غزة- صراخ مفاجئ أيقظ محمود نصير، الجريح المستلقي على سريره في قسم الجراحة بمستشفى المعمداني في مدينة غزة فجر اليوم الأحد. الضوضاء تملأ المكان، وأقدام تركض، وأصوات تصرخ.

وحينما بدأ يدرك ما يجري حوله، أخبروه أن جيش الاحتلال أنذر بقصف المستشفى، وأن دقائق فقط تفصلهم عن الغارة المنتظرة.

كان يسمع ويرى ما يجري، لكنه عاجز عن فعل أي شيء، فجسده لا يتحرك، فهو يعاني من كسر في الظهر، وشلل ينهش نصفه السفلي، ورقبة بالكاد يستطيع أن يديرها.

اتسعت حالة الفوضى من حوله كدوامة، المرضى يُجلون من الغرف، والمرافقون يحملون أبناءهم، والجرحى يُسحبون على عجل، أما هو، فقد بقي، ليس شجاعة، ولا تحديا، بل لأن جسده خذله.

وفي لحظة، دوى الانفجار، وارتجت الجدران، تطاير الزجاج، وانهمر الغبار كعاصفة داخل صالة القسم، اختنق، وشعر أنه على حافة الموت.

يقول نصير للجزيرة نت "لو كنت سليما، لجريت بأقصى سرعة، لكني غير قادر على فعل شيء، قررت البقاء مع من بقوا، الكثيرون فروا ومكثوا في الشوارع المحيطة بالمستشفى".

وكان نصير قد أُصيب قبل 3 أسابيع فقط، حين قصف الاحتلال منزلهم في حي الزيتون.

وقصفت طائرات الاحتلال فجر اليوم الأحد المستشفى المعمداني -الذي يعد الأهم في شمال القطاع- بصاروخين، ما تسبب بوفاة طفل مريض، وبدمار واسع دفع وزارة الصحة في غزة إلى إعلان إخراجه عن الخدمة.

محمود نصير: لو كنت سليما لجريت بأقصى سرعة، لكني غير قادر على فعل شيء لذلك قررت البقاء مع من بقوا (الجزيرة) طفلان وليلة رعب

تتشابه قصة "نصير"، مع حكاية زُهري السعودي الذي كان نائما بقسم الجراحة، مرافقا لولديه الجريحين، محمد (13 عاما) وأحمد (10 أعوام)، المصابين في قصف تعرضت له مدرسة "دار الأرقم" شرقي غزة قبل أسبوعين.

إعلان

فبعد أن هدأ الليل قليلا، أيقظ أحمد والده بصوت مرتجف "يابا، بيحكوا إسرائيل بدها تقصف المعمداني..".

ظن الأب أن ابنه يهذي في نومه، فربّت على كتفه وقال "أنت صاحي ولا بتحلم؟"، لكن الحلم تحول إلى كابوسٍ حقيقي، ففي لحظة، انقلب المشفى إلى ساحة فوضى، الكل يصرخ، والمرضى على الأسرّة يناشدون بنقلهم إلى خارج المستشفى.

يقول السعودي للجزيرة نت "لم أصدق أن القصف ممكن أن يحدث فعلا، فهذه مستشفى، حاولنا الخروج، لكن خفنا أن نتعرض للشظايا في الساحات".

في تلك اللحظة، تدخلت زوجته رانية السعودي، لتكمل قصة شهادته على ما جرى، فتقول للجزيرة نت "لم نكن نعرف ما المبنى الذي سيُقصف… كنا في رعب كبير، وابني محمد من شدة الخوف، أصيب بسخونة، وصار جسده يرتجف".

وتكمل "المرضى كانوا يصرخون: أخرجونا… أخرجونا، لكننا لم نعرف إلى أين نخرج، فالخطر في كل اتجاه، بقينا والحمد لله، ربنا نجانا".

اختار الجريح محمد أبو ناصر (مضطرا) البقاء في قسم الجراحة خلال وقت القصف، نظرا لعدم وجود مرافق معه، ينقله للخارج (الجزيرة) كمن ينتظر إعداما

في باحة المستشفى، كان محمد أبو ناصر يرقد على سريرٍ حديدي، حيث يتلقى العلاج من إصابة في كلتا قدميه، تسبب بها قصف إسرائيلي في مايو/أيار من العام الماضي.

