منذ عودة دونالد ترامب إلى المشهد السياسي، بات واضحًا أن العالم يشهد اضطرابًا حادًا على مختلف الأصعدة، لا سيما في الملفات الجيوسياسية والاقتصادية. فقد تفاقمت التوترات الدولية وتصاعدت الصراعات التجارية ، وازدادت حالة عدم اليقين في الأسواق العالمية، مما انعكس على استقرار العديد من الدول والسياسات، وإعادة تشكيل التحالفات، وتغيير الأولويات في السياسة الخارجية، جميعها تؤكد أن مرحلة جديدة من عدم الاستقرار قد بدأت، مما يفرض على الدول والشركات وحتى الأفراد إعادة تقييم استراتيجياتهم المستقبلية لمواجهة هذه التحديات.

وفي هذا الإطار، أثارت التعريفات الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الواردات -التي كانت تشمل الصين والمكسيك وكندا قبل رفع الاخيرتين- ،  تساؤلات واسعة حول تأثيرها على الاقتصاد الأمريكي، إذ تشهد الأسواق العالمية اضطرابات حادة بعد أن تعاطت الصين بقوة على التعريفات الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الواردات الصينية، وتشمل التدابير المضادة فرض ضريبة بنسبة 15% على واردات الفحم والغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، وضريبة بنسبة 10% على النفط الخام والآلات الزراعية والشاحنات الصغيرة والسيارات ذات المحركات الكبيرة.

 وهو الأجراء الذي ينذُر بتصعيد سريع في الحرب التجارية يضع الاقتصاد العالمي أمام تحديات جديدة، مما يزيد من تقلبات الأسواق المالية إذ تشير التجارب السابقة إلى أن مثل هذه السياسات الحمائية تؤدي غالبًا إلى مفاوضات لاحقة، لكن مع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين، يبدو أن مسار المواجهة ما زال هو الأقرب في المرحلة الحالية. وستتحدد ملامح هذه المواجهة بناءً على قدرة الأطراف على التفاوض وإيجاد حلول وسط.

وعلي هذا الأساس، سوف ينطلق هذا المقال من تناول هذا الملف من 3 توجهات، الأولي تأثير هذه الإجراءات على الأسواق والشركات الأمريكية وقدرتها على المنافسة، ثانيا على الخريطة التجارية العالمية مع الولايات المتحدة والتبعات علي مسارات الاقتصاد العالمي، وأخيرا استقراء تأثير ذلك على الاقتصاد المصري؟ 

أولاً: على صعيد تبعات هذه الإجراءات على الداخل الأمريكي، علي الرغم من أن قرارات رفع التعريفات الجمركية قد يُنظر إليها كونها قرارات سياسية وتسُتخدم كأداة لمعالجة مشاكل لا تتعلق بالتجارة فقط، إلا أن ترامب يعزي ذلك إلى خفض عجز الميزان التجاري لبلده الذي يميل لصالح دول عدة وتكتلات اقتصادية في المعاملات البينية، علاوة على ذلك يهدف إلى استعادة المصانع التي افتتحت في دول أخرى لاستغلال عوامل الإنتاج الأرخص، فضلا عن توفير المزيد من فرص العمل في الاقتصاد الأميركي.

 حيث اتجهت العديد من التقديرات إلى أن هذه السياسات قد تضعف قدرة الشركات الأمريكية على المنافسة، كما أنها ستنعكس سلبًا على علاقات التجارة الدولية للولايات المتحدة، فوفقاً لصحيفة "فايننشال تايمز"، فإن هذه الرسوم الجمركية، التي اقترحها الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، قد تؤدي إلى انخفاض النمو الاقتصادي الأمريكي المتوقع بنسبة 2.3% في عام 2025، بمقدار 0.9% إضافية حال تنفيذ إجراءات رد فعل من الدول المتضررة.

أما على مستوي الاقتصاد العالمي، فإن فرض الولايات المتحدة تعريفات جمركية شاملة بنسبة 10% قد يؤدي إلى تقليص النمو الاقتصادي العالمي، الذي يعاني بالفعل من تباطؤ، بنسبة 2.7% في عام 2025، خاصة إذا واجه الشركاء التجاريون الولايات المتحدة بإجراءات انتقامية مماثلة. وهو ما حدث بالفعل من قبل الصين التي صرحت ببعض الإجراءات الانتقامية في هذا الإطار. 

ورغم ذلك، فإن الأزمات بطبيعتها تفُتح آفاقًا جديدة لمن يملك أدوات وآليات التعامل معها، فباستذكار مقولة الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي: “ عند صياغة كلمة أزمة باللغة الصينية، فإنها تتكون من حرفين: أحدهما يمثل الخطر، والآخر يمثل الفرصة.” وهو ما ينطبق تمامًا على الوضع الحالي، حيث تحمل كل أزمة في طياتها فرصًا للنمو وإعادة هيكلة.

