الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي..رجل الدولة الذي سبق عصره
تاريخ النشر: 15th, October 2025 GMT
في زمن كانت فيه الأوطان تتأرجح بين قبضة الفوضى وسوط الفساد، بزغ نجم رجل خرج من رحم اليمن لا كحاكم يلهث خلف السلطة بل كمشروع نهضة كحلم تشكل من تراب الوطن وهموم البسطاء. إنه الرئيس الشهيد البطل إبراهيم محمد الحمدي الذي لم يكن مجرد رئيس بل كان وعدًا مؤجلًا بمستقبل كان يمكن أن يكون.
حين تولى إبراهيم الحمدي رئاسة اليمن في العام 1974م، حيث كانت البلاد تنام على بساط من التخلف وتستيقظ على ضجيج القبيلة والسلاح.
حلم بدولة مدنية.. دولة النظام لا الفوضى والمؤسسات لا الأشخاص. ولم يكن حلمه مجرد شعارات تطلق على منابر الخطابة، بل كان رؤية تتجسد على الأرض في الطرقات التي شقها والمدارس التي بناها والعدالة التي حاول أن يرسخها في قلب وطن منهك.
في عهده القصير «أقل من ثلاث سنوات» عرفت اليمن معنى الانضباط وبدأت تتلمس أولى خطوات التنمية. كانت المشاريع التنموية تطلق كأنها زغاريد الأمل وكانت ميزانية الدولة تدار كما تدار بيوت الشرفاء بلا عبث ولا نهب.
أعاد للدولة هيبتها وأراد لليمنيين أن يتساووا في الحقوق والواجبات لا سادة وعبيد ولا مناطق متخيلة تتفاضل على حساب الوطن الكبير.
رفض التدخلات الخارجية وكسر ظهر الفساد وتصدى لزعامات قبلية كانت ترى في الوطن غنيمة لا مسؤولية. فكان لا بد من أن يدفع الثمن.
اغتيال الحلم.
في 11 أكتوبر 1977م لم يغتل رجل فحسب، بل اغتيل مشروع وطن. لم تسكت رصاصات الغدر صوت الحمدي فقط بل أطفأت شمعة أمل كانت تحاول أن تنير لليمنيين طريقًا مختلفًا.
سقط إبراهيم الحمدي شهيدًا، لكن ذكراه ظلت عصية على الموت. فما زال الناس يتهامسون باسمه في المجالس وتغني له القلوب قبل الحناجر، ليس لأنه رئيس مضى، بل لأنه رمز لما يمكن أن يكون.
فلم يترك إبراهيم الحمدي خلفه قصورًا، لكنه ترك قلوبًا تفيض بحبه. لم يورث ثروة، بل ورث فكره والإرث الأعظم للزعماء، ليس الذهب، بل أن يصبحوا مرآة نرى فيها ملامح أحلامنا التي لم تكتمل.
إن التاريخ لا يخلد الأسماء العابرة، بل يرفع من يزرعون في الأرض شيئًا يشبه الخلود وإبراهيم الحمدي كان من أولئك.
ختاما:
قد تغتال الأجساد لكن القيم لا تقتل. وقد يطفأ صوت الحق، لكنه يعود صدى في كل جيل. إبراهيم الحمدي لم يكن رجل سياسة فحسب، بل كان قصيدة وطن لم تكتمل أبياتها وسنظل نبحث عن قافية تليق بمقامه.
رحم الله الرئيس الشهيد البطل إبراهيم الحمدي… وجعل من دمه الطاهر بذرة نهوض قادم لا محالة.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: أمن المعلومات واستعادة البيانات
يكتنف المشهد السوداني الراهن تحديات معقدة وأزمات بنيوية ملتبسة، تمسّ سيادة الدولة واستقلال قرارها الوطني. خلال هذه الظروف، تمرّ أحيانًا بعض الأخبار المهمة دون أن تحظى بما تستحقه من اهتمام وتأمل.
من ذلك ما تداولته الوسائط الإعلامية مؤخرًا حول استعادة وتشغيل المركز القومي للبيانات بالخرطوم، وهو خبر يعكس تحوّلًا كبيراً في بنية الدولة السودانية، وربما لحظة سيادية فارقة في مسارها المعقد نحو استعادة تماسكها الأمني .
إن إعلان وزير التحول الرقمي والاتصالات، المهندس أحمد الدرديري، عن إعادة تشغيل المركز القومي بعد اكتمال تأهيله الفني والتقني، على مساحة تُقدّر بـ1300 متر مربع، وتجهيزه بأنظمة الحوسبة السحابية وأمن البيانات والذكاء الاصطناعي، لا يمكن اعتباره مجرد إنجاز إداري، بل هو إشارة إلى تحوّل في الذهنية الرسمية للدولة، التي بدأت – على ما يبدو – في إعادة التفكير في أدوات السيطرة، ومفاتيح القرار، ومنطلقات إعادة البناء للمرحلة المقبلة.
