لن تكتمل مناقشتنا لمقولة «الحلقة الشريرة» إلا بالحديث عن كيفية كسرها وتفكيكها، وسنتطرق إلى ذلك في مقالات قادمة. أما في مقال اليوم والمقال القادم فسنناقش ما نعتقده بدور للمجتمع الدولي في تغذية «الحلقة الشريرة» في السودان، ومدخلنا لذلك ما دار في جلسة مجلس الأمن الدولي بتاريخ 13 مارس/آذار الجاري حول الكارثة الإنسانية في السودان، حيث قدمت كل من منظمة «اليونسيف» ومنظمة «أطباء بلا حدود» تقارير صادمة عن الكارثة والمعاناة التي لا تُصدق والعنف المروع في البلاد.
بالأرقام والشواهد الميدانية، يدلل تقرير «اليونسيف» على أن حرب السودان المشتعلة قرابة العامين أنتجت أكبر أزمة إنسانية وأكثرها تدميرا في العالم. فبالإضافة إلى الموت والمجاعة وتفشي الأوبئة وتدمير البنية التحتية، وغير ذلك من الانتهاكات لحقوق الناس الأساسية، فإن ما يعادل ثلثي السكان، منهم 16 مليون طفل، سيحتاجون هذا العام إلى مساعدات إنسانية، وثلاثة ملايين طفل دون سن الخامسة معرضون للموت بسبب تفشي الأمراض المميتة، وأن 16.5 مليون طفل، أي جيل كامل تقريبا، أصبحوا فاقدي التربية في المدراس، وحولي 12.1 مليون امرأة وفتاة وعددا متزايدا من الرجال والفتيان والأطفال معرضون لخطر العنف الجنسي المنتشر في السودان اليوم. ويقول التقرير إن «العنف الجنسي في السودان يُستخدم لإذلال شعب بأكمله وإرهابه والسيطرة عليه وتفريقه وإعادة توطينه قسرا» وأن الصدمة التي يعاني منها الأطفال جراء ما يصيبهم من أذى جسدي ونفسي ستخلف ندوبا عميقة لن تنتهي بتوقيع وقف إطلاق النار أو اتفاق سلام. وأن كل هذه الانتهاكات تحدث في السودان وهو يشهد انهيارا لسيادة القانون وإفلاتا تاما من العقاب. واختتمت منظمة «اليونسيف» تقريرها بدعوة العالم أن يقف متحدا لحماية أطفال السودان والبنية التحتية التي يعتمدون عليها للبقاء على قيد الحياة، وأن يمنع جميع أشكال الدعم العسكري للأطراف، وأن يضمن استمرار «اليونيسف» وجميع المنظمات الإنسانية الأخرى في تقديم خدماتها للأطفال في السودان، مؤكدة أن التعبئة المكثفة للموارد وحدها يمكن أن تنقذ حياتهم ومستقبلهم.
أما منظمة «أطباء بلا حدود» فشددت في تقريرها على أن حرب السودان يتم تأجيجها من الخارج، ويوميا تتأكد حقيقة أنها حرب على الناس، وأن العنف ضد المدنيين ليس مجرد نتيجة ثانوية للصراع، بل هو جوهر شن هذه الحرب في جميع أنحاء السودان! وأن الآثار المدمرة للحرب تتفاقم بسبب القيود المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية إما عمدا أو نتيجة للشلل البيروقراطي أو إنعدام الأمن أو انهيار الحكم. وضرب التقرير مثالابالعقبات البيروقراطية التي تفرضها قوات الدعم السريع من خلال «الوكالة السودانية للإغاثة والعمليات الإنسانية» مؤكدا أن منظمات الإغاثة التي تحاول إيصال المساعدات في المناطق الخاضعة لسيطرة الدعم السريع تواجه خيارا مستحيلا. ووجه تقرير منظمة «أطباء بلا حدود» انتقادا لاذعا لمجلس الأمن الدولي في تعامله مع كارثة السودان قائلا: «بينما تُدلى البيانات في هذه القاعة، يظل المدنيون في السودان بلا حماية، يتعرضون للقصف والحصار والاغتصاب والتشريد، وهم محرومون من الطعام والرعاية الطبية والكرامة. وأن فشل مجلس الأمن في ترجمة نداءات المنظمات الإنسانية المتكررة إلى أفعال، يبدو وكأن المجلس يتخلى عن مواجهة العنف والحرمان في السودان، مشيرا إلى أن إعلان جدة كان ينبغي أن يكون لحظة فاصلة، لكنه أصبح مجرد درع خطابي مناسب يُستدعى للتعبير دون إتخاذ إجراءات حقيقية وملموسة».
