لجريدة عمان:
2025-10-15@03:48:29 GMT

الألوسي الذي أحب العمانيين والعمارة العمانية

تاريخ النشر: 17th, February 2025 GMT

تساءلت مرات ومرات عن روعة التصميم المعماري للمركز الثقافـي بصلالة (مبنى المديرية العامة للتراث والسياحة حاليًا)، الذي لا أدري بالضبط متى زرته لأول مرة لكنه يبدو فـي منتصف التسعينيات من القرن الماضي، إذ سمعت عن المكتبة العامة هناك، وذهبتُ لأستطلع المكان، مكثت فـي المكان ساعات طويلة حيث توجد المكتبة العامة، وصالة عرض للآثار والمقتنيات.

شدني المبنى وبوابته التي تشبه نصب الشهيد فـي العراق الذي صممه الرسام العراقي إسماعيل فتاح الترك (1934-2004) عام 1983. دارت الأيام ولم أعرف أن مصمم المركز الثقافـي كان عراقيا أيضا، اسمه معاذ الألوسي (86 عاما) وكان هو الآخر معماريا وفنانا تشكيليا صمم المركز الثقافـي عام 1982، الذي يُعد أهم معلم عمراني حديث فـي ظفار، إذ يقع فـي قلب مدينة صلالة وعلى الشارع العام، وارتبط فـي الذاكرة بأهم الفعاليات الثقافـية والفكرية والفنية فـي المحافظة واستضافة أهم رموز الثقافة العربية كالشاعر نزار قباني (1932-1998)، والرحالة العالميين أمثال الرحال ويلفرد ثيسجر (1910- 2003)، ناهيك عن مسرحه المجهز إذ لا يزال مسرح أوبار أفضل مسرح مُجهّز فـي ظفار.

ذات مرة تابعت حوارا مع الألوسي فـي إحدى الفضائيات العربية، وتحدث عن تصاميمه المعمارية فـي سلطنة عمان منها البنك العربي فـي مسقط، والبنك المركزي فـي مدينة صلالة، وسفارة دولة الإمارات العربية المتحدة فـي مسقط، والسفارة القطرية فـي مسقط، وفندق مطرح، والعديد من المباني فـي العالم منها مشروع القصر الرئاسي فـي برازفـيل فـي الكونغو، ومبنى خدمات مرسيدس بنز فـي أرمينيا، ومبنى جريدة القبس فـي الكويت.

بعد المقابلة توصلت إلى الإجابة التي استعصت عليّ طويلًا، إذ تعرفت على أعمال معاذ الألوسي الذي لم يكن مهندسًا أو معماريًا بل كان صاحب مشروع ثقافـي ورؤية فنية لأنسنة المدن، ويتضح ذلك فـي كتابه «نوستوس: حكاية فـي شارع بغداد» الصادر عام 2012، عن دار رمال، فـي الكتاب المكتوب بلغة فنية وأدبية جميلة، تتكشف شخصية المثقف والفنان الذي قاده شغفه وعمله وعلمه إلى مدن عدة، بدءا من أنقرة حيث درس الهندسة المعمارية على يد أساتذة وخبراء فـي الهندسة والفنون منهم المعماري التركي عبدالله كوران أستاذه فـي تاريخ الفن والعمارة، يقول عنه الألوسي: «المعلم الذي له أكبر الأفضال، وله بصمة فـي تعليمي هو الأستاذ عبدالله كوران، علمنا هذا المربي الكبير كيف نميز ونفهم ونحلل ونقارن العمل الجيد فـي الفن والعمارة، كيف ننظر إلى التراث، وإلى أنفسنا.. ترك عبدالله بك (كان يصر على هذه التسمية) عدة كتب فـي العمارة الإسلامية والعثمانية والسلجوقية، وترك مُريدين. إنني مدين له مدى الحياة».

هذا الوفاء والنبل ينضحان من شخصية الفنان الألوسي الذي يذكر فـي كتابه أيضا تقديره للعمانيين يقول: «فـي الخليج يجب أن يكفلنا متنفذ محلي. الكافل فـي عُمان كان الحاج النبيل علي السلطان [علي سلطان]، مثال الرقي والأصالة فـي السلوك، لم أجد لضيافته مثيلا لها فـي الخليج. والحال لابد من ذكر بعض مواقف الحاج علي: فعند العمل على إنشاء فندق مطرح الجديد الذي تملكه العائلة دعاني للعشاء فـي بيته اعتذر مرارا وتكرارا لاضطرارنا للعشاء فـي الفندق بعد البيت. لوجود الأهل جميعا خارج سلطنة عمان، لم أفهم سبب الاعتذار فأعلمني بأن تناول الطعام خارج البيت غير مضياف. لذلك دعاني إلى البيت أولا ثم الفندق. خلال ترددي على الخليج فـي الأربعين سنة الماضية لم أُدع إلى بيت خليجي إلا مرة أو مرتين فـي الكويت والبحرين فقط».

