أثار المقال التحليلي الذي نشره يوسف عزت، المستشار السياسي السابق لقائد "الدعم السريع"، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية السودانية. فبصفته شخصية كانت في قلب صنع القرار داخل المليشيا، قدم عزت تحليلاً داخلياً كاشفاً عن حالة الفوضى والانفلات التي تعيشها قوات "الدعم السريع"، مما جعل المقال يبدو وكأنه شهادة على تراجع مشروع آل دقلو سياسياً وعسكرياً.
تفكيك الرواية من الداخل ما يجعل تحليل عزت مهماً ليس فقط موقعه السابق في التنظيم، بل أيضاً كونه لم يأتِ من خصوم المليشيا التقليديين، بل من أحد عرّابيها السياسيين. لقد رسم صورة قاتمة عن مستقبل المليشيا، مؤكداً أنها تعاني من أزمة بنيوية في القيادة، وضعف في الإدارة، وانحسار في التأييد الشعبي. هذا الاعتراف من شخصية قيادية سابقة يُعدُّ بمثابة نعي رسمي للمشروع الذي حاولت قيادة المليشيا الترويج له.
تراجع التأييد الشعبي وفقدان السيطرة أحد أبرز النقاط التي تناولها عزت هو فقدان "الدعم السريع" لتأييد القواعد الشعبية، خاصة في المناطق الحضرية. حيث تسببت عمليات النهب والانتهاكات في تقويض صورة المليشيا. فبدلاً من تقديم نفسها كقوة منضبطة ذات رؤية سياسية، أصبحت تُعرف بأنها مجموعة من العناصر غير المنضبطة التي تمارس الفوضى، مما أدى إلى تآكل الدعم المجتمعي وارتفاع وتيرة العداء تجاهها.
ضعف القيادة وتعدد مراكز القرار تناول عزت بالتفصيل أزمة القيادة داخل "الدعم السريع"، مشيراً إلى غياب مركز موحد لاتخاذ القرار. فبين القائد الأول (حميدتي) ونائبه (عبد الرحيم دقلو) ظهرت صراعات خفية أدت إلى تضارب القرارات، مما زاد من ارتباك المشهد الداخلي للمليشيا. كما أن تدخلات العائلة والمقربين زادت من تعقيد إدارة الصراع، مما جعل القرار السياسي والعسكري محكوماً بديناميكيات غير مؤسسية.
الصراعات الداخلية والانشقاقات لم تكن تصريحات عزت هي المؤشر الوحيد على التفكك الداخلي داخل "الدعم السريع". في أكتوبر 2024، انشق قائد في قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة وانضم إلى الجيش السوداني، مما كشف عن عمق الانقسامات الداخلية. كما أن توقيع قوات "الدعم السريع" وحلفائها ميثاقًا في نيروبي، كينيا، في فبراير 2025 لتشكيل حكومة موازية، زاد من حدة الجدل حول استراتيجيتها السياسية، حيث اعتُبر خطوة تزيد من عزلة المليشيا وتقوّض فرص الحل السياسي الشامل.
التناقضات في الخطاب السياسي لم يُغفل عزت الإشارة إلى أن "الدعم السريع" تبنّت خطاباً سياسياً متناقضاً، حيث رفعت شعارات مناهضة للإسلاميين لكسب تعاطف القوى المدنية، بينما استوعبت في صفوفها عناصر تنتمي إلى النظام السابق، مما أفقدها المصداقية. كما أن تحالفاتها السياسية كانت انتهازية ولم تقم على رؤية استراتيجية، بل كانت مجرد أدوات تكتيكية تنتهي صلاحيتها مع تغير المواقف.
التحالفات الهشة وسوء التقدير الاستراتيجي أحد أخطر ما ورد في مقال عزت هو أن المليشيا لم تستطع بناء تحالفات استراتيجية مستدامة، حيث تعاملت مع القوى السياسية والعسكرية على أساس تكتيكي، مما جعلها تبدو كفاعل انتهازي يفتقر إلى رؤية بعيدة المدى. كما أن مشروع "السودان الجديد"، الذي تبنته مؤخراً، يتناقض مع بنيتها القبلية والولائية، مما يجعل تحقيقه ضرباً من الخيال.
