أثار الإعصار المالي الذي خلفته قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية الشاملة موجة من القلق في الأسواق العالمية دفعت كثيرين إلى مقارنتها بـ"الفوضى" التي أحدثها إعلان الميزانية المصغرة الكارثية لرئيسة الوزراء البريطانية السابقة ليز تراس قبل 3 سنوات، بحسب ما نقلت صحيفة فايننشال تايمز.

وفي حين أطاحت الأسواق بتراس خلال 7 أسابيع فقط فإن تأثير ترامب يبدو أخطر وأعمق بكثير نظرا لحجم الاقتصاد الأميركي ومركزه في النظام المالي العالمي، تقول الصحيفة.

فالرئيس الأميركي -الذي كان يُنظر إلى عودته للبيت الأبيض كمحفز للنمو وخفض الضرائب والبيروقراطية- بات الآن مصدر ذعر للأسواق والمستثمرين والمشرعين على حد سواء.

القلق من تفكك النظام المالي العالمي

وقالت ليزا كويست الشريكة في "أوليفر وايمان" والمتخصصة في شؤون المؤسسات الحكومية إن "إدارة ترامب الحالية تتبنى رؤية اقتصادية قومية وتستخدم أدوات مثل الرسوم الجمركية لتحقيق أهداف جيوسياسية".

الأسواق الأميركية شهدت مؤخرا تراجعا حادا في أسعار الأسهم (الفرنسية)

وأشارت كويست إلى دراسة أجرتها مؤسستها بالتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي توقعت أن يؤدي تفكك النظام المالي العالمي إلى خسائر سنوية في الناتج الاقتصادي تتراوح بين 600 مليار دولار و5.7 تريليونات دولار، أي ما يعادل 5% من الناتج العالمي، وهو ضعف الضرر الذي سبّبه وباء كورونا في عام 2020.

إعلان

وقالت إن "المشكلة لا تكمن فقط في التكلفة الاقتصادية المباشرة، بل في انعدام الثقة، فهذه الأسواق قائمة على الاستقرار والثقة، وفقدان هذا الأساس سيؤدي إلى تكلفة إضافية باهظة".

هروب رؤوس الأموال وفقدان الثقة

وشهدت الأسواق الأميركية مؤخرا تراجعا حادا في أسعار الأسهم وعمليات بيع واسعة في سوق سندات الخزانة، إلى جانب تراجع قيمة الدولار، في دلالة واضحة على فقدان ثقة المستثمرين وتزايد حركة خروج رؤوس الأموال.

وفي تصريح للصحيفة قال جيمي ديمون الرئيس التنفيذي لمصرف "جي بي مورغان تشيس" "أشعر بالقلق من فقدان الولايات المتحدة مكانتها كملاذ آمن بسبب الاضطراب السياسي والانقسامات الاقتصادية".

في المقابل، تزداد مخاوف الشركات من بيئة سياسية عدائية، خاصة بعد استهداف ترامب مكاتب المحاماة التي تمثل خصومه السياسيين، وشن تحقيقات ضد سياسات التنوع في الشركات، وقطع التمويل عن جامعات بارزة مثل "هارفارد".

وقالت آنا بينيدو المحامية المتخصصة في أسواق المال بشركة "ماير براون" إن "الزبائن يعيشون في حالة خوف من الانتقام، هناك تردد واسع في اتخاذ قرارات استثمارية، مجالس الإدارة تخشى أن تصبح أهدافا لقرارات سياسية".

تحذيرات من أزمة مالية مقبلة

ورغم صمود النظام المالي أمام أزمات كبرى كجائحة كورونا وأزمة الطاقة بعد الحرب الروسية لأوكرانية فإن خبراء ومراقبين يرون أن النظام لا يزال هشا أمام الصدمات، خاصة في ظل استمرار مستويات الديون المرتفعة.

ومن بين تلك المخاطر ما تعرف بـ"تجارة الفجوة"، إذ تستخدم صناديق التحوط أموالا ضخمة مقترضة للربح من فروق ضئيلة بين السندات النقدية والعقود الآجلة.

وأشارت وكالة التصنيف "ستاندرد آند بورز" في تقرير صدر في أبريل/نيسان الماضي إلى أن أي خلل في هذه الآلية "سيرتد على مجمل النظام المالي ويرفع تكلفة التمويل بشكل مفاجئ"، وفقا للصحيفة.

لا توجد مؤشرات على نية الفدرالي وقف خطوط تبادل العملة لكن لو حدث ذلك فسيكون الأمر بالغ الخطورة (غيتي)

وفي سياق متصل، حذر بيير أوليفييه غورينشاس كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي من أن الحرب التجارية المحتملة، إلى جانب النزاعات العسكرية في أوكرانيا والشرق الأوسط قد تضيف ضغوطا متصاعدة على الأسواق المالية، مشيرا إلى خفض توقعات نمو الاقتصاد العالمي من 3.3 إلى 2.8%.

إعلان قطع خطوط التمويل بالدولار

واحدة من أخطر المخاوف التي سلطت عليها الصحيفة الضوء هي احتمال أن يمنع ترامب الاحتياطي الفدرالي من تقديم السيولة بالدولار للبنوك المركزية حول العالم من خلال خطوط التبادل العملات، والتي مثلت أداة إنقاذ رئيسية في أزمات سابقة.