يركز الألوسي فـي كتابه عن الاستثناء المعماري فـي المنطقة: «مدن الخليج يُستثنى منها عُمان، ولحدٍ ما البحرين، وجزء من الشندغة والبستكنة، لها نمو غير عادي».

نأمل أن تُتاح الفرصة للكاتب والمهندس والفنان معاذ الألوسي لزيارة مسقط، وتكريمه فـي إحدى المناسبات الخاصة بالعمارة فـي سلطنة عمان، التي ترك فـيها بصمة ثقافـية وفنية لا تزال ماثلة للعيان.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

ابدأ مشروعك في مسقط رأسك

 

 

هلال بن سعيد اليحيائي **

abuosama2020@hotmail.com

 

نحن اليوم في القرن الحادي والعشرين، نعيش في زمن أصبحت فيه شركة علي بابا، التي أسّسها جاك ما، تُعد بحقّ من عجائب الدنيا الثمانية- إن صحّ التشبيه- في عالم شركات التكنولوجيا الحديثة، فقد أصبحت إحدى أكبر الشركات العالمية في مجالات التجارة الإلكترونية، والخدمات السحابية، والمصرفية، واللوجستيات، تنافس بذلك عمالقة التقنية مثل: أمازون، وآبل، ومايكروسوفت، وجوجل.

وعلى الرغم من أنّ تأسيسها حديث نسبيًا؛ إذ انطلقت في عام 1999، فإنَّ ما يميزها حقًا هو خدمتها للبشرية من خلال إحداث تحول جذري في ثقافة المجتمعات التقليدية، ونقلها إلى مرحلة التحوّل الرقمي الشامل. وما وصلت إليه الصين اليوم من أن تشكل نصف التجارة الرقمية في العالم يُعَدّ بحق مُعجزة القرن الحديث فقد حققت شركة علي بابا إيرادات سنوية تقارب 140 مليار دولار وفقًا لآخر الإحصاءات لعام 2023م، وتوظف ما يزيد على 200 ألف موظف بشكل مباشر، فضلًا عن توفيرها أكثر من 7 ملايين فرصة عمل غير مباشرة حول العالم. لقد كان لعلي بابا الريادة الرقمية في الصين من خلال إطلاق ثورة تقنية مكّنت الأفراد والشركات من إنشاء منصات إلكترونية في مجالات التجارة، والتمويل، والخدمات اللوجستية، وأسهمت في تغيير ثقافة العمل التقليدية، مع ابتكار منتجات وخدمات رقمية تتوافق مع احتياجات ورغبات المستهلكين في العصر الحديث.

ويُعد كتاب "الطريق إلى علي بابا"، لمؤلفه الأمريكي ذي الأصول الصينية بريان أ. وونغ، أحد أعضاء الفريق المُؤسِّس لشركة علي بابا، من الكتب الشيقة والمُلهمة التي تروي قصة نجاح استثنائية يروي المؤلف في هذا الكتاب كيف تمكَّن جاك ما، وهو معلم لغة إنجليزية لا علاقة له بالتكنولوجيا، من تأسيس موقع إلكتروني بالتعاون مع 7 من زملائه داخل شقة صغيرة في مدينة هانغتشو الصينية. كانت الفكرة الأساسية من المشروع تسهيل التواصل بين المنتجين الصينيين والمشترين حول العالم وبفضل روح المبادرة والتعاون والإصرار بين المؤسسين، نمت الشركة بسرعة مذهلة وحققت إنجازات متتالية.

وقد نسأل أنفسنا: لماذا هذا المقال عن شركة علي بابا؟ وما المغزى من هذه القصة، في حين توجد عشرات، بل مئات، الشركات الناشئة الأحادية القرن التي حققت نجاحات عالمية تستحق الحديث والإشارة إليها في مقالات أخرى؟

إنَّ واقع الأمر هو أن جاك ما، مؤسس موقع علي بابا، وفريقه قد أدهشوا العالم بكيفية تحقيق الشركة نموًا سريعًا في أعمالها وابتكاراتها وأنشطتها، وذلك بفضل الرؤية والفلسفة "الطاويَّة" المستمدة من الثقافة الصينية التي تدعو إلى الاحترام والتعاون والإيثار. وقد كان أثر هذه الفلسفة واضحًا في شخصية جاك ما وفي الثقافة المؤسسية التي أسسها، وهي فلسفة ما تزال تشكل الركيزة التي تقوم عليها كثير من الشركات الصينية حتى اليوم تقوم هذه الفلسفة على التأمل في الحياة، والبحث عن احتياجات النَّاس، والنظر إليها باعتبارها فرصًا حقيقية ينبغي التفكير في كيفية إيجاد حلول مبتكرة لها من خلال منتجاتٍ جديدة تُلبي تلك الاحتياجات.

