روايتان متناقضتان تشعلان غضب المغردين في ليبيا.. كيف مات المريمي حقاً؟
تاريخ النشر: 7th, July 2025 GMT
وبدأت القضية باختطاف مُعلن، وانتهت بموت مثير للتساؤلات، وأشعلت نقاشاً واسعاً عن ممارسات الأجهزة الأمنية وحقوق الناشطين السياسيين في البلاد، كما أثارت تساؤلات عميقة عن مصداقية الروايات الرسمية المتضاربة للحادث.
كان المريمي من أبرز الوجوه الناشطة سياسياً في غرب ليبيا خلال الأشهر الأخيرة، وقاد الحراك السلمي والمظاهرات للمطالبة بإسقاط حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، التي وصفها بالعاجزة عن تلبية احتياجات المواطنين.
وأكسبته رسائله عبر حساباته على منصات التواصل الاجتماعي قاعدة واسعة من المؤيدين، لكنها في الوقت نفسه جعلته في مرمى النقد والمتابعة من الجهات الرسمية.
وكان المريمي من أشد المنتقدين لقرار تسليم الحكومة الليبية عمه أبو عجيلة مسعود المريمي إلى الولايات المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2022 على خلفية قضية تفجير طائرة لوكربي في أسكتلندا عام 1988، وهو الأمر الذي زاد من حدة خطابه ضد السلطات الحاكمة.
وبدأت القضية يوم الخميس الماضي، عندما أعلنت مديرية أمن صرمان عن خطف مجهولين الناشط المريمي، وذلك بعد العثور على سيارته مركونة على الطريق العام بالمدينة، وداخلها ابنتاه الصغيرتان في حالة جيدة.
وأثار هذا الإعلان الرسمي عن "الاختطاف" تساؤلات فورية عن طبيعة العملية وهوية الخاطفين، حينها تحرك حقوقيون وأفراد عائلة المريمي وطالبوا بتوضيح ملابسات اختطافه والكشف عن مصيره.
لكن المفاجأة جاءت في اليوم التالي، عندما أصدر مكتب النائب العام الليبي بياناً مفاجئاً أوضح فيه، أن وفاة المريمي جاءت بعد التحقيق معه وقرار الإفراج عنه، مؤكداً أنه أثناء انتظار إخطار ذويه لاصطحابه، "اتجه إلى الخروج وقفز عبر الفراغ بين الدرج حتى الطابق الأرضي، ما نجم عنه إصابات تطلبت إيواءه في المستشفى" حيث فارق الحياة.
إعلانولكن الأمور تعقدت أكثر عندما قدم جهاز الأمن الداخلي، التابع لحكومة الوحدة الوطنية، رواية ناقضت صراحة رواية النيابة العامة.
تناقض صارخ
وأكد الجهاز أن النيابة العامة لم تفرج عن المريمي كما ادعت، بل قررت تمديد حبسه ستة أيام على ذمة التحقيق، وأثار هذا التناقض الصارخ بين روايتين رسميتين موجة من الشكوك في مصداقية كلا الطرفين.
في محاولة لتعزيز روايتها ودرء الشكوك المتزايدة، نشرت النيابة العامة فيديو لكاميرات المراقبة تدعي أنه يوضح ما جرى مع المريمي في لحظاته الأخيرة.
غير أن هذا الفيديو، بدلاً من أن يحسم الجدل، أثار تساؤلات جديدة عن ظروف الحادثة وطبيعة ما جرى فعلياً.
وأبرزت حلقة (2025/7/7) من برنامج "شبكات" إجماع مغردين على أن الرواية الرسمية تحتوي على ثغرات كبيرة وتناقضات واضحة تستدعي التساؤل والتحقيق. بينما ركز آخرون انتقاداتهم في محورين أساسيين: التشكيك في إجراءات الاعتقال والاحتجاز، والتساؤل عن مصداقية رواية "الانتحار" أو "القفز العرضي".
وطرح المغرد طارق لملوم تساؤلات جوهرية عن قانونية العملية برمتها، وغرد مستفسراً: "كيف يمكن لجهاز يدعي أنه حكومي ويتبع المعايير القانونية في طبيعة الاحتجاز أن يعتقل الأب ويترك أطفاله معرضين للخطر، بل كيف يتم القبض عليه بوجود أطفاله وعدم تسليمهم بأمان لذويهم؟"
وفي الإطار نفسه، أثار الناشط أحمد تساؤلاً عن التناقض في الرواية الرسمية، وغرد: "إذا كان من الأول ليس به أي أذى، لماذا لم يطلق سراحه مباشرة؟ لماذا انتظار ذويه لاصطحابه؟ هذا دليل على أنه تم تعذيبه وعدم قدرته على السيطرة على نفسه".
ومن زاوية أخرى، ركز المغرد محمد على التحليل الدقيق لفيديو كاميرات المراقبة، وعبر عن شكوكه: "ركز في وضعية القفز وقياس المسافة بين الدرج ثم وضعية السقوط رأسي وليست أفقي، السقوط يكون أفقيا وليس على الوجه أو الرأس، وثانياً لماذا رجال الداخلية يركضون خلفه من بعد السلام مباشرة قبل سقوطه؟".