وقال المدير التنفيذي السابق للبنك المركزي الألماني أندرياس دومبريت "لا توجد مؤشرات حتى الآن على نية الفدرالي وقف هذه الخطوط، لكن لو حدث ذلك فسيكون الأمر بالغ الخطورة".

من الرابح؟

على الرغم من محاولة ترامب إعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي لخدمة المصالح الأميركية فإن خبراء يحذرون من أن انهيار التنظيم المالي العالمي -مثل نظام "بازل" الخاص برأس المال المصرفي- قد يمنح الصين ميزة كبيرة.

وقال السير بول تاكر نائب محافظ بنك إنجلترا السابق "إذا انهار نظام بازل فإن البنوك الصينية الكبرى ستكون المرشحة للهيمنة، خاصة أنها مدعومة من الدولة ويمكنها العمل برؤوس أموال أقل، وهذا ليس في صالح واشنطن ولا لندن، لكنه يخدم بكين".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات المالی العالمی النظام المالی

إقرأ أيضاً:

تقرير أمريكي: أزمة سيولة تهدد وعود ترامب.. السعودية في مأزق

أثارت الجولة الأخيرة للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في الشرق الأوسط، والتي أعلن خلالها عن صفقات استثمارية تتجاوز قيمتها 2 تريليون دولار مع دول الخليج، جُملة تساؤلات بخصوص مدى واقعية هذه الأرقام، وقدرة الدول المعلنة، خاصة السعودية، على الوفاء بالتزاماتها المالية.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، فإنّ: "العديد من هذه الصفقات قد تم الإعلان عنها سابقًا، وبعضها يعود إلى فترات سابقة لإدارة ترامب، وعلى سبيل المثال: شركة "ماكديرموت" أعلنت عن مشاريع في قطر خلال عامي 2023 و2024، أي قبل تولي ترامب الرئاسة".

وتابع: "كما أن صفقة الحوسبة السحابية بين شركة "أمازون" وشركة الاتصالات الإماراتية، تم الإعلان عنها في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، وكانت تقدر بمليار دولار على مدى ست سنوات، وليس 181 مليار دولار كما تم الترويج له خلال زيارة ترامب".

الصحيفة نقلت أيضا، عن مصادر وصفتها بـ"المطلعة" أنّ: "بعض المسؤولين في المنطقة أقروا بأن السعودية قد لا تملك السيولة الكافية لتمويل كل ما وعدت به من استثمارات، خاصة في ظل التزاماتها الداخلية ومشاريعها الطموحة مثل: رؤية 2030".


وأشارت المصادر إلى أنّ: "قدرة المملكة على توفير الأموال قد تعتمد بشكل كبير على مدى سرعة تنفيذ هذه الاستثمارات، وما إذا كانت ستلجأ إلى الاقتراض لتمويلها".

وأوضحت بأنّ: "بعض الاتفاقيات التي تم الإعلان عنها خلال زيارة ترامب كانت قد تم التفاوض عليها أو الإعلان عنها في فترات سابقة، ما يثير تساؤلات حول مدى جدية هذه الالتزامات، كما أنّ بعض الأرقام المعلنة قد تكون مبنية على تقديرات مستقبلية أو دراسات تمولها الشركات نفسها، مما يقلل من مصداقيتها".

في هذا السياق، نقلت "واشنطن بوست" عن  الباحثة في معهد الشرق الأوسط، كارين يونغ، قولها: "الأمر يشبه تغليف المنطقة بشريط كبير، لكن قد يكون الهدية داخل الصندوق أصغر مما يبدو".

الصحيفة خلصت إلى أنّ: "هذه الإعلانات قد تكون جزءًا من حملة دعائية تهدف إلى تعزيز صورة ترامب كـ:صانع صفقات"، لكنها تفتقر إلى الأسس المالية والاقتصادية الصلبة التي تضمن تنفيذها على أرض الواقع".

مقالات مشابهة

  • 5.9 تريليون دولار حجم التمويل الإسلامي في الأسواق الناشئة 2026
  • خبير: استهداف دبلوماسيين في جنين يهدد النظام العالمي ويشرعن الفوضى
  • القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي تعتمد القوائم المالية للعام المالي 2023/2024
  • وزيرة المالية:إعادة هيكلة المصارف الحكومية خطوة محورية لتطوير القطاع المصرفي ورفع كفاءته
  • «المركزي» ينظم المنتدى الوطني الأول لتعزيز سياسات الشمول المالي والثقافة المالية
  • وزير المالية يلتقي نظيره الجزائري لبحث تعزيز التعاون الاقتصادي
  • منتدى قطر الاقتصادي يكشف دور الشراكات في دعم الطيران العالمي
  • وزيرة المالية: نعمل على تحديث الأنظمة وتعزيز الشفافية والانضباط المالي
  • 3 قرارات أصدرها وزير المالية... إليكم مضمونها
  • تقرير أمريكي: أزمة سيولة تهدد وعود ترامب.. السعودية في مأزق