الإجراءات والضرائب تحد من التنويع الاقتصادي
تاريخ النشر: 9th, March 2025 GMT
حيدر بن عبدالرضا اللواتي
haiderdawood@hotmail.com
الورشة التطويرية للتوجهات الاستثمارية لغرفة تجارة وصناعة عُمان التي عقدت مؤخرًا لمدة 4 أيام بالتعاون مع وحدة متابعة تنفيذ "رؤية عُمان 2040"، كان هدفها التركيز على ثلاثة محاور مهمة للاقتصاد العُماني وهي: تحسين بيئة الأعمال، والشراكة في تنمية المحافظات اقتصاديًا، إضافة إلى محور توسيع قاعدة التنويع الاقتصادي.
وجميع هذه المرتكزات هدفها تقديم حلول ابتكارية وممارسات قائمة على أفضل المعايير لتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني، وجذب المزيد من الاستثمارات، بجانب استثمار الميزة النسبية للمحافظات، وتحقيق تنمية مستدامة من خلال مبادرات نوعية تعزز من دور القطاع الخاص لتعزيز التنويع الاقتصادي، وتوسيع قاعدة الاستثمارات في مجالات متعددة.
مساعي الغرفة من هذه الأنشطة واضحة مع العديد من الجهات الحكومية الأخرى خلال العقود الخمسة الماضية، والتي تهدف إلى تعزيز البرامج والمبادرات التي تتماشى مع التوجهات الاستراتيجية للدولة وسعيها لتعزيز دور القطاع الخاص كمحرك رئيسي للنمو الاقتصادي.
التنويع الاقتصادي في سلطنة عُمان هو هدف رئيسي للحكومة منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي، عندما تم تشكيل أول مجلس للتنمية؛ حيث كان ضمن نتائج الاجتماع الأول للمجلس العمل على التنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على قطاعي النفط والغاز الذين ما زالا يشكّلان المصدر الأساسي لإيرادات الحكومة.
التحديات ما زالت ماثلة أمام مؤسسات وشركات القطاع الخاص وتتمثل في جوانب التمويل، والبيروقراطية والإجراءات الإدارية والتنظيمية، والضرائب، إضافة إلى التحديات الاجتماعية والثقافية. وبالتالي فإن هذه المؤسسات ما زالت تواجه صعوبة في الحصول على قروض لجذب المستثمرين، أي أن هناك ضعفًا مبدئيًا في رأس المال. كما إن القطاع الخاص يشعر بأن البيروقراطية تتمثل في طول فترة تأسيس الشركات المساهمة المقفلة بسبب الإجراءات المتخذة للمؤسسات الحكومية في مجال التنظيم والقانون، بالإضافة إلى نقص التنسيق فيما بينها، ناهيك عن فرض الضرائب على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. أما في محور التحديات الاجتماعية والثقافية فهناك عدم ثقة المستثمرين بالمساهمة في الشركات المساهمة المقفلة، وضعف في الثقافة الريادية بالإضافة إلى مخاوف من سوء الإدارة.
وجميع هذه القضايا تحتاج إلى حلول جذرية لتشجيع المستثمرين على المساهمة في إنشاء الشركات المساهمة المقفلة، إضافة إلى تسهيل وتحسين الشراكات مع الجهات الحكومية، وتخصيص قروض ميسرة لهذ الشركات، خاصة في المحافظات وبشروط مرنة وميسرة وفوائد منخفضة، مع العمل على خفض قيمة الضرائب بشكل عام، والعمل على تأسيس صناديق استثمارية لدعم تلك الشركات، وتقديم حوافز ضريبية وكذلك الإعفاءات الضريبية.
إن رؤية "عُمان 2040" تُمثِّل بوصلةً لتنفيذ مجموعة من الخطط والمبادرات التي تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة عبر تعزيز قطاعات مختلفة مثل السياحة، والصناعة، والتكنولوجيا، والزراعة، والخدمات المالية؛ الأمر الذي يتطلب تسهيل المعاملات والحد من التحديات؛ حيث إن القطاعات الاقتصادية تتحرك ببطء في المسار الصحيح. وعلينا تسجيل بعض النجاحات فقط في قطاعات معينة كزيادة الاستثمار في السياحة، وفي قطاع الصناعة من خلال تشجيع مختلف المشاريع الصناعية وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة؛ الأمر الذي يستدعي الاستمرار في دعم الشركات المحلية لتصبح أكثر وضوحًا من خلال تمويل المشاريع وتوفير بيئة أعمال ملائمة.
