صناعة الكهوف في الوطن
عود لسياسة جنوب السودان 1930: عيسي فرتاك في عين العاصفة (2)
عبد الله علي إبراهيم
21/12/2010
متى وقع انفصال جنوب السودان في أول العام 2011 القادم فسنكون قد نكصنا بأعقابنا إلى 1930. ففي يناير القادم، سنة الاستفتاء في جنوب السودان، يمر 81 عاماً على إعلان سياسة الجنوب (25 يناير 1930).
وجوهر تلك السياسة أن يعتزل الجنوب الشمال في وحدات قبلية وعرقية قائمة على أعراف الأهالي المحلية وممارساتهم العقدية ما اتسقت مع الوجدان السليم. وأهم من ذلك أن ينفتح الجنوب على تأثيرات المسيحية واللغة الإنجليزية بغير حدود. وسينتظر الإنجليز وقتاً في المستقبل تكتمل للجنوب بنيته التقليدية المحدثة لينضم إلى شرق أفريقيا بصورة أو بأخرى.
أعقد ما واجهه الإنجليز في بحر الغزال هو سلطنة إسلامية لشعب الفروقي بها وعلى رأسها عيسى فرتاك. وكان تمسكه بالإسلام سببا لصدامه مع الإنجليز الذين اعترفوا له بحسن تصريفه للعدل في محكمته
فواقعة تحدي جماعة هينة كالكارا والبنقا للإنجليز كانت مزعجة وعبثية حتى إنهم فكروا في ضربهم بسلاح الجو. ولما أعيت بحر الغزال الحيلة مع الجماعتين تدخل السكرتير الإداري من الخرطوم واقترح عليهم إعادة رسم الحدود بين المديرتين ليحصلوا على نفس النتيجة وهي وضع البنقا والكارا في بحر الغزال. فإن لم يأت البنضلا والبنقا والكارا إلى حيث أراد لهم الإنجليز فليحركوا الحدود لبلوغ نفس الغاية.
أما أعقد ما واجهه الإنجليز في بحر الغزال فهو سلطنة إسلامية لشعب الفروقي بها وعلى رأسها عيسى فرتاك. وكان تمسكه بالإسلام سببا لصدامه مع الإنجليز الذين اعترفوا له بحسن تصريفه للعدل في محكمته. فقد ساءه ترحيله من موطنه ببلدة راجا إلى خور شمام في إطار الفرز الثقافي والإثني في غرب الغزال لتنقيتها من النفوذ العربي الإسلامي. وكان الإنجليز هددوه بحرق داره إن لم يترك راجا فانصاع، وعادت الإرسالية المسيحية في 1935 إلى راجا بعد ترحيل عيسى عنها.
كما أخذ الإنجليز من سلطانه جماعات مثل الكريش عدها الإنجليز "وثنية" أخذاً أضعف من نفوذ عيسى ومورده المالي. وبدأ الإنجليز في ترفيع مقام الكريش الذين لا يعرف لهم كيان سياسي متماسك من قبل. وكان بعضهم أسلم في خضم تقلبات حياتهم بين أفريقيا الفرنسية الاستوائية وبحر الغزال. ولغلبة الوثنية فيهم اتفق للتبشير أنهم حقل مناسب لشغله وسداً ينهض في وجه التأثيرات الشمالية. وجعلوا لغتهم، الكابلا، لغة رسمية على منطقتهم ومناطق أخرى.
وبلغ من ضيق عيسى بالإنجليز وزحف التبشير إلى شعبه أن طلب في 1931 من أمير مسلم بدارفور أن يؤويه. والتمس من الإنجليز أن يرحل بشعبه إلى دارفور، ولكنهم رفضوا. وكتب إلى المؤرخ محمد عبد الرحيم، الذي كان موظفا بدارفور، أن يحتج عنه للسيد علي الميرغني، زعيم جماعة الختمية، لما يلقاه هو والإسلام في بحر الغزال. وفصله الإنجليز من السلطنة حين تقدم بطلب للحاكم العام لإقامة مدرسة عربية في راجا في 1937، ونفوه إلى دارفور.
لم يكن الإنجليز على قلب رجل واحد حول تنفيذ سياسة الجنوب وإجراءاتها. فقد انقسموا إلى فريق بمركز الحكم بالخرطوم على رأسه ماكمايكل واضع سياسة الجنوب وفريق موظفيه بالجنوب ممن يسمون بـ"بارون البوق" والبوق هي بحر الغزال في الجنوب. وثارت بينهما أبدا خلافات لاختلاف المشارب والتعليم.
فالبارون معظمهم من العسكريين بينما كان إنجليز الشمال من كمبريدج وأكسفورد. فكان ماكمايكل يطلب من البارون ألا ينهضوا بالسياسة فعل جنكيزخان وتيمورلنك في المواضع الكثيرة التي يرى البارون وقد داسوا على البنزين. فهو مثلا حساس للرأي العام الشمالي، فلا يريد لموظفيه فعل شيء بالتجار الشماليين أو بمؤسسات إسلامية تحرك ثائرة الحركة الوطنية الشمالية. أما القبائل التي لا وجيع لها في الخرطوم فهو لم يعرهم كبير اهتمام. كما انقسم الإنجليز إلى إداريين دارفوريين وبحر غزاليين اختلفت آراؤهم جدا حول صفقات تحويل السكان من موضع إلى آخر.
عاد
وكان بعض الإداريين ناقداً لسياسة الجنوب لأنها لم تستصحب تنمية اقتصادية تجعلها تمكث في الأرض. ومن هؤلاء ق ل غليوت سميث (مفتش غرب بحر الغزال في 1940) الذي قال مغالياً "إذا جاء العربي للصيد أو للرعي أو الدعوة للإسلام أو للتجارة فهو ناشر للتأثير الشمالي لا محالة". وتقدم باقتراحات لزيادة طاقم إدارييه لإسعاف الوضع في غرب بحر الغزال. وقال أيضاً "لا يحصنون وضعاً متماسكا في أساسه بل يحيون موات وضع تهاوى، بفضل تسرب العرب والإسلام إلى المنطقة، ويردونه إلى أصله". وأضاف، تغييراً للمجاز، إن ضخ الماء إلى أعلى التل يستوجب جهداً أكثر من رعاية تدفقها الطبيعي إلى أسفل التل. فالتأثيرات العربية قد أفسدت القناة الطبيعية للتطور القبلي لمنطقة غرب بحر الغزال وأحالته مستنقعا مطلقاً في تهافت الكيان والمعنويات. وزاد بأنهم انتدبوا أنفسهم لمهمة لا مندوحة منها، وهي أن نضخ هذه التأثيرات الفاسدة مرجوعة إلى الشمال من حيث جاءت وتجسير الخرق وموالاة القناة ورعايتها حتى نقع على مخرج حسن. وأزعجت آراء سميث رؤساءه فنقلوه إلى الحبشة في 1941.
وعاد الإنجليز من فنطازيا قسمة السودان عرقياً وثقافياً، وقبلوا أن يستقل السودان موحداً في 1956 بعد إلغاء سياسة الجنوب في 1947. وهي الوحدة التي سينفصم عراها ربما وشيكاً. وبدأت صفوة المؤتمر الوطني والحركة شغل "المناطق المقفولة" للعام 1930، وهو فرز ما لهم مما ليس لهم من السكان في طريق الآلام الذي سنه لهم الإنجليز. وهم قدوة الحكم في سوم غمار الناس شقاء الهجرات اللامجدية لضمان صفاء العرق والثقافة. ولم يبالغ القائلون إن الحكم عندنا لم يتخط الخبرة الاستعمارية، ولهذا نرتجل الوطن ويستقل السودان بدل المرة مرتين.
