الشعارات تتحول إلى عبء.. تاجر صنعاء تحت سوط التحريض الحوثي
تاريخ النشر: 15th, October 2025 GMT
لم يكن يدري أحد تجار صنعاء أن لحظة فرحه البسيطة بإمكانية فتح متجره يوم الجمعة، بعد توقف المسيرات الأسبوعية التي كانت تدعو لها ميليشيا الحوثي، ستتحول إلى حملة تحريض شرسة ضده، تتهمه بالعمالة والصهيونية وتدعو إلى مقاطعة منتجاته.
الحادثة التي بدأت بتعبير إنساني عفوي تحولت إلى مرآة كاشفة لحالة الاحتقان الاجتماعي ومناخ القمع الفكري الذي يطوق حياة الناس اليومية في مناطق سيطرة الجماعة.
وعبّر التاجر علي جارالله عن فرحته بإعلان وقف الحرب في غزة، معتبرًا أن هذا الحدث لا يعني فقط انتهاء معاناة الشعب الفلسطيني، بل أيضًا نهاية لمعاناة شخصية عاشها لأشهر بسبب الإغلاقات القسرية لمحله التجاري خلال الوقفات التي كانت تقيمها ميليشيات الحوثي في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء.
وقال جارالله في منشور على صفحته بموقع "فيسبوك": "قد أكون أكثر شخص شعر بالفرح بعد سماع خبر إيقاف الحرب في غزة، ليس فقط لإنها معاناة الشعب الفلسطيني الشقيق، ولكن لإنها معاناتي الأسبوعية منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى اليوم."
وأوضح أنه خلال 104 أيام (ما يقارب 3 أشهر ونصف) كان يُجبر على إغلاق محله التجاري كل يوم جمعة بسبب الوقفات الحوثية التي تُنظم فيما يسمى "الوقفة المناصرة لغزة"، وهو اليوم الذي يُعد عادة من أكثر أيام الأسبوع نشاطًا تجاريًا. وأشار إلى أن بعض المشاركين في تلك الوقفات كانوا يغلقون أبواب المحلات بالقوة دون مراعاة لأصحابها أو التفاهم معهم، رغم وجود مواقف واسعة قريبة من الموقع، مما تسبب بخسائر كبيرة للتجار وأضر بأرزاقهم.
وأضاف جارالله في منشوره: "140 يومًا من الإغلاق فقط بسبب غزة، وباقي الأيام بسبب فعاليات أخرى مثل المولد و21 سبتمبر و26 سبتمبر، خسرنا كثيرًا وتعبنا وما شفنا أي إعفاء أو حتى كلمة طيبة من أي جهة حكومية."
وتابع بنبرة عتب قائلاً: "مؤلم أن نجد أنفسنا وحدنا في الميدان، ندفع الثمن مرتين… مرة بالإغلاق ومرة بالمطالبة دون أي مراعاة للظروف." واختتم منشوره بالدعاء قائلاً: "اللهم اجعل نهاية الحرب في غزة بداية لسلام شامل. قضية فلسطين هي قضية الأمة كلها، وليست حكرًا على جماعة أو فصيل."
وتأتي الحادثة لتُبرز ثمنًا إنسانيًا وماديًا يدفعه المواطنون العاديون حين يتحوّل الإيمان العام أو الشعارات السياسية إلى آلية قمعية تفرض على الناس نمطًا واحدًا من السلوك، وتضيف صعوبات إضافية إلى معيشة تتآكل بفعل انقطاع الرواتب وغلاء المعيشة والحصار.
أثارت حملة إلكترونية واسع شنّها ناشطين محسوبين على ميليشيا الحوثي ضد التاجر حالة استنكار واسعة لدى ناشطين حقوقيين، حيث استنكرت أبنة قيادي حوثي تعرض للتصفية في صنعاء، الناشطة سكينة حسن زيد، الحملة في منشور على فيسبوك، ووصفت ما جرى بأنه تعسف لا مبرر له، مؤكدة أن التاجر "لم يرتكب أي جرم أو إساءة سياسية"، بل اكتفى بالتعبير عن فرحته بإمكانية فتح متجره يوم الجمعة.
