قمة شرم الشيخ… من تجاهل المأساة إلى تبييض الجريمة
تاريخ النشر: 15th, October 2025 GMT
منذ الأمس وأنا أتذكّر مشهد قمة شرم الشيخ، ولم أستطع فهم واستيعاب ما جرى فيها؛ وربما الحاضرون لا يعلمون سبب مجيئهم، كانت غريبة إلى حدٍّ يصعب تفسيره.
بدت وكأنها مشهد مقتطع من فيلم الزعيم لعادل إمام، حيث تتداخل المجاملات الزائفة مع المواقف الهزلية في إطارٍ يُفترض أنه جاد ورسمي.
الأغرب هو وقوف ترامب بمفرده بينما يتوالى القادة للسلام عليه واحدًا تلو الآخر، مع أنه ضيف مثل سائر الحضور.
في المقابل، بدا المضيف الرسمي في حالة من التواضع المفرط حد الارتباك، تاركاً الحضور الأمريكي ليطغى على المشهد.
ظهر المجرم ترامب يوزّع الابتسامات والمديح على الحاضرين، ويتلوا أسماءهم من ورقة، ويسخر من بعض الزعماء بأسلوب يجمع بين المزاح والتعالي.
أسلوب ترامب الاستعراضي والشخصي كسر القواعد المتعارف عليها، مما أربك الحضور وفرض إسهابه وثرثرته على الحدث.
أما مديحه المتكرر لعائلته ووزرائه في كلماته فيعكس طبيعته التي تميل إلى الاستعراض الذاتي، وكأنه يعيش في حملة انتخابية دائمة حتى وهو في مؤتمرات القمم.
لكن ما هو أخطر من المظهر البروتوكولي هو ما غاب عن القمة من مضمون مهم للغاية.
فقد غاب الحديث الجاد عن إعمار غزة وضرورة التعجيل به، باستثناء كلمات مقتضبة من الرئيس المصري. كما غاب النقاش حول المأساة الإنسانية الكبرى التي عاشها أبناء غزة، وهي مأساة لن تزول آثارها في عشرات السنين.
لم يُطرح أيضًا ملف الأسرى الفلسطينيين المتبقين في سجون العدو، والذين كانوا أحد أبرز أسباب انفجار السابع من أكتوبر، ولم يُناقش موقعهم في أي تسوية قادمة رغم أهميته المحورية.
والأسوأ من ذلك هو عودة الحديث عن اتفاقيات أبراهام، وتنميق تجربة التطبيع والتسويق لها، وكأن ما جرى في غزة لم يكن جريمة إبادة جماعية لم تجف دماء شهدائها ولم ينتشلوهم من تحت الأنقاض.
فإعادة تفعيل تلك الاتفاقيات بعد كل ما حدث لا تعني سوى طمس جرائم العدو الإسرائيلي وشرعنتها، وتبييض الجريمة، وتجميل الفعل الوحشي، وتحويل صفحة الدم إلى وثيقة «سلام»، يكافأ فيها المجرم بدل أن يحاسب.
بهذا الشكل، خرجت القمة – في نظر كثيرين- عن طابعها الرسمي، لتبدو أقرب إلى استعراض سياسي منها إلى لقاء دولي جاد.
غير أن ما وراء هذا المشهد أعمق من مجرد خلل في البروتوكول؛ إنه اختلال ميزان العلاقات الدولية في المنطقة، حيث باتت دول منطقتنا تتعامل مع أمريكا من موقع التبعية لا الندية.
أما الحضور العربي في مثل هذه المحافل فقد تحوّل إلى دور رمزي لا فاعل، بينما تُدار خيوط اللعبة من إسرائيل، في تداخل بين النفوذ السياسي والاستعراض الإعلامي.
وفي النهاية، لم يكن مشهد شرم الشيخ مجرد لقطة عابرة، بل صورة مكثفة لواقع السياسة في عالمٍ يميل فيه الضوء نحو الأقوى لا نحو الأجدر، ويُكرَّم فيه المعتدي بينما يُترك الضحية وحيدًا في العراء.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
موقع كندي: خطة ترامب في غزة “قناع للهيمنة” يتجاهل عقود الإبادة والقهر الفلسطيني
يمانيون |
كشف موقع “غلوبال ريسيرش” الكندي، في تحليل مطوّل، أن الخطة التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن الصهاينة، ليست سوى “صيغة خبيثة” تُعيد إنتاج الرواية الأمريكية-الصهيونية القديمة، متجاهلةً عقوداً من الإبادة والمعاناة التي يعيشها الفلسطينيون تحت الاحتلال.
وأوضح التقرير أن خطة ترامب، التي احتفت بها وسائل الإعلام الغربية بوصفها خطوة “إنسانية”، جاءت في الحقيقة انتقائية ومضللة، إذ تختزل حرب إبادة استمرت عامين إلى “قضية رهائن”، متجاهلة آلاف الشهداء والمفقودين الفلسطينيين الذين دفنوا تحت الأنقاض بفعل آلة الحرب الصهيونية المدعومة أمريكياً.
وأشار الموقع إلى أن تفاصيل الخطة تخفي “ببراعة” استمرار الوجود العسكري الصهيوني داخل غزة، في محاولة لتسويق الوهم بأن ما يجري هو “سلام شامل”، بينما الحقيقة هي تكريس للاحتلال تحت غطاء دبلوماسي.
وأضاف أن ترامب، الذي احتفى بما وصفه بـ”عودة شعبه من اليهود”، تجاهل عمداً عقود الأسر التي عاشها الشعب الفلسطيني، وآلاف المعتقلين القابعين في السجون الصهيونية دون محاكمة، مؤكداً أن الخطة الأمريكية تتعامل مع المأساة الفلسطينية بعين واحدة تُبرّئ الجلاد وتُجرّم الضحية.
وتابع التقرير أن تجاهل حق العودة، الذي يرمز إليه الفلسطينيون بمفاتيح منازلهم منذ نكبة 1948، يكشف الطبيعة “الاستعمارية” للخطة التي تسعى لمحو جوهر القضية الفلسطينية من الوعي العالمي.
وخلص تقرير “غلوبال ريسيرش” إلى أن ما يُسمّى بخطة ترامب ليس مشروع سلام بل “أداة سيطرة”، تهدف إلى تعميق نظام الفصل العنصري وتثبيت الهيمنة الأمريكية في المنطقة، تحت لافتة زائفة من الدبلوماسية وحقوق الإنسان.