موقع 24:
2025-07-31@09:28:48 GMT

قلق الأقليات في سوريا يتحول إلى رعب

تاريخ النشر: 10th, March 2025 GMT

قلق الأقليات في سوريا يتحول إلى رعب

قبل بضعة أعوام، وفي الفترة التي بلغت فيها الحرب الأهلية في سوريا ذروتها على الأرض، انتشرت وثيقة ما يسمى بـ“نداء العلويين” للمندوب السامي الفرنسي في فترة الانتداب الفرنسي لسوريا ولبنان خلال ثلاثينات القرن الماضي. كان الوضع على الأرض غيره الآن. الدولة السورية قبل بضعة أعوام، أو دولة بشار الأسد، كانت قد بدأت باستعادة قوتها بعد تدخلات جوية حاسمة من روسيا وانتشار وتسليح أرضييْن من إيران.

نتائج الحرب كانت تبدو محسومة لصالح نظام الأسد، وأن ما بقي هو مسألة وقت. بقيت الأمور تراوح مكانها نسبياً، وعلى عادة الأسد في عدم إدراكه لعامل الوقت وترك الأمور دون حسم، تصرف النظام على أساس أن الحرب شيء مركون يمكن العودة إليه وحسمه ساعة يشاء. الوقت، كما صرنا نعرف الآن، كان ضد الأسد، وجاءت عوامل إقليمية إضافية لتغير معطيات الأزمة بشكل مذهل. ينبه الأطباء في العادة إلى التأثيرات الجانبية للأدوية، ويحذرون من بعضها، وعلى المريض أن ينتبه. مريضنا السوري لم ينتبه إلى خطورة الأعراض الجانبية، وشهدنا انهيار النظام على نحو يصعب تصديقه.
المقاتل العلوي المحسوب على نظام الأسد، والذي كان يفترض أن يربح الحرب، خسرها. الرئيس بشار الأسد وأفراد عائلته لاجئون الآن في موسكو. وبعد أسابيع من الهدوء النسبي، تقف سوريا على أعتاب مرحلة مختلفة من الصراع الأهلي. وبعد أن كان توزيع وثيقة “نداء العلويين” قبل أعوام غريباً، باعتبار أنه يشير إلى ضعف العلويين، يبدو النداء اليوم واقع حال خطيراً يجسد أن العلويين ضعفاء بالفعل وأنهم إنما كانوا يحتمون بهيكل الدولة السورية ضمن كيان أفرزته مرحلة تكوين الدول في ما بعد الحرب العالمية الأولى.
كان البيان أشبه بدعوة إلى انضواء أقليات بلاد الشام في هيكل يحميها. كان شيوخ الطائفة العلوية إنما يعبرون عن قلق تاريخي تناقلوه اجتماعياً وعبروا عنه سياسياً. قلق الأقليات هذا بقي حاضراً بين العلويين حتى وهم يربحون الحرب ويسيطرون على الدولة السورية ولديهم من يدعمهم على مستوى دولة مهمة مثل روسيا أو دولة إقليمية كبرى مثل إيران. ما نعرفه تاريخياً أن المندوب السامي الفرنسي عمل عكس ما طلبه شيوخ العلويين ولم يترك مجالا لتحول “سنجق اللاذقية” إلى دولة “جبل العلويين”. سوريا الكبرى الواقعة تحت الانتداب الفرنسي هي الضامن الأفضل من وجهة نظر الفرنسيين. واعتبر الفرنسيون أن الإجراء الوحيد الذي ينبغي اتخاذه هو منح لبنان الاستقلال، وأن ما تبقى من الأرض يكفي لإقامة دولة قابلة للحياة، قادرة على حماية الأقليات فيها، وأن تتمكن من امتصاص قلق هذه الأقليات.
