صحيفة التغيير السودانية:
2025-05-21@02:45:18 GMT

زمن الخداع والحرب السائلة

تاريخ النشر: 10th, February 2025 GMT

زمن الخداع والحرب السائلة

 

زمن الخداع والحرب السائلة
وجدي كامل

تتجمع كتائب الكيزان الآن في الخرطوم، وتهتف: “إسلامية بس”، ردًا على خطاب البرهان المثير للجدل، المدعوم إقليميًا للإيهام بتغيير الحاضنة السياسية، في تناقض يراد اعلانه على الملأ بين الأجندة والمصالح مع حزب المؤتمر الوطني.

لم يعد الأمر مجرد تكهّن بانتقال الحرب إلى مرحلة جديدة؛ فالأيام المقبلة ستكشف عن خفايا الصراع مع التنظيم الحزبي الذي غزل شباك الحرب وصنع ظروفها المواتية، وكان يعدّ العدّة للعودة إلى الحكم.

فالخطاب في جوهره محاولة لإعادة ترتيب معادلة الحرب بطريقة لا تصب في مصلحة المؤتمر الوطني في الظاهر، وما تؤيده البيانات المتطايرة والتصريحات المنددة الصادرة عن الحزب وسط صراع أجنحته الضاري، الذي بات معلومًا للقاصي والداني.

لم يصعد عبد الفتاح البرهان إلى منصة المخاطبة أمام من سمّوا أنفسهم “كتلة التغيير الديمقراطي” من تلقاء نفسه أو بوحي نزل عليه من السماء. فالرجل، الذي قال ذات يوم إنه يحفر بالإبرة، قد حفر هذه المرة حتى أخرج ثعبانًا جديدًا وألقاه على ثوب حلفائه من المهووسين. إنه رجل يعتقد في تفوق قدراته على خداع الحلفاء والخصوم معًا، خدمةً لغرض لم يعد خافيًا.

البرهان، الذي يتوق إلى حكم أحادي مطلق لرغبة في نفسه وليس تحقيقا لحلم ابيه، لا يختلف عن سلفه المخلوع، إذ يرى في اعتلاء السلطة مهربًا مثاليًا من المساءلة، وغسلًا لجرائم يصعب حصرها، ارتكبها منذ بداية حياته العسكرية، وبلغت ذروتها بتورطه في الإعداد المشترك وإشعال هذه الحرب الكارثية.

منذ توليه رئاسة مجلس السيادة، لم يكن “الضابط العظيم” يفكر أو يخطط لنفسه، بل يترك ذلك للآخرين ليرسموا له المسار، ثم ينتظر التوجيهات ويلقيها لاحقًا أمام تجمع للجنود أو العسكريين، غالبًا عبر مناسبات تُصنع وتُنظم بعناية. هذه المرة، أعاد لعبة التحذير للمؤتمر الوطني من مغبة التلاعب بالحرب واتخاذها وسيلة للعودة إلى الحكم.

لكن فساد فكرة التحذير ذاته لن يمكنه من مدّ رجليه لفترة طويلة، إذ إن الدافع وراء إطلاقه إعلاميًا غالبًا ما يكون بإيعاز من حليف إقليمي، مدفوع بحسابات دولية استراتيجية تتصل بنوايا وتكتيكات الرئيس الامريكي دونالد ترامب، الذي يُتوقّع تصعيده ضد جماعات التطرف الديني، خاصة بعد أن وجّه قبل أيام ضربة موجعة لتجمعاتهم في الصومال. لقد لوّح “حاكم الامر الواقع” في خطابه بتحذيرات موجّهة إلى الجماعة، كما أطلق وعودًا يعتقد أن بعض القوى المدنية الديمقراطية “الحقيقية” ستتلقفها، في انتظار إعلان لـ”توبتها”. لكنه، في الواقع، لا يفعل شيئًا سوى تكرار نهج سلفه وأستاذه الحاكم السابق في التضليل، متوهّمًا أن بقاءه في السلطة أمر حتمي وأبدي، غير مدرك أن جرائمه المتقاسمة بينه وبين غريمه محمد حمدان دقلو في الفتك والتنكيل بالسودانيين لن تُنسى بمرور الزمن، ولن تُمحى من ذاكرة التاريخ أو وجدان الشعب.

أسئلة حتمية وصراع مفتوح : تفرض الأسئلة نفسها في هذا السياق:
– هل المؤتمر الوطني، كتنظيم سياسي، يمثل الخريطة الكاملة للضالعين في الحرب من الكتائب، والوحدات الخاصة، والاستخبارات، والجماعات المسلحة ذات الشعارات والعقيدة القتالية الإسلاموية؟
– هل يمكن اعتبار الجيش كيانًا موحدًا دون المؤتمر الوطني؟
– ما هي الإجراءات التي ينبغي على البرهان اتخاذها؟ هل سيجرؤ على التسريح من الخدمة لاعضاء التنظيم، والاعتقال، وإعادة محاكمة الرموز الهاربة من السجون، واستعادة الأموال المنهوبة، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم؟

الإجابة على كل ذلك تبدو واضحة وضوح الشمس، إذ امتلأت التجارب والتاريخ بالحكم التي تقول إحداها: **”اللصوص لا تحاكم اللصوص، بل تتواطأ معها.” أو “لا تنتظر العدل من قاضٍ يخشى أن يُحاكم غدًا.”