ومن ثم، وعلى نطاق محاولة استقراء التأثير على الاقتصاد المصري، فإن توجه الإدارة الأمريكية نحو إعادة تفعيل تعريفات جمركية جديدة بموجب الأقسام 201 و232 و301 من قوانين التجارة الأمريكية، والتي تستهدف واردات الصين بشكل رئيس، تبرز فرص غير مسبوقة أمام الاقتصاد المصري. 

فمن المتوقع أن تؤدي تلك الإجراءات إلى إعادة هيكلة سلاسل التوريد العالمية، مما يفتح المجال أمام مصر لتعزيز مكانتها كبديل تنافسي في الأسواق الدولية، من خلال تفنيد ابرز القطاعات والسلع التي تتأثر بشكل مباشر ومحاولة توطينها في مصر أو توطين أحد مكوناتها، وقد يهدف هذا التحليل إلى استكشاف القطاعات الواعدة وآليات الاستفادة من تلك التحوّلات لتحقيق مكاسب استراتيجية لمصر.

وترتكز تلك الفرصة في صناعة المنسوجات والملابس الجاهزة بالنظر إلى أن النسبة الأكبر من صادرات الصين وبعض الدول الآسيوية إلي الولايات المتحدة تتمثل في المنسوجات، حيث تقدر وفقاً لإحصائيات وزارة التجارة الأمريكية عام 2022 بنحو 300 مليار دولار سنويا، بالإضافة إلي ذلك قد حققت صادرات مصر من القطاع نحو 3.5 مليار دولار عام 2023 

هذا بالإضافة إلى أنه وفقاً لبيانات المجلس التصديري للغزل والنسيج والملابس الجاهزة في مصر، بلغت صادرات القطاع حوالي 3.5 مليار دولار عام 2023، إلى جانب القطاع الزراعي الذي يبرز فرصة استراتيجية لمصر في ظل مواجهة الصين تعريفات على بعض صادراتها من الخضروات والفاكهة للولايات المتحدة، وذلك بالنظر إلي أن مصر تعد من ابرز الدول المتنامية في تصدير الفاكهة كالفراولة والموالح وخاصة البرتقال؛ إذ بلغت قيمة صادرات الموالح نحو 900 مليون دولار سنوياً عام 2022 وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. 

وأخيرا، فهناك فرص تكمن في القطاع الصناعي الذي يُنظر له في الكثير من الخطط الاستراتيجية علي أنه قاطرة التنمية الاقتصادية والتنمية الشاملة، لاسيما أن مصر تمتلك مناطق صناعية مؤهلة عديدة (QIZ) في العاشر من رمضان، وبرج العرب، وبور سعيد، إلي جانب توافر حوافز ضريبية تصل إلي إعفاءات 5-10 سنوات في بعض المناطق، كما يُقترح في هذا الصدد تعزيز فكرة التصنيع المشترك (JOINT MANUFATURING) )  علي غرار تجربة الصين في مصر لانشاء خطوط انتاج للسيارات. 

ختاماً، في ظل التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة وفرض ترامب تعريفات جمركية على الواردات الصينية، تجد مصر نفسها أمام فرص استراتيجية لتعزيز موقعها الاقتصادي، من خلال تطوير قطاع التصنيع المحلي، وجذب الاستثمارات الأجنبية التي تبحث عن بدائل تنافسية للصين، وتعزيز مكانتها كمركز لوجستي يربط الأسواق العالمية، ومن ثم يمكن لمصر الاستفادة من هذه التغيرات لتعزيز النمو الاقتصادي، ومع اتباع سياسات مرنة وداعمة للاستثمار، إلى جانب تطوير البنية التحتية وتحفيز التصنيع، بما يمكن مصر ترسيخ مكانتها كلاعب رئيسي في سلاسل التوريد العالمية، ويعزز قدرتها على مواجهة التحديات وتحقيق التنمية المستدامة.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: التعريفات الجمركية الاقتصاد المصري الاقتصاد العالمي المزيد التعریفات الجمرکیة الولایات المتحدة الرئیس الأمریکی دونالد ترامب إلى أن

إقرأ أيضاً:

تقرير: تراجع أسعار الذهب عالميا بسبب انحسار المخاطر الجيوسياسية وتحسن بيانات الاقتصاد الأمريكي

أكد تقرير اقتصادي متخصص، أن أسعار الذهب العالمية سجلت انخفاضا ملحوظا عند إغلاق تداولاته الأسبوع الماضي لتصل إلى 3337 دولارا للأونصة.. مرجعا السبب في ذلك إلى تحسن البيانات الاقتصادية الأمريكية وارتفاع مؤشر الدولار إضافة إلى انحسار المخاطر الجيوسياسية، الأمر الذي حد من جاذبية المعدن الأصفر كملاذ آمن.