والجهات المعنية تعمل على توسيع القطاع المالي وتحسين البيئة المالية وتطوير البنية التحتية المصرفية، إلّا أن التنويع الاقتصادي ما زال يواجه بعض التحديات تتمثل في محدودية التنويع في عدة قطاعات، إضافة إلى عدم توفر الأعمال لتشغيل العُمانيين بصورة كبيرة، فيما تحتاج القطاعات اللوجستية إلى تعزيز المزيد من البنية التحتية لتصبح أكثر تنافسية، ما سوف يساعد على تجاوز التحديات، وإنجاح خطط جذب الاستثمارات وتطوير الموارد البشرية.
إن الحكومة تعمل اليوم على تعزيز أعمال قطاعات اقتصادية عديدة منها قطاع الطاقة المتجددة والاستثمار في استغلال الموارد الطبيعية، كما تعمل على تشجيع مزيد من الابتكار في التكنولوجيا ودعم الشركات الناشئة العاملة في هذه القطاعات، علاوة على المساعي للاستثمار في البحث والتطوير والتعليم الفني والتكنولوجي، وتحسين الخدمات.
وهناك اليوم توجّه كبير لدعم وتحفيز الاستثمارات الأجنبية من خلال تسهيل بيئة الأعمال للقطاعات غير النفطية وتحسين التشريعات، وتحفيز الشركات الأجنبية لإقامة مشاريع مشتركة مع الشركات المحلية، إضافة إلى تحسين التعليم والتدريب المهني، ورفع كفاءة القوى العاملة والتوسع في القطاع الزراعي ودعم المشاريع الصغيرة في المحافظات، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المشاريع الكبرى مع العمل على إجراء إصلاحات مالية واقتصادية في البلاد.
هذا ما يجب الاستمرار فيه مع التقليل من التوجهات بفرض مزيد من الضرائب على كاهل المواطن ومؤسساته الصغيرة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
صحيفة: الانكماش السكاني يهدد مستقبل الصين الاقتصادي ومكانتها كـ مصنع العالم
تواجه الصين اليوم أكبر تحد داخلي في تاريخها الحديث، لا يتمثل في حملة الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب للفصل بين أكبر اقتصادين في العالم، بل في تراجع سكاني حاد وغير مسبوق في السرعة والحجم، من شأنه أن يهز أسس الاقتصاد الصيني ويعيد تشكيل موازين القوى العالمية لعقود قادمة.
ووفقا لما نقلته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية اليوم /الأحد/ عن تحليلات اقتصادية حديثة، يهدد الانخفاض السريع في عدد السكان بتقويض النمو الاقتصادي طويل الأجل للصين، ما قد يعرقل طموح بكين في أن تصبح قوة عالمية تضاهي أو تحل محل الولايات المتحدة، كما أن نقص العمالة الحاد المتوقع مستقبلا قد يؤثر على سلاسل الإمداد العالمية لمنتجات تتراوح بين الدمى والألعاب والأحذية والهواتف المحمولة والسيارات الكهربائية.
وقالت لويز لو، رئيسة قسم الاقتصاد الآسيوي في مؤسسة "أوكسفورد إيكونوميكس"، إن "عكس الانحدار الديموجرافي أمر شبه مستحيل"، وقدرت أن انكماش القوة العاملة في الصين سيؤدي إلى خفض معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي بنحو نصف نقطة مئوية خلال العقد المقبل.
وفي عام 1990، كان متوسط عمر السكان في الصين 23.7 عاما، وكانت المرأة الصينية تنجب في المتوسط 2.51 طفل، وهو معدل يفوق مستوى الإحلال السكاني البالغ 2.1 طفل للحفاظ على ثبات عدد السكان، لكن بحلول عام 2023، تغيرت الصورة جذريا، إذ ارتفع متوسط العمر إلى 39.1 عاما، بينما انخفض معدل الخصوبة إلى طفل واحد لكل امرأة، كما تشير بيانات التعداد إلى أن عدد سكان الصين بلغ ذروته عند 1.4 مليار نسمة في عام 2022، ومنذ ذلك الحين بدأ في التراجع المستمر.
وتتوقع الأمم المتحدة أن يتراجع عدد سكان الصين إلى 1.26 مليار نسمة بحلول عام 2050، وأن تصبح التركيبة العمرية أكثر اختلالا، حيث لن تتجاوز نسبة من هم دون الخامسة عشرة 10%، في حين سيشكل من هم فوق الستين نحو 40% من السكان، وبحلول عام 2100، تتوقع المنظمة أن ينخفض عدد سكان الصين إلى 633 مليون نسمة فقط، منهم 7.8% دون الخامسة عشرة، مقابل 52% فوق الستين، ما يعني تحول البلاد إلى واحدة من أكثر الدول شيخوخة في العالم.