عدم تصديق
وبنبرة ساخرة تعكس عدم تصديق الرواية الرسمية، علق الناشط خليفة: "حتى في الأفلام الهندية يتحشموا يقولوها، ما بالك مكتب النائب العام، واحد أفرجت عليه وينقز من الدور الثالث! أملا كان حكموه شن يدير؟ لا هذي وسعت منكم هلبا".
ومن جهتها حاولت الناشطة سارة تبرير موقف السلطات أو التشكيك في نوايا المريمي نفسه، وكتبت: "الشخص هذا عليه مليون إشارة استفهام وفيه من وراه من يستعمل فيه، لكن المفروض محاكمته بتهمة إثارة الفتنة والفوضى، هالأشكال يحسبوا نفسهم يقدروا يديروا ما يبوا".
من ناحيتها، التزمت حكومة الوحدة الوطنية صمتاً مطبقاً، ولم تصدر أي بيان رسمي بشأن اختطاف المريمي ووفاته في ظروف غامضة بعد الاحتجاز، وهو ما فسره كثيرون محاولة لتجنب تحمل المسؤولية أو الإقرار بأي خطأ في التعامل مع القضية.
وفور انتشار نبأ الوفاة، شهدت العاصمة طرابلس ومدينة الزاوية احتجاجات غاضبة للمطالبة بكشف الحقيقة وتحميل الحكومة المسؤولية عما جرى.
وعلى الصعيد الدولي، سارعت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا إلى التعبير عن قلقها العميق من الحادثة، وطالبت السلطات الليبية بفتح تحقيق "شفاف ومستقل" في احتجاز المريمي الذي وصفته بـ"التعسفي"، وفي مزاعم تعرضه "للتعذيب"، وكل الظروف المحيطة بوفاته.
إعلان 7/7/2025-|آخر تحديث: 21:07 (توقيت مكة)المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
إفشاء الأسرار تهديد لكشف ستر الإنسان ..فلا تعبثوا بهذه الفضيلة أيها الكرام
يحصل أن يجد الإنسان نفسه في ضيق من أمره، تخنقه هموم الحياة وتكتم على صدره. فيبحث عن ملجأ يريح قلبه فيختار صديق أو قريب، يبوح له بما يثقل كاهله. يستأمنه على أسراره، متوسما خيرا وبأن ذلك الشخص حقا محل ثقة بعبارات حقيقة تبعث بالطمأنينة. كأن يقال لك: “سرك في بئر”.. “لا تخف فلن أبوح بشيء”.. “أنا صديقك ولن أفضح أمرك”.. لكن صدمات كثير قد يعيشها بعد ذلك.
فما إن تخبر عزيز على قلبك بما يؤلمك ويوجعك، حتى تجد له عزيزا هو الآخر على قلبه. ويفشي سرك وينتشر من شخص لآخر كانتشار النار في الهشيم مسببا لك أضرار عديدة. وإن لم تكن مادية كانت معنوية، فتصبح شخصا حذرا جدا في المعاملات اليومية. شخصا منطويا على ذاتك، قديما قالوا: “إن أمناء الأسرار أقل وجودًا من أمناء الأموال، وحفظ الأموال أيسر من كتمان الأسرار، لأن إحراز الأموال منيعة بالأبواب والأقفال، وأحراز الأسرار بارزة يذيعها لسان ناطق، ويشيعها كلام سابق”.
فاللسان حقا قد يخون صاحبه، لأن الأموال كلما كثرت خزَّانها كان أوثق لها، أما الأسرار فكلما كثرت خزَّانها كان أضيع لها.
ولأننا نحرص دوما من خلال هذا المنبر أن نوصل رسالة، وأن نبلغ عبرة، اخترنا موضوع إفشاء الأسرار. لنضع النقاط على الحروف في هذه الخصلة التي تصبح فضيلة في الإنسان إذا ما عرف كيف يصونها. وعادة سيئة لمن غدر واستهانة بالأمانة، وفي السياق لنا شهادات لأشخاص لاحقتهم عواقب وخيمة فقط لأنهم أفشوا أسرارهم:
أسماء من العاصمة: إستأمنت زميلتي على سري.. فأفشته وزاد هميأسماء موظفة في العقد الرابع من عمرها، امرأة كافحت في الحياة ونجحت بفضل الله، لطالما كانت تعيش بأخلاق وعفة عالية. تدرجت على مناصب عدة إلى أن صارت إطار محترمة، فوق حسن سيرتها أنعم الله بحسن جمالها. لكنها أبدا لم تكن مغرورة بذلك، بل تتميز بالتواضع والبساطة، كل الأمور كانت طبيعية. إلى أن جاء المدير الجديد، الذي أقلب حياتها رأسا عن عقب، بدأ في التحرش بها، فصارت ساعات الدوام جحيما بالنسبة لها. فكرت في الاستقالة لكنها كانت المعيلة الوحيدة لعائلتها، فلا مناص لها إلا الحفاظ على منصب عملها والبحث عن حل لهذا الذئب. فلم تجد إلا أن تستشير زميلة مقربة منها في مشكلتها، لكن ليتها لم تفعل، فالزميلة التي ظنت أنها ستجد عندها النصيحة الحسنة صارت ترشقها بنظرات الاتهام. بدلا من التعاطف والبحث عن مخرج لهذا المأزق، فصارت المسكينة تفكر في حلين بدلا من حل واحد.، سرها والزميلة التي أفشت لها سرها، فكم صعبا أن تودع سرك لدى الشخص الخطأ.