وهنا تظهر حكمة المفكر والمهندس ريتشارد فولر في كتابه "المسار الحرج" الذي صدر عام 1981، والذي تنبأ بقدرة التكنولوجيا على إزالة الحواجز والحدود بين البشر وتقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء. وهذا ما كان واضحًا من خلال مبادرات علي بابا الرقمية فإن أغلب الثروة يذهب إلى المزارعين والنساء وأصحاب المهن البسيطة، الذين وجدوا من يدعمهم ويأخذ بأيديهم، ويوفر لهم المشترين في الخارج بعيدًا عن الوسطاء التقليديين الذين يأخذون النسبة الأعلى من الصفقات، إضافةً إلى كل الدعم المالي واللوجستي تأتي منصة التمويل الإلكتروني "أنت المالية" ضمن مشاريع علي بابا المبتكرة، التي قامت منذ تأسيسها عام 2014 بتمويل 40 مليون مشروع تجاري بقروض متناهية الصغر، من خلال برنامج تمويل القروض يُعرف بـ0-1-3؛ حيث يرمز الرقم 0 إلى عدم تدخل البشر في دراسة الطلب، إذ يعتمد النظام على الخوارزميات وتحليل البيانات الخاصة بصاحب القرض، بينما يرمز الرقم 1 إلى ثانية واحدة فقط للموافقة على القرض، و3 إلى الدقائق الثلاث حتى يتم تحويل مبلغ القرض إلى الحساب البنكي للمستفيد والمدهش أن أكثر من 80% من أصحاب الطلبات لا يمتلكون حسابات بنكية، ومع ذلك استطاع البرنامج توفير التمويل لهم بشكل آلي وسريع؛ مما يعكس قوة التكنولوجيا في تمكين الأفراد والشركات الصغيرة من الحصول على التمويل بسهولة.

لقد كان لجاك ما، المؤسس، الأثر البالغ- بلا شك- في تغيير حياة الصينيين رقميًا من خلال مبادرته المثمرة، وعطائه لمجتمعه، ورؤيته الواضحة في تقديم المنفعة والخير للبشرية. فقد كان رجلًا كثير التجوال في الداخل والخارج، يسعى إلى تغيير الفكر وغرس المعرفة الرقمية بين الشباب وكان لأكاديمية علي بابا العالمية دور بارز في هذا المجال؛ إذ استطاعت استقطاب رواد الأعمال من مختلف أنحاء العالم، مما كان له أثر بالغ في تغيير مسار حياتهم. فقد أصبح كثير منهم مؤسسين لمنصات رقمية ناجحة حققت إنجازات مذهلة في دول آسيا وإفريقيا، وانتقلوا من مرحلة التعلم إلى مرحلة التعليم؛ حيث باتوا معلمين وملهمين لزملائهم في بلدانهم، وأسهموا في غرس ثقافة الأعمال الرقمية.

أما داخل الصين، فقد أطلقت مجموعة علي بابا مبادرة قرى تاوباو الرقمية، وهي إحدى مبادراتها الرائدة في النهوض بالقرى الفقيرة. ومن القرى التي أرغب في ذكرها للقارئ الكريم قرية شاجي، وهي إحدى قرى محافظة جوننينج تُعد هذه القرية الجبلية الصغيرة ذات كثافة سكانية تقارب 65 ألف نسمة فقط ومساحة جغرافية في حدود 65 كيلومترًا مربعًا، مثالًا حيًا على نجاح المبادرة، إذ استطاعت منصة علي بابا أن تخلق أثرًا بالغًا في اقتصادها المحلي، بعد أن كانت بعيدة عن التنمية والنشاط الاقتصادي فبعد ضمّها إلى منصة قرى تاوباو الرقمية، وصلت عائدات القرية الصغيرة من تجارة التجزئة الرقمية، من خلال 28 ألف منصة إلكترونية، إلى نحو ملياري دولار أمريكي في عام 2024م. والأهم من ذلك أن معظم هذا الدخل يذهب إلى الأسر الفقيرة والنساء وذوي الاحتياجات الخاصة الذين انضموا للعمل عبر المنصات الرقمية كما أصبح دخل الفرد في قرية شاجي أعلى بنسبة 80% من دخل الأفراد العاملين في الأنشطة التقليدية في القرى الأخرى، مما يجعلها نموذجًا مضيئًا لكيف يمكن للتكنولوجيا أن تحول الفقر إلى فرص، وتُعيد تعريف التنمية في المجتمعات الريفية.