ويعود جوهر هذه الأزمة إلى سياسات ضبط النمو السكاني الصارمة التي تبنتها بكين منذ سبعينيات القرن الماضي، بعد حملة حكومية لتشجيع الزواج المتأخر وتقليل عدد الأطفال، وفرض سياسة الطفل الواحد عام 1979، ورغم نجاح السياسة في خفض معدلات الولادة بسرعة فائقة، فإنها تجاوزت أهدافها إلى حد أضر بالهيكل الديموجرافي، لتضطر الحكومة إلى تخفيف القيود تدريجيا، بالسماح بإنجاب طفلين عام 2016، ثم ثلاثة أطفال عام 2021، لكن لم تنتعش معدلات الولادة، بل انخفضت من 1.77 طفل لكل امرأة في 2016 إلى 1.12 في 2021، باستثناء ارتفاع طفيف عقب جائحة كورونا.
ويرتبط هذا التراجع إلى حد كبير بارتفاع تكاليف تربية الأطفال، والتي تبلغ في المتوسط نحو 74 ألفا و963 دولارا حتى التخرج الجامعي، وفق تقرير معهد "يووا" للأبحاث السكانية في بكين، بينما تصل التكلفة إلى 140 ألفا و747 دولارا في مدينة شنجهاي.
وتحاول الحكومة الصينية تحفيز الإنجاب من خلال حوافز مالية، لكنها تبدو متأخرة ومحدودة، إذ أعلنت في سبتمبر الماضي منحة سنوية قدرها 500 دولار للطفل خلال أول 3 سنوات من حياته، وهو ما أثار سخرية مستخدمي وسائل التواصل الذين قال بعضهم إنهم قد يفكرون في الإنجاب لو كانت المنحة أكبر بعشر مرات.
وفي محاولة لوقف تدهور معدلات الولادة، تحاول الحكومة إقناع جيل الألفية وجيل "زد" بالزواج، لكن الأرقام تظهر تراجعا حادا في عدد الزيجات، حيث سجلت الصين 6.1 مليون عقد زواج في عام 2024، أي أقل من نصف عدد الزيجات المسجلة عام 2013، ويعد معدل الزواج مؤشرا رئيسيا على الاتجاهات المستقبلية للخصوبة، نظرا لأن معظم الأطفال في الصين يولدون داخل إطار الزواج.
وفي المقابل، تواصل الدولة الضغط عبر جميع المستويات، فبعض الجامعات تدرّس مقررات عن الحب وآداب المواعدة، وبعض الشركات تطالب موظفيها العُزّاب بالزواج خلال فترة محددة، بينما تمنح الحكومات المحلية حوافز مالية للمتزوجين حديثا، وحتى الإعلام الرسمي بدأ ينتقد الأعمال الفنية التي تمجد الطلاق، فيما تتابع موظفات التخطيط الأسري المتزوجات الجدد بأسئلة عن توقيت إنجابهن وأحدث دوراتهن الشهرية.
وفي الوقت نفسه، يزداد عدد كبار السن في الصين بوتيرة سريعة، إذ ارتفع متوسط العمر المتوقع ومن المرجح أن يتضاعف عدد كبار السن خلال الثلاثين عاما المقبلة، مما سيشكل عبئاً غير مسبوق على نظام المعاشات القائم على الضرائب، ووفق الأمم المتحدة، فإنه بحلول عام 2100 سيكون عدد غير العاملين أكبر من العاملين.
ولعقود طويلة، تمتعت الصين بمكانة "مصنع العالم" بفضل وفرة الأيدي العاملة، لكن مع الانخفاض الحاد في أعداد السكان في سن العمل، فإن ذلك العصر يقترب من نهايته، وبينما تلجأ دول أخرى إلى الهجرة كحل لأزمة نقص العمالة، ترفض بكين هذا الخيار حفاظا على تجانسها الثقافي، وتراهن بدلا من ذلك على الروبوتات والأتمتة لتعويض النقص في العمالة والإنتاجية، رغم أن تأثيرها سيكون محدودا في القطاعات الخدمية.
وتواجه الشركات الصينية بالفعل ارتفاعا في تكاليف العمالة، إذ قال توني زو، مدير التسويق بشركة "إل سي ساين" في جوانجتشو، إن الشركة لم تعد الأرخص مقارنة بمنافسيها في الهند وأوروبا والمكسيك، مضيفا: "نحن نواجه منافسة متزايدة، وربما خلال خمس إلى عشر سنوات سنبدأ بمواجهة نقص العمالة فعليا".
وبينما يحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من خلال سياسته الجمركية إقناع الشركات الأمريكية بالعودة إلى التصنيع داخل الولايات المتحدة الأمريكية، يرى الخبراء أن هذه الجهود ستصطدم بواقع اقتصادي يدفع الشركات إلى البحث عن أرخص مصادر العمالة، والتي لن تكون في الصين بعد الآن.