يقول المثل التركي: "عندما ينتقل المهرج إلى القصر، لا يصبح ملكاً، ولكن القصر هو الذي يتحول إلى سيرك"، وتلك هي حالة بقية العالم، وخاصة القادة والناس في الشرق الأوسط، وهم يشاهدون الاستعراضات البهلوانية لدونالد ترامب من داخل البيت الأبيض، فقد صُدم الجميع كيف تخلط الولايات المتحدة بسرعة هائلة الملفات، وتعيد رسم حدود الدول، من أوروبا إلى الشرق الأوسط.
ويرصد الكثير من الخبراء إرهاصات "يالتا جديدة"، ولقد علق البعض بسخرية أن العالم بات الآن رهينة تفاهمات فلاديمير بوتين ودونالد ترامب، واحتجاج ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وبولندا وإيطاليا على استبعاد أوروبا من تسوية أزمة الحرب في أوكرانيا، والمفاجأة الأخيرة جاءت من وزير الدفاع الأمريكي الذي أبلغ الأوروبيين، في بروكسل، بأن العودة إلى حدود أوكرانيا ما قبل عام 2014 غير واقعية، وكذلك منحها العضوية في الناتو.
كلام الوزير الأمريكي عن حدود أوكرانيا، جاء بعد ساعات من إصرار دونالد ترامب على السيطرة على غزة بكلام واضح، قاله أمام الملك الأردني في البيت الأبيض، ليعود بعدها بساعات، وفي بيان صادر عن البيت الأبيض، ليتحدث عن منح الغزيين خيارات للعيش بأمان وكرامة، من دون أن يتطرق البيان إلى ترحيلهم المحسوم.
ويرى الخبراء أن صدور هذا البيان لا يعني تراجع ترامب، إنما فتح باب التفاوض مع الدول العربية، وعلى رأسها مصر والسعودية، بشأن مستقبل غزة، وخروج حماس النهائي منها، وصولاً إلى من يسكنها وكيف تُدار، لتصل واشنطن بعد ذلك إلى الهدف المنشود: توسيع اتفاقيات إبراهام، وتوقيع اتفاقية سلام بين إسرائيل والسعودية.
ومن ينظر إلى ما يحدث في العالم والمنطقة، يدرك أنه لا مجال للفصل بين ذلك، وبين ما يحصل في غزة ولبنان.
وفي ظل تسارع هذه الأحداث منذ تولي ترامب الرئاسة، ودعوته بتهجير الفلسطينيين من غزة، والتحركات المتصارعة لقادة العالم وخاصة العرب، يثير الكثير من الخبراء السؤال الأكثر أهمية: "هل تنجح مصر والسعودية في حشد العرب ضد خطة ترامب بشأن غزة؟"
وبداية علينا الإقرار بأن مصر تجيد "اللعب مع الكبار"، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن مصر كانت أحد المؤسسين لحركة عدم الانحياز، وهي لا تزال تحتفظ ببريقها وعلاقاتها وإرث القاهرة لا يزال مُقدراً في جميع أنحاء العالم، والأمر الآخر أن مصر هي إحدى القيادات التاريخية في إفريقيا، ولم يعد خافياً أن العالم عندما يتحدث عن الجنوب العالمي، فغالباً ما يشير لمصر بوصفها إحدى قيادات هذه الكتلة الكبيرة التي باتت يُحسب حسابها، وأصبح صوتها ومواقفها يُحسب حسابها.
وفي الوقت نفسه لا بد من الإشارة هنا إلى أن العالم متعدد الأقطاب، الذي يتشكل بالحديد والنار، قد باتت الكثير من مراكز الأبحاث تتحدث عن الكتلة العربية الناهضة، وفي القلب منها مصر ودول الخليج، وأغلب المحللين العرب يقولون إن تحالف "مصر والسعودية" دوماً ما يُجنب العالم العربي الذهاب للمجهول، ويمكنه أن يستعيد الأمة العربية من حافة الهاوية، بل ويسطرا معاً لحظات انتصار مبهرة من قلب الظلمة، ويشيرون للتحالف الذي عبر هزيمة 1967 ليحقق نصر 1973، وتلك اللحظة المشرقة عندما توحد سلاح النفط والأموال العربية مع عزيمة الرجال في القتال والانتصار، وتحقيق السلام القائم على العدل وتحميه القوة العربية من المحيط إلى الخليج. هذا كله موجود، وأضيف لهذا الرصيد قيادات تعرف لغة زمانها الجديد، وتستمع لأصوات شعبها، فضلاً عن زيادة الوعي، ونضج المجتمعات العربية، وتضاعف أهمية ووزن المنطقة بثرواتها وممراتها المائية، وعبقرية المكان، وثروتها البشرية الشابة المتطلعة للحياة، والتي ترغب في مكانة أكبر على الساحة الدولية، كما أن القوى الجديدة مثل الصين وروسيا والهند تخطب ودها بقوة، ويشعر الغرب بقيادة واشنطن أن علاقاته مع العالم العربي تتراجع لصالح الآخرين.