ibrahima@missouri.edu
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فی بحر الغزال سیاسة الجنوب
إقرأ أيضاً:
في اجتماع برئاسة عمار النعيمي.. اعتماد سياسة الإعلام الحكومي ومؤشرات النتائج لرؤية عجمان 2030
عجمان (وام)
أخبار ذات صلةبرئاسة سمو الشيخ عمار بن حميد النعيمي، ولي عهد عجمان، رئيس المجلس التنفيذي، اعتمد المجلس، خلال اجتماعه أمس، سياسة الإعلام الحكومي لإمارة عجمان، والحزمة الأولى من مؤشرات النتائج لرؤية عجمان 2030، إلى جانب مناقشة عدد من الملفات الحيوية في قطاعات التعليم العالي، الاقتصاد، السياحة، الثقافة، والإعلام.
وأكد سمو الشيخ عمار بن حميد النعيمي، أنّ اعتماد سياسة الإعلام الحكومي ومؤشرات الأداء، يمثل خطوة نوعية في مسيرة تطوير العمل الحكومي، ويعكس التزام الإمارة بتعزيز الشفافية ورفع كفاءة الأداء، بما يترجم أهداف رؤية عجمان 2030، ويعزز مكانتها ضمن المنظومة الاتحادية.
وقال سموه: «الإعلام شريك أساسي في التنمية، ودوره يتجاوز نقل الخبر إلى تعزيز الوعي، وإبراز إنجازات الإمارة في خدمة الناس والمجتمع، نريد إعلاماً حكومياً يعكس فكر عجمان وقيمها، ويعمل بروح الفريق الواحد ضمن منظومة الاتصال الحكومي في الدولة».
وأضاف سموه: أنّ تبني سياسة موحدة في هذا المجال يهدف إلى ترسيخ صورة إيجابية للإمارة محلياً ودولياً.
وتمثّل سياسة الإعلام الحكومي إطاراً موحداً لتنظيم الاتصال الحكومي في الإمارة، وتنسيق الجهود الإعلامية بين الجهات الحكومية.
ويأتي اعتماد السياسة استناداً إلى عرض شامل قدّمه المكتب الإعلامي لحكومة عجمان حول تطوّر المنظومة الإعلامية بالإمارة، وتسهم السياسة في ترسيخ الصورة الإيجابية للإمارة من خلال ممارسات مهنية منسّقة تعزز الثقة والتواصل الفعّال مع مختلف فئات الجمهور، وتكرّس الشفافية والتكامل بين الجهات الحكومية.
كما اعتمد المجلس الحزمة الأولى من مؤشرات النتائج لرؤية عجمان 2030، بإجمالي 13 مؤشراً موزعة على 4 توجهات استراتيجية، تشمل 8 مؤشرات في بيئة الأعمال والنمو الاقتصادي، ومؤشرين لبناء الكوادر الوطنية القادرة على تحقيق تطلعات الإمارة، ومؤشراً لقياس جودة الحياة وجاذبية الإمارة الحضرية، ومؤشرين في مجال الثقافة والفنون لتعزيز الهوية الثقافية، ودعم الصناعات الإبداعية، وتهدف هذه الحزمة إلى تفعيل منظومة قياس الأداء الاستراتيجي، وتعزيز المتابعة المستمرة لتنفيذ الرؤية.
وأشار سمو ولي عهد عجمان إلى أن اعتماد هذه المؤشرات يمثل توجهاً جديداً نحو الحوكمة القائمة على البيانات والنتائج، قائلاً: «المرحلة المقبلة ستشهد تركيزاً أكبر على قياس الأثر الحقيقي للسياسات والمبادرات، فالقيمة الحقيقية لأي إنجاز تكمن في أثره على حياة الناس وجودة الخدمات المقدمة لهم».
وأكد سموه أن المؤشرات الاستراتيجية ستسهم في رفع كفاءة المتابعة الحكومية وتحسين عمليات التخطيط واتخاذ القرار، بما يعزز تنافسية الإمارة، ويواكب التطور الوطني في إدارة الأداء.