وشدد التقرير على أن ملايين الأرواح في السودان تتطلب من المجتمع الدولي تحولا جذريا عن نهج الماضي الفاشل، داعيا إلى ميثاق جديد يصون بقاء الشعب السوداني وكرامته، ويخضع لمراقبة مستقلة، تدعمه آلية مساءلة قوية تضمن التزام جميع أطراف النزاع بتعهداتها.
وبالطبع، فإن ما جاء في التقريرين هو تأكيد للمؤكد الذي يعرفه ويحسه المواطن السوداني البسيط في لحمه ودمه، ومع ذلك يجب أن نحمد للمنظمتين مواصلتهما الطرق على الكارثة ومحاصرة مجلس الأمن للانتقال من ردود الفعل الكلامية المكررة والمعروفة سلفا، والتي لا تخرج عن نطاق الإحاطة والشجب والإدانة والمطالبة، إلى اتخاذ أفعال وتدابير ملموسة بموجب القوانين والشرعية الدولية. وحتى الميثاق الجديد الذي اقترحته منظمة «أطباء بلا حدود» رغم وجاهته، ليس هناك ما يؤكد أنه لن يظل حبيس وثائق اجتماعات مجلس الأمن الدولي. أما إيرادنا التقريرين وردة فعل مجلس الأمن تجاههما فكمدخل لمناقشتنا حول دور المجتمع الدولي في استمرار دوران «الحلقة الشريرة» في السودان، وسنفصل ذلك في مقالنا القادم. ولكن، مادمنا ننتقد تقصير وتقاعس المجتمع الدولي ومجلس الأمن في مجابهة كارثة السودان التي يصفها الجميع بأسوأ كارثة في العالم، فمن الطبيعي أن يتوجه إلينا أحدهم بسؤال حول ما الذي يمكن أن يفعله مجلس الأمن أو المجتمع الدولي تجاه هذه الكارثة ولم يفعله؟ ونجيب بأن هناك مجموعة من الخيارات كان يمكن تفعيلها ولم يتم ذلك، مع أن تنفيذها في متناول اليد، ولكنه يتطلب إرادة سياسية. ونكتفي هنا برصد خيارين نراهما رئيسيين وأساسيين،
الخيار الأول يتعلق بإعادة النظر في منهج تعامل المجتمع الدولي مع المساعدات الإنسانية للسودان. وهنالك العديد من المقترحات المقدمة في هذا الصدد منها، توصيات مؤتمر القضايا الإنسانية الذي نُظم في القاهرة، نوفمبر/تشرين الثاني 2023، والتي تتضمن خارطة طريق واضحة المعالم قدمت للمنظمات الدولية المعنية وقيادات المجتمع الدولي ولكنها ظلت حبرا على الورق حتى الآن. ومنها اقتراحات الخبراء السودانيين العديدة، وآخرها اقتراح الدكتور صلاح الأمين بإشراك الخبراء والفاعلين السودانيين في المؤتمر الذي ستنظمه بريطانيا حول السودان للخروج بخطة عمل وآليات تنفيذها. أما الخيار الثاني فهو اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤوليته في حظر تدفق الأسلحة إلى البلاد ومن جهات معروفة لديه، إلا إذا كان من أهدافه تشجيع استمرار الحرب وتغذية «الحلقة الشريرة» في السودان!
نقلا عن القدس العربي
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحلقة الشریرة المجتمع الدولی أطباء بلا حدود فی السودان مجلس الأمن
إقرأ أيضاً:
بتوجيهات ذياب بن محمد بن زايد..مجلس الشؤون الإنسانية الدولية يُطلق مبادرة “صُناع الأثر “
أكد سمو الشيخ ذياب بن محمد بن زايد آل نهيان، نائب رئيس ديوان الرئاسة للشؤون التنموية وأسر الشهداء، رئيس مجلس الشؤون الإنسانية الدولية، رئيس مجلس أمناء مؤسسة إرث زايد الإنساني أهمية إثراء المحتوى الإنساني بوصف ذلك مسؤولية مؤسسية ومجتمعية مشتركة تضطلع بها المؤسسات الإعلامية مع صانعي المحتوى الرقمي المتنوع في ظل اهتمام القيادة الرشيدة للدولة ودعمها الكبير لرفد المواهب العربية الشابة بالأدوات والمهارات المتقدمة في مجال السرد القصصي المرتبط بالعمل الإنساني والتنموي، وتعزيز التعاضد المجتمعي، وتسليط الضوء على الجهود الإنسانية الرائدة والمساهمات التنموية البارزة والمؤثرة إيجاباً في حياة ملايين الناس في مختلف قارات العالم، لافتاً إلى أن لدولة الإمارات مبادرات ومشروعات إنسانية عظيمة تعكس مكانتها العالمية الرائدة.
