا والأطلسي
  • حزب التجمع: نحتفل بمرور 50 عاما دون انقسام أو انحراف عن المبادئ
  • «رئيس حزب التجمع»: يكشف عن تباين مواقف اليسار تجاه «الإخوان الإرهابية».. فيديو
  • سيد عبدالعال: التهديدات الخارجية تستدعي أكبر تحالف شعبي خلف القيادة السياسية
  • ربيع شهاب حالة مستفزة في المشهد الثقافي
  • الضرائب: رفع 1.5 مليار وثيقة على منظومة الفاتورة الإلكترونية
  • علي جمعة: السيرة النبوية التطبيق العملي المعصوم للقرآن ومرآة لفهم الواقع
  • الرئيس الصيني: نعمل على تعميق علاقاتنا مع روسيا وتعزيز العولمة الاقتصادية
  • وثائقي استقصائي يكشف هوية الجندي (الإسرائيلي) قاتل شيرين أبو عاقلة
  • رشا عبد العال: نتائج ملموسة لتطبيق الحزمة الأولى من التسهيلات الضريبية