ما يُنتظر من البرهان أبعد من ذلك بكثير، وأهمه محاكمة من ارتكبوا المجازر وقتلوا خارج إطار القانون، وتطهير الجيش من مظاهر التوحش، الذي كان (رحمًا) للدعم السريع. لكن الخشية الحقيقية تتجلى في قول الفيلسوف الفرنسي والمفكر شارل لوي دي سكوندا بارون دي مونتسكيو: “عندما تتركز السلطة المطلقة في يد شخص فاسد، يصبح القانون مجرد أداة لخدمة مصالحه.” وما أدقها كذلك من مقولة لاريك ارثر بلير الكاتب البريطاني الذي اشتهر بجورج أورويل صاحب رواية ١٩٨٤ عندما قال: “في زمن الخداع، يكون قول الحقيقة عملًا ثوريًا.”

إن ما نشهده اليوم ليس مجرد صراع سياسي، بل هو معركة وجودية تحدد مصير السودان، حيث يشتد الخداع، وتتبدل الأقنعة، بينما تبقى الحقيقة ثابتة تؤكد ان لا يمكن لمن صنع الأزمة أن يكون جزءًا من حلها. وانه لا بد من عودة الحكم المدني الديمقراطي، ولو طال النزوح والتشريد والقتل الممنهج. الطغاة مثل البرهان دائما ما يخطئون في تعريف الحقيقة، محاولين تطويعها لخدمة سلطتهم. لكن وكما قال بابلو نيرودا: “الحقيقة أعلى من القمر”—بعيدة، سامية، ولا يمكن احتكارها، وكما قال بابلو نيرودا: “الحقيقة أعلى من القمر”—بعيدة، سامية، عصية على الاحتكار، ولا يمكن طمس إشعاعها المتوهج.

الوسومالتطرف الديني الخداع القوى المدنية مجلس السيادة وجدي كامل

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: التطرف الديني الخداع القوى المدنية مجلس السيادة

إقرأ أيضاً:

سنار.. المقاومة الشعبية ستظل تواصل برنامجها الإعدادي للمستنفرين في حالة السلم والحرب

جدد والي سنار اللواء ركن معاش الزبير حسن السيد إلتزام حكومته بتعزيز وتثبيت ركائز الأمن بالولاية . جاء ذلك خلال زيارته التفقدية لمنطقة ودالنيل التابعة لمحلية أبو حجار .وخلال مخاطبته اللقاء الجماهيري دعا الوالي المواطنين إلى المساعدة في تعزيز الاستقرار والاهتمام بالأمن مشيرا إلى أن الأمن مسؤولية مشتركة بين الجميع.ودعا الوالي إلى إعلاء قيم التعايش ونبذ القبلية والعمل على رتق النسيج الاجتماعي.وحول ملف الموسم الزراعي قال والي سنار أن حكومته تعمل بكل جهد لإنجاح وتأمين الموسم الزراعي الحالي 2025فيما أعلن قائد الفرقة 17 مشاة سنجة اللواء عمر محمد الحسن خلال مخاطبته اللقاء الجماهيري خلو الولاية من التمرد وأن القوات المسلحة لا تألوا جهدا في تأمين الولاية وأنها جاهزة للتعامل مع كل طارئ داعيا المواطنين إلى التبليغ الفوري عن أي نشاط يزعزع الاستقرار.إلى ذلك قال وزير الإنتاج والموارد الاقتصادية المكلف ولاية سنار الهادي الصادق أن وزارته أكملت الترتيبات للدخول في الموسم الزراعي وان المطلوبات من تقاوي وجازولين شارفت الاكتمال بينما تجري ترتيبات التمويل مع البنك الزراعي والبنوك الأخرى بالولاية .من جانبه قال رئيس المقاومة الشعبية بالولاية اللواء معاش النور عمر عبدالرحمن إن المقاومة الشعبية ستظل تواصل برنامجها الإعدادي للمستنفرين في حالة السلم والحرب وستكون لها تدخلات واسعة في محور الإسناد المدني.فيما طالب ناظر قبيلة رفاعة العميد معاش طيار يوسف أبو روف حكومة الولاية بتوفير الخدمات للمنطقة وعدد الناظر وقفة أبناء المنطقة مع القوات المسلحة وتقدمهم في جبهات القتال دفاعا عن الوطن .هذا وقد تفقدت الزيارة مرافق صحية وخدمية وتعليمية وأمنية بمحلية ابوحجاز.سونا إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • ختام أكبر مؤتمر مدني سوداني بالقاهرة منذ اندلاع الحرب
  • واشنطن: نريد نجاح الحكومة السورية لأن البديل الفوضى والحرب الأهلية
  • رئيس الوزراء السوداني الجديد في مهمة صعبة.. كيف يواجه أصدقاء البرهان؟
  • متحدث باسم نتنياهو: هذا ما قدمناه لحماس والحرب وسيلة فقط
  • المؤتمر الوطني يعلق على تعيين كامل إدريس رئيسًا للوزراء
  • البرهان يعيّن كامل إدريس رئيسًا للحكومة وسط استمرار الحرب في السودان
  • وزير الحرس الوطني يرعى حفل تخريج الدفعة السادسة من برنامج القيادة والأركان والدفعة الأولى من برنامج الدراسات العسكرية المتقدمة ويدشّن برنامج الحرب
  • سنار.. المقاومة الشعبية ستظل تواصل برنامجها الإعدادي للمستنفرين في حالة السلم والحرب
  • كيفية إنقاذ البرهان من قبضة الكيزان
  • غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء