اليُتْمُ الذي وقف التاريخُ إجلالًا وتعظيمًا له
تاريخ النشر: 29th, March 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
بعد أن انتهيتُ من قراءة كتاب "عبقرية محمد" للمفكرِ العملاقِ عباس محمود العقاد، تذكَّرتُ على الفورِ قول اللهِ جلَّ جلالُهُ للنبيِّ الكريمِ سيدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم: "وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ"، فأدركتُ السرَّ في انجذاب كلِّ من اقترب من سيرته العطرة، وتذكرتُ على الفور أنه ليس هناك متشهدٌ ولا صاحبُ صلاةٍ إلا ويلهجُ باسمه.
ولذا، لم يدهشني إهتمام الكُتَّابِ في الشرق والغرب به، وقد قرأتُ بإعجابٍ شديدٍ آخرَ ما صدر من مؤلفاتٍ في الغرب عن خيرِ خلقِ اللهِ أجمعين، للكاتبةِ والمفكرةِ البريطانية "كارن أرمسترونج"،وهي مَنْ ؟ إنها الكاتبة المرموقة والباحثة الماهرة التي تتجنُّب التحيُّز الشخصي، ولا تُصدر الأحكام إِلَّا بعد فحص ما لديها من أدلَّةٍ وبراهين بتجرُّدٍ وشفافية، وقد كرَّست حياتها لدراسة الأديان السماوية، مثل الإسلام والمسيحية واليهودية، وكان كتابها "محمد: سيرة النبي"، والذي صدر عام ١٩٩١ وفيه قدَّمت فكرًا عميقًا، يُعدُّ هذا المؤلف من أبرزِ الأعمالِ التي قدَّمت رؤيةً موضوعيةً ومنصفةً عن النبيِّ الكريمِ في العالم الغربي. كما يُعدُّ جسرًا مهمًّا بين الثقافات، ودعوةً للحوارِ والتفاهمِ بين الأديان، بعيدًا عن الصور النمطيةِ والتشويهِ الإعلامي، فقدأَثْبَتَتْ فِي مُؤَلَّفِهَا هذا بأن النبي العظيم رجلًا ذا رؤيةٍ أخلاقيةٍ عَمِيقَةٍ...
ومن إنصافِها فى كتاباتها قالت: "كان محمدٌ رجلًا حنونًا، متواضعًا، وقائدًا بارعًا، لم يسعَ للسلطةِ بقدر ما كان يسعى لإحداث تغييرٍ أخلاقيٍّ عميقٍ في مجتمعه."
كما تناولت الكاتبةُ والباحثة دورَ النبيِّ الكريم في تحسينِ مكانةِ المرأةِ في المجتمع، حيث أشارت إلى أنه منحَ المرأةَ حقوقًا لم تكن موجودةً في الجاهلية، مثل حقِّ الإرث، وحقِّ التعليم، وحقِّ الاختيارِ في الزواج. وكان يسعى لتحريرِ المرأةِ من القهرِ الاجتماعي، ويدعو إلى معاملتها بكرامةٍ واحترام.
ولها أيضًا رأيٌ حرٌّ جريءٌ، إذ أكَّدت أن النبيَّ الكريمَ كان يسعى دائمًا إلى الحلولِ السلمية، وأن المعاركَ التي خاضها كانت دفاعية، ولم تكن من أجل التوسع أو فرض الدين بالقوة... وبذكاءٍ شديدٍ، اختارت صلح الحديبية وقالت عنه: "كان دليلًا واضحًا على براعةِ النبيِّ الكريم في إدارة النزاعاتِ بالسِّلمِ والحكمة، لأنه كان يؤمن بأن السلام هو الوسيلةُ الأقوى لنشرِ رسالته."
وهذه الشهادةُ من هذه الباحثة والتي تُعَدُّ واحدةً من أبرز الْباحثين في الأديان المُقَارَنَةِ تدحضُ الصورةَ السلبيةَ التي رسمها بعضُ المستشرقين لهذا النبي العظيم...
وقد تصدى لهؤلاء المستشرقين والشانئين المفكر الكبير عباس محمود العقاد في مواجهة هذه الافتراءات، حيث قال في كتابه الهام "عبقرية محمد": “إن التاريخ هو فيصل التفرقة بين محمدٍ وشانئيه، فحكمُه أنفذُ من حكمِ الشانئين والأصدقاء، وأنفذُ من حكمِ المشركين والموحدين، وأنفذُ من حكمِ المتدينين والملحدين... إنه حكم الله، وقد حكم له أنه كان في نفسه قدوة المهذَّبين، وكان في عمله أعظمَ الرجال أثرًا في الدنيا، وكان في عقيدته مؤمنًا يبعث الإيمان، وصاحبَ دينٍ يبقى ما بقيت في الأرض أديان، وسيطلع في الأفق هلالٌ، ويغيبُ هلالٌ، وسيذهب في الليل قمرٌ، ويعودُ قمرٌ، وتتعاقب هذه الشهور التي كأنها جُعلت التاريخَ ما بين الصدور، لأن الناس لا يؤرخون بها مواسمَ الزرع، ولا مواعيد الأشغال، ولا أدوار الدواوين والحكومات، ولا ينتظرونها إلا هدايةً مع الظلام، وسكينةً مع الليل: أشبه شيءٍ بهداية العقيدة في غياهب الضمير”.
وقبل أن يَخْتِمَ الكاتب الكبير عباس محمود العقاد صفحات كتابه "عبقرية محمد"، اختار يوم هجرة النبي إلى المدينة فكتب: "ستطلع الأقمار بعد الأقمار، وتقبل السنة القمرية بعد السنة القمرية، وكأنها تقبل بمعلمٍ من معالم السماء يوميء إلى بقعةٍ من الأرض: هي غار الهجرة، أو يوميء إلى يومٍ لمحمدٍ هو أجملُ أيامِ محمد، لأنه أدلُّ الأيام على رسالته، وأخلصها لعقيدته ورجاء سريرته، وهو يوم التقويم الذي اختاره المسلمون بإلهامٍ لا يعلوه تفكيرٌ ولا تعليم..."
ختامًا.. لقد عشتُ أوقاتًا ممتعةً مع كتاب "عبقرية محمد" للمفكر الكبير عباس محمود العقاد، ومن خلال صفحات هذا الكتاب شاهدت التاريخ يقف إجلالًا وتعظيمًا لهذا اليتيمِ الذي بُعث رحمةً للعالمين.. صلى الله عليك وسلم يا خير خلق الله أجمعين...
اللهم إنا نُشهدك أنه بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فاللهمَّ اجزه عنا خير ما جزيتَ نبيًّا عن قومه، ورسولًا عن رسالته...
ولنا لقاء الأسبوع القادم، بإذن الله، مع قراءة فى كتاب ممتع جديد...
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: عباس محمود العقاد عبقریة محمد
إقرأ أيضاً:
"التربية" تعلن نتائج النسخة الـ49 من مسابقة القرآن الكريم
مسقط- الرؤية
اعلنت وزارة التربية والتعليم ممثلة بالمديرية العامة لتطوير المناهج نتائج النسخة الـ49 من مسابقة القرآن الكريم على مستوى الوزارة للعام الدراسي 2024/ 2025، إذ تُعد من أقدم المبادرات التربوية في سلطنة عمان، التي تهدف إلى تعزيز الارتباط بكتاب الله تعالى، وترسيخ قيمه ومبادئه في نفوس الطلبة بمختلف المراحل التعليمية.
نتائج المسابقة
وتميزت المسابقة هذا العام بمستوى عال من روح المنافسة على مستوى الطلبة والمحافظات التعليمية، حيث حققت تعليمية محافظة الداخلية المركز الأول على مستوى الوزارة، وجاءت تعليمية محافظة ظفار في المركز الثاني، وحصول تعليمية محافظة شمال الباطنة في المركز الثالث.
تاريخ المسابقة
وأكدت الوزارة أن العناية بالقرآن الكريم والاشتغال به من أعظم القربات إلى الله تعالى، لكونه كلامه المنزل، والدستور الذي يمنح الإنسان عزّته وكرامته في الدنيا والآخرة. وقد حرصت وزارة التربية والتعليم منذ فجر النهضة المباركة على إدراج القرآن الكريم ضمن مناهج التربية الإسلامية، والاهتمام المبكر بتحفيظه، وإتقان تلاوته بين الطلبة، وكان من أبرز ذلك تدشين مسابقة القرآن الكريم عام 1975م (1395هـ)؛ لتصبح ركيزة سنوية في تعزيز روح الانتماء والهُوية الإسلامية في البيئة المدرسية.
مسارات المسابقة
وصُممت المسابقة بطريقة تدرجية تضمن تنافسًا عادلاً على أربع مراحل: بدءًا من التصفيات على مستوى المدارس، ثم الولايات، فالمحافظات، وصولًا إلى المرحلة الختامية على مستوى الوزارة، حيث تُشكّل لجنة التحكيم بقرار وزاري في كل عام دراسي.
ويتنافس الطلبة في المسابقة في ثلاث مسارات رئيسة، المسار الأول: مسار الحفظ العام الذي يتنافس فيه جميع طلبة المدارس الحكومية والخاصة من مرحلة التعليم المبكر حتى مرحلة التعليم ما بعد الأساسي، وبه خمس مستويات. المسار الثاني: مسار الحفظ الخاص بالطلبة ذوي الإعاقة، ويشترك فيه جميع طلبة المدارس الحكومية والخاصة في جميع المراحل الدراسية، وينقسم إلى ثلاثة أقسام وهي: مسابقة الحفظ الخاصة بالطلبة ذوي الإعاقة السمعية وبه ثلاثة مستويات، مسابقة الحفظ الخاصة بالطلبة ذوي الإعاقة البصرية، وبها ثلاث مستويات، ومسابقة الحافظ الخاصة بطلبة الإعاقة الفكرية، وبها ثلاث مستويات، والمسار الثالث: مسار إتقان التلاوة والصوت الحسن، وهي مسابقة خاصة بالطلبة العمانيين، ويشترك فيها جميع الطلبة العمانيين من المدارس الحكومية والخاصة، وبها ثلاث مستويات.
التحسين والتطوير
وفي إطار التطوير المستمر، شهدت المسابقة هذا العام عدد من التحسينات التقنية، من بينها: استخدام الحواسيب الخاصة لتوليد أسئلة عشوائية، وتسجيل جلسات التحكيم بالصوت والصورة، وتحسين البيئة البصرية للمسابقة، وتعزيز التغطية الإعلامية، إلى جانب العمل على تدشين المصحف الإلكتروني، الذي سيسهم في تسجيل الطلبة، وتتبع أدائهم عبر حلول ذكية متكاملة، تدعم توجهات رؤية عُمان 2040.
التنافس لحفظ كتاب الله
وقال الدكتور سليمان بن عبد الله الجامودي، المدير العام لمديرية العامة لتطوير المناهج، رئيس اللجنة الرئيسية للمسابقة: قامت الوزارة بتطوير مسابقة القرآن الكريم، لتشمل الفئات الطلابية كافة، وخصصت مسارات للطلبة ذوي الإعاقات البصرية، والسمعية والفكرية، وتم ربط المسابقة بمقرر التلاوة، وأضيفت مسابقة الصوت الحسن، وذلك لأهمية كتاب الله في حياة المسلم، فهو خير داع إلى الاهتمام بالمعرفة والعلم، فبحفظه يزداد الطالب قوة في إيمانه، وحصافة في تفكيره، واستقامة في نطقه وتحدثه، وأضاف في حديثه: منذ وضع اللبنات الأولى للمسابقة في بدايات النهضة المباركة، وحتى دورتها الحالية التاسعة والأربعين، وهي في تطور مستمر، سواء أكان في مستوياتها أو آليات تقييمها، أو نوعية الجوائز التي تقدمها للمتنافسين على شرف الفوز في حفظ كتاب الله تعالى.
