يوم 11 يونيو/حزيران 2024 نشر حساب رسمي تابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية مقطعا دعائيا على منصة إكس، زعم فيه "عدم وجود مدنيين أبرياء في غزة". وجاء هذا الادعاء ضمن منشور يتهم المدنيين الفلسطينيين بالمشاركة في هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وإيواء أسرى احتجزتهم حركة حماس خلال الهجوم.

وأورد المقطع كلمات لأسيرة إسرائيلية سابقة تدعى ميا شيم وهي تقول: "لا يوجد مدنيون أبرياء هناك"، وهو اقتباس تكرر بخط عريض في الوصف التعريفي للفيديو.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لماذا اعترف ماكرون بفلسطين الآن؟list 2 of 2الهزائم العسكرية العجيبة.. لماذا نتفاجأ مما نعرفه؟end of list

سرعان ما حذف الحساب الإسرائيلي المقطع بعد أن نال تغطية ناقدة واسعة في الصحافة الغربية، ولكنه سلط الضوء على الطريقة التي تعمل بها الدعاية الإسرائيلية على تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم وحشد جنود الاحتلال نفسيا لممارسة أفعال الإبادة، بل ومحاولة تهيئة الرأي العام العالمي لقبولها باعتبار أن ضحاياها "ليسوا مدنيين" أو ربما "ليسوا بشرا على الإطلاق" مصداقا لوصف وزير الدفاع السابق يوآف غالانت الذي اعتبر الفلسطينيين "حيوانات بشرية".

هناك عديد من الدراسات التي تؤصل لهذه الممارسة في مجال علم النفس بشكل عام، وعلم النفس الحربي على وجه الخصوص، إذ لا يكتفي الجلاد أحيانا بإنكار إنسانية ضحيته، بل يلقي عليها اللوم في مأساتها كي يبرر لنفسه العنف المفرط ويتحرر من أي صراع أخلاقي. يشكل هذا النهج حائط صد نفسيا، يسمح للقاتل بالتعايش مع أفعاله من دون شعور بالذنب، بل إنه يمنحه شعورا زائفا بالقوة والتفوق، لأنه لا ينظر إلى الضحية باعتبارها بشرا مكافئا ومساويا، بل مجرد كبش فداء لتحقيق طموحاته.

وفي غزة، تتجسد أبشع صور هذه الإستراتيجية: أطفال يموتون جوعا، ونساء حوامل ومرضعات يعانين سوء التغذية، وشيوخ يسقطون في الطرقات المهدمة تحت وطأة الإعياء. وبعد نحو 660 يوما من القصف والتجويع، وجد سكان القطاع أنفسهم محاصرين بين "مصايد الموت"، المتمثلة في الجوع الذي يفتك بهم من الخلف، وآلة القتل الإسرائيلية التي تحصد أرواحهم من الأمام. حتى المساعدات الإنسانية تحولت إلى فخاخ موت، بعدما أُطلق الرصاص على الجموع الجائعة، فسقط أكثر من ألف شهيد و6 آلاف جريح، فقط لأنهم حاولوا الحصول على لقمة تسد رمقهم.

إعلان

غير أن هذه المأساة ليست مجرد كارثة إنسانية على هامش الحرب فحسب، بل تكشف عن سياسة ممنهجة ذات صلة بالأهداف العسكرية لجيش الاحتلال في قطاع غزة، حيث وظف الغذاء باعتباره أداة للإبادة الجماعية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفق تقارير منظمة العفو الدولية، فخلق مزيجا مروعا من الجوع والمرض دفع سكان القطاع إلى الهاوية. التجويع هنا ليس أداة قتل جسدي فقط، بل وسيلة لتحطيم الإرادة. إنه سلاح نفسي مميت، يصنع صدمة جماعية تهدف إلى كسر مقاومة شعب بأكمله ودفعه نحو الاستسلام.

فكيف تشرح دراسات علم النفس الحربي توظيف الجوع كسلاح؟ وكيف تفسر الأبعاد النفسية لمرتكبي الإبادة الجماعية؟

هذه المأساة ليست مجرد كارثة إنسانية على هامش الحرب فحسب (الفرنسية)حين يتحول الخبز إلى معركة بقاء

"سلطات الاحتلال الإسرائيلي تستخدم التجويع سلاحا يهدف إلى تركيع الشعب الفلسطيني".

 

المقررة الأممية لحقوق الإنسان فرانشيسكا ألبانيزي

 

يوم 22 يوليو/تموز 2025، أصدرت وكالة الأنباء الفرنسية بيانا غير مسبوق، حذرت فيه من أن صحفييها في غزة يواجهون خطر الموت جوعا، في سابقة لم تعرفها الوكالة منذ تأسيسها عام 1944، فالجوع في غزة لا يستثني أحدا، فالأطباء، والمسعفون، والصحفيون، وعمال الإغاثة، الجميع يتساقطون تحت وطأته. أما المدنيون المحاصرون، فهم على حافة كارثة جماعية قد تفتك -حسب وزارة الصحة في غزة- بحياة 100 ألف طفل بينهم 40 ألف رضيع، جراء انعدام حليب الأطفال بعد منع الاحتلال دخول المساعدات الإنسانية بالكامل.

