في الوقت الذي تشهد فيه غزة واحدة من أعتى حملات الإبادة الجماعية في العصر الحديث، تخرج الوثيقة السياسية الجديدة الصادرة عن "المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج" لتعيد التأكيد على ثوابت القضية الفلسطينية، وتقدم رؤية سياسية تستند إلى رفض التهجير والإبادة معا، وتطرح أفقا لتفعيل دور فلسطينيي الخارج بوصفهم ركيزة لا غنى عنها في المعركة الوطنية الشاملة.



تبدأ الوثيقة بتشخيص الواقع، مؤكدة أن ما تتعرض له غزة هو "إبادة جماعية موثقة"، وأن مشروع التهجير القسري ليس نظرية، بل ممارسة تُنفّذ على الأرض من خلال الحصار والقصف والتجويع. وهي بذلك لا تكتفي برفض التهجير كخطر استراتيجي، بل تربطه عضويا بالإبادة الجارية، وتحمّل المجتمع الدولي، والدول العربية والإسلامية، وأحرار العالم، مسؤوليتهم المباشرة في وقف هذه الجريمة الكبرى، وليس فقط التخفيف من آثارها.

مركزية غزة ورفض الحلول المسمومة

واحدة من أقوى نقاط الوثيقة هي تأكيدها على مركزية غزة في المشروع الوطني الفلسطيني، باعتبارها "خط الدفاع الأول عن وحدة الأرض والشعب والهوية". فالإبادة الحالية لا تستهدف فقط سكان القطاع، بل تسعى لتفكيك المعنى السياسي والمقاوم لغزة، وتحويل مسألة الاحتلال إلى مجرد عبء إنساني على بقعة جغرافية جميلة يُستخدم مبرّرا لفرض حلول تفكيكية تُنهي القضية. لذلك، ترفض الوثيقة بقوة ما يُطرح من مبادرات "إنسانية" ظاهرها الرحمة وباطنها التصفية، مثل مشاريع إعادة الإعمار مقابل نزع السلاح، أو نقل السكان تحت مسمى "مناطق آمنة".

الإبادة الحالية لا تستهدف فقط سكان القطاع، بل تسعى لتفكيك المعنى السياسي والمقاوم لغزة، وتحويل مسألة الاحتلال إلى مجرد عبء إنساني على بقعة جغرافية جميلة يُستخدم مبرّرا لفرض حلول تفكيكية تُنهي القضية
في هذا الإطار، تذكّر الوثيقة بأن غزة لا تحتاج فقط إلى مساعدات عاجلة، بل إلى وقف فوري وشامل للإبادة، ورفع الحصار، وضمان حق السكان في العودة إلى بيوتهم وأراضيهم، لا إخراجهم منها. وهذا يضع تحديا أمام العرب والمسلمين وأحرار العالم، ليس في تأمين الإغاثة فقط، بل في اتخاذ مواقف سياسية واضحة ترفض التهجير وتواجه الإبادة بجرأة.

رؤية وحدوية مقاومة

في الجانب السياسي، تشدد الوثيقة على ضرورة وحدة وطنية فلسطينية، قائمة على برنامج مقاوم لا يُفرّط بالحقوق. وتطالب بإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية حقيقية، بحيث تشمل جميع القوى الفلسطينية، وعلى رأسها قوى المقاومة، وتمنح الفلسطينيين في الخارج تمثيلا فعليا. وهذه عبارة سمعها الفلسطينيون كثيرا إلى حد الملل، ولكن يبدو أن هذا هو السقف الذي تحرص معظم المؤتمرات التي تحاول تمثيلهم على التمسك به، أو على الأقل تسعى للحفاظ عليه حتى إشعار آخر.

هذا الطرح لا يأتي من فراغ، بل من إدراك عميق لحالة الإقصاء والتهميش التي يعانيها الملايين من فلسطينيي الشتات، الذين تم تقزيم دورهم أو اختزاله في أطر رمزية. والوثيقة تفتح الباب نحو بناء شرعية جديدة، تعتمد على الإرادة الشعبية لا على التوازنات الدولية أو الوصايات الإقليمية، وهذا أمر جوهري إذا أردنا فعلا تحرير القرار الفلسطيني.