وذكر التقرير الصادر عن شركة دار السبائك الكويتية، اليوم الأحد، أن تعاملات الذهب الأسبوع الماضي اتسمت بالتقلبات إذ ارتفع خلال جلستي يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين لأعلى مستوياته الأسبوعية عند 3433 دولارا للأونصة قبل أن يتراجع تدريجيا وصولا إلى أدنى مستوى أسبوعي عند 3325 دولارا ظهر يوم الجمعة الماضية متأثرا بجملة تطورات اقتصادية ومالية.

وأشار إلى أن تحسن بيانات سوق العمل الأمريكي يمثل أحد أبرز عوامل الضغوط على الذهب إذ سجلت طلبات إعانة البطالة تراجعا للأسبوع السادس على التوالي وهي أطول سلسلة انخفاضات منذ عام 2022، مما عزز التفاؤل بمرونة الاقتصاد الأمريكي وزاد ثقة المستثمرين.

وبين التقرير، أنه على الرغم من انخفاض طلبيات السلع المعمرة بنسبة 9.6% خلال يونيو الماضي نتيجة تراجع حاد في طلبات الطائرات بنسبة 22.4%، فإن طلبيات السلع الأساسية باستثناء النقل ارتفعت بنسبة 0.2% الأمر الذي يعكس استقرار النشاط الاستثماري الأساسي.

ولفت إلى أن مؤشر الدولار الأمريكي ارتفع إلى 97.68 نقطة أمام العملات الرئيسية الأخرى بعد ارتداده من أدنى مستوياته في أسبوعين إذ تراجعت عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات إلى 4.368%، بيد أن هذا التراجع لم يكن كافيا لكبح انخفاض الذهب خصوصا مع انخفاض العوائد الحقيقية إلى 1.936%، مما قلل من جاذبية المعدن مقارنة بالأدوات المالية الأخرى.

وأشار تقرير "دار السبائك"، إلى دور تحسن مناخ المخاطرة في الأسواق العالمية في المساهمة في تراجع أسعار الذهب عقب تصريحات إيجابية حول تقدم المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى توقيع اتفاق تجاري جديد مع اليابان.

وبين أن تراجع التوترات الجيوسياسية في الملفين الإيراني والآسيوي ساهم في تقليص الإقبال على الذهب كأداة تحوط إذ لم تسجل أي مستجدات مقلقة على الصعيدين العسكري والسياسي خلال الأسبوع الماضي.

ولفت التقرير، إلى أن الأسواق العالمية تترقب هذا الأسبوع قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) المقرر يوم الثلاثاء المقبل في وقت تشير فيه العقود المستقبلية إلى احتمال الإبقاء على أسعار الفائدة ضمن النطاق الحالي بين 4.25% و4.5%.

وفيما يتعلق بالسوق المحلي للذهب في الكويت، أشار تقرير دار السبائك إلى أن أسعار الذهب تأثرت بتلك التذبذبات العالمية، إذ بلغ سعر جرام الذهب عيار 24 حوالي 32.830 دينار كويتي وعيار 22 سجل 30.100 دينار كويتي، بينما بلغ سعر كيلو الفضة 419 دينارا.

اقرأ أيضاًجني الأرباح يدفع أسعار الذهب اليوم إلى التراجع عالميًا

سعر جرام الذهب عيار 21.. أسعار الذهب اليوم في مصر

سعر جرام الذهب عيار 21.. أسعار الذهب اليوم الأحد 6-7-2025

مقالات مشابهة

  • تراجع عجز تجارة السلع الأمريكي لأقل مستوياته
  • صندوق النقد يرفع توقعاته للنمو العالمي إلى 3% عام 2025
  • الفيدرالي الأمريكي يحسم الفائدة غدا.. والأسواق تراهن على التثبيت
  • محمد معيط: الحفاظ على معدلات نمو مرتفعة من أكبر التحديات التي تواجه الدولة
  • الاقتصاد الإبداعي لم يعد ترفا فكريّا
  • ترامب يعلن رفع التعريفات الجمركية العالمية إلى 15%-20% كحد أدنى
  • وزير التجارة الأمريكي يعلن دخول التعريفات الجمركية حيز التنفيذ مطلع أغسطس
  • تقرير: الصين وأميركا تعتزمان تمديد هدنة الرسوم الجمركية
  • مونيكا وليم تكتب: انسحاب ترامب ..هل يعيد تشكيل قواعد اللعبة بمفاوضات غزة؟
  • تقرير: تراجع أسعار الذهب عالميا بسبب انحسار المخاطر الجيوسياسية وتحسن بيانات الاقتصاد الأمريكي