منذ مارس/آذار الماضي، شددت إسرائيل حصارها إلى أقصى درجات القسوة، مانعة حتى الكميات الضئيلة من الغذاء التي كانت تبقي السكان على قيد الحياة. أعلنت وكالات الإغاثة نفاد مخزوناتها، والأسواق خلت من السلع، والأسعار الأساسية ارتفعت بنسبة 1400% أو أكثر. وفي توصيف لحجم الكارثة، كشف مؤشر التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) التابع للأمم المتحدة عن أن محافظات شمال غزة دخلت إلى الدرجة الخامسة والأخطر في سلم المجاعة، في حين انزلقت المحافظات الجنوبية إلى المرحلة الرابعة. بينما وصل انهيار المنظومة الغذائية إلى حدّ يستلزم تدخلا إنسانيا عاجلا لإنقاذ ملايين الأرواح.

بيد أن ما يجري اليوم ليس وليد الحرب الأخيرة فحسب، إذ إن سياسة التجويع الإسرائيلية ممتدة منذ فرض الحصار على القطاع عام 2007، حين قلص الاحتلال عدد الشاحنات الغذائية إلى غزة من 400 إلى 106 فقط. ووفقا لتقرير نشرته صحيفة غارديان عام 2012، فقد أجرت إسرائيل حسابات دقيقة لكمية السعرات الحرارية المسموح بها لمجمل سكان القطاع، لإبقائهم واقفين على حافة الانهيار، بل أعدت "قائمة طعام" تحدد ما يُسمح بدخوله وما يُحظر، في ممارسة وُصفت حينها بـ"حِمية غزة" (Gaza Diet)، وهي عقاب جماعي مقنن يختصر جوهر سياسات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.

 

 

الجوع سلاحا

على نطاق أوسع، يُستخدم التجويع والحصار في الحروب باعتبارهما أدوات قاسية لتمزيق قابلية الشعوب للمقاومة وإجبارها على الاستسلام. هذا ما أكده أستاذ القانون الدولي، توم دانينباوم، في مقالته المنشورة بمجلة شيكاغو للقانون الدولي، حيث وصف الحصار الخانق الذي تفرضه بعض القوى المتحاربة بـ"التعذيب الجماعي". عقد دانينباوم مقارنة بين التعذيب الجسدي والتجويع الجماعي، معتبرا أن كليهما يسلب إرادة الضحية ويدمر قدرتها على المقاومة. ففي حالة الحصار، لا تُستهدف الأجساد بالقنابل، بل يُفتك بها عبر أساليب أخرى تشبه ما يمارس في المعتقلات، حيث يصبح الألم أداة إخضاع.

إعلان

إن التجويع في عمقه هو دفع للجسد كي ينقلب على نفسه، مادة وروحا، مما يقوض إحدى ركائز إنسانيتنا، وهي القدرة على التمسك بالتزاماتنا الأخلاقية العليا، وكل ذلك يسببه الحرمان المتعمد من الطعام. وبناء على ذلك، يرى دانينباوم أن التجويع الجماعي هو النظير المجتمعي للتعذيب الفردي. فرغم أن الضحية لا يخضع في حالة الجوع للسيطرة المباشرة للجلاد كما في المعتقل، فإن الهدف يبقى واحدا، وهو محاولة إخضاع الضحية وكسر مقاومته، بشكل مباشر أو غير مباشر.

الأخطر أن تلك الآثار المدمرة لا تستهدف الأفراد بشخوصهم، ولكنها تضرب نسيج المجتمع ذاته. في كتابيه "المجاعة القاتلة" و"جرائم المجاعة"، يقوم أليكس دو وال، المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس في الولايات المتحدة، والخبير في شؤون المجاعة والأزمات الإنسانية، بتسليط الضوء على كيفية استخدام الجوع كأداة للإكراه السياسي، وأنه ليس مجرد نتيجة لوجستية جانبية للحروب.

يُستخدم الجوع لقمع المقاومة، وتفكيك هوية الجماعات مع مرور الوقت. إنه سلاح مزدوج: قاتل ولكنه محدود بما يكفي لتجنب مشهد ضحايا العنف المباشر، بينما يُقوّض التماسك الاجتماعي والقدرة على الحكم، وهو كذلك شكل من أشكال الإبادة الجماعية الطويلة الأمد من خلال التحكم في الغذاء، إذ يتم توفير ما يكفي من السعرات الحرارية لمنع الموت الجماعي، مع الحفاظ على الجوع الشديد الذي يدمر حياة الجماعة، من حيث كونها اجتماع الناس القادرين على التنظيم في إطار واحد.