تفعيل دور فلسطينيي الخارج

واحدة من الإضافات المهمة في الوثيقة هي الإشارة إلى ضرورة تمكين فلسطينيي الخارج سياسيا وتنظيميا، باعتبارهم "الركن الأوسع في الشعب الفلسطيني". فهؤلاء لم يعودوا مجرد داعمين من بُعد، بل هم طاقة حية يمكنها التأثير سياسيا وقانونيا وإعلاميا في مسار القضية، إذا ما تم تفعيلها وتنظيمها.

لحظة فاصلة، تتطلب من الجميع -أفرادا ومؤسسات، في الداخل والخارج- التحرك الجاد لتوحيد الجهود، وتوظيف الإمكانيات، وتجاوز الحسابات الضيقة، من أجل بناء جبهة فلسطينية عريضة، قادرة على مواجهة الاحتلال، والدفاع عن غزة، وصون حقوق شعبنا في كل مكان
وفي هذا السياق، أدعو إلى الاستفادة من أدوات العصر الحديث، وعلى رأسها التقنية والاتصال عن بُعد، لتجاوز العوائق الجغرافية والتنظيمية. وهذا أمر بالغ الأهمية، فقد باتت الاجتماعات الافتراضية، والتصويت الإلكتروني، والعمل التنسيقي عن بُعد، ممكنة وميسّرة، ولا عذر في تعطيلها. المطلوب هو إرادة سياسية صادقة تفسح المجال للخارج، لا أن تبقيه رهينة لقرارات نُخَب ضيقة أو مصالح آنية.

المخاطر والتحديات

رغم وضوح الرؤية التي تطرحها الوثيقة، إلا أن العقبات أمام ترجمتها إلى واقع ليست قليلة. فهناك واقع استثمار قيادة السلطة في الحفاظ على الانقسام الفلسطيني الذي لم يُعالج جذريا حتى الآن، وهناك توازنات إقليمية ترفض صعود أي مشروع فلسطيني مستقل. كما أن النظام الدولي، بما فيه المؤسسات الأممية، لا يزال عاجزا أو متواطئا أمام جرائم الاحتلال.

ومع ذلك، فإن الوثيقة تُعدّ محاولة جادة لإعادة الاعتبار إلى المبادئ الأساسية للقضية الفلسطينية، وتقديم بديل حقيقي عن مسار التنازلات والانحدار السياسي الذي جرّ على الشعب الفلسطيني الكوارث. وهي تنطلق من الميدان، من وجع غزة وصمودها، لا من قاعات التفاوض أو أوهام التسوية.

رسالة الوثيقة: لا نهوض بلا وحدة.. ولا وحدة بلا مقاومة

خلاصة ما تحمله الوثيقة من وجهة نظري، هو أن رفض التهجير لا يكتمل دون وقف الإبادة، وأن الدفاع عن غزة هو دفاع عن الحق الفلسطيني كله. كما تؤكد أن وحدة الفلسطينيين لا تتحقق في غياب مشروع مقاوم، وأنه من دون تمثيل حقيقي للشتات، ستبقى مؤسساتنا ناقصة الشرعية.

إنها لحظة فاصلة، تتطلب من الجميع -أفرادا ومؤسسات، في الداخل والخارج- التحرك الجاد لتوحيد الجهود، وتوظيف الإمكانيات، وتجاوز الحسابات الضيقة، من أجل بناء جبهة فلسطينية عريضة، قادرة على مواجهة الاحتلال، والدفاع عن غزة، وصون حقوق شعبنا في كل مكان.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء غزة الفلسطينية التهجير فلسطينيي الخارج الاحتلال احتلال فلسطين غزة تهجير فلسطينيي الخارج قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فلسطینیی الخارج

إقرأ أيضاً:

خالد بن أحمد القاسمي: رؤية حاكم الشارقة جعلت من الوثيقة مرجعاً لتعزيز الوعي

الشارقة (وام)

