يبدو أن القوى المهيمنة على السلطة فعلياً في جنوب السودان، وهي قبيلة الدينكا ومجلس سلاطينها، قد قرروا التخلص كلياً من أبرز الرموز التي يمكن أن تشكل منافساً حقيقياً على خلافة الرئيس سلفا كير، في حال جرت في جنوب السودان إنتخابات حرة ونزيهة، فالدكتور رياك مشار، المنحدر من قبيلة النوير يمكن أن يقود تحالفاً من قبائل النوير والقبائلالاستوائية وبعض قبائل بحرالغزال لفك هيمنة الدينكا على مقاليد السلطة في الدولة الأحدث في العالم.

ففي السابع والعشرين من مارس الماضي، جرى اعتقال رياك مشار، النائب الأول لرئيس جنوب السودان، بعد دخول كل من وزير الدفاع ورئيس الأمن الوطني بالقوة إلى مقر إقامته، حيث سلماه مذكرة اعتقال، وتم منع زيارته حتى من قبل المبعوثين الإقليميين والدوليين، الذين زاروا جوبا في سياق الجهود المتصلة لنزع فتيل الأزمة المتفجرة في جنوب السودان، على خلفية الصراع المسلح الذي تصاعد في ولاية أعالي النيل بين جيش جنوب السودان وقوات غير نظامية تسمى “الجيش الأبيض” قوامها من أبناء قبيلة النوير التي ينتمي إليها رياك مشار، وهو الصراع الذي أدى لمقتل قائد منطقة الناصر العسكرية وهو من أبناء الدينكا.

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها رئيس حكومة جنوب السودان سلفاكير ميارديت التخلص من نائبه رياك مشار، والتحفظ عليه، مما أسهم في مخاوف عديدة من انفجار الصراع في جنوب السودان مجدداً وتزايد إحتمالات أن يؤدي إلى مواجهات دامية تلقي بظلالها على دول الجوار.

ففي يوم 24 يوليو 2013، أقال سلفاكير، نائبه رياك مشار و أعضاء حكومته، وأحال أمين عام الحركة الشعبية لتحرير السودان، أنذاك، باقان أموم للتحقيق الأمر الذي قاد إلى خروج رياك مشار من جوبا خلسة بعد مواجهات مسلحة داخل المدينة، واندلعت إثر ذلك حرب أهلية بين الدينكا والنوير استمرت خمس سنوات وقالت الأمم المتحدة أنه ارتكبت فيها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ولم تتوقف إلا بعد دخول الخرطوم على خط الوساطة التي رعتها منظمة الإيغاد، على عهد الرئيس عمر البشير.

وعلى الرغم من أن محاولات السلطة الفعلية في جوبا لم تتوقف عن عزل مشار بشتى الطرق وإبعاده من المشهد السياسي في جنوب السودان، إلاّ أن المحاولة هذه المرة أخذت منحى جديداً شرعت من خلاله جوبا لإحداث إنقسام داخل صفوف الحركة الشعبية – في المعارضة التي يتزعمها مشار، فبعد أن تم إعتقال مشار وعدد من الوزراء في حزبه، سعت السلطة الحاكمة لاستمالة بعض المتطلعين من أبناء النوير ودعمتهم لتشكيل “قيادة بديلة” أسموها “القيادة المؤقتة”، وخلال الأيام الماضية التقى وفد من هذه القيادة المؤقتة للحركة الشعبية لتحرير السودان في المعارضة، بقيادة وزير بناء السلام استيفن فار كول، بالرئيس سلفا كير ميارديت في جوبا، لمناقشة “سُبل دفع عجلة تنفيذ اتفاق السلام المُوقع في عام 2018″، وهو الاتفاق الذي كان قضى بدمج المجموعات المسلحة في الجيش الوطني، وإجراء إنتخابات عامة ورئاسية، وفجر عدم تنفيذه الصراع الكامن على السلطة.

هذا الاجتماع مع سلفاكير أتى بعد أيام قليلة من إعلان مجموعة من كبار أعضاء الحركة الشعبية لتحرير السودان – في المعارضة بجوبا، تكليف استيفن فار كول، كرئيس مؤقت للحركة، خلفا للرئيس الحركة رياك مشار الذي بقي قيد “الإقامة الجبرية”،. وأوضح كول أنه سيشغل هذا المنصب إلى حين إطلاق سراح مشار، في محاولة لتخفيف وقع إنحيازه ضد رئيس الحركة، النائب الأول مشار.

