وبدأت القضية باختطاف مُعلن، وانتهت بموت مثير للتساؤلات، وأشعلت نقاشاً واسعاً عن ممارسات الأجهزة الأمنية وحقوق الناشطين السياسيين في البلاد، كما أثارت تساؤلات عميقة عن مصداقية الروايات الرسمية المتضاربة للحادث.

كان المريمي من أبرز الوجوه الناشطة سياسياً في غرب ليبيا خلال الأشهر الأخيرة، وقاد الحراك السلمي والمظاهرات للمطالبة بإسقاط حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، التي وصفها بالعاجزة عن تلبية احتياجات المواطنين.

وأكسبته رسائله عبر حساباته على منصات التواصل الاجتماعي قاعدة واسعة من المؤيدين، لكنها في الوقت نفسه جعلته في مرمى النقد والمتابعة من الجهات الرسمية.

وكان المريمي من أشد المنتقدين لقرار تسليم الحكومة الليبية عمه أبو عجيلة مسعود المريمي إلى الولايات المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2022 على خلفية قضية تفجير طائرة لوكربي في أسكتلندا عام 1988، وهو الأمر الذي زاد من حدة خطابه ضد السلطات الحاكمة.

وبدأت القضية يوم الخميس الماضي، عندما أعلنت مديرية أمن صرمان عن خطف مجهولين الناشط المريمي، وذلك بعد العثور على سيارته مركونة على الطريق العام بالمدينة، وداخلها ابنتاه الصغيرتان في حالة جيدة.

وأثار هذا الإعلان الرسمي عن "الاختطاف" تساؤلات فورية عن طبيعة العملية وهوية الخاطفين، حينها تحرك حقوقيون وأفراد عائلة المريمي وطالبوا بتوضيح ملابسات اختطافه والكشف عن مصيره.

لكن المفاجأة جاءت في اليوم التالي، عندما أصدر مكتب النائب العام الليبي بياناً مفاجئاً أوضح فيه، أن وفاة المريمي جاءت بعد التحقيق معه وقرار الإفراج عنه، مؤكداً أنه أثناء انتظار إخطار ذويه لاصطحابه، "اتجه إلى الخروج وقفز عبر الفراغ بين الدرج حتى الطابق الأرضي، ما نجم عنه إصابات تطلبت إيواءه في المستشفى" حيث فارق الحياة.

إعلان

ولكن الأمور تعقدت أكثر عندما قدم جهاز الأمن الداخلي، التابع لحكومة الوحدة الوطنية، رواية ناقضت صراحة رواية النيابة العامة.

تناقض صارخ

وأكد الجهاز أن النيابة العامة لم تفرج عن المريمي كما ادعت، بل قررت تمديد حبسه ستة أيام على ذمة التحقيق، وأثار هذا التناقض الصارخ بين روايتين رسميتين موجة من الشكوك في مصداقية كلا الطرفين.

في محاولة لتعزيز روايتها ودرء الشكوك المتزايدة، نشرت النيابة العامة فيديو لكاميرات المراقبة تدعي أنه يوضح ما جرى مع المريمي في لحظاته الأخيرة.

غير أن هذا الفيديو، بدلاً من أن يحسم الجدل، أثار تساؤلات جديدة عن ظروف الحادثة وطبيعة ما جرى فعلياً.

وأبرزت حلقة (2025/7/7) من برنامج "شبكات" إجماع مغردين على أن الرواية الرسمية تحتوي على ثغرات كبيرة وتناقضات واضحة تستدعي التساؤل والتحقيق. بينما ركز آخرون انتقاداتهم في محورين أساسيين: التشكيك في إجراءات الاعتقال والاحتجاز، والتساؤل عن مصداقية رواية "الانتحار" أو "القفز العرضي".

وطرح المغرد طارق لملوم تساؤلات جوهرية عن قانونية العملية برمتها، وغرد مستفسراً: "كيف يمكن لجهاز يدعي أنه حكومي ويتبع المعايير القانونية في طبيعة الاحتجاز أن يعتقل الأب ويترك أطفاله معرضين للخطر، بل كيف يتم القبض عليه بوجود أطفاله وعدم تسليمهم بأمان لذويهم؟"

وفي الإطار نفسه، أثار الناشط أحمد تساؤلاً عن التناقض في الرواية الرسمية، وغرد: "إذا كان من الأول ليس به أي أذى، لماذا لم يطلق سراحه مباشرة؟ لماذا انتظار ذويه لاصطحابه؟ هذا دليل على أنه تم تعذيبه وعدم قدرته على السيطرة على نفسه".

