سياسة ترامب تهدد الميزة الأساسية للدولار؟
تاريخ النشر: 1st, May 2025 GMT
1 مايو، 2025
بغداد/المسلة: هيثم الخزعلي
لقد كان الجنيه الاسترليني “العملة الاحتياطية العالمية” نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وادار الانكلير الكثير من التجارة العالمية بالجنيه الذي يصدره “بنك انكلترا المركزي”، حتى الحرب العالمية الثانية.
حيث اصبحت ديون بريطانيا 255% من ناتجها المحلي الإجمالي، واصبحت مدينة بالكثير من المال للولايات المتحدة الأمريكية، وانخفضت قيمة عملتها بسبب التضخم.
فحل الدولار محل الجنيه الاسترليني كعملة “احتياط دولي ” ومنح الولايات المتحدة قوة كبيرة، اوما كما يقول الرئيس الروسي “بوتين” (الدولار هو حجر الزاوية في القوة الأمريكية).
فما معنى عملة الاحتياط الدولي؟
العملة الاحتياطية هي العملة ((الأكثر موثوقية في العالم)) ، وكل عملة هي دين، او ” وعد بالسداد ” على الجهة المصدرة لها، ولذا أصبح الدولار هو العملة الاحتياطية العالمية، لأنه الأكثر موثوقية بين العملات.
فحتى لو لم يكن هناك ما يكفي من الذهب لتغطيته فإن الناس يثقون بأن الولايات المتحدة ستفي بالتزاماتها.
واذكر ان استاذنا في الجامعة الدكتور علي الراوي ناقش هذا الموضوع معنا وقال (إن الولايات المتحدة تستطيع أن تعطي سلعة مقابل كل دولار يحمله اي شخص في العالم)
على عكس دول أوربا فإن الولايات المتحدة لم تتضرر من الحربين العالميتين، باستثناء هجوم “بيرل هاربر”
فأصبحت أقوى واغنى دولة في العالم واصدرت أقوى عملة دوليا. وشاركت قي التجارة اكثر من اي دولة أخرى ، وهذا يعني ان الدولار أصبح مستخدم عالميا على نطاق واسع .
ولأن الدولار صادر من دولة يثق الجميع بأنها ستفي بالتزاماتها تم استخدامه بتسعير بعض السلع الأساسية مثل( النفط/ والقمح/ والذهب) ، بالإضافة لسلع أخرى.
وهذا ما يجعل الدولار قوي للغاية، ففضلا عن تسهيله للتجارة أصبح أيضا “مخزن للقيمة” ، كما أنه “اداة لتقييم العملات ” يحدد قيمة العملات ، حيث تستطيع كل دولة معرفة قيمة الذهب الموجود في عملتها عبر معرفة قيمتها بالدولار لان العملات غالبا ترتبط بالذهب والذهب يُسعر بالدولار.
لذا فإن العملة الاحتياطية تساهم في ارساء “معايير التقييم ” في مختلف أنحاء العالم. .
واحيانا يكون( اساس للعملات) بدل الذهب، مثلا بنما تضع سعر صرف اساس عملتها على اساس سعر صرف ثابت بالدولار، ولكنها تصدر عملتها الخاصة بها .
ولان مؤوسسات مثل” البنك الدولي” و”صندوق النقد الدولي” فضلا عن الكثير من الأسواق المالية العالمية، تصدر ديونها والكثير من الأدوات المالية الأخرى بالدولار.
جعل ذلك البنوك المركزية تحتفظ بالدولار لضمان قدرتها على تسوية ديونها .
وبما أن معظم البنوك المركزية في العالم ترغب بالاحتفاظ بعملة الاحتياط الدولية لتسوية ديون بلدانها. لذا كان الدولار هو العملة التي “تقيم بها ديون العالم” .
وهذا معنى العملة الاحتياطية لان البنوك تحتفظ بها احتياط لسداد ديونها، ومن هنا جاء الاسم (عملة احتياطية )، وهذا يعني ضرورة توفر كميات كبيرة من الدولار لسداد ديون كل هذه الدول.
وهذا يعني آن على الولايات المتحدة ان تلعب دورا مهما هو( ضخ ما يكفي من الدولارات للعالم) لضمان ان يلعب الدولار هذا الدور .
وعليه فإن خصائص العملة الاحتياطية (تسهيل التجارة العالمية /مخزن للقيمة /ربط قيمة بعض العملات /وظيفة السوق المالية بتوفير الاحتياطات /توفير الثقة والسيولة)
وهذا ما يريد ترامب الغائه حيث يقول انه لايريد اصدار المزيد من الديون للعالم!! ، ويريد خفض قيمة الدين الفدرالي الأمريكي! !
ولكن في الواقع ان قيمة الدين الفدرالي الأمريكي البالغ 37 ترليون الان،هي الدولارات الموجودة في العالم، والتي تستخدم لغرض تحويلها كعملة احتياط عالمية، ولا احد يرغب باعادتها للولايات المتحدة.
وبما أن الرئيس الأمريكي يريد شن حروب تجارية وفرض تعريفات كمركية او يريد من الفدرالي الأمريكي ان يثبت سعر الفائدة بطريقة تربك الاسواق، فان مكانة الدولار كعملة احتياط ستضرر في الحال.