وكتبت زيد: "فقط! لا غلط على أحد، ولا كتب في السياسة! كأنه طعنهم!"، متسائلة بمرارة عن مقدار الجهل والتعصب لدى من شنّوا الحملة. وأضافت الناشطة أن اتهام التاجر بالعمالة أو التطبيع أو الصهيونية "سلوكٌ يفضح توجهًا مخيفًا للقمع والاستبداد بالرأي"، مشيرة إلى أن ما يريده المواطن العادي هو القدرة على كسب رزقه وفتح محله دون أن يتحوّل إلى لعبةٍ سياسية تُستغل ضده.
وختمت منشورها بنداء إنساني: "اخرجوا من قوقعتكم... دعوا الناس يعيشون"، معبرة عن ألمها من تحويل خصومة الرأي إلى محنة أخلاقية ودينية على العراقيب الصغيرة لحياة الناس.
ومنذ اندلاع حرب غزة أواخر العام 2023 فرضت ميليشيا الحوثي مسيرات أسبوعية في صنعاء، وتجبر الميليشيات المحلات التجارية على الإغلاق ناهيك عن تعطيل الحركة بشكل كلي يوم الجمعة تحت مبرر التضامن غزة أو شعارات أخرى طائفية. هذه التجمعات الإجبارية زادت من العبء على أصحاب المحلات والعمال اليوميين.
وتعكس هذه الشهادة جانبًا من المعاناة الاقتصادية الصامتة التي يعيشها مئات التجار في صنعاء، نتيجة الإجراءات القسرية والأنشطة التي تُفرض عليهم دون تعويض أو دعم من السلطات القائمة. ويشير مراقبون إلى أن استغلال القضايا القومية لتقييد حياة الناس اليومية وتحويلها إلى مصدر خسارة ومعاناة يعكس تناقضًا بين الشعارات المرفوعة والواقع المعيشي القاسي الذي يعيشه المواطنون.
وأفاد عدد من التجار وأصحاب محلات في أحياء متفرقة من صنعاء بأن موجات المقاطعة والتحريض الإلكتروني قد تتسبب بخسائر فادحة تضاف إلى أعباءهم، خصوصًا في ظل توقف الرواتب وتقلب الأسواق. كما لفت بعضهم إلى أن التحريض الاجتماعي يفضي إلى عزل اجتماعي للأسرة كلها، وقد يؤدي إلى مضايقات أمنية أو اجتماعية لا حدّ لها.
ودعا ناشطون حقوقيون ومدنيون إلى كسر دائرة التحريض والكراهية عبر حماية الفضاء المدني وحرية التعبير، معتبرين أن المزايدة على مشاعر التضامن لا تُبرّر تجريد الناس من حقهم في الحياة اليومية والرزق. وطالبوا بوقف التعرض للأفراد بسبب مواقفهم البسيطة، ومراعاة الكرامة الإنسانية في الخطاب العام.
المصدر: نيوزيمن
كلمات دلالية: إلى أن
إقرأ أيضاً:
قمة شرم الشيخ للسلام تُعيد مصر إلى واجهة العالم.. مدينة السلام تتحول لعاصمة الدبلوماسية والسياحة الدولية
عادت مدينة شرم الشيخ لتتربع على عرش الاهتمام الدولي مجددًا، بعد أن تحولت خلال الأيام الماضية إلى مركزٍ للدبلوماسية العالمية، حين استضافت قمة السلام حول غزة، التي جمعت قادة من الولايات المتحدة ومصر وقطر وتركيا، وانتهت بتوقيع اتفاق تاريخي لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس.
لكن القمة لم تكن حدثًا سياسيًا فحسب، بل مثّلت نقطة تحول سياحية واقتصادية لمصر بأكملها، ورسالة قوية للعالم بأن مدينة السلام ما زالت قادرة على الجمع بين الأمن والجمال والسلام في لوحة واحدة.