ومن زاوية أخرى، ركز المغرد محمد على التحليل الدقيق لفيديو كاميرات المراقبة، وعبر عن شكوكه: "ركز في وضعية القفز وقياس المسافة بين الدرج ثم وضعية السقوط رأسي وليست أفقي، السقوط يكون أفقيا وليس على الوجه أو الرأس، وثانياً لماذا رجال الداخلية يركضون خلفه من بعد السلام مباشرة قبل سقوطه؟".

عدم تصديق

وبنبرة ساخرة تعكس عدم تصديق الرواية الرسمية، علق الناشط خليفة: "حتى في الأفلام الهندية يتحشموا يقولوها، ما بالك مكتب النائب العام، واحد أفرجت عليه وينقز من الدور الثالث! أملا كان حكموه شن يدير؟ لا هذي وسعت منكم هلبا".

ومن جهتها حاولت الناشطة سارة تبرير موقف السلطات أو التشكيك في نوايا المريمي نفسه، وكتبت: "الشخص هذا عليه مليون إشارة استفهام وفيه من وراه من يستعمل فيه، لكن المفروض محاكمته بتهمة إثارة الفتنة والفوضى، هالأشكال يحسبوا نفسهم يقدروا يديروا ما يبوا".

من ناحيتها، التزمت حكومة الوحدة الوطنية صمتاً مطبقاً، ولم تصدر أي بيان رسمي بشأن اختطاف المريمي ووفاته في ظروف غامضة بعد الاحتجاز، وهو ما فسره كثيرون محاولة لتجنب تحمل المسؤولية أو الإقرار بأي خطأ في التعامل مع القضية.

وفور انتشار نبأ الوفاة، شهدت العاصمة طرابلس ومدينة الزاوية احتجاجات غاضبة للمطالبة بكشف الحقيقة وتحميل الحكومة المسؤولية عما جرى.

وعلى الصعيد الدولي، سارعت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا إلى التعبير عن قلقها العميق من الحادثة، وطالبت السلطات الليبية بفتح تحقيق "شفاف ومستقل" في احتجاز المريمي الذي وصفته بـ"التعسفي"، وفي مزاعم تعرضه "للتعذيب"، وكل الظروف المحيطة بوفاته.

إعلان 7/7/2025-|آخر تحديث: 21:07 (توقيت مكة)

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

كأس العرب ... وكأسك يا وطن!

لم نعد في حاجة لإهدار المزيد من الوقت في الحديث عن أسباب"فشل" لاعبي منتخب مصر في منافسات كأس العرب الأخيرة، فالمعركة الكلامية، وتوجيه اللكمات اللفظية لهذا أو لذاك، ليست سوى طلقات فارغة لا تفيد ، فالهزيمة وقعت، وليس لها من دون الله كاشفة.

 ولكن المهم الآن وما يجب أن نتوقف عنده كثيرا، هو أن ندرك حقيقة الفكر الذي قادنا إلى الهزيمة .

 والهزيمة لا تقع مع إطلاق صافرة نهاية المباراة، بل تبدأ قبل ذلك بزمن طويل، تبدأ من عقول المسئولين، ومن مكاتب بعيدة عن الملاعب، فتهزم الفريق قبل أن يدخل أرض الملعب!

و نكسة كأس العرب لم تكن مجرد نكسة رياضية فحسب، بل كان شاشة عاكسة ومرآة صادقة كشفت عن خلل خطير يضرب صميم بنية الجهاز الإداري نفسه! 

في الماضي، كنا نُرجع هزائم كرة القدم لأسباب فنية: سوء حظ، أو نقص لياقة، أو تكتيك خاطئ، أو استهانة بالمنافس... 

في الماضي أيضا كنا نسمى الهزائم" نكسة" أو حتى "وكسة"،  ونرتضي بذلك ونكتفي به، ونصمت بعده، بينما يبقى السر الأكبر وراء كل الهزائم و" النكسات" كامنا داخلنا، ومتغلغلا في قلب المجتمع ، وهذا السر هو "غياب الوطنية لدى المسئولين".

إن الخسارة  في"كأس العرب" ليست سوى قمة جبل جليد يخفي ما هو أخطر، وهو أن "كأس الوطن" نفسه أصبح مهددا، وأن مستقبل الأمة بأكملها يمكن أن ينكسر بسبب تصرفات مسئولين منشغلين بذاتهم لا بعملهم، وبمصلحتهم الشخصية لا بالمصلحة العامة!.