لم تتمكن الدولة العربية السورية التي ورثت دولة الانتداب من امتصاص قلق الأقليات. وبدخول عوامل كثيرة في المنطقة، والأهم منها على وجه الخصوص عامل الإسلام السياسي، تغيرت سوريا القومية العلمانية إلى مشروع سياسي قلق خصوصاً لو أخذنا بعين الاعتبار أن سوريا أصبحت ساحة صراع واضحة بين “الإمبراطوريتين” القديمتين فارس (إيران) والدولة العثمانية (تركيا). بيان مشايخ العلويين كان ينظر بعيداً في المستقبل إلى درجة تبعث على الحيرة في قدرة المشايخ على استقراء أن الأمور لا تتغير، بل إن كل ما يحدث هو أنها تهدأ لتعود وتنفجر ثانية. العلويون بدعوتهم إلى استقلال دولة “جبل العلويين”، إنما كانوا يريدون أن ينقذوا أحفادهم وأحفاد “أعدائهم” ممن تتكوم جثامينهم اليوم في أحراش غرب سوريا، مقتولة أو مقتولة ومحروقة بالمئات في مشهد أوهم البعض نفسه بأنه لن يحدث.
قلق الأقليات الذي كان يفوح من البيان الذي يعود إلى قرن من الزمن الآن تقريباً هو تشخيص بأن الوضع السياسي والاجتماعي والطائفي في سوريا لم يكن ناضجاً بما يكفي لترْك الأقليات تتعايش مع بعضها البعض، على أمل الوصول إلى لحظة هدوء إنسانية تجنبنا المشاهد المريعة التي يتم توزيعها اليوم عبر المنصات الاجتماعية.
لعل المندوب السامي الفرنسي آنذاك ارتأى ألّا يؤسس دولة جبل العلويين لأنه بذلك سيخلق دولة سورية عربية سنية من دون امتداد على الساحل، وأن ساحل سوريا اليوم الذي يمتد من جنوب تركيا إلى مقتربات الحافة الشمالية من لبنان يمكن أن يتعايش مع الكتل البشرية والحياة الاقتصادية في مناطق تاريخية معروفة بانفتاحها وتسامحها مثل دمشق وحلب وحمص. ما حدث أن المشروع ازداد تعقيداً ووصلنا إلى مرحلة مخيفة من القتل الوحشي وتصفية الحسابات بدعوات طائفية وأقلوية.
كان لافتاً البيان المشترك الذي أصدرته الكنائس السورية لبطاركة الروم الأرثوذكس والسريان الأرثوذكس والروم الكاثوليك، وما قاله الأكراد عن دعوتهم السلطة الجديدة إلى التحرك لمنع ما يحدث من قتل، وأن نسترجع ما سمعناه من الدروز خلال الأسابيع الماضية. المسيحيون والأكراد والدروز لديهم قدرات تاريخية استثنائية في التقاط إشارات الخطر القادمة التي ستداهم المنطقة. هؤلاء صنفوا دائما كأقليات، ومع الحس الأقلوي، يأتي الاستشعار. وقبل مئة عام تقريباً كان العلويون “أقلية” لهذا كان لديهم ما يكفي من المبررات الاجتماعية والسياسية لكتابة البيان وتوجيهه إلى المندوب السامي الفرنسي. لكن إحساسهم كأقلية تآكل بعد استيلاء حزب البعث على السلطة في سوريا، واستحواذ الرئيس حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار على السلطة بواجهة سياسية قومية عروبية طوّعت إلى حد كبير البلاد لتخدم سلطة العائلة العلوية. نسي العلويون أنهم أقلية، وها هم يدفعون ثمناً غالياً لذلك.