أكد الشيخ خالد بن أحمد بن سلطان القاسمي، رئيس دار الوثائق في إمارة الشارقة، أن احتفال الإمارة بالأسبوع العالمي للأرشيف، الذي يقام خلال الفترة من 9 إلى 13 يونيو الجاري، يشكل فرصة لتسليط الضوء على الرؤية الاستثنائية والجهود المتواصلة التي يتبناها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في صون الوثائق وحفظ التاريخ بما يعكس عمق الهوية وثراء الموروث الثقافي، مشيراً إلى أن سموه وجه منذ سنوات بتأسيس بنية متكاملة تُعنى بجمع الوثائق وحفظها وإتاحتها وفق أفضل المعايير العالمية، إدراكاً لأهمية الوثيقة في حفظ حقوق الأفراد والمؤسسات وتوثيق مسيرة الدولة.
وقال الشيخ خالد بن أحمد بن سلطان القاسمي:«يأتي احتفالنا بالأسبوع العالمي للأرشيف هذا العام ليؤكد مجدداً المكانة المحورية التي تحتلها الوثائق في بناء المجتمعات وتطورها، وفي إمارة الشارقة، التي عُرفت بريادتها في مختلف المجالات، تولي دار الوثائق أهمية كبيرة لوضع نهج مؤسسي راسخ من خلال تأسيس بنية متكاملة تضم جهات متخصصة وكوادر وطنية مؤهلة تعمل على جمع وتنظيم الوثائق التاريخية والحكومية وفق أفضل الممارسات العالمية».
وأوضح إن دار الوثائق تواصل من خلال كوادرها المؤهلة وتقنياتها الحديثة أداء دورها المحوري في تنظيم وحفظ الوثائق الحكومية، وتعزيز الثقافة المجتمعية بأهمية الوثيقة وتيسير الوصول إلى المعلومات، بما يدعم صناعة القرار ويخدم الباحثين والمجتمع، مؤكداً الحرص على تحقيق رؤية الدار في الحفاظ على المخزون الوثائقي المحلي والتعاون مع الجهات المحلية والدولية لترسيخ مكانة الشارقة مركزاً رائداً في هذا المجال في المنطقة.
وقال: «في هذا الأسبوع العالمي للأرشيف نؤكد التزامنا بمواصلة العمل على تطوير منظومة حفظ الوثائق الحكومية والتاريخية في الإمارة، وتوعية المجتمع بأهميتها وضمان استمرارية هذا الدور الحضاري الذي نفخر به، والاستفادة من التقنيات المتقدمة في الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي بما يواكب تطلعات المستقبل ويحافظ على إرثنا الوثائقي للأجيال القادمة».

أخبار ذات صلة سلطان القاسمي يصدر مراسيم أميرية بشأن ترقية الكوادر العسكرية في الهيئات النظامية بالشارقة «الآسيوي» يعتمد ممثلي الكرة الإماراتية في بطولات الموسم المقبل

مقالات مشابهة

  • عبد القادر يرد على موشيه ليون: سياسة ممنهجة لتقليص البناء الفلسطيني بالقدس
  • رئيس الوزراء الفلسطيني: قضيتنا تُحل بإنهاء الاحتلال
  • «ساحات موت جماعي».. الوطني الفلسطيني يطالب بوقف فوري لنقاط توزيع الغذاء بغزة
  • خالد بن أحمد القاسمي: رؤية حاكم الشارقة جعلت من الوثيقة مرجعاً لتعزيز الوعي
  • «التربية»: 9 مسؤوليات على الطالب طوال فترة الاختبارات
  • الاحتلال يضرب المدارس والمقدسات.. وزير الثقافة الفلسطيني السابق يكشف التفاصيل
  • «إرهاب دولة منظم».. الوطني الفلسطيني يدين اعتداء الاحتلال الإسرائيلي على السفينة «مادلين»
  • “الوطني” الفلسطيني: اعتداء الاحتلال الإسرائيلي على سفينة “مادلين” إرهاب دولة منظم
  • حماس تدعو الأمم المتحدة للتحرك العاجل وكسر الحصار عن الشعب الفلسطيني
  • مشعل والحية وجهاد طه.. الاحتلال يحرض على قادة حماس والجهاد في الخارج