بداية لا بد أن نتحدّث عن المؤلف قبل أن نتحدّث عن كتابه الرائع "المستفاد من قصص القرآن للدعوة والدعاة"، مؤلف هذا الكتاب هو العالم والداعية العراقي الدكتور عبد الكريم زيدان العاني، المولود في بغداد في عام ١٩١٧م. كان أصغر إخوته من الجنسين، وقد نشأ يتيم الأب حيثُ توفي والده عندما كان في الثالثة من عمره.

في أثناء دراسته في كلية الحقوق في بغداد وتخرجه منها بعد ذلك - كان من أوائل الطلبة على دفعته-، تأثر د.

عبد الكريم بالمواد الشرعية التي يَدْرُسها، مما دفعه وحفزّه لقراءة كتب الفقه الإسلامي والتعمّق فيها بشكل كبير، ثم بعد ذلك التحق بمعهد الشريعة الإسلامي في جامعة القاهرة ونال درجة الماجستير، ثم نال درجة الدكتوراه في الفقه الإسلامي مع مرتبة الشرف الأولى عام ١٩٦٢م.

يعدُّ د. عبد الكريم زيدان من أبرز مُنظري الفقه الإسلامي في عصرنا الحديث، وقد تولّى مناصب عديدة في العراق وخارجها. توفي - رحمه الله - في صنعاء عام ٢٠١٤م عن عمر ٩٧ عاماً وقد ترك مؤلفات قيمة تجاوزت الثلاثون كتاباً، كما ترك ٣٥ بحثاً وعشرات المقالات والرسائل، فأثرى المكتبة العربية والإسلامية بكتبه وبحوثه القيّمة.

كتاب "المستفاد من قصص القرآن للدعوة والدعاة" واحد من أهم الكتب التي كتبها د. عبد الكريم، وقد صدرت الطبعة الأولى منه في عام ١٩٩٦م. ذكر المؤلف في مقدمة الكتاب السبب الذي دعاه لكتابة الكتاب، وهو أن قصص القرآن كما أخبر الله عنها في كتابه الحكيم هي أحسنُ القصص، وقد قص الله علينا هذه القصص لأخذ الدروس والعِبر منها وليست للتسلية، وهذا ما دعا المؤلف إلى أن يبحث عن هذه الدروس ويُخرجها في كتاب، ليستفيد منها الدعاة في دعوتهم، بل يستفيد منه كل مسلم ومسلمة.

منهج المؤلف في كتابه هذا، أن يقوم بذكر موجز للقصة الواردة في القرآن، ثم يذكر بعد ذلك أهم الدروس المستفادة من القصة، فمثلاً يذكر قصة خلق أبينا آدم - عليه السلام - وأمر الله سبحانه الملائكة بالسجود له، وامتناع إبليس عن السجود له، وطرد إبليس من الجنة، وغيرها من أحداث القصة، لكن يذكرها - كما بينت - باختصار غير مخل، ثم يذكر بعد ذلك أهم الدروس التي يمكن أن يُستفاد منها من قصة نبي الله آدم عليه السلام وعداوة إبليس له. أحد هذه الدروس على سبيل المثال، أننا نحن البشر من طبيعتنا وتكويننا البشري الوقوع في الخطأ.

والدرس الآخر هو ضرورة التوبة والاستغفار والندم بعد الوقوع في الخطأ وعدم الإصرار على المعصية والخطأ، كما فعل أبونا آدم وأمنا حواء، فما أن ناداهم ربهما مذكراً لهما بنهيه لهما عن أكل الشجرة، حتى (قالا ربّنا إننا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين). (الأعراف:23). وغيرها من الفوائد الكثيرة التي أبدع المؤلف في استنتاجها.