فبينما كانت أنظار العالم تتجه إلى قاعة القمة، كانت شواطئ المدينة تستقبل آلاف السائحين، والفنادق تسجل نسب إشغال مرتفعة لم تشهدها منذ سنوات، لتعود شرم الشيخ من جديد وجهةً عالميةً للسياحة والمؤتمرات والدبلوماسية.
الاستقرار الأمني.. كلمة السر في النهضة السياحيةأكد عدد من ممثلي القطاع السياحي أن استضافة مصر لقمة شرم الشيخ للسلام تمثل نقلة نوعية في ترسيخ مكانة البلاد على خريطة السياحة العالمية.
وأشاروا إلى أن القمة أعادت للمدينة بريقها كإحدى أهم وجهات الشرق الأوسط، بعدما غدت خلال أيام قليلة قبلةً للزعماء والساسة والإعلاميين والسائحين على حد سواء.
ومع نجاح القمة في جذب هذا الاهتمام الدولي الواسع، توقع الخبراء أن تشهد المدينة طفرة غير مسبوقة في معدلات السياحة خلال الأشهر المقبلة، خاصةً مع تزامن الحدث مع اقتراب افتتاح المتحف المصري الكبير مطلع الشهر المقبل، ما يمنح مصر فرصة ذهبية لدمج السياحة الثقافية والشاطئية وسياحة المؤتمرات في آنٍ واحد.
الاستقرار.. كلمة السر في النجاحالاستقرار الذي تنعم به مصر اليوم كان العامل الحاسم وراء نجاح استضافة هذا الحدث العالمي، بحسب ما أكده عدد من الخبراء.
فقد سجلت المدينة نسب إشغال مرتفعة قبل انطلاق القمة، وسط توقعات باستمرار هذا الزخم حتى نهاية العام، وهو ما يعكس ثقة السائحين في البيئة الآمنة والمستقرة التي توفرها الدولة.
ويرى المتابعون أن القمة جاءت إعلانًا غير مباشر للعالم بأن مصر قادرة على تنظيم المؤتمرات الكبرى في أجواء من الاحتراف والأمن والانفتاح، ما يعزز ثقة المستثمرين وشركات السياحة الدولية في المقصد المصري.
الصحافة العالمية: شرم الشيخ تجمع بين البحر والدبلوماسيةوسائل الإعلام العالمية لم تُفوّت الفرصة لتسليط الضوء على الحدث؛ فقد كتبت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أن مدينة شرم الشيخ أصبحت مركزًا للدبلوماسية الإقليمية والعالمية، تجمع بين الهدوء السياحي وروح السياسة، حيث يقضي القادة أوقاتهم في مؤتمرات السلام، بينما يستمتع السائحون على شواطئها الذهبية.
وفي بريطانيا، نشرت الصحف تقارير تصف شرم الشيخ بأنها ما زالت تحتفظ بلقبها "مدينة السلام"، بفضل مزيجها الفريد من الجمال الطبيعي والتاريخ السياسي، إذ تطل على مياه البحر الأحمر الفيروزية وتحيط بها جبال ذهبية خلابة، لتجذب نحو 10 ملايين سائح سنويًا من أوروبا وروسيا ودول أخرى.
ورأت التقارير البريطانية أن مشهد المصطافين وهم يستمتعون بالشمس على بُعد خطوات من قاعة تُناقش مستقبل غزة يعكس روح المدينة التي تجمع بين الترفيه والسلام، مؤكدةً أن شرم الشيخ أصبحت منصة عالمية تجمع بين الدبلوماسية والسياحة في آنٍ واحد.
القمة.. نقطة تحول في الشرق الأوسطالقمة التي احتضنتها شرم الشيخ لم تكن مجرد لقاء سياسي عابر، بل كانت نقطة تحول في مسار الشرق الأوسط، إذ فتحت الباب أمام مرحلة جديدة من التفاهم بين الأطراف الإقليمية، وأعادت الأمل بإمكانية تحقيق سلام دائم.