ثمة صدمة كبرى مما يحدث الآن. انتشرت الصور الكاريكاتيرية للرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وهو يجلس إلى جوار الرئيس السوري السابق بشار الأسد ويحاول “الغش” وهما يؤديان امتحاناً واحداً. الشرع كان ينسخ طرق الأسد. وأخطر ما صدر عنه هو اعتباره عمليات قتل المدنيين بالمئات على أساس طائفي أو على الهوية أمراً متوقعاً. إلى هذا المستوى تصل الاستهانة في بلادنا بالأرواح. لا نريد أن نوجه أصابع اللوم، لكن من الواضح أن التعامل مع الموت في منطقتنا يتم كفقرة حياتية عادية. وأمام تصريحات الشرع ينعقد لسانك ولا تستطيع الرد. وإذا كنت محظوظاً، فإنك تستدعي ما يقوله رجل دين مسيحي أو شيخ قبلي كردي أو زعيم درزي واعٍ، لتحاول أن تذكّر الشرع ومن معه بأن ما يحدث ليس قضاء وقدراً على الجميع أن ينساق إليه طائعاً.
إلى أي مدى يستطيع الشرع المتحسب لاضطرابات ما بعد الاستيلاء على السلطة أن يحتوي قلق الأقليات؟ من الصعب الرد على هذا التساؤل. لأن من أبرز الردود التي يتم الترويج لها عبر مؤسسات إعلامية قريبة من هيئة تحرير الشام والرئاسة الانتقالية أن الدولة ستضرب وتبطش. بعض الإجابات التي سمعناها كانت معدة مسبقاً ولم يلتفت من صاغها إلى القيام ببعض التحويرات كي لا تتطابق بين قائليها حتى وإن اختلفت المنابر.
هذا القلق الذي يسود الأقليات هو بالضبط ما تحتاجه إيران. إنها تصنع من مكونات الأقليات أغلبيتها الخاصة بأن تستقطب الخائفين وتقدم نفسها كحامٍ لهم. هناك كتلة بشرية شيعية معتبرة، مشكلتها بالطبع أن القائمين عليها إيرانيون وهذا ليس في صالح تحويلها إلى كتلة أغلبية. هذا ما يزيد الحيرة لدى من يدينون لها بالولاء خصوصاً مع إصرار عمائم هذه الكتلة على أنهم فرس. ضع جانباً الحديث عن أنهم من آل البيت فهذه تفاصيل من نوع آخر يعرف من يذهب إلى إيران أن البلد إنما يعتز بفارسيته، بل ويزداد اعتزازاً بتصنيف نفسه على أنه بدوره “أقلية”.
لم تنجح بالطبع تجربة الأقليات والتجانس في ما بينها في لبنان، إذا مارس حزب المستضعفين -أي حزب الله- غطرسته الخاصة ونسي وهو في ذروة الصراع أن عليه أن يكون جزءاً من نسيج اجتماعي يتحمل الآخر ويتقبله بعيداً عن لغة التخوين أو التخويف التي يدفع اليوم ثمنها غالياً.
ما يقال عن حزب الله يمكن أن يقال عن التشكيلة الواسعة من ائتلاف الأحزاب والميليشيات في العراق. حجم الأخطاء التي مورست باسم أو بحق الأقليات كبير جدا، إلى درجة أن من الصعب الإتيان بتوصيف مختلف، يتقدم أو يتأخر. هذه ميليشيا شيعية تتحرك لمئات الكيلومترات بين جنوب العراق وشماله لتبسط سيطرتها على قرية مسيحية بدعوى حمايتها من تخويف داعش، في حين أن الجميع يعلم ما هو الهدف الحقيقي.
ما نعيشه في سوريا في هذه اللحظات الاستثنائية هو مرحلة خطرة جداً تلخص الفوضى التي تعمّد الإسلام السياسي بوجهيه السني والشيعي، صنْعها وتوزيعها على المنطقة ليحولها من قلق الأقليات على وجودها -وهو قلق مشروع- إلى رعب من مصير مظلم كما ترويه لنا المشاهد القادمة من مناطق الساحل السوري.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: وقف الأب رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل صناع الأمل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الحرب في سوريا سوريا فی سوریا ما یحدث