أم إياد من بومرداس..لأنني لم أمسك لساني شوهت سمعة ابنتيبكلمات تحكي نفسية متعبة، راسلتنا سيدة تقول أنها تعيش أسوأ أيام حياتها، فهي لم تتمالك نفسها حين رأت من ابنتها ما أحزن قلبها. تقول أنه كان يوما مشؤوما يوم قرأت على هاتف ابنتها رسائل غرامية بينها وبين شاب تعرفت عليه عبر تطبيق الفايسبوك. فأعمى الغضب عينيها وقامت اولا بكسر هاتف ابنتها، ولم تكتفي بهذا، بل راحت تحكي قصة ابنتها في مجلس مع القريبات. من هذه لتلك انتقلت قصة البنت وصار الكل ينظر إليها على أنها قليلة حياء ومذنبة. ابتعد عنها الكل حتى تريباتها من القريبات، ظنا منهم أنها ستؤثر فيهم ويحذون حذوها، الابنة تعلمت من الدرس، على حد قول أمها، وصححت خطأها. ونجحت في دراستها وهي اليوم طالبة بالجامعة، لكن العار لازال يلاحقها، ولا تزال في أعينهم متهمة بالفسق. فأي حال يمكن أن تكون فيه الابنة بعد أن أفشت الأم سرها؟ وأي حال تعيشه اليوم الأم بسبب تأنيب ضميرها، لأنها هي من كانت السبب في تلطيخ سمعة فلذة كبدها.
هذه عينة من قصص وحكايات كثيرة، سببها شخص ضاقت به الدنيا، أو أراد الحصول على استشارة، فباح بسره ليجد نفسه فريسة بيد شخص استل منه سره. لا بل سيفا ليذبحه به، فيصبح الفعل فيه إضرارا لصاحب السر، وخيانة للأمانة. ونقضا للعهد، وإفسادا للصداقة وللعلاقات الإنسانية، فضلا عن أنه دليل على لؤم الطبع وفساد المروءة وقلة الصبر وضيق الصدر. ويعقبه الندم والحسرة في نفس صاحبه، فمن الخيانة أن يستأمن المرء على سر فيذيعه وينشره، ولو إلى واحد فقط من الناس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا حدَّث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة”.
لا تلومنَّ إلا نفسكفإذا استودعت أحدًا سرك وأفشاه، فلا تلومنَّ إلا نفسك، إذ كان صدرك أضيق عنه، فالذي تعطيه له أضيق، قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: “ما وضعت سري عند أحد فأفشاه عليَّ فلمته، أنا كنت أضيق به حيث استودعته إياه”، ويقول الشاعر إذا المرء أفشى سـره بلسـانـه… لام عليـه غيـره فهو أحمـق. إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه… فصدر الذي يستودع السر أضيق
لكن هذا لا يعني أن لا نثق أبدا، وأن نسيء الظن بالجميع، لكن الإنسان عليه أن يميز بين الصالح الأمين، وبين الثرثار الذي لا له لسانا طليق، عليه أن يميز بين ما يجب أن يقال، وما يمكن البوح به، وبين ما يجب أن يموت بينه وبين نفسه، فالمؤمن لابد أن يكون لبيبا في شؤونه حتى لا يقع في شر أفعاله.
مجرد رأي.. كتمان السر قيمة أخلاقية في قلوب تغلفها التقوىإن الحفاظ على الأسرار يقوي العلاقة الإنسانية، ويجعلها متينة وقادرة على مواجهة ظروف الحياة، الحفاظ على أسرار يعزز الثقة بين الناس، ويزيد من الاحترام بينهما، الحفاظ على الأسرار يحافظ على استقرار العلاقات، الحفاظ على الأسرار يجعلك شخصا محبوباً وقادراً على تكوين صداقات حقيقية مع من حوله، وهذا أيها الإخوة الكرام من تقوى القلوب وقوة إيمانها وخوفها من الله.
ونختم بما قاله حكيم لابنه: “يا بني كُن جوادًا بالمال في مواضع الحق، ضنينًا بالأسرار عن جميع الخلق، فإن أحمد جود المرء الإنفاق في وجوه البر، والبخل بمكتوم السر..”
وإذا كان الناس معادن فإن كتمان السر يدل على جوهرهم.