وأدى هذا التطور إلى انقسام داخلي عميق داخل الحركة الشعبية – في المعارضة، حيث قاطع الاجتماع الذي تم فيه تأسيس القيادة المؤقتة عدد من كبار المسؤولين في الحركة بينهم وزيرة الداخلية أنجلينا تينج، ووزير التعدين مارتن أبوشا، والأمينة العامة للحزب رجينا كابا.

وفي المقابل يضم الفصيل الداعم للوزير كول، شخصيات بارزة مثل وزير الشؤون الفيدرالية لاسوبا وانغو، ورئيس مجلس الولايات دينق دينق أكون، ونائب وزير المالية السابق أقوك ماكور.

وكان دينق لام وآخرون، بمن فيهم استيفن بار كول، قد عُلِّقَت عضويتهم من قبل نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان في المعارضة أويت ناثانيل، وهو القائم بأعمال رئيس الحركة “قيد الإقامة الجبرية”، وقد رفضوا قرار التعليق، ووصفوا قرار “أويت” بأنه غير قانوني، مشيرين إلى أنه خارج البلاد.

خلافة سلفا كير
ونظراً لتراجع صحة الرئيس سلفا كير، وكبر سنه، بدأ الصراع على خلافته يأخذ أكثر من منحى، فمن ناحية يدور صراع غير معلن داخل مكون قبيلة الدينكا، التي تهيمن على الجيش وأجهزة المخابرات ، ومن الواضح أن الممسكين بملفات المخابرات والاستخبارات، شرعوا في إبعاد “الحرس القديم”، من قادة الجيش الشعبي، أمثال كول مانيانق، وإبراز قيادة جديدة من أبناء الدينكا، ومن ناحية أخرى تحاول قيادات القبيلة القضاء على أي تحالف قد ينشأ بين النوير والقبائل الأخرى سواء من القبائل الاستوائية، التي تشكلت لها مليشيات مسلحة، أو قبائل بحر الغزال من غير الدينكا .

ضغوط أمريكية
محاولات سلفاكير بعزل مشار نهائياً تواجه بضغوط إمريكية، حيث دعت الولايات المتحدة، رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت إلى إطلاق سراح نائبه الأول رياك مشار، من الإقامة الجبرية، وحثت قادة البلاد على إظهار التزامهم بالسلام.

وقال مكتب الشؤون الأفريقية الأمريكي على حسابه في موقع التواصل الإجتماعي -إكس- “نشعر بالقلق إزاء التقارير التي تفيد بأن رياك مشار، النائب الأول لرئيس جنوب السودان، قيد الإقامة الجبرية، ونحث الرئيس كير على التراجع عن هذا الإجراء، ومنع المزيد من تصعيد الوضع”.

وأضاف “لقد حان الوقت لقادة جنوب السودان لإظهار صدق التزاماتهم المعلنة بالسلام”.

الرئيس لا يتحدث مع نائبه الأول!!
وكانت العلاقه بين الرئيس سلفا كير ونائبه الأول قد تدهورت منذ بداية العام، حتى أن التواصل المباشر بينهما تعثر فاضطر مشار أن يبعث برسالة مؤرخة في 27 فبراير 2025، أكد فيها على الحاجة الملحة للحوار لمنع المزيد من العنف وعدم الاستقرار. وطلب تحديدا عقد اجتماع مع الرئيس كير لمناقشة تدهور الأوضاع الأمنية، وخاصة في أعالي النيل وغرب الاستوائية، لكن الرئيس سلفا كير لم يستجب لطلبه.

وجاءت في الرسالة “أكتب مجددا لطلب مقابلة مع سعادتكم لمناقشة تدهور الوضع الأمني في ولايتي أعالي النيل وغرب الاستوائية، على وجه الخصوص”.

وتضيف الرسالة “في 20 فبراير 2025، كتبت إلى سعادتكم لمناقشة استبدال قوات دفاع شعب جنوب السودان في مدينة الناصر، التي أصبحت نقطة اشتعال مؤخرا”.

وحذر مشار من أن الانتهاكات في هذه الولايات خطيرة بما يكفي لتبرير تدخل الضامنين لاتفاقية السلام لعام 2018.