يهدف هذا النهج الوحشي، ببساطة، إلى تسليح البيولوجيا في مواجهة الإنسان، وفق تعبير دانينباوم. ويسعى لإعادة هندسة المجتمع على نطاق واسع من كونه كتلة مقاومة متمسكة بقيمها العليا والتزاماتها، إلى أفراد مبعثرين غارقين في صراعات فردية من أجل البقاء. بعبارة أخرى، يزعزع الجوع النظام الاجتماعي، ويختزل الفعل السياسي والاجتماعي إلى قضية واحدة: من يستطيع إطعام الناس؟ وفي غياب الطعام، تغيب أي قدرة على المقاومة أو ممارسة الفعل السياسي أو حتى التعبير عن المشتركات الأساسية للمجتمع.

يهدف هذا النهج الوحشي، ببساطة، إلى تسليح البيولوجيا في مواجهة الإنسان (الجزيرة)لا يرونهم بشرا

في أحد مراكز توزيع المساعدات، جثا رجل فلسطيني من غزة على ركبتيه، يلتقط حبات المعكرونة المتناثرة من الأرض. لم يكن مسلحا ولا يشكل تهديدا على الإطلاق، لقد كان مجرد جائع يبحث عن لقمة. رغم ذلك، فإن موظف الأمن الأميركي رشّ في وجهه علبة كاملة من رذاذ الفلفل!

هذه الصورة الصادمة وردت ضمن شهادة محارب أميركي سابق عمل في "مؤسسة غزة الإنسانية" سيئة السمعة المكلفة بتوزيع المساعدات في القطاع المنكوب. لم يحتمل رؤية الوحشية التي تُمارس تحت قناع المساعدات، فترك المؤسسة التي وصفها بـ"اللاإنسانية".

في شهادته، تحدث عن مقتل سيدة فلسطينية بقنبلة صوت أطلقها موظفو الأمن، وعن إطلاق نار عشوائي على مدنيين جوعى لإبعادهم عن مركز توزيع المساعدات. يقول: "خدمت جنديا لأكثر من 25 عاما، وشاركت في 4 حروب، لكن لم أطالَب يوما بأن أطلق النار على مدنيين عزّل كما حدث في غزة".

تحت اسم مخادع، أُسست مراكز "مؤسسة غزة الإنسانية" في فبراير/شباط 2025، تحمل شعارات براقة مثل "تخفيف حدة الجوع"، بينما وظيفتها الفعلية عسكرة المساعدات وتحويلها إلى أداة للسيطرة، مع منع المنظمات الإنسانية من أداء واجبها. ودانت منظمة العفو الدولية -في تقريرها الصادر في الثالث من يوليو/تموز الجاري- هذه الخطة المميتة التي صاغتها إسرائيل بعناية ودعمتها أميركا، لتستخدم المساعدات سلاحا آخر في حرب التجويع.

حسب "هيومن رايتس ووتش"، فإن تدمير البنى التحتية، واستهداف المستشفيات، ومنع وصول الغذاء والماء تعبّر عن سياسات مقصودة روج لها وزراء إسرائيليون بارزون مثل يوآف غالانت (وزير الدفاع السابق) وإيتمار بن غفير، مما يجعلها جريمة حرب مكتملة الأركان وفق ما يقتضيه القرار الأممي 2417 الصادر في 2018، الذي يجرّم استخدام التجويع سلاحا.

إعلان

مع إطلاق "مؤسسة غزة الإنسانية"، أصبحت هي المتحكم الوحيد في مسار الجوع والموت، وصار الطريق إلى كيس الطحين مفروشا بالدماء. تحت غطاء "المعونة"، نصبت كمائن الموت للفلسطينيين. هذا الاستخدام الوحشي للسلطة يدفع إلى سؤال مرير: كيف يغمض جفن منفذي الإبادة مطمئنين وقد حاصروا مليوني إنسان حتى تلوت بطونهم وسقط أطفالهم من الجوع؟

والجواب -كما تشير الدراسات النفسية- هو أن السيطرة على الضحية تمنح الجلاد شعورا زائفا بالتفوق، حيث لا يراها بشرا، بل كبش فداء. ومثل هذا التجريد من الإنسانية، المقترن بخطاب كراهية عنصري، يتغلغل في خطاب الاحتلال منذ بداية الحرب، منذ أن صرح وزير الدفاع السابق، يوآف غالانت، واصفا سكان غزة بأنهم "حيوانات بشرية"، في حين استدعى نتنياهو روايات توراتية تحث على إبادة "العماليق"!

السيطرة على الضحية تمنح الجلاد شعورا زائفا بالتفوق (وكالة الأناضول)الجوع… سلاح لغزو الجسد والعقل معا

في نوفمبر/تشرين الثاني 1944، كانت أوروبا ترزح تحت وطأة المجاعة الناتجة عن أهوال الحرب العالمية الثانية، مما استدعى البحث عن حلول لإعادة التأهيل بعد الكارثة. وقتها، أطلق عالم الأحياء الأميركي أنسيل كيز تجربة جريئة عُرفت باسم تجربة مينيسوتا للتجويع، أجريت في غرف سكنية تابعة لجامعة مينيسوتا، بمشاركة 36 متطوعا وافقوا على الخضوع للتجويع المتعمد لمدة عام كامل تحت إشراف طبي.