ويتسلسل الكتاب بهذا الأسلوب الرائع، فيطوف بنا في جولة ماتعة نافعة مع قصص القرآن بدءاً من قصة آدم، وقصة ابنيه هابيل وقابيل، وقصة نوح وهود وصالح وإبراهيم وإسماعيل ولوط وشُعيب ويوسف وموسى وداود وسليمان وأيوب ويونس وعيسى - عليهم السلام -، ثم قصة لقمان وذي القرنين وقارون وأصحاب القرية وأصحاب الكهف وأصحاب الأخدود، وقصة صاحب الجنتين وقصة أصحاب الفيل وغيرها. وهذه القصص جميعها جعلها المؤلف في الباب الأول من الكتاب.

ثم خصص المؤلف الباب الثاني في قصص القرآن ليكون عن نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، بدءاً من قصة بدء نزول الوحي عليه وبداية الدعوة السرية وما تلتهما من أحداث حتى وفاته - عليه أفضل الصلاة والسلام -.

الكتاب ضخم جداً يقع في ٨٣٠ صفحة من القطع الكبير، وواضح الجهد الكبير الذي بذله المؤلف في تأليف هذا الكتاب، حيث قام بالرجوع إلى عشرات وعشرات المراجع. ما يُميز الكتاب الآتي:

أولاً: سلاسة الأسلوب الذي يتمتّع به المؤلف، حيث تشعر وأنت تقرأ القصة والدروس المستفادة بانسيابية الكلام وترابطه وسهولة قراءته، مع عمقه في نفس الوقت، وهذه ميزة للمؤلف فليس كل أحد يستطيع ذلك. وميزة هذا الأسلوب أن يجعل الكتاب سهل القراءة على شرائح مختلفة من القُرّاء، فيعم نفعه أكثر، بخلاف الكتب التي كُتبت بلغة صعبة ومعقدة حيث يكون قُرّائها محدودين.

ثانياً: الكم الهائل من المعلومات التي يرد ذكرها في كل قصة، فكما ذكرت، قد لجأ المؤلف إلى مراجع كثيرة جداً، ليخرج لنا هذا العسل المُصفى، وما علينا سوى أن نشربه ونستمتع به.

ثالثاً: الكتاب ليس سرداً لقصص القرآن فقط، بل يحوي على إبداع فريد من حيث استخراج المؤلف لعشرات الفوائد في كل قصة، وهنا تظهر عبقرية المؤلف، فهو لم يكتفِ بسرد القصص وشروحها، فهو يعلم أن هناك كتباً كثيرة سبقت كتابه ذكرت كل ذلك بالتفصيل، لكنهُ أضاف بصمته القوية وأعمل فِكره وجهده في استخراج الفوائد من كل قصة، وهي فوائد قد لا تخطر على بال الكثيرين منا حين يقرأ هذه القصص.

رابعاً: لم يُثقل المؤلف كتابه بحواشي المراجع في صفحات الكتاب، ولعل السبب في ذلك الرغبة في التسهيل على القارئ، واستخدم المؤلف طريقة ذكر المرجع بأن يذكره في النص نفسه، لكن بخط أصغر ولون مختلف. وهذه طريقة جميلة لا تشوش على القارئ ولا تشتته.

الكتاب مهم جداً ويستحق أن يُقرأ في كل زمان وبالأخص في شهر رمضان، شهر القرآن، بل أن يُدّرس في المساجد وتقرأه الأسرة في البيت. وأنا على يقين أن من يقرأ هذا الكتاب الضخم سيخرج من قراءته وقد تغيّر فيه الكثير.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: قصص القرآن عبد الکریم المؤلف فی بعد ذلک

إقرأ أيضاً:

أمين البحوث الإسلامية: الأزهر يبني جسور الحوار مع الشباب لتحصينهم من التيارات المنحرفة

أكد الدكتور حسن يحيى، الأمين المساعد للجنة العليا للدعوة بمجمع البحوث الإسلامية، أن المشروع الدعوي للأزهر الشريف المتمثل في سلسلة «أسابيع الدعوة». 