وأضاف “الانتهاكات في هذه الولايات خطيرة لدرجة أنني مضطر لإثارة هذه القضايا مع الضامنين، حتى يتمكنوا من التدخل واقتراح حلول ودية لكسر الجمود”.

وتشهد مقاطعة الناصر بولاية أعالى النيل، تدهورا للأوضاع الأمنية، على خلفية القتال بين قوات دفاع شعب جنوب السودان، والمدنيين المسلحين “الجيش الأبيض”.

إلى أين تتجه الأمور ؟
يتضح من سياق الأحداث، أن الأمور بين الرئيس سلفا كير ونائبه الأول رياك مشار وصلت مرحلة اللاعودة، بدليل أن الجيش الأوغندي هو الذي نزل إلى ساحة المعركة، ووصلت طلائعه حتى قرب الحدود مع السودان، وأن مشار إن لم يتنازل عن طموحه الرئاسي، فقد يتم تغييبه عمداً من المشهد، إما بمحاكماه وسجنه أو حتى بتصفيته، وبغض النظر عن رجحان هذا السيناريو من عدمه، فإن الوضع في جنوب السودان مرشح لمزيد من التصعيد، وأن الحدود مع السودان مرشحة أن تصبح نقطة ساخنة، إن لم يكن بسبب القتال، فبسبب التدفقات المحتملة للاجئين.

المحقق – طلال إسماعيل

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الشعبیة لتحریر السودان الإقامة الجبریة فی جنوب السودان الرئیس سلفا کیر الحرکة الشعبیة رئیس الحرکة فی المعارضة نائبه الأول ریاک مشار من أبناء

إقرأ أيضاً:

“التخصصي” ينجح في إجراء أول عملية تصغير معدة بالمنظار لزارع كلى على مستوى المنطقة

المناطق-واس

نجح مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض، في إجراء عملية تصغير للمعدة باستخدام المنظار الداخلي، لمريض خضع سابقًا لزراعة كلى، وهي حالة تتطلب دقة عالية في التحكم بالأدوية المثبطة، للمناعة وتفادي أي مضاعفات تهدد العضو المزروع، مما يُشكل تقدمًا نوعيًا في تقديم حلول علاجية آمنة لمرضى الزراعة، تُسهم في تحسين بقاء العضو المزروع، وجودة حياة المريض.
وتعد العملية إنجازًا طبيًا هي الأولى من نوعها على مستوى المنطقة حيث تُعرف باسم “تصغير المعدة بالتنظير الداخلي” (Endoscopic SleeveGastroplasty – ESG)، وتختلف عن عملية التكميم الجراحي، حيث لا تتطلب فتح البطن أو إزالة أي جزء من المعدة، بل يتم فيها استخدام المنظار عبر الفم لخياطة المعدة من الداخل وتقليل حجمها، مما يساعد المريض على فقدان الوزن، وتحسين صحته العامة.

وجاءت هذه الخطوة بهدف معالجة السمنة ومشاكل التمثيل الغذائي (أي الطريقة التي يعالج بها الجسم الدهون والسكريات)، التي تُعد من أبرز الأسباب التي، تؤثر سلبًا على صحة الكلية المزروعة، وترفع خطر الإصابة بأمراض القلب، وتقلل فرص بقاء المريض بصحة جيدة على المدى الطويل.

أخبار قد تهمك حالات انتحار أطفال.. تقرير مقلق عن تأثير وسائل التواصل 12 يونيو 2025 - 10:03 صباحًا 5 فواكه تُعزز عملية إزالة السموم من الكبد 12 يونيو 2025 - 10:01 صباحًا

وأُجريت العملية بواسطة فريق طبي متعدد التخصصات بقيادة استشاري أمراض وزراعة الجهاز الهضمي للكبار، الدكتور إيهاب أبو فرحانة، ضم أطباء في تخصصات أمراض الجهاز الهضمي، وجراحة الجهاز الهضمي العلوي، وجراحة زراعة الأعضاء، وأمراض الكلى وتخدير مرضى الزراعة، إلى جانب طواقم التمريض عالية التأهيل لضمان أعلى درجات السلامة، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع الأدوية المثبطة للمناعة التي يتناولها مريض الزراعة للحفاظ على الكلية المزروعة.