الانعكاسات المستقبلية: ما بعد عزت ما يثير التساؤل بعد مقال عزت هو ما إذا كانت قيادة "الدعم السريع" قادرة على إصلاح هذه الاختلالات البنيوية أم أن المليشيا تتجه نحو مزيد من التفكك؟ فغياب القيادة الموحدة، والافتقار إلى الرؤية الاستراتيجية، وتصاعد الغضب الشعبي، كلها مؤشرات على أن المشروع يواجه أزمة وجودية قد تؤدي إلى تآكله من الداخل.
خاتمة: شهادة وفاة أم محاولة إنقاذ؟ إذا كان يوسف عزت قد أراد من مقاله تقديم نقد إصلاحي، فإن النتيجة النهائية جاءت أقرب إلى إعلان وفاة لمشروع "الدعم السريع" السياسي والعسكري. فقد فضح المقال تناقضات القيادة، وضعف التنظيم، والانتهازية في التحالفات، مما يجعل من الصعب تصور استمرار المليشيا كفاعل سياسي وعسكري في المشهد السوداني مستقبلاً.
قد يكون مقال عزت محاولة أخيرة لإصلاح ما يمكن إصلاحه، لكنه في نظر الكثيرين جاء بمثابة "رصاصة الرحمة" على مشروعٍ انهار قبل أن يكتمل.
[email protected]
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدعم السریع کما أن
إقرأ أيضاً:
منشقون عن المجلس الاستشاري للدعم السريع: شهدنا على انتهاكات وفظائع
بورتسودان- أعلن خمسة من أعضاء المجلس الاستشاري بقوات الدعم السريع انشقاقهم عنها، واتهموها بارتكاب انتهاكات "تجاوزت كل الخطوط الوطنية والأخلاقية".
وأدلى المنشقون ببيان في مؤتمر صحفي بمدينة بورتسودان أقامته وزارة الثقافة والإعلام بالشراكة مع وكالة السودان للأنباء، اليوم الأحد، جاء فيه "نعلن انشقاقنا الكامل والنهائي عن ما يسمى مليشيا الدعم السريع، وذلك بعد أن تبين لنا بالدليل القاطع أن هذه المليشيا قد تجاوزت كل الخطوط الوطنية والأخلاقية، وأصبحت أداةً لتدمير السودان وتمزيق نسيجه الاجتماعي، وانتهاك كرامة مواطنيه..".
والمنشقون هم:
مودبو إبراهيم بابجي، رئيس دائرة الحكم والإدارة بالمجلس الاستشاري لقائد الدعم السريع، الأمين العام المؤسس للإدارات المدنية بمناطق سيطرة الدعم السريع. الشيخ محمد أحمد عليش، رئيس الدائرة القانونية بالمجلس الاستشاري لقائد الدعم السريع، رئيس تحالف "قمم" بولاية الخرطوم. عبد العظيم سليم محمد علي، عضو المجلس الاستشاري لقائد الدعم السريع، رئيس الدائرة القانونية بتحالف "قمم". عباس محمد عبد الباقي، عضو المجلس الاستشاري لقائد الدعم السريع، مستشار محلية شرق النيل. بابكر خليفة محمد، عضو المجلس الاستشاري لقائد الدعم السريع، ومستشار سياسي له.وقالت المجموعة المنشقة في بيانها، إن انشقاقها جاء بعد أن كان أعضاؤها "حضورا وشهودا لكثير من المواقف والوقائع ورسم السياسات التي ظلت تنسجها المليشيا وشركاؤها من بعض القوى السياسية والتي كانت تهدف إلى تدمير السودان وتشريد شعبه وطمس هويته وتاريخه ونهب ثرواته".
كما أعلنت عزمها مخاطبة الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي بوقف الدعم غير المباشر لمن وصفتها بـ "المليشيا المتمردة" وفضح محاولات شرعنتها.
يقول رئيس الدائرة القانونية لقائد الدعم السريع الشيخ محمد أحمد عليش، إن ارتباطهم بقوات الدعم السريع كان قبل الحرب؛ حيث كانوا أعضاء بالقطاع السياسي وأعضاء مؤسسين للمجلس الاستشاري، وبعد شهرين من قيام الحرب كان الخيار بين مغادرة الخرطوم والبقاء إلى جانب أهلهم وحمايتهم قانونيا.