وكسابقيه، اختار أبو ناصر، مضطرا، البقاء في قسم الجراحة خلال وقت القصف، نظرا لعدم وجود مرافق معه، ينقله للخارج.

يروي ما حدث قائلا "أنا جريح لا أستطيع التحرك، وكنت وحدي في قسم الجراحة… البعض تم إخراجه بمساعدة المرافقين، أما أنا فبقيت وحدي، اللحظة كانت مرعبة…".

ويضيف "كنت كأنني أنتظر تنفيذ الإعدام، وحينما حصل القصف كان كالزلزال… المبنى اهتز، الغبار دخل علينا بقوة، خنقنا، لم أستطع التنفّس، كنت أظن أنها نهايتي".

وكسائر الجرحى والمرضى، يردد أبو ناصر السؤال المُلح "أين نذهب الآن؟ نحن كجرحى ومصابين لا نعرف".

مدير المعمداني فضل نعيم: حزين لقرار إخراج المستشفى عن الخدمة (الجزيرة) خارج الخدمة

بالقرب من الدمار الذي أحدثه القصف الإسرائيلي، وقف الطبيب فضل نعيم، مدير المستشفى المعمداني، يتفقد آثاره.

إعلان

وقال نعيم للجزيرة نت "الوضع في المستشفى كان كارثيا من الأصل، كنا نعمل في ظل نظام صحي منهك… نقدّم الخدمات بالحد الأدنى، والآن أصبح أكثر سوءا".

ويعدد نعيم ما تم تدميره قائلا "قسم الطوارئ والاستقبال، وقسم الإسعاف، والمختبر، والصيدلية، وقسم أشعة الطوارئ… هذه ليست مجرد أقسام، هذه هي روح المستشفى، من دونها لا نستطيع استقبال المرضى والجرحى".

وعليه قررت إدارة المستشفى "إخراجه عن الخدمة، نظرا لكون "الدمار كبير، وإصلاحه يحتاج لشهور".

ويضيف نعيم "أنا حزين جدا لهذا القرار، لكننا مضطرون لإخراج المستشفى عن الخدمة، فالأقسام المدمرة هي أساس المستشفى، والمشكلة هي أن المستشفيات الأخرى مكتظة وغير مجهزة ولا تقدم خدمات متكاملة، وسنضطر لتوزيع الخدمات عليها".

ويقرّ المسؤول الطبي أن هذا القرار يعني أن المرضى "سيواجهون خطر فقدان حياتهم أو أطرافهم، أو إصابتهم بإعاقات دائمة".

ويختم: "المستشفى المعمداني، كان عصب وزارة الصحة في شمال القطاع، الوحيد الذي يقدم خدمات متكاملة، وكان الوحيد أيضا الذي يحتوي على جهاز التصوير بالأشعة المقطعية CT".

مدير عام وزارة الصحة منير البرش: البديل للمعمداني هو مستشفى الشفاء لكنه غير جاهز (الجزيرة) البديل.. ليس بخير

بعد إخراج المستشفى المعمداني الذي يعد أهم مؤسسة طبية في شمال القطاع عن الخدمة، تواجه وزارة الصحة تحديا خطيرا في إيجاد البديل.

وفي هذا الصدد يقول الدكتور منير البُرش، مدير عام وزارة الصحة للجزيرة نت "سنضطر لنقل المرضى إلى مستشفى الشفاء، الذي سنعمل على جعله بديلا في هذه المرحلة، مع السعي لترميم المعمداني وإعادته للحياة من جديد".

لكن مستشفى الشفاء نفسه ليس بخير، بحسب البرش حيث إنه "يعمل حاليا بشكل جزئي كمستشفى ميداني، ونعمل منذ فترة على ترميم بعض أقسامه، وسنركز كل جهدنا عليه في الفترة القادمة".

إعلان

وكانت قوات الاحتلال قد دمرت غالبية أقسام مستشفى "الشفاء" مرتين، الأولى خلال اجتياحه في نوفمبر/تشرين الأول 2023، والثانية في مارس/آذار 2024.

وحول مشاكل القطاع الصحي في القطاع، يشير البرش إلى أن الاحتلال يمنع إدخال المعونات الطبية منذ بداية مارس/آذار الماضي.