جاء ذلك بمناسبة إطلاق مجلس الشؤون الإنسانية الدولية بتوجيهات سمو الشيخ ذياب بن محمد بن زايد آل نهيان مبادرة “صُناع الأثر” بالتعاون مع أكاديمية الإعلام الجديد، وتشمل عدداً من البرامج التعليمية والورش التدريبية المتخصصة في الإعلام الرقمي المرتبط بمختلف المجالات الإنسانية والتنموية.
وشدَّدَ سموه على ضرورة تمكين الأفراد من إنشاء محتوى إنساني إيجابي ومؤثر يتناول مختلف القضايا الإنسانية، وزيادة الوعي المجتمعي بهذه القضايا من خلال استخدام مهارات السرد القصصي واستراتيجيات الإعلام الملائمة لدعم الجهود المؤسسية والمجتمعية ذات الأبعاد الإنسانية المتعددة، لاسيما المشروعات والمبادرات والبرامج الإنسانية المُوجهة إلى المجتمعات المُحتاجة والشعوب الأكثر تأثُّراً واحتياجاً للحصول على الخدمات الأساسية في المجالات التعليمية والصحية، كأولويات حياتية ذات أهمية قصوى في تحقيق التنمية والازدهار وضمان الأمن والاستقرار.
تستهدف المبادرة العاملين في ميدان الصحافة من المتخصصين في الشأن الإنساني والتنموي، مثل الصحفيين وفرق التصوير وصناع المحتوى المتخصصين في الشأن الإنساني، ممن يمتلكون الشغف في صناعة المحتوى الرقمي حول المبادرات والبرامج الإنسانية والتنموية والخيرية، لتعزيز قدراتهم على فهم وكتابة وتوزيع البيانات الصحفية التي تعكس الجهود الإنسانية، وطـــــرق السرد القصـــــصي المختـــــلفة، وتقنيــــــات الترجمة الصوتية والصورية، لتناسب مختلف القوالب الصحفية والوسائل المستخدمة في النشر.
وتهدف المبادرة إلى استقطاب صّناع المحتوى الرقمي من دولة الإمارات ومختلف أنحاء الوطن العربي والدول الصديقة في مختلف أنحاء العالم، للانضمام لعدد من البرامج التدريبية المتخصصة في الإعلام الرقمي، والتي تمكنهم من اكتساب المهارات والأدوات اللازمة لإنتاج محتوى إبداعي حول المبادرات والبرامج الإنسانية والتنموية والخيرية على مستوى العالم، بالإضافة إلى استقطاب المتحدثين الرسميين ممن يمثلون المؤسسات الإنسانية المانحة في دولة الإمارات والجمعيات الخيرية لتدريبهم على استراتيجيات السمعة المؤسسية وإدارة الأزمات إعلامياً.
تجدر الإشارة إلى أن البرامج التعليمية والدورات التدريبية تعمل على تطوير مهارات المؤثرين من أصحاب المواهب المتنوعة، وتمكنهم من تقديم محتوى إنساني هادف بأساليب متطورة، يسهم في إيصال رسالة إعلامية إنسانية لقطاعات واسعة من المتابعين.
وتواصل “أكاديمية الإعلام الجديد” تقديم الدعم لصناع المحتوى والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، لتمكينهم من تقديم رسالتهم بشكل احترافي يسهم في تطوير المجتمعات ورقيها وتنميتها، ومن بين تلك البرامج مبادرة “صناع الأثر” التي ستثري محتوى صانعي المحتوى وتلبي تطلعات متابعيهم في الاستفادة مما يقدمونه.
تتضمن مبادرة “صُناع الأثر” 5 برامج تدريبية، تبدأ مع برنامج “مهارات المتحدث الرسمي والظهور الإعلامي وإدارة الأزمات إعلامياً”، وبرنامج “صحافة التأثير الإنساني”، وبرنامج “صُناع محتوى التأثير الإنساني”، بنسختيه العربية والإنجليزية، بالإضافة إلى برنامج “صُناع محتوى التأثير الإنساني – بالشراكة مع مركز الشباب العربي”.