يُذكر أن مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث صُنف الأول في الشرق الأوسط وأفريقيا والـ 15 عالميًا ضمن قائمة أفضل 250 مؤسسة رعاية صحية أكاديمية حول العالم لعام 2025، والعلامة التجارية الصحية الأعلى قيمة في المملكة والشرق الأوسط، وذلك بحسب “براند فاينانس” (Brand Finance) لعام 2024، كما أدرج ضمن قائمة أفضل المستشفيات الذكية في العالم لعام 2025 من قبل مجلة نيوزويك(Newsweek).

نسخ الرابط تم نسخ الرابط 12 يونيو 2025 - 10:38 صباحًا شاركها فيسبوك ‫X لينكدإن ماسنجر ماسنجر أقرأ التالي أبرز المواد12 يونيو 2025 - 9:35 صباحًاارتفاع أسعار النفط ليصل إلى 69.92 دولارًا للبرميل أبرز المواد12 يونيو 2025 - 9:30 صباحًا13 قتيلا و200 مصاب بنيران إسرائيلية بنقاط توزيع المساعدات وسط غزة أبرز المواد12 يونيو 2025 - 9:20 صباحًاارتفاع أسعار الذهب لتصل إلى 3364.10 دولارًا للأوقية أبرز المواد12 يونيو 2025 - 9:18 صباحًازلزال بقوة 5 درجات يضرب البيرو أبرز المواد12 يونيو 2025 - 9:14 صباحًاحالة الطقس المتوقعة اليوم12 يونيو 2025 - 9:35 صباحًاارتفاع أسعار النفط ليصل إلى 69.92 دولارًا للبرميل12 يونيو 2025 - 9:30 صباحًا13 قتيلا و200 مصاب بنيران إسرائيلية بنقاط توزيع المساعدات وسط غزة12 يونيو 2025 - 9:20 صباحًاارتفاع أسعار الذهب لتصل إلى 3364.10 دولارًا للأوقية12 يونيو 2025 - 9:18 صباحًازلزال بقوة 5 درجات يضرب البيرو12 يونيو 2025 - 9:14 صباحًاحالة الطقس المتوقعة اليوم حالات انتحار أطفال.. تقرير مقلق عن تأثير وسائل التواصل حالات انتحار أطفال.. تقرير مقلق عن تأثير وسائل التواصل تابعنا على تويتـــــرTweets by AlMnatiq تابعنا على فيسبوك تابعنا على فيسبوكالأكثر مشاهدة الفوائد الاجتماعية للإسكان التعاوني 4 أغسطس 2022 - 11:10 مساءً بث مباشر مباراة الهلال وريال مدريد بكأس العالم للأندية 11 فبراير 2023 - 1:45 مساءً أجمل رسائل وعبارات صباح الخير وأدعية صباحية للإهداء 24 أبريل 2022 - 9:35 صباحًا جميع الحقوق محفوظة لجوال وصحيفة المناطق © حقوق النشر 2025   |   تطوير سيكيور هوست | مُستضاف بفخر لدى سيكيورهوستفيسبوك‫X‫YouTubeانستقرامواتساب فيسبوك ‫X ماسنجر ماسنجر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق فيسبوك‫X‫YouTubeانستقرامواتساب إغلاق بحث عن إغلاق بحث عن

مقالات مشابهة

  • الرئيس الشرع يبحث خلال اتصال هاتفي مع الرئيس أردوغان المستجدات التي تشهدها المنطقة
  • الرئيس الروسي يبحث مع نظيره الأمريكي الصراع الإسرائيلي الإيراني
  • معهد القلب ينجح في إجراء قسطرة قلبية لرضيع 5 أيام
  • تمرد كاليفورنيا.. ما الأدوات التي تملكها الولايات لكبح السلطة الفدرالية؟
  • محافظ أبين: نرحب بأي جهود من شأنها الاستجابة للمبادرة التي أطلقناها قبل عام بفتح طريق عقبة ثرة
  • الرئيس الإيراني: لن نستسلم للظلم والاستبداد والقوة التي تمارس ضدنا
  • تقرير أممي: خطر المجاعة يهدد منطقتين في جنوب السودان وسط تصاعد النزاع
  • اتحاد الكرة السوداني يرد على اتهامات إقصاء أندية واتحادات
  • السودان: توقعات بمعدلات أمطار عالية وفيضانات وحرارة مرتفعة
  • “التخصصي” ينجح في إجراء أول عملية تصغير معدة بالمنظار لزارع كلى على مستوى المنطقة