واختارت مصر أن تتصرف بهدوء، وأعلنت الخارجية المصرية أن مصر تستضيف القمة العربية الطارئة يوم 4 مارس (آذار) بالقاهرة بهدف "توحيد الموقف العربي بشأن القضية الفلسطينية، في ظل الرفض العربي لمخطط التهجير الذي طرحته إسرائيل وتبنته لاحقاً الإدارة الأمريكية، وفي الوقت نفسه توجه الرئيس عبدالفتاح السيسي أمس إلى مدريد في زيارة رسمية إلى مملكة إسبانيا، في إطار تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون والتنسيق بين البلدين.
يُذكر أن زيارة السيسي إلى إسبانيا جاءت في الوقت الذي تم الإعلان فيه عن إلغاء زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، حيث قالت مصادر مصرية لوكالة رويترز للأنباء إن السيسي لن يحضر أي محادثات في البيت الأبيض، إذا كان جدول الأعمال يشمل تهجير سكان غزة، وكان هناك ترجيحات أن يزور السيسي واشنطن في 18 فبراير، وأن يبحث مع الإدارة الأمريكية في ملفات عدة، على رأسها مقترح الرئيس دونالد ترامب بشأن نقل سكان من غزة إلى مصر والأردن، ولكنه رفض مناقشة أي شيء يخص التهجير.
ومن ناحية أخرى بدأت إسرائيل تشعر بالقلق والخوف من غضب مصر، ونشر موقع "إسرائيل هيوم" العبري أن السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة يحيئيل لايتر حذر في حديث مع رؤساء المنظمات اليهودية من "أن مصر ترتكب انتهاكاً خطيراً للغاية لاتفاقية السلام في سيناء. وقد علق السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة الأمريكية على تقارير صحفية إسرائيلية تقول إن مصر تُعزز وجودها العسكري في سيناء، مشيراً إلى أن ذلك يخالف اتفاق السلام الموقع بين مصر وإسرائيل بعد حرب أكتوبر 1973.
ووصف زيادة الوجود العسكري المصري في سيناء بأن "الوضع لا يُطاق".
وبحسب ليتر فإن مصر تعمل في سيناء على "بناء قواعد مخصصة فقط للعمليات الهجومية، وأكد أن هذه القضية ظلت طي الكتمان لفترة طويلة، وأن إسرائيل تنوي إثارة هذه القضية في أقرب وقت وبكل حزم، ومن ناحية أخرى نشر موقع "Nziv" الإخباري الإسرائيلي تقريراً تحت عنوان "الاستعداد العاجل مطلوب لمواجهة التهديد العسكري المصري"، وأكد أن على إسرائيل أن تستعد لاحتمال اندلاع حرب أخرى مع مصر.
وأوضح التقرير أنه يجب على الأطراف المعنية بالأجهزة الأمنية والعسكرية في إسرائيل على التوصل إلى إجابات مرضية وحلول مناسبة للأسئلة العاجلة حول: حجم القوات المصرية المتاحة حالياً للحرب مع إسرائيل، وكم من الوقت تحتاج مصر للوصول إلى التجنيد الكامل وما هي إمكانياتها؟ وكيف يمكن للجيش الإسرائيلي أن يستعد للدفاع الفعال مسبقاً ضد التهديد ضمن إطار زمني واقعي؟.
ويبقى أن هذه مجرد بداية اللعبة، ومصر لديها المزيد من الأوراق سوف تطرحها قريباً في عملية اللعب مع الكبار.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: آيدكس ونافدكس رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية غزة وإسرائيل مصر اللعب مع الکبار العالم العربی البیت الأبیض فی سیناء أن مصر
إقرأ أيضاً:
كاتب تركي: إسرائيل لن تدرك حجم خسارتها إلا بعد سنوات
يرى الكاتب أوزاي شندير، في مقال نشرته صحيفة "ملييت" التركية، أن إسرائيل خسرت المعركة الحالية على المدى البعيد، لكنها لم تُدرك حتى الآن حجم الخسارة التي مُنيت بها بسبب الحرب في غزة.