لقد صار واضحاً للعيان أن هناك صراعات خفية، أو ربما ليست خفية، بين أجنحة وأجهزة داخل كثير من منظوماتنا الإدارية، وأن هناك مسئولين في المؤسسات العامة يرى كل منهم نفسه "الحارس الأمين" دون سواه، وهناك من يرى منصبه "غنيمة" يجب الدفاع عنها بأي ثمن ، حتى لو كان الثمن هو سمعة مصر ذاتها!.. وهناك من يصرف كل طاقته ووقته وجهده لا لحل مشاكل الناس ولا لوضع خطط لمستقبل أفضل، وإنما لتصفية الحسابات، وتوجيه الاتهامات، وتشويه "السمعات"، وتمزيق الثياب، وفضح السوءات وكشف العورات..

 وهذا هو القاتل الحقيقي لأي تقدم، وهو السر الأكبر لكل الهزائم والنكسات و"الوكسات" والانكسارات.

 بالله عليكم .. كيف ننتظر أن يلعب  فريق كجماعة متكاملة، بينما أجهزته الإدارية "جماعات متصارعة"؟ .. وكيف يمكن لمؤسسات أن تحقق "النصر"، في حين أن طاقاتها بالكامل تتبدد في الصراعات الداخلية بين مسئوليها؟.. وكيف نطلب من الجمهور أن يثق في "غد أفضل" بينما يرى كبار المسئولين في بعض مؤسسات الدولة تتقاتل وتتصارع كما لو كانوا أعداء وليسوا شركاء في  تحقيق الصالح العام ؟

 وفي يقيني أن الكارثة  لن تتوقف عند خسارة  بطولة كروية، بل تتخطاها إلى ما هو أبعد وأخطر، فعندما يرى المواطن هذا التصدع داخل بعض مؤسسات الدولة، وهذا الانشغال بالصراع على النفوذ بدلاً من العمل الجاد، فإن شعوره الأول يكون الإحباط، وشعوره الثاني هو فقدان الثقة.. وفقدان الثقة هو الانهيار الأكبر.

 فإذا اهتزت ثقة الناس في قدرة الحكومة على إدارة شؤون البلاد حتى في الأمور البسيطة ككرة القدم، فكيف يمكن أن يُطلب منهم تحمل الصعاب لبناء مستقبل أفضل ووطن أقوى؟

 وأمام هذا الحال صار لزاماً على الأجهزة الرقابية جميعا أن تتحرك - اليوم وليس غدا-  لمحاسبة كل مسئول يتجاوز في مسئولياته ومهامه ، و أيضا لـ "فض الاشتباك المؤسسي" في كثير من الجهات والهيئات العامة.. يجب أن تُرسم خطوط واضحة تفصل بين مهام  كل مسئول ومهام مسئول آخر، ويجب أن يلتزم جميع المسئولين أيا كانت مناصبهم ، وأيا كانت جهات عملهم،.. الكل يجب أن يلتزم بتحقيق هدف واحد أوحد، وهو: المصلحة العامة.

إن لم نقم بذلك الآن، فالحقيقة القاسية التي يجب أن نتوقعها، هي أن ما شاهدناه في كأس العرب من إهانة ومهانة وانكسار لن يكون سوى  "بروفة" أولى لسلسلة من الإخفاقات التي تنتظرنا في ميادين أخرى قد تكون أشد خطراً وأكثر حساسية.

 

مقالات مشابهة

  • باسم يوسف ينتقد الصورة الإعلامية المغلوطة عن ليبيا والوطن العربي
  • كدمات باليد اليمنى ومكياج لإخفائها.. تساؤلات متصاعدة حول الوضع الصحي لترامب
  • تداول المعلومات.. تسقط الشائعات
  • فريق فلتر يحدد القنوات الرسمية للإبلاغ عن خروقات الانتخابات في ليبيا
  • النائب الهميسات : ممارسات تثير تساؤلات في أداء ديوان المحاسبة
  • غياب القناة الرياضية الوحيدة عن تغطية كأس أفريقيا يثير تساؤلات المغاربة
  • توالي حوادث السير المميتة بالداخلة يثير تساؤلات حول شروط السلامة الطرقية
  • تحريم التبني | أسامة قابيل يرد على تساؤلات إيمان العاصي
  • كأس العرب ... وكأسك يا وطن!
  • صورة باسم يوسف ومحمود سعد يثير تساؤلات الجمهور