خلال التجربة، قُسمت السنة إلى 3 مراحل: حمية طبيعية (3200 سعرة حرارية يوميا)، تليها 6 أشهر من التجويع بخفض السعرات إلى 1570 سعرة تعتمد على وجبتين فقيرتين من الخضراوات والخبز والمعكرونة، ثم 3 أشهر لإعادة التغذية. وخلال هذه الفترة، خضع المشاركون لمهام بدنية شاقة لساعات طويلة يوميا.

النتائج كانت صادمة، فقدان 25% من أوزان المشاركين، وانخفاض الكتلة العضلية بنسبة 40%، مع ضعف جسدي وانخفاض درجة الحرارة وبطء معدل ضربات القلب. لكن الأثر النفسي كان الأشد وطأة، من اكتئاب، وقلق، وهوس بالطعام، وبحث عن بقاياه في القمامة، وأحلام دائمة عن الأكل. ومع مرور الوقت، ظهرت حالة من اللامبالاة والتبلد العاطفي وصفها الأطباء بـ"الاستسلام الخالص"، وجوه بلا تعابير، وأجساد تسير إلى مصيرها بلا غضب ولا مقاومة.

تركت هذه التجربة القاسية، رغم أنها جرت تحت إشراف طبي كامل وبصورة طوعية، آثارا مروّعة على من مروا بها. أما ضحايا الحروب (ومنهم سكان غزة اليوم)، فهم يخضعون لتجويع عمدي أشد ضراوة وقسوة، لدرجة أن أحدهم يمكن أن يمكث أياما بلا طعام يذكر، والمحظوظ منهم من يحصل على رغيف من الخبز أو صحن صغير من المعكرونة أو العدس. يدفع هذا الجوع الشديد المتواصل الإنسان إلى حافة اليأس والانهيار النفسي، وهذا بالضبط ما يريده الاحتلال!

غالبا ما يتم تبرير هذه الممارسات  الوحشية – بحسب ما يرى بعض الباحثين – بالأيديولوجيا المتطرفة، سواء كانت قومية عنصرية، أو عقيدة دينية منحرفة، أو سياسة استبدادية جامحة. هذه الأيديولوجيات جميعا تمنح "الوحش" راحة زائفة، ومبررا يجعل من سلاح التجويع فعلا ضروريا مبررا، لإنجاز نصر حاسم. وعندما يتحول لبن الأطفال وقطرة الماء إلى سلاح، اعرف جيدا أنك أمام انسان قرر تخلية نفسه من أي معنى إنساني.

في هذا النموذج، كما يرى خبراء علم النفس لا تكون الوحشية أو السادية مجرد انحراف فردي، لكنها بنية مؤسسية تُصنع عبر الأيديولوجيا وتُغذى من خلال نزع الإنسانية عن الضحايا وتبرير الأفعال الوحشية كضرورة أمنية أو عقوبة مبررة. غالبا ما يغيب فيها الشعور بالذنب، ويُستبدَل بمشاعر التفوق والسلطة والتمتع الخفي أو العلني برؤية آلام الضحايا ومعاناتهم الطويلة.

وتؤكد بعض الدراسات أنه يمكن نصف ذلك السلوك بأنه نوع من "السادية المؤسسية"، حيث تمارس جهة ما، سواء كانت دولة أو جماعة دون الدولة، العنف والقسوة بشكل جماعي لتدمير إرادة مجتمع كامل لا كحالات فردية أو شذوذ، بل كسلوك مبرمج وسياسة رسمية. في حالة غزة، ظهرت هذه "السادية المؤسسية" في ممارسات، مثل فرض الحصار الشامل لعقود، وتجويع المدنيين حتى الموت، ومنع الغذاء والدواء والماء، واستهداف المناطق المأهولة بالقصف والتهجير المتكرر، بحيث يُجبَر السكان على النزوح عشرات المرات إلى أماكن معدومة الأمان أو الموارد، فضلا عن التعامل مع توزيع المساعدات الإنسانية بأساليب إذلال وإهانة جماعية، حتى وصف مقرر أممي طرق إدخال المساعدات إلى غزة بأنها نوع من "السادية"، بحسب ما ترى تلك الدراسات.

إعلان

ويترافق مع سلاح التجويع في غزة حملة أخرى قاسية، توضحها الصحفية الأميركية بيلين فرنانديز، في مقال لها بعنوان "الحرب النفسية الإسرائيلية في غزة"، حيث تقول إن إسرائيل تستهدف بتخطيط ممنهج تدمير الحالة النفسية لكل من يعيش في القطاع، مستخدمة أساليب "العمليات النفسية" (Psychological Operations) بغية كسر إرادة الضحايا.