ويكشف عن أرقام مُفزعة حول تأثير الحصار قائلا "60% من الأدوية الأساسية مفقودة، و40% من المستلزمات الطبية غير متوفرة، وتوقفنا عن تقديم خدمات رئيسية مثل القسطرة القلبية وعمليات القلب المفتوح".

ورغم قتامة الصورة، يؤكد البرش أن وزارته "لن تستسلم، وستواصل تقديم الخدمة لمرضانا وجرحانا بالحد الممكن، والأطباء لن يتخلوا عن واجبهم، مهما اشتدت الظروف".

ليست للعلاج فقط

ويرى إسماعيل الثوابتة، مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي، أن الاعتداء المتكرر على المستشفيات ليس مجرد "تجاوز أخلاقي أو قانوني… بل هو جزء من جريمة إبادة جماعية، تُنفَّذ بأدوات الحرب والنار والحصار".

ويضيف للجزيرة نت "المستشفيات في غزة لم تعد مجرد مبانٍ طبية، هي أصبحت الملاذ الأخير، الأمل الذي يبحث عنه آلاف النازحين ممن دُمّرت منازلهم، والجرحى الذين لم يجدوا فراشا ولا سريرا إلا في باحاتها".

ويقول الثوابتة إن الاحتلال يدرك تماما معنى هذا الأمل، ويختار استهدافه بدقة، "قصف المستشفيات، وتجريد المرضى من العلاج، هو خطوة مدروسة لتحويل غزة إلى منطقة غير صالحة للحياة".

ويكشف أن الاحتلال استهدف منذ بداية الحرب 36 مستشفى، إما بالقصف، أو الحرق، أو التدمير، أو إخراجه عن الخدمة.

ومن أهم تلك المستشفيات إلى جانب "المعمداني": مجمع الشفاء الطبي، والقدس والرنتيسي للأطفال، وناصر الطبي، وأبو يوسف النجار والإندونيسي وكمال عدوان.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات المستشفى المعمدانی فی قسم الجراحة وزارة الصحة للجزیرة نت عن الخدمة أبو ناصر

إقرأ أيضاً:

الحوثيون يعلنون استهداف مطار بن غوريون بصاروخين باليستيين

أعلنت جماعة الحوثي، في وقت متأخر من مساء الثلاثاء، تنفيذ عملية عسكرية استهدفت مطار بن غوريون، في منطقة "يافا" المحتلة.

 

وقال المتحدث العسكري للحوثيين، يحيى سريع في بيان له على منصة إكس، إن القوة الصاروخية التابعة للجماعة "نفذت عملية عسكرية نوعية استهدفت مطار اللد في منطقة يافا المحتلة بصاروخين باليستيين أحدهما فرط صوتي نوع فلسطين2 والآخر نوع "ذوالفقار".

 

 

وأشار إلى أن أحد الصاروخين أصاب مطار بن غوريون بشكل مباشر وفشلت المنظومات الاعتراضية في التصدي له.

 

وأكد أن العملية حققت هدفها بنجاح وأجبرت ملايين الصهاينة المحتلين على الهروب إلى الملاجئ ووقف حركة الملاحة في المطار، لافتا إلى أن العملية تأتي انتصارا لمظلومية الشعب الفلسطيني، ورفضا لجريمة الإبادة الجماعية التي يقترفها العدو الصهيوني ا في قطاع غزة.

 

وجدد سريع التأكيد على استمرار ما سماه بـ "قرار حظر حركة الملاحة الجوية إلى مطار بن غوريون"، وتحذيره لمن تبقى من الشركات بأن عليها سرعة وقف كافة رحلاتها من وإلى المطار.

 

كما حذر، كافة الشركات والجهات المختلفة من الاستمرار في التعامل مع ميناء "حيفا" الذي أصبح ضمن بنك أهداف الجماعة.

 

ومساء أمس، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، نجاحه في اعتراض صاروخ باليستي أطلق من اليمن.

 

وقال الناطق بإسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفخاي أدرعي، في بيان مقتضب على منصة إكس: "متابعة للإنذارات التي تم تفعيلها قبل قليل في عدة مناطق في البلاد وكما يبدو تم اعتراض صاروخ واحد أطلق من اليمن".