إعلانوأضاف أنهم كانوا شهودا على الانتهاكات التي تحدث، وأنهم اتخذوا قرارا بصفتهم قانونيين بأن يكون لهم دور واضح في مناطق سيطرة الدعم السريع، حيث تواصلوا مع قيادتها وقدموا رؤية قانونية متكاملة تبدأ بتجفيف كافة المعتقلات في ولاية الخرطوم، وتغطية الفراغ القانوني الموجود بها.
ويقول عليش "بعد مشاورات تمت الموافقة على بعض الأعمال، بينما رفضت أخرى وهي تجفيف المعتقلات والسجون". وكان هناك نوعان من المعتقلات:
"معتقلات سرية " تتبع لأشخاص وليس لمؤسسة الدعم السريع القدرة على السيطرة عليها، حيث كان يديرها قادة الدعم السريع. وكان هناك سجن كبير وهو "سجن سوبا".أوضح عليش أن سجن سوبا كان يحتوي على نحو أربعة آلاف سجين منهم أسرى من المواطنين و"آخرين". وقال في شهادته إن السجن "به جرائم ترقى إلى جرائم حرب، لم يكن هناك أكل أو شراب ولا رعاية صحية.."، وأن "عدد الوفيات تجاوز (40 ـ 50) شخصا في اليوم بسبب غياب الرعاية الصحية، وتبقى الجثة أحياناً خمسة أو ستة أيام قبل دفنها".
يضيف عليش عن المعتقلات الموجودة في ولاية الخرطوم "كنا نمر عليها ولكن لم تكن لدينا عليها سُلطة لأنها كانت تخص قادة الدعم السريع؛ حيث كان القادة يبتزون الأهالي لإطلاق سراح ذويهم، وأصبح الأمر موضوعا للتكسب المادي".
أما إبراهيم بابجي، رئيس الإدارة والحكم المنشق عن المجلس الاستشاري للدعم السريع، فقال إن الدوافع الحقيقية وراء انشقاقهم هو ممارسات هذه القوات والتهديد الوجودي الذي شكلته على الدولة السودانية.
وقال بابجي في تصريح خاص للجزيرة نت، إن من أهم أسباب انشقاقهم "عن المليشيا المتمردة" هي الحمولة الأخلاقية العالية نتيجة الانتهاكات الواسعة التي طالت المدنيين من الدعم السريع، والتدخل الأجنبي السافر، وأن الدعم السريع صارت "مجرد أداة لقوى خارجية" وأن "مجتمعاتهم تم استغلالها لتفتيت البلاد".
وأوضح بابجي، أنه لإقناع قيادة الدعم السريع بالموافقة على وجود إدارة مدنية، اشترطت فرض رسوم وضرائب غايتها توريد سلاح. وقال إن قيادة الدعم السريع حاولت إجهاض تجربة الإدارات المدنية بحجة الشركاء وكانوا يقصدون القوى السياسية السودانية من "تقدم، وصمود، وتأسيس، والحرية والتغيير..".
في حديثه اليوم ببورتسودان قال العضو المنشق عبد العظيم سليم محمد علي، إن الحرب في السودان لم تقم مصادفة "بل قامت لأن هناك قوى سياسية حاولت استغلال بندقية الدعم السريع للوصول للحكم، وهي لا تزال حتى الآن تنسق مع مليشيا الدعم السريع..".
وأشار في حديثه إلى انتهاكات فظيعة حتى الموت في المعتقلات. وأكد أن عمليات النهب التي مارستها قوات الدعم السريع تمت بصورة ممنهجة ومقصودة لإفقار الناس، وهو ما حدث في الخرطوم والجزيرة.
من ناحيته، قال وزير الثقافة والإعلام السوداني خالد الإعيسر، في المؤتمر الصحفي "نرحب بالذين جاؤوا وهي إشارة إلى أنهم أدركوا أن الخط الذي كانوا يسيرون عليه في السابق هو خط مخادع ولا يخدم القضية الوطنية المركزية..".
وأضاف "أن مثل هذه الأحداث المهمة ستفتح باب التنوير لبقية حاملي السلاح..". واتهم قوات الدعم السريع بمخادعة شعوب ومواطنين وقبائل المناطق التي سيطرت عليها، وغررت بعدد كبير من الشباب.
وطالب المنشقين بضرورة تكثيف العمل الإعلامي لمخاطبة "المغرر بهم في تلك المناطق حتى يعودوا إلى الصواب"، وقال إن "الدولة السودانية المركزية تستوعب كل أبناء السودان..".