تتعدد وسائل هذه الحرب النفسية، بين تسجيلات لصرخات أطفال ونساء تبثها طائرات مسيرة في منتصف الليل لجذب المدنيين إلى العراء ليصبحوا أهدافا للقناصة، وأوامر إخلاء تصدر في اللحظات الأخيرة قبل القصف لتزيد من الفوضى، وقرارات نزوح تجبر السكان على الفرار الدائم دون وجهة، بينما تتقلص مساحات الأمان يوما بعد يوم.

وصفت منظمة "أطباء بلا حدود" هذه السياسات في تقرير لها في مايو/أيار 2025 بأنها محاولة متعمدة لتحويل غزة إلى جحيم حي، سلسلة من الصدمات النفسية المتواصلة تدفع الناس إلى الانهيار. تحت هذا الضغط المستمر، يتوقف بعض الفلسطينيين عن النزوح ويفضلون البقاء وسط أنقاض منازلهم، رغم إدراكهم أن الموت قد يلحق بهم في أي لحظة. فرنانديز تؤكد أن إسقاط منشورات الإخلاء ثم قصف من يمتثل لها جعل الإخلاء ذاته جزءا من الحرب النفسية، إذ لم يعد يعني النجاة بل الخضوع لابتزاز الموت.

إنها حرب أخرى بخلاف حرب القنابل والطائرات، سجن نفسي مفتوح، سجانه الخوف والصدمة والجوع. هذه الإستراتيجيات تهدف إلى شل الضحايا نفسيا، ليغدوا أسرى في أجسادهم، محاصرين داخل عقولهم، في مواجهة سلاح أخطر من القنابل، الجوع الذي يغزو الجسد والعقل معا. لكن دائما ما تكشف الأحداث في المقابل عن قدرات هائلة لدى الإنسان للمقاومة والإصرار على الحياة بكرامة رغم كل تلك المعاناة.

وهذا ما عبرت عنه بجلاء الورقة التي نشرتها يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2024  الأستاذة الأسترالية ميشيل بيس في المعهد الأسترالي للشؤون الدولية بعنوان "الغزيون: شعبٌ يتمتع بشجاعةٍ لا تُقاوم، وإيمان، ولطف" ، وأشارت فيها إلى نمط حياة شعب غزة في فترة ما قبل الحرب، وكيف أنهم "رغم الحصار والتضييق الخانق من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، كانوا يجدون وسائل للتكيف مع واقعهم المُعاش ووسائل بناء شبكات تضامن اجتماعية تسيّر حياة المجتمع"، وأن هذه الديناميات والقدرات أسهمتا بصورة أو بأخرى في رفد المجتمع بأساليب وأدوات للبقاء والصمود، وقد زادهم صلابة تتالي الحروب وتنوع وسائل القتل والتدمير التي لم تتخلف عن القطاع طوال الفترة الماضية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات أبعاد التی ت فی غزة

إقرأ أيضاً:

جريمة التجويع المركبة في غزة

منذ أسابيع قليلة، صارت الإحصاءات المتعلّقة بعدد الشهداء في قطاع غزة تشير إلى رقمين، رقم يخصّ عدد الشهداء بسبب القصف، ورقمٌ آخر بدأت تتناقله التقارير يتعلّق بعددٍ من الشهداء الذين يسقطون بالعشرات يوميا، بسبب التجويع الذي يفرضه الكيان الإسرائيلي على سكان القطاع في سياسةٍ ممنهجة كان يعتمدها طيلة سنوات الحصار، لكنها ازدادت حدّة وقساوة في هذه الحرب الشعواء التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة منذ أكثر من سنة ونصف.

وإذا كان هدف الاحتلال عبر تضييق الحصار على غزة في الماضي إخضاع سكان القطاع أو تهجيرهم، فإنه يسعى اليوم إلى إبادة السكان عن بكرة أبيهم، من خلال تطبيق سياسة تجويع قاسية تمنع وصول المساعدات والمؤن الغذائية إلى محتاجيها، وحتى وإن وصلت إليهم، فإنه يعمد إلى استهدافهم مباشرة لمنع وصولهم إليها.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2حصار الفاشر.. حين يتحول علف الحيوانات إلى طعام للبشرlist 2 of 2الصحة العالمية: سوء التغذية بغزة بلغ مستويات "تنذر بالخطر"end of list

يشكّل التجويع المتعمّد لجماعة بشرية جريمة في القانون الدولي، لأنه يؤدي فعليا إلى إبادة هذه الجماعة من خلال حرمانها من موارد الحياة الأساسية كالماء والغذاء. وفي الحرب على قطاع غزة تحديدا، فإن ما يقوم به الاحتلال من حصار القطاع ومنع المساعدات واستهداف كل من يسعى للحصول على لقمة تسدّ رمقه ورمق عياله، يُعدّ سياسة ممنهجة، ولا يمكن للاحتلال أن يدعي بأنها من الأضرار الثانوية وغير المقصودة للحرب.