طموح كل طالب
وتحدث الدكتور حمد بن سالم الراجحي، مدير دائرة تطوير مناهج التربية الإسلامية، رئيس لجنة التحكيم، عن مستويات الطلبة في المسابقة، قائلًا: ترقت مسابقة القرآن الكريم التربوية في مستوياتها أخذاً بالمبادئ القرآنية والعلمية في مراعاة سنن التدرج، والوصول إلى المستوى الذي يحفظ فيه الطلبة القرآن الكريم كاملاً، وهو طموح يؤيده واقع أبنائنا الطلبة ممن يحفظون عشرة أجزاء فأكثر حفظاً متقناً. وأكد في حديثه أن وزارة التربية والتعليم ستظل حاضنة العلم والإيمان والقيم، منها يتخرج الرواد في كل المجالات العلمية، متسلحين بالعلم النافع، والإيمان الراسخ، والقيم الإنسانية العليا، مما يجعلهم يمثلون الوطن والأمة خير تمثيل في مختلف مجالات الحياة.
قدرات الطلبة ومهاراتهم
وصرح علي بن عبد الله الحارثي مدير عام المديرية العامة للتربية والتعليم بمحافظة الداخلية، الفائزة بالمركز الأول: لدى أبنائنا الطلبة من القدرات والمهارات التي تؤهلهم بأن يحوزوا قصب السبق في مختلف الأنشطة والفعاليات التربوية، ونبارك لأنفسنا ولطلابنا الحصول على المركز الأول على مستوى السلطنة في مسابقة القرآن الكريم، ونشكر جميع الجهود المبذولة من قبل الطلبة والمشرفين على هذه المسابقة وأولياء الأمور، وطموحنا أن يبلغ أبناؤنا من مخرجات هذه المسابقة أعلى مراتب التكريم في المسابقات القرآنية، سواء على المستوى المحلي، أو الخليجي والعربي، أو حتى على المستوى العالمي.
وسام شرف
وعبّرت الدكتورة ميزون بنت بخيت الشحرية المديرة العامة للمديرية العامة للتربية والتعليم بمحافظة ظفار عن فخرها بالطلبة، بقولها: نفاخر بطلبتنا حفظة كتاب الله تعالى، ومتقني تلاوته، فهنيئا لنا هذا الفوز الذي يعد وسام شرف لنا جميعا، وهنيئا لمديري المدارس والمعلمين والمعلمات، ولأولياء أمور الطلبة الذين بذلوا جهودهم في المتابعة وتعهد هذا الغرس المبارك، ونثمن جهود المسؤولين في وزارة التربية والتعليم وعلى رأسهم معالي الوزيرة الموقرة هذا النهج القويم في العناية بكتاب الله تعالى وغرس القيم الحميدة والحفاظ على الهوية الوطنية.
التربية على القيم الأصيلة
وأكد الدكتور وليد بن طالب الهاشمي المدير العام للمديرية العامة للتربية والتعليم بمحافظة شمال الباطنة على أثر المسابقة قائلًا: إن عناية الوزارة بالقرآن الكريم دليل على الوعي الراسخ بأهميته في تصحيح سلوك النشء، وتربيتهم على القيم الأصيلة التي ستنعكس بلا شك على كافة جوانب الحياة لديهم، مما يعزز الشعور بالمسؤولية تجاه الوطن ويغرس قيم الانتماء، ويصقل شخصياتهم، ويجعلهم طموحين للتنافس والمثابرة في مضمار التفوق في شتى ميادين المعرفة، وهذا الفوز يضاف إلى الجهود المبذولة من قبل المسؤولين عن هذه المسابقة.
وتهدف المسابقة إلى تنمية الشعور بأهمية القرآن الكريم لدى طلبة المدارس الحكومية والخاصة، وخدمة مناهج التربية الإسلامية في جميع المراحل الدراسية، وتحسين الزاد اللغوي لدى الطالب، وتعزيز التنافس في حفظ القرآن الكريم، وبث روح الاعتزاز بكتاب الله في نفس الطالب، وتعزيز التمسك بدينه وهويته الإسلامية.