فمجرد التلاعب بالعملة بهذه الطريقة ستتحول ل”عملة سامة” لايريد احد الاحتفاظ بها، كما حدث لليرة التركية في آخر 10 سنوات بسبب سياسة الرئيس ” اردوغان” .
وهذا يعني ان الولايات المتحدة تفقد الميزة الاقتصادية الأساسية التي حصلت عليها من خلال امتلاكها العملة الاحتياط العالمية .
هذه الميزة هي تماما عكس ما يقوله ” ترامب” ، فالحقيقة ان العالم لايستغل الولايات المتحدة عندما يحقق معها “فوائض تجارية” ، اي تكون صادراتهم للولايات المتحدة اكبر من وارداتهم منها.
فإن من يبيعون للولايات المتحدة يحتاجون الدولارات للاحتفاظ بها لان بنوكهم المركزية تحتاج للدولار “كعملة احتياط”، والا فأنها لن تستطيع توفير السيولة التي تحتاجها الاسواق المالية العالمية.
لذا فإن العالم لا يستطيع تحمل شراء سلع من الولايات المتحدة بقدر ما يبيعه لها.
والا فإنه لن يكون هناك ما يكفي من الدولارات في العالم لكي يصبح (عملة احتياط عالمية ).
والحقيقة الأهم أن الولايات المتحدة اشترت كل تلك الواردات من العالم والتي عززت مستوى معيشة المواطن الأمريكي، ((بدون مقابل))، بسبب ان( العملة هي دين) والناس في الواقع لايريدون استرداد (الدين ) الموجود في الدولارات التي دفعوها لهم.
فهم لايريدون إعادة هذه الدولارات للولايات المتحدة،بل يريدون الاحتفاظ بها كعملة احتياط للتجارة العالمية وتسوية الديون فيما بينهم، وبالتالي فإن العالم يدعم الولايات المتحدة لا يستغلها.
واذا قرر ترامب الغاء كون الدولار عملة احتياط عالمي، فماهو البديل؟
– الحنيه الاسترليني لايمكنه توفير هذه الخدمة.
– اليورو وهو ليس عملة دولة واحدة، بل عملة عدة دول وهذا يضع الشكوك حوله، بسبب اختلاف سياسات هذه الدول.
– الين الياباني، مع ان الدين الياباني يمثل 200% من الناتج المحلي الاجمالي فهو لايحقق ذلك أيضا.
– اليوان الصيني لا تستطيع أن يقوم بهذا الدور أيضا لانه غير موثوق به بما فيه الكفاية.
[ربما يمكن أن يكون البديل “سلة من العملات” منها الدولار، مثل الذي اقترحه “جون ماينرد ” عام 1945 والذي سماه بانكور (Bnacor)]، والذي كان من المقرر استخدامه لتسوية التجارة الدولية البحتة ، وهو عبارة عن سلة متوازنة من العملات العالمية التي تشترك في “تكوين القيمة” لتعكس الحركة الواسعة للتداول بين تلك البلدان.
ومن شأن هذه السلة ان توفر “وسيلة للتسوية” بين البنوك الدولية يمكنها الاحتفاظ بها لضمان حصولها على “السيولة الدولية” .
وهنا لابد من اعتماد عملات دول كبرى (البرازيل والهند وجنوب أفريقيا) ، بل حتى الدول الصغيرة، ويمكنها ان تحصل على قروض بعملاتها المحلية.
مما يعني توفر سبيل افضل يجعل الدول اقل اعتمادا على السياسات الداخلية للولايات المتحدة وهذه نعمة للجميع.
ولكن ما الذي سيحدث للولايات المتحدة اذا لم تعد عملتها عملة احتياط دولية؟ .
ترامب يعتقد انه عبر تحقيق الفائض التجاري للولايات المتحدة الأمريكية سيعاقب الذين حققوا فوائص تجارية معها ، ولكنه في الحقيقة سيعاقب الشعب الأمريكي.
حيث يجب على الولايات المتحدة، ان تدفع ثمن وارداتها وهذا ما سيؤثر على مستوى المعيشة للمواطن الأمريكي، بشكل كبير لانه سيجبر الامريكان على دفع ثمن ما يشترونه من العالم ،وهو مالم يكونوا بحاجه له، عندما يكون الدولار “عملة احتياطية” لان الدين الموجود في الدولار لن يتم استرداده و الدولار لن تتم اعادته للولايات المتحدة الأمريكية .
وكما يقول أمير المؤمنين ( علي عليه السلام)
“يفعل الجاهل بنفسه مالا يفعله العدو بعدوه”
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author moh mohSee author's posts
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: للولایات المتحدة الولایات المتحدة وهذا یعنی فی العالم
إقرأ أيضاً:
الصحة العالمية: كارثة إنسانية تهدد أطفال غزة والحل بسيط جدا
حذر المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية كريستيان ليند ماير من وضع كارثي يشهده قطاع غزة، مؤكدا أن الفلسطينيين يواجهون أزمة سوء تغذية مستمرة منذ أسابيع طويلة بسبب عدم توفر كميات كافية من الغذاء.