يأتي ذلك تنفيذًا لتوجيهات الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وإشراف الدكتور محمد عبد الرحمن الضويني وكيل الأزهر، والدكتور محمد عبد الدائم الجندي الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، بهدف بناء وعي الشباب وتعزيز انتمائهم الوطني والديني.

جاء ذلك خلال كلمته في فعاليَّات الأسبوع الثاني عشر للدعوة الإسلاميَّة، الذي تعقده اللجنة العُليا للدعوة في جامعة (بنها) تحت عنوان: (الإيمان أولًا).

للتحاور معهم.. رئيس جامعة الأزهر يقرر إنشاء مجلس شهري للطلاب الوافدينملتقى التفسير بالجامع الأزهر: البحار شاهد حي على الإعجاز العلمي في القرآنشيخ الأزهر للسفير الياباني: 6 منح دراسية لأبناء الجالية المسلمة ومستعدون لتدريب أئمة طوكيووكيل الأزهر: الانفتاح على الشباب وتحصينهم من الأفكار المنحرفة ضرورة

الدكتور حسن يحيى: الأزهر الشريف يعي تمامًا أهمية احتضان الشباب

وأوضح «يحيى» أن أسبوع الدعوة بجامعة بنها يأتي تحت عنوان «الإيمان أولًا»، وهو خطوة جديدة في مسيرة بناء الإنسان التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي، مشيرًا إلى أن الأزهر الشريف يعي تمامًا أهمية احتضان الشباب وتحصين عقولهم من التيارات الفكرية المنحرفة، بوصفهم "صُنو الحضارة وحَمَلة راية المستقبل".

وأضاف الأمين المساعد للجنة العليا للدعوة بمجمع البحوث الإسلامية، أن الهدف من هذه الأسابيع هو بناء جسر حوار صادق مع الشباب، لاستقصاء تساؤلاتهم الفكرية، وفهم تحدياتهم الواقعية، وتلبية احتياجاتهم الروحية، وتحويل تلك التساؤلات إلى مواد علمية وبحثية تُحلَّل وتُقدَّم في صورة برامج ميدانية، وورش عمل، وحملات توعية، ومحتوى إلكتروني عبر منافذ النشر بالأزهر الشريف.

وختم «يحيى» كلمته بالتأكيد على أن الأزهر الشريف ومؤسساته الدعوية يعملون وفق رؤية علمية وميدانية متكاملة تعزز الوعي بقيم الإسلام الوسطية، وتبني الجيل الواعي المسؤول، وتربط بين العلم والإيمان. 

ووجه الشكر إلى القيادة السياسية المصرية، وفضيلة الإمام الأكبر، ومحافظ القليوبية، ورئيس جامعة بنها على دعمهم الكبير لأنشطة الدعوة والتوعية في ربوع مصر.

طباعة شارك الدكتور حسن يحيى الأمين المساعد للجنة العليا للدعوة بمجمع البحوث الإسلامية البحوث الإسلامية الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر

مقالات مشابهة

  • ما حكم إلقاء السلام على قارئ القرآن؟.. الإفتاء تجيب
  • أمين البحوث الإسلامية: الأزهر يبني جسور الحوار مع الشباب لتحصينهم من التيارات المنحرفة
  • حكم كتابة القرآن على الأرض من أجل حفظه وتعلمه.. الإفتاء: تجوز بشروط
  • 7 محطات في القرآن لراحة البال والسكينة.. يغفلها الكثيرون
  • رابط التسجيل في مسابقة الأزهر لحفظ القرآن الكريم.. جوائز 450 ألف جنيه سَجِّلْ الآن
  • ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين.. تكريم إلهي لأرض الكنانة ذكرت في القرآن 5 مرات صراحة
  • الفرق بين الإيمان والإسلام ودقة استعمال كل منهما في القرآن والسنة
  • آخر ما نزل من القرآن الكريم وسبب اختلاف المفسرون
  • لماذا سميت سورة الرحمن بعروس القرآن؟.. 5 أسباب عليك معرفتها
  • حكم الدعاء على أهل الكتاب في خطبة الجمعة