يسعى هذا المقال إلى التأكيد على أن التجويع بوصفه سياسة ممنهجة يعتمدها الكيان الإسرائيلي في قطاع غزة هو جريمة إبادة جماعية، وجريمة حرب، وجريمة ضد الإنسانية مكتملة الأركان كما تنص عليه قواعد القانون الدولي، وأن المسؤولية القانونية لا تخص الاحتلال وحده، بل إنها تقوم قانونيا على كل دولة في المجتمع الدّولي يثبت دعمها للكيان بأي صورةٍ كانت.

جريمة إبادة مكتملة الأركان

من الناحية القانونية، تعرّف الجريمة المكتملة الأركان بأنها كل فعل مجرّم بموجب نص قانوني بنية مُسبقة وإدراك بأن الفعل المرتكَب يشكّل جريمةً يعاقب عليها القانون، وهذا التعريف البسيط للجريمة ينطبق أيضا على الجرائم في القانون الدولي، فجريمة الإبادة الجماعية مثلا كما عرفتها المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لسنة 1948 هي كل فعلٍ يُرتكَب بنيّة التدمير الكلي أو الجزئي لمجموعةٍ قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، ومن هذه الأفعال نجد مثلا إخضاع المجموعة عمدا لظروف معيشية يُراد بها تدميرها ماديا كليا أو جزئيا.

إعلان

يعد التجويع مثالا عن هذه الأفعال التي نصّت عليها المادة السّابقة، وهو بذلك يشكّل عنصرا في جريمة الإبادة الجماعية، وقد نصّ النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لسنة 1998 في المادة الثامنة منه بأنه تُعدّ جريمة من جرائم الحرب التجويع المتعمّد للمدنيين كأسلوبٍ من أساليب الحرب بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك تعمّد عرقلة الإمدادات من مواد الإغاثة على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف. أما المادة السّابعة من النظام نفسه، فرأت أن القيام بأفعال غير إنسانية تسبب عمدا معاناة شديدة أو أذى خطيرا يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية، يشكّل جريمة من الجرائم ضدّ الإنسانية.

الحقيقة، أن الكيان الإسرائيلي يقوم بكل الأفعال التي تشكّل جريمة إبادة جماعية، ولذلك فإن سياسته الممنهجة في تجويع الفلسطينيين وإخضاعهم لظروف معيشية قاسية وصعبة بهدف تدميرهم كليا في غزة تعتبر جريمة حرب، وجريمة إبادة، وجريمة ضدّ الإنسانية في آنٍ واحد، ومن هذه الأفعال نجد حصار القطاع ومنع وصول المساعدات إليه، وضرب المنشآت التحتية كمرافق الماء والمستشفيات ومخازن المؤن الغذائية، وحتى استهداف طالبي المساعدات في نقاط التوزيع التي وضعها بنفسه ويشرف عليها، إذ تفيد التقارير بسقوط المئات من الشهداء بسبب إطلاق جنود الاحتلال النار عليهم بشكل عشوائي، مما جعل هذه النقاط بمثابة مصائد للموت[1].

لا يمنع الاحتلال الإسرائيلي إذا المساعدات من الوصول إلى القطاع فحسب، بل إنه يمنع حتى محتاجيها من الوصول إليها عبر استهدافهم المباشر، وهذا الاستهداف متعمّدٌ وممنهج، إذ اعترف عددٌ من ضباط جيش الاحتلال بتلقيهم تعليمات مباشرة بإطلاق النار على الفلسطينيين قرب مراكز تقديم المساعدات التابعة لما تُعرَف باسم "منظمة غزة الإنسانية" في قطاع غزة وفق تقريرٍ لصحيفة هآرتس، ونقلت الصحيفة عن أحد الجنود قوله إن "قتل المدنيين الباحثين عن المساعدات في غزة أصبح أمرا روتينيا" بالنسبة للجيش الإسرائيلي، حيث لا يُلزَم القادة بتبرير الحاجة لإطلاق الذخائر على الفلسطينيين.

وفي السّياق ذاته، اعترف ضباطٌ من جيش الاحتلال بإتلافهم مواد غذائية ومياها وإمدادات طبية كانت موزعة على أكثر من ألف شاحنة مساعدات تُركت لتتعفن عند معبر كرم أبو سالم بعد منع توزيعها في قطاع غزة.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن جيش الاحتلال يتعمد منع الفلسطينيين من خلق أيّة مصادر لتأمين غذائهم بأنفسهم، وتتكرّر التقارير عن استهداف الزوارق الحربية الإسرائيلية للصيادين بعد أن دمّر ميناء غزة بالكامل بما فيه مراكب الصيادين ومعداتهم، ناهيك عن تدمير الأراضي الزراعية وتجريفها، مما قضى على فرص استغلالها، وهي كلها أفعالٌ تندرج ضمن سياسة ممنهجة تهدف إلى التدمير الكلي أو الجزئي للسكان في قطاع غزة، وإخضاعهم عمدا لظروف معيشية يُراد بها تدميرها.