وفي الوقت ذاته، كان هذا الحدث دفعة قوية لصورة مصر في الخارج، حيث ظهر التنظيم الراقي والتأمين المحكم والتجهيزات السياحية الفاخرة بصورة أبهرت العالم، لتؤكد أن مصر تمتلك بنية تحتية قادرة على استضافة المؤتمرات الكبرى بأعلى المعايير.
عاطف بكر عجلان: القمة حملة ترويجية مجانية لمصرقال الخبير السياحي عاطف بكر عجلان إن قمة شرم الشيخ للسلام تمثل حدثًا تاريخيًا واستثنائيًا بكل المقاييس، ليس فقط من الناحية السياسية، بل أيضًا من حيث انعكاسها المباشر على القطاع السياحي المصري، مؤكدًا أن استضافة هذا العدد الكبير من قادة وزعماء العالم في مدينة السلام تُعد أقوى حملة ترويجية مجانية لمصر أمام أنظار العالم.
وأوضح عجلان أن ظهور شرم الشيخ بهذه الصورة المبهرة في وسائل الإعلام العالمية، بما شهدته من تنظيم رفيع وتأمين متكامل وبنية تحتية سياحية عالمية، سيُعيد رسم خريطة السياحة العالمية باتجاه المقصد المصري، مشيرًا إلى أن الحدث يعزز ثقة الأسواق الدولية في قدرة مصر على استضافة الأحداث الكبرى في أجواء من الأمن والاستقرار.
السياحة السياسية والمؤتمرات.. رافد اقتصادي قويوأضاف عجلان أن القمة أعادت للأذهان الصورة المضيئة لمصر كبلدٍ آمنٍ ومضياف، يرحب بجميع شعوب العالم بالحب والسلام، لافتًا إلى أن هذا النوع من الفعاليات الضخمة ينعش السياحة السياسية وسياحة المؤتمرات، وهي من أكثر أنواع السياحة عائدًا على الاقتصاد القومي، نظرًا لما توفره من فرص تشغيل مباشرة وغير مباشرة، وحركة نشطة للفنادق والمطاعم ووسائل النقل والأنشطة الترفيهية.
توقيت استراتيجي واستثمار إعلامي ذكيوأشار عجلان إلى أن استضافة القمة جاءت في توقيت بالغ الأهمية، يتزامن مع استعداد مصر لافتتاح المتحف المصري الكبير، مما يُعزز فرص الجمع بين السياحة الثقافية والشاطئية وسياحة المؤتمرات، ويجعل مصر وجهة متكاملة تنافس بقوة في السوق العالمي.
كما دعا إلى ضرورة استثمار الزخم الإعلامي الضخم المصاحب للقمة، عبر حملات ترويجية موجهة للأسواق الأوروبية والآسيوية والعربية تُبرز مشاهد القمة والتنظيم الراقي لشرم الشيخ، مؤكدًا أن هذه الفرصة لا يجب أن تمر دون تحويلها إلى مكاسب ملموسة على أرض الواقع.
مدينة السلام.. منارة للأمن والجمالواختتم عجلان تصريحه بالتأكيد على أن قمة شرم الشيخ للسلام ستظل علامة فارقة في تاريخ السياحة المصرية، إذ أكدت للعالم أن مصر ليست فقط مهد الحضارة والتاريخ، بل أيضًا منارة للسلام ومقصد للسائحين الباحثين عن الأمان والجمال والروح الإنسانية.
شرم الشيخ.. من الماضي إلى المستقبلمن قاعة السلام في التسعينيات إلى قمة غزة في 2025، تثبت شرم الشيخ أن التاريخ يعيد نفسه، ولكن في كل مرة بوجه أكثر إشراقًا.
لقد جمعت المدينة بين البحر والصحراء، بين القادة والسائحين، بين السياسة والجمال.
وها هي اليوم تُجدد وعدها للعالم بأن مصر ستبقى أرض السلام والأمان، وأن شرم الشيخ ستظل القلب النابض الذي يجمع شعوب الأرض على كلمةٍ واحدة: الحياة تستحق أن تُعاش بسلام.