ولفت خلال مداخلة للجزيرة إلى ارتفاع مقلق في معدلات سوء التغذية الحاد منذ العام 2023، حيث تم تسجيل ألف حالة على الأقل منذ بداية شهر يوليو/تموز الماضي، معظمها من الأطفال الذين يعانون من سوء تغذية حاد، مما أدى إلى العديد من حالات الوفاة نتيجة هذا الوضع المأساوي.
ويتفاقم الوضع الإنساني في القطاع بشكل دراماتيكي، حيث أشار المتحدث باسم الصحة العالمية إلى أن الأمهات المرضعات فقدن القدرة على إرضاع أطفالهن بسبب سوء التغذية الذي يعانين منه.
وأكد ماير أن هذه الكارثة من صنع الإنسان وليست ظاهرة طبيعية، مشددا على أن الحل متاح وبسيط للغاية، فالمطلوب فقط فتح المعابر والسماح للشاحنات المحملة بالطعام بالدخول للقطاع، وبهذا يمكن إنقاذ الأطفال فورا.
رغم الأوضاع المأساوية، تتردد منظمة الصحة العالمية في الإعلان الرسمي عن حالة المجاعة في غزة، وأوضح ماير أن المنظمة تصف الظروف الحالية بأنها تشبه ظروف المجاعة، لكنها تنتظر الإعلان الرسمي عن ذلك، مؤكدا أن التسمية الرسمية ليست الأهم بقدر ما هو مشاهد على أرض الواقع من أوضاع مروعة.
وأشار إلى أن بعض الخبراء يرون أهمية التسمية الرسمية لأنها تترتب عليها مسؤوليات على جهات متعددة، داعيا إلى تسمية الأشياء بأسمائها وعدم التردد في وصف المجاعة بما هي عليه.
وأبدى المتحدث باسم المنظمة تفاؤلا حذرا، مشيرا إلى أن المزيد من السياسيين من دول مختلفة بدؤوا يرفعون أصواتهم رفضا لهذا الوضع غير المقبول، وأكد أن تزايد الضغط السياسي يؤدي إلى زيادة كميات المساعدات الداخلة للقطاع وتكثيف قوافل الإغاثة.
لكنه حذر من أن هذه المساعدات المتقطعة غير كافية وغير مستدامة، مشبها الوضع بإعطاء شخص قطعة خبز اليوم ثم حرمانه من الطعام في الأيام التالية، وشدد على ضرورة استمرارية إيصال المساعدات وضمان وقف إطلاق النار والوصول إلى حالة من السلام المستدام.
إعلانوكانت المنظمة قد حذرت من أن سوء التغذية في قطاع غزة بلغ "مستويات تنذر بالخطر"، مشيرة إلى أن "الحظر المتعمد" للمساعدات أدى إلى "خسائر فادحة في الأرواح".
سوء تغذية خطير
وأضافت المنظمة في بيان لها صدر اليوم الاثنين "يشهد قطاع غزة حالة من سوء التغذية الخطير الذي اتسم بارتفاع حاد في عدد الوفيات في يوليو/تموز".
وأشارت إلى أنه من بين 74 وفاة مسجلة مرتبطة بسوء التغذية في عام 2025 وقعت 63 حالة في يوليو/تموز الجاري، من بينها 24 طفلا دون سن الخامسة، وآخر يزيد عمره على 5 سنوات، و38 بالغا.
وتابعت المنظمة "أُعلن عن وفاة معظم هؤلاء الأشخاص لدى وصولهم إلى المرافق الصحية أو توفوا بعيد ذلك، وبدت على أجسادهم علامات واضحة على الهزال الشديد".
وأكدت أنه "لا يزال من الممكن تجنب الأزمة بشكل كامل، أدى المنع والتأخير المتعمد لوصول المساعدات الغذائية والصحية والإنسانية واسعة النطاق إلى خسائر فادحة في الأرواح".
ونقلت المنظمة عن شركائها في مجموعة التغذية العالمية أن طفلا من كل 5 دون سن الخامسة في مدينة غزة يعاني الآن من سوء التغذية الحاد.
وأضافت أن نسبة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و59 شهرا ويعانون من سوء التغذية الحاد قد تضاعفت 3 مرات منذ يونيو/حزيران الماضي في المدينة، مما يجعل منها المنطقة الأكثر تضررا في القطاع الفلسطيني.
وأشارت إلى أن هذه المعدلات تضاعفت في خان يونس ووسط غزة خلال أقل من شهر.
ورجحت المنظمة "أن تكون هذه الأرقام أقل من الواقع نظرا للقيود الأمنية الشديدة المفروضة على الوصول، والتي تمنع العديد من العائلات من الوصول إلى المرافق الصحية".
وبحسب منظمة الصحة العالمية، تلقى أكثر من 5 آلاف طفل دون سن الخامسة خلال الأسبوعين الأولين من يوليو/تموز الجاري العلاج من سوء التغذية، وكان 18% منهم يعانون من الشكل الأكثر خطورة، وهو سوء التغذية الحاد الشديد.