وبلا شك، فإن هذه الأفعال تسبّب معاناة شديدة وأذى خطيرا يلحق بالجسم أو بالصّحة العقلية أو البدنية، وتؤكّد التقارير الحكومية الواردة من القطاع، بأن سياسة التجويع الممنهجة أثّرت على 100 ألف من النساء الحوامل والمرضعات، وأدّت إلى 1556 حالة ولادةٍ مبكرة، بالإضافة إلى تسجيل حوالي 3 آلاف حالة إجهاض ووفاة داخل الرحم، وتحذّر هذه التقارير من أن مقتلةً جماعية بحق مئة ألف طفل على وشك الحدوث إذا لم يتم إدخال حليب الأطفال فورا للقطاع[2].

إعلان

وهكذا فإن الكيان الإسرائيلي بتعمّده تجويع الفلسطينيين في قطاع غزة يرتكب جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان وموصوفة تماما كما تنص عليها قواعد القانون الدّولي، كما أنه يخرق التزاماته الدولية التي تنصّ عليها اتفاقيات جنيف، فهو لا يضمن حرية مرور الأغذية والأدوية للأطفال دون 15 عاما، وللنساء الحوامل، وللنساء المرضعات كما تنص عليه المادة 23 من اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب، إضافة إلى أنه يتعمّد مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، مثل: الأغذية، والمحاصيل الزراعية، والمواشي، ومياه الشرب، وشبكات توزيع المياه، بقصد حرمانهم منها.

المسؤولية القانونية
من حيث المبدأ، فإن المسؤولية القانونية كما تفرضها قواعد القانون الدولي عن هذه السّياسة الممنهجة في تجويع الفلسطينيين بقصد إبادتهم تقع أولا على الكيان الإسرائيلي، وهنا فإن المسؤولية مزدوجة: مسؤولية جنائية تقوم بحق الأشخاص، ومسؤولية دولية تقوم على الكيان نفسه.

تقوم المسؤولية الجنائية وفق القواعد التي نصّ عليها النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدّولية في حق كل المسؤولين الذين أمروا بما لهم من سلطة بالقيام بالأفعال التي تهدف إلى تجويع الفلسطينيين، بوصفها تشكّل جريمة حرب بمفهوم النظام الأساسي، وجريمة إبادة جماعية بمفهوم اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وعلى هذا الأساس، فإنه يمكن ملاحقة مسؤولي الكيان السياسيين والعسكريين أمام المحكمة الجنائية استنادا إلى نص المادتين السابعة والثامنة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية، وقد جاء في قرار الغرفة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت أوامر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 بأن هناك "أسبابا معقولة للاعتقاد بأن نقص الغذاء، والماء، والكهرباء، والوقود، وبعض المستلزمات الطبية، قد خلق ظروفا معيشية مُصمّمة لإحداث دمارٍ جزئي في السكان المدنيين في غزة، مما أدى إلى وفاة مدنيين، بمن فيهم أطفال، نتيجة سوء التغذية والجفاف".

أما المسؤولية الدولية، فهي تقوم على الكيان الإسرائيلي نفسه بوصفه شخصا قانونيا دوليا يتحمّل مسؤولية خرق التزاماته الدولية، وقد سبق لمحكمة العدل الدولية أن أصدرت في الدعوى التي أقامتها جنوب أفريقيا ضدّه أوامر تحفظية تلزم الكيان بالسماح الفوري والإيجابي بوصول المساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية لسكان غزة كالغذاء والماء والدواء على نطاق واسع، وعادت المحكمة في مارس/آذار 2024 لتعدّل هذه الأوامر، وشدّدت على إلزامية السماح بصرف المساعدات الإنسانية بدون معيقات أو قيود، كما أكّدت على ضرورة التعاون الكامل مع الأمم المتحدة لتيسير وصول الغذاء والماء والوقود وخدمات الصحة.

لكن المسؤولية القانونية لا تقوم فقط ضدّ الكيان الإسرائيلي، بل إنها تقوم في حق كل شخص من أشخاص القانون الدولي الذين دعموا هذه السياسة الممنهجة في تجويع الفلسطينيين بقطاع غزة، وحسب المادة الأولى من اتفاقية الإبادة الجماعية، تتعهد الأطراف المتعاقدة بأن تمنع وتُعاقب على جريمة الإبادة الجماعية، سواء ارتكبت في وقت السلم أو في وقت الحرب.

إضافة لذلك، أقرّت محكمة العدل الدولية في حكمها بقضية البوسنة ضد صربيا سنة 2007 التزاما دوليا يتعلّق بواجب منع الإبادة، إذ جاء في الفقرة 430 من هذا الحكم بأنه يجب على الدول "استخدام جميع الوسائل المتاحة لها بشكلٍ معقول، لمنع الإبادة الجماعية قدر الإمكان"[3].