فالمركز القومي للبيانات لا يمثل مجرد بنية تحتية رقمية، بل يُعدّ عصبًا حيويًا في جسد الدولة الحديثة، وأداة حاكمة في إعادة تنظيم المجال العام وضبط العمليات المؤسسية والإجرائية واستعادة الهيبة المركزية. وهنا يبرز سؤال جوهري: ما معنى أن تمتلك الدولة قدرتها على إدارة بياناتها؟
في الحالة السودانية يتجاوز الجواب الجانب الفني التقني إلى جوهر السياسة والسيادة والحاكمية، وينتقل من حقل البرمجيات إلى ميدان السلطة.
امتلاك البيانات يعني امتلاك أدوات الحكم والتحكم في الموارد، والتخطيط للتنمية، وحماية القرار الوطني من الارتهان، خصوصًا في بيئة تتنازعها الأطماع وصراعات النفوذ عبر بوابة أمن المعلومات.
ورغم ظروف الحرب وتحديات إعادة البنية التحتية، نجحت الوزارة المعنية في خوض معركة من نوع آخر: صامتة، وغير عسكرية، لكنها حاسمة. إنها معركة الحق في الوجود الرقمي، التي أعادت من خلالها الدولة نبضها المؤسسي، وبعثت رسالة وطنية تقول إن السودان، وإن بدأ محاصرًا بالضغوط، لا يزال حاضرًا في بنيته السيادية الأساسية، وأن التعافي ليس حلمًا نظريًا، بل مسارا واقعيا يبدأ من استعادة أدوات الإدارة.
فعودة مركز البيانات لا تعني فقط تشغيل أنظمة الأرشفة والمعاملات، بل إحياء نبض الدولة ذاته، ومنحها فرصة لترتيب أولوياتها من الداخل، بعيدًا عن فوضى الحرب.
فالإدارة الرقمية اليوم ليست رفاهية، بل شرط وجودي لاستمرار الدول وتماسكها، خصوصًا في لحظات التفكك البيروقراطي وتراجع السلطة التنظيمية الجامعة للخدمات وتأمين المعلومات.
لقد غدت البيانات في هذا العصر مكونًا أصيلًا من مكونات الأمن القومي، لا تقل أهمية عن الحدود أو السلاح أو الاقتصاد. والدولة التي تفقد مفاتيحها الرقمية تصبح عرضة للاختراق أو الهيمنة.
ومن ثم فإن استعادة المركز القومي للبيانات تعني أن السودان استعاد واحدة من أهم أدوات السيادة والحوكمة والقدرة على التنظيم والإدارة.
وعلى المستوى الإقليمي والدولي، باتت البنى الرقمية ساحة تنافس صامتة بين القوى الكبرى؛ منافسة أقل ضجيجًا من المدافع، وأكثر تأثيرًا من الدبلوماسية. وبما أن السودان يتموضع في قلب الجغرافيا الإقليمية الملا بالأطماع والتحديات ، فإن امتلاكه لبنيته الرقمية يوفّر له تحصينًا سياسيًا وأمنيًا، يضعه في موقع الندّية في التعامل مع الفاعلين الدوليين، فضلًا عن تهيئة بيئة جاذبة للاستثمار والشراكات التنموية.
ويكتسب هذا التحوّل أهمية إضافية لكونه شرطًا أساسيًا في أي عملية سياسية مقبلة؛ إذ لا يمكن تصور انتخابات نزيهة أو تحول ديمقراطي موثوق دون قواعد بيانات محمية ومنظومات رقمية شفافة. فغياب البنية المعلوماتية الصلبة يعني إعادة إنتاج العشوائية والفوضى ، وتفريغ العملية السياسية من مضمونها.
إن استعادة المركز القومي للبيانات ليست عملًا إداريًا فحسب، بل فعلًا سياديًا يعكس وعيًا جديدًا بالعلاقة بين السلطة والمعرفة، وبين الدولة والبيانات. إنها خطوة للحد من الهشاشة المعلوماتية التي تمثل أحد أخطر مظاهر الانهيار. فالدولة التي تفقد سيطرتها على بياناتها تفقد تدريجيًا قدرتها على حماية مواطنيها ومؤسساتها وكيانها القانوني.
لذلك، فإن هذا الحدث، مهما بدأ بسيطًا في نظر البعض، هو لحظة تأسيسية يمكن البناء عليها. فهو يعكس إرادة داخلية تحاول النهوض من تحت الطوق والخذلان، وإعادة تأسيس المشروع الوطني الجاد انطلاقًا من أدوات العصر ومقتضيات الحداثة الإدارية.
وبحسب وجه الحقيقة، فإن الخرطوم، حين تستعيد مركز بياناتها، فهي تستعيد وعيها السيادي ونبضها الرقمي، وتعلن أن الفوضى ليست قدرًا مفروضًا، بل حالة يمكن تجاوزها بالإرادة والتنظيم. وربما تكون هذه الإجراءات الرقمية هي الإشارة الأولى لمسار تعافٍ طويل ، يعيد النقاش حول مستقبل الدولة من مدخل المعرفة والتنظيم والسيادة الرقمية، لا من مدخل السلاح و الابتزاز الاقليمي والدولي.
إبراهيم شقلاوي
دمتم بخير وعافية.
14 أكتوبر 2025م Shglawi55@gmail.com