إن شعار "اغرس جذورك في مسقط رأسك وابدأ مشروعك هناك"؛ هو الشعار الذي تتبناه منصات قرى تاوباو التابعة لشركة علي بابا، وقد أصبح هذا الشعار مصدر إلهامٍ للعديد من المحافظات في الصين. بل إن التنافس بات قائمًا بينها في تقديم مختلف التسهيلات لاستقطاب رواد الأعمال، من خلال تهيئة بيئات عمل محفزة بأسعار مخفضة للإيجار وبنية تحتية من طرق ومواني حديثة، وتوفير الكهرباء والإنترنت بأسعار مشجعة، إلى جانب تغطية شبكات الجيل الخامس للهواتف الذكية كما تنظم هذه المبادرات دورات مكثفة لتثقيف الناس حول كيفية إنشاء وإدارة المنصات الرقمية. وقد وصل عدد الدروس التدريبية المسجلة التي نفذتها منصات علي بابا إلى أكثر من 3000 درس تدريبي، إضافةً إلى نحو 20000 جلسة مباشرة عبر البث الحي في المناطق النائية والأشد فقرًا ومن عام 2015 إلى عام 2017، تم تدريب مليون مسؤول حكومي في أكثر من 765 مقاطعة صينية، في إطار الجهود الرامية إلى تعزيز التحول الرقمي ونشر ثقافة الابتكار.

إنَّ هذا النجاح الذي حققته منصة علي بابا، والفكر الذي يتبناه القائمون عليها، والمبادرات المجتمعية التي أطلقوها، كلها تدعونا- في حقيقة الأمر- إلى بذل مزيدٍ من الجهود ورفع مستوى الثقافة الرقمية في مجتمعاتنا العربية؛ وذلك من خلال التدريب والممارسة العملية لا مجرد التعلم النظري. كما ينبغي خلق حوافز مشجعة للشباب والأسر العُمانية لرفع الوعي بأهمية التوجه نحو المنصات الرقمية، مع إدخال الابتكار وتسهيل الحصول على القروض لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتشير أبحاث علي بابا إلى أن 50% من مالكي منصات تاوباو في الصين من النساء، في حين لا تتجاوز نسبة رائدات الأعمال في الاقتصاد التقليدي 15% فقط. كما ارتفع عدد الأشخاص من ذوي الإعاقة الذين يديرون أكثر من 174 ألف منصة رقمية- وفق إحصاءات عام 2019- بإجمالي مبيعات سنوية تقارب 3 مليارات دولار أمريكي.

الصين، بعدد سكانها الذي يصل إلى مليار وأربعمائة مليون نسمة، تخطت مرحلة التشكيك والخوف والتحذير من خطورة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي؛ بل على العكس، هم يتقدمون ويتعلمون ويطورون مهاراتهم وقدراتهم، ويتصدرون المشهد العالمي في جميع الاتجاهات بينما في عالمنا العربي نسمع كثيرين يشككون ويحذرون، وينبهون إلى مخاطر التكنولوجيا على البشرية ومن تقليص الوظائف وزيادة الباحثين عن عمل. ويظل عالمنا العربي، الذي يشكل عدد سكانه حوالي 35% من سكان الصين، والناتج المحلي الإجمالي للدول العربية يبلغ نحو 20% من الناتج الإجمالي للصين، أقل تقدمًا في توظيف التقنيات والفرص الرقمية مقارنة بالصين.

** رئيس مركز بهلا الثقافي للعلوم والابتكار

مقالات مشابهة

  • وكيل إمام عاشور يبدأ تسويق اللاعب في الخليج وأوروبا
  • انتهاء حظر صيد أسماك الكنعد في السواحل العمانية
  • توثيق حارة السويق بنزوى ضمن أنشطة الحفاظ المعماري بجامعة التقنية
  • طرق مبتكرة للاحتفال بيوم المرأة العمانية في مكان العمل
  • وفد ماليزي يطلع على التجربة القضائية العمانية
  • أفكار هدايا وتوزيعات ليوم المرأة العمانية
  • عُمان تشارك في اجتماع وزراء العدل بدول الخليج
  • قضايا الأمن الغذائي في الخليج
  • أسواق الخليج تغلق على تراجع وسط مخاوف الحرب التجارية مع الصين
  • ابدأ مشروعك في مسقط رأسك