وقال الكاتب إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب أمام المحكمة الجنائية الدولية– أصبح رمزا للمجازر والإبادة الجماعية في أذهان مواليد القرن الحادي والعشرين، تماما مثلما كان أدولف هتلر في أذهان مواليد القرن العشرين.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هآرتس: الطبقة السياسية في إسرائيل تسير خلف نتنياهو نحو الهاويةlist 2 of 2كاتب إسرائيلي: تجويع غزة لا يمكن تبريره للعالمend of listوأضاف أن العالم لم يتقبل ألمانيا الجديدة إلا بعد أن تم تقديم النازيين للمحاكمة، كما أن الضمير الإنساني لن يتقبل إسرائيل إلا بعد تقديم نتنياهو والمسؤولين عن إبادة غزة للعدالة.
أكبر تهديد لليهود
واعتبر الكاتب أن أكبر تهديد لليهود في شتى أنحاء العالم حاليا ليس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أو إيران أو المسلمين أو المسيحيين، بل نتنياهو وشركاؤه في الحكم.
وحسب رأيه، فإن من وصفها "بالعصابة الحاكمة" في تل أبيب لم تكتفِ بتعريض حياة اليهود للخطر، بل منحت الفرصة للمعجبين بهتلر حتى يرفعوا أصواتهم مجددا.
وذكر الكاتب أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت تعج بمقاطع عن مطاعم في مناطق مختلفة من العالم ترفض تقديم الخدمة للمواطنين الإسرائيليين، وهو نوع من العقاب الجماعي الذي تسببت به سياسات نتنياهو رغم أن الإبادة التي ينفذها في غزة لا تحظى بتأييد جميع مواطنيه.
ووفقا للكاتب، لا يعني العقاب الجماعي فقط حرمان المواطنين الإسرائيليين من الخدمة في المطاعم التي يرتادونها كسائحين، بل يعني أيضا موت الرضع والأطفال والنساء في غزة بالرصاص أو القنابل أو الجوع.
دعم عالمي
ويقول الكاتب إن قلبه أصبح الآن في حالة مشابهة لما وصفه الشاعر التركي الشهير ناظم حكمت في إحدى قصائده "إذا كان نصف قلبي هنا أيها الطبيب، فنصفه الآخر في الصين".
إعلانويشير إلى أنه متأثر جدا بالدعم العالمي الذي تحظى به غزة والقضية الفلسطينية، من النشطاء في إسبانيا الذين ينددون بالإبادة، إلى الطبيب الذي يُستقبل استقبال الأبطال بعد عودته من القطاع، حيث كان يعالج جرحى الحرب الفلسطينيين، إلى صانع المحتوى الذي يقارن بين حفلات أثرياء العالم في البندقية ودموع سكان غزة.
ويضيف أن قلبه ينكسر ألما عندما يشاهد فيديو لأطفال من مختلف أنحاء العالم يجيبون على سؤال "ما أمنيتك؟"، بأن يتمنوا الحصول على مليون دولار، أما أطفال غزة فيجيبون بأنهم يريدون "مكرونة أو خبزا".
واستمر يقول إنه لا يجد أي كلمات تصف الطفل الغزاوي صاحب السنوات الأربع أو الخمس وهو يُشارك القطط طبق طعامه.
أوزاي شنيدر: عندما يصل الشباب الذين يتظاهرون اليوم في الشوارع والجامعات إلى دوائر الحكم خلال السنوات القادمة حينها فقط ستدرك إسرائيل حجم ما خسرته خسارة فادحةويوضح شندير قائلا إن رؤساء الولايات المتحدة ودول مثل ألمانيا سيواصلون دعم الإبادة الجماعية على مدى السنوات العشر المقبلة، لكن عندما يصل الشباب الذين يتظاهرون اليوم في الشوارع والجامعات إلى دوائر الحكم خلال السنوات القادمة، حينها فقط ستُدرك إسرائيل حجم ما خسرته.
ويختم الكاتب بأن إسرائيل تدمر نفسها ذاتيا من خلال الإبادة الجماعية والقنابل والرصاص، بينما يُحقق الفلسطينيون النصر بالأغاني والشعارات والقصائد، معتبرا أن دم أطفال غزة لم يذهب سدى.