 

وأضاف: "تم إطلاق صواريخ اعتراض إضافية خشية من سقوط شظايا من عملية الاعتراض".

 

وذكرت الجبهة الداخلية الإسرائيلية، أنه تم تفعيل صفارات الإنذار في تل أبيب الكبرى والقدس ومستوطنات في الضفة، بعد إطلاق صاروخ من اليمن.

 

ويوم أمس الأول، قالت وسائل إعلام عبرية، إن صاروخا أطلق من اليمن، سقط خارج الأجواء الإسرائيلية، بعد أيام من اعتراضه صواريخ وطائرات مسيرة أطلقت من اليمن.

 

وصباح أمس الثلاثاء، أعلن جيش الاحتلال، مهاجمة سفن بحرية، أهدافا تابعة للحوثيين في ميناء الحديدة غرب اليمن.

 

وقال جيش الاحتلال في بيان له، إن سفن صواريخ تابعة لسلاح البحرية الإسرائيلية، هاجم صباح اليوم أهدافًا تابعة لنظام الحوثي في ميناء الحديدة في اليمن، ردًّا على الاعتداءات العدوانية التي ينفذها نظام الحوثي ضد إسرائيل حيث يطلق صواريخ أرض-أرض وطائرات مسيرة نحو الأراضي الاسرائيلية.

 

وأضاف أن الهجوم نفذ بهدف تعميق الضربة التي تستهدف الاستخدام العسكري للميناء الذي تعرض لعدة غارات في العام المنصرم ويواصل أنشطته لأغراض "إرهابية".

 

وأشار إلى أن ميناء الحديدة يستخدم لنقل وسائل قتالية ويعتبر "خير دليل" على استخدام نظام الحوثي للمرافق المدنية للدفع بأنشطة "إرهابية".

 

وأردف: "يعمل نظام الحوثي الارهابي على مدار السنة ونصف الأخيرة بشكل عدواني وبتوجيه وتمويل إيراني لاستهداف إسرائيل وحلفائها ولزعزعة الاستقرار الاقليمي وتشويش حرية الملاحة الدولية".

 

وكرر جيش الاحتلال تحذيراته للمتواجدين داخل الميناء في الوقت الذي حث على الابتعاد وإخلاء المنطقة، نظرًا لاستخدام الحوثي الميناء لـ "أغراض عسكرية".

 

وأكد جيش الاحتلال، مواصلة توجيه ضربات "قوية" لكل من يشكل تهديدًا على مواطني إسرائيل مهما بلغت المسافة، حد قوله.

 

ويوم الثلاثاء الماضي، شن طيران الاحتلال غارات جوية على مطار صنعاء، دمرت آخر طائرة فيه، وأخرجته كليا عن الخدمة.

 

واستهدف الحوثيون قبل أسابيع، مطار بن غوريون وسط دولة الاحتلال بصاروخ باليستي فرط صوتي، وأصابوه إصابة مباشرة، ما تسبب في إصابة 8 أشخاص وفرار الملايين إلى الملاجئ، ثم عادوا لاحقا إلى استهدافه عدة مرات، ما تسبب في عزوف العديد من شركات الطيران عن التوجه برحلاتها إلى تل أبيب.


مقالات مشابهة

  • إخلاء الممرض الذي أصيب خلال عمله في المستشفى الميداني الأردني
  • إسرائيل تواصل استهداف المجوَعين في قطاع غزة
  • قوائم الحماية ووزارة الصحة
  • الطبيبة آلاء النجار تغادر مع طفلها الجريح إلى إيطاليا
  • الحوثيون يعلنون استهداف مطار بن غوريون بصاروخين باليستيين
  • قانون المسئولية الطبية.. 5 حالات يحق للطبيب فيها إفشاء أسرار المريض
  • عاجل || مستشفى الأمل بغزة خارج الخدمة
  • بعبوات برميلية شديدة الانفجار.. استهداف قوة إسرائيلية في غزة ووقوع قتلى وإصابات
  • الصحة العالمية: مستشفى الأمل في غزة أصبح عمليا خارج الخدمة
  • منظمة الصحة العالمية: مستشفى الأمل في غزة أصبح عمليًا خارج الخدمة