إقرأ أيضاً:

سريرك قد يتحول إلى مستنقع بكتيري.. ماذا يحدث لك عند عدم غسل الملاءات؟

يقضي الإنسان ما يقرب من ثلث حياته نائمًا، وهو ما يجعل العناية بنظافة الفراش أمرًا لا يقل أهمية عن نظافة الجسم نفسه. 

ملاءة سريرك قد تكون بؤرة للجراثيم

وحذر خبراء من أن تجاهل غسل ملاءات السرير بانتظام يمكن أن يعرّضك لمجموعة من المشكلات الصحية تتراوح بين الحساسية الجلدية ومشاكل الجهاز التنفسي، وفقا لما نشر في موقع News18.

سر الخصوبة.. دراسات تكشف تأثير النظام الغذائي على الصحة الإنجابية للمرأةبدون أدوية.. خطوات بسيطة لخفض السكر التراكمي بالتغذية العلاجية

في كل ليلة، يفرز الجسم العرق، ويتخلص من آلاف خلايا الجلد الميتة، التي تتحول بدورها إلى غذاء مثالي لعثّ الغبار والبكتيريا والفطريات. ومع مرور الوقت، تصبح ملاءات السرير بيئة مثالية لتكاثر الميكروبات، بل وتشير الدراسات إلى أن أغطية الوسائد غير المغسولة لأسبوع واحد قد تحتوي على بكتيريا أكثر من مقعد المرحاض.

ملاءة سريرك قد تكون بؤرة للجراثيممشاكل جلدية وتنفسية محتملة

إذا كنت تعاني من حب الشباب أو الطفح الجلدي أو حكة مجهولة السبب، فقد تكون ملاءاتك هي المتهم الأول.

ويحذر أطباء الجلدية من أن تراكم الأوساخ والدهون على الأقمشة يمكن أن يسد المسام ويُسبب التهابات جلدية.

كما أن عثّ الغبار وحبوب اللقاح التي تعلق في الأغطية قد تُفاقم حالات مثل: الربو وحساسية الأنف، خاصة لدى من يعانون من مشاكل مزمنة في الجيوب الأنفية.

ملاءة سريرك قد تكون بؤرة للجراثيمما الذي يجب فعله لحماية صحتك؟

ويجب غسل الملاءات مرة واحدة على الأقل أسبوعيًا بالماء الساخن (درجة حرارة لا تقل عن 60 درجة مئوية)، لضمان القضاء على البكتيريا ومسببات الحساسية.

ويجب استخدام منظفات لطيفة وخالية من العطور، خاصةً لمن لديهم بشرة حساسة.

وعليك أيضا غسل أغطية الوسائد والألحفة وأغطية المراتب بانتظام، وعدم الاكتفاء بالملاءات فقط.

وتغيير المفارش بشكل دوري لا يعزز فقط من جودة النوم، بل يقلل أيضًا من الروائح الكريهة ويمنحك إحساسًا أكبر بالراحة والنظافة.

طباعة شارك ملاءات السرير السرير نظافة نظافة الفراش غسل ملاءات السرير الحساسية الجلدية الجهاز التنفسي وفقا لما نشر في موقع News1

مقالات مشابهة

  • باكو تستضيف جولة مباحثات جديدة بين سوريا وإسرائيل
  • الأقليات في الشرق الأوسط بين الاعتراف والإنكار
  • “الغرب المتحضر.. حين يتحول الذئب إلى واعظ عن حقوق الإنسان!”
  • زياد الرحباني.. حين يتحول جرح الرفض إلى هدية للعالم
  • الواقع القضائي في سوريا والتحديات التي تواجه عمل العدليات خلال اجتماع في وزارة العدل
  • سريرك قد يتحول إلى مستنقع بكتيري.. ماذا يحدث لك عند عدم غسل الملاءات؟
  • وزير الاقتصاد والصناعة الدكتور محمد نضال الشعار: سوريا الجديدة هي المنتجة التي تعيد تشكيل معاملها وبناء إنتاجها
  • حمزة: أدعو جميع الشركات والمستثمرين الوطنيين والدوليين للمشاركة في هذا الحدث الاقتصادي النوعي كما أدعو الجميع لزيارة المعرض والتعرف على التطورات الاقتصادية والصناعية والثقافية والاجتماعية التي تشهدها سوريا
  • أول دولة أوروبية تصدر مذكرة توقيف دولية جديدة بحق الرئيس السوري السابق بشار الأسد.
  • سوريا تستعد لأول انتخابات برلمانية منذ سقوط الأسد