وفي السّياق نفسه، نصت المادة 16 من مشروع لجنة القانون الدولي بشأن مسؤولية الدول عن الأفعال الدولية غير المشروعة بأنه "تكون الدولة مسؤولة دوليا إذا ساعدت دولة أخرى أو أيدتها في ارتكاب فعل غير مشروع دوليا، وهي تعلم بالظروف الخاصة بذلك الفعل، ويكون الفعل غير مشروع لو ارتكبته هي بنفسها".

إعلان

وهكذا فإنه يمكن الاستناد على هذا الأساس القانوني في ملاحقة كل الدول وحتى المنظمات الدولية التي تفشل بالوفاء في التزامها بمنع الإبادة، خصوصا تلك التي تدعم الكيان عسكريا وسياسيا، أو تسهل له عبر التواطؤ الاستمرار في إبادة الفلسطينيين بتجويعهم، وعلى هذا الأساس، رفعت دولة نيكاراغوا دعوى أمام محكمة العدل الدولية في الأول من مارس/آذار 2024 ضد ألمانيا لدعمها الكيان الإسرائيلي في حرب الإبادة التي يشنّها على القطاع، وطلبت نيكاراغوا من المحكمة تحميل ألمانيا المسؤولية عن خرقها لالتزاماتها الدولية بسبب دعمها للكيان، وأن يتم إصدار أوامر تحفظية تلزم ألمانيا بالتوقف عن تزويد الكيان الإسرائيلي بالسلاح فورا، وعلى الرغم من أن المحكمة رفضت إصدار هذه الأوامر، فإنها لم تصدر حكمها النهائي في الموضوع، وعلى أيّة حال، فإن من شأن تزايد حملات الملاحقة القانونية للكيان وحتى لداعميه أن تؤدي إلى تضييق الخناق عليه ومحاصرته دوليا عبر توسيع دائرة إدانة الرأي العام العالمي لحربه المدمرة على القطاع.

بات من المؤكّد اليوم أن الكيان الإسرائيلي يسابق الزمن لتحقيق هدفه الوحيد في هذه الحرب المجنونة على قطاع غزة في إبادة الفلسطينيين، لم يعد جيش الاحتلال يفعل شيئا في القطاع سوى القتل والتدمير، يقصف بكل وحشية ويجوّع بكل قسوة، وبالقوة ذاتها يضرب في كل مرة مبادئ القانون الدولي الإنساني ويسقطها مبدأ تلو الآخر أمام أعين المجتمع الدولي الذي أدار وجهه عن المأساة، وفشلت العدالة الدولية مرةً أخرى في امتحان غزة رغم أن الكيان يتحداها بجرائم تزداد فظاعة يوما بعد يوم، وهكذا وأمام دعم الداعمين وصمت المتواطئين لم يعد يُسمع في هذا العالم الآن سوى صوت أنين المجوّعين في غزة وصوت الشعوب الحرة هنا وهناك، التي خرجت إلى الميادين تهتف لغزة وللضمير الإنساني الذي لا يمكن أن يخضع لتوازنات المصالح ولن تسكته حسابات السياسة ولا موازين القوى.

—————-

[1] "كيف تحولت نقاط توزيع المساعدات في غزة إلى مصائد للموت؟"، الجزيرة نت، 12/06/2025، شوهد في 23/07/2025 في: https://nlink.at/ySHA

[2] "البرش: 122 حالة وفاة بسوء التغذية في غزة و11.5% من الأطفال يعانون المجاعة الحادة"، الجزيرة نت، 25/07/2025، شوهد في 26/07/2025، على: https://nlink.at/GSIo

[3] حكم محكمة العدل الدولية في قضية البوسنة ضد صربيا، 26/02/2007، شوهد في 26/07/2025 على:   https://www.icj-cij.org/sites/default/files/case-related/91/091-20070226-JUD-01-00-EN.pdf

مقالات مشابهة

  • ثمن التطبيع سياسة التجويع
  • طارق رسلان: دعوات التظاهر أمام السفارات المصرية تمثيلية مفضوحة هدفها المتاجرة و المقامرة بمصائر الشعوب
  • الأمم المتحدة: استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية وانتشار الجوع في غزة
  • التجويع في غزة.. أطباء منهكون يعالجون مرضى يعانون الجوع
  • 7 وفيات جديدة بسبب التجويع بغزة وسوء التغذية يهدد مئات الآلاف
  • بالصور: ليلى أحمد، طفلة غزة التي تقاوم الجوع وتكتب حكاية صمود
  • يذوبون من الجوع بين الممرات الإنسانية الزائفة.. 40 ألف رضيع بغزة بلا حليب
  • جريمة التجويع المركبة في غزة
  • فضيحة مدوية.. شاهد ما الذي كانت تحمله شاحنات المساعدات الإماراتية التي دخلت غزة (فيديو+تفاصيل)