غزة- يشعر علي أبو شنب بالحزن والقلق على طفلته الرضيعة "روز" بعد معاناتها من "حكة" جلدية، تصيب الأطفال غالبا بسبب قلة النظافة، الناجمة عن أزمة حادة في المياه تعصف بسكان مدينة غزة.

عانت روز (11 شهرا) مما تعرف بـ"حساسية الحرارة"، ويقول والدها (28 عاما) للجزيرة نت إن الطبيب أخبره أن السبب بكتيريا تنتقل بفعل قلة النظافة، وتكثر في بيئة غير نظيفة وغير صحية ومليئة بالغبار والأتربة، ووصف لها علاجا.

يقطن أبو شنب وزوجته وطفلتهما الوحيدة مع عائلته الكبيرة (11 فردا) في منزل بالإيجار في "حي الدرج" شرقي مدينة غزة، بعدما دمرت قوات الاحتلال منزلهم في "حي الشجاعية" بالمدينة، في بدايات اندلاع الحرب عقب هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

مهمة شاقة

منذ مطلع يوليو/تموز الجاري، احتدت أزمة المياه في مدينة غزة كبرى مدن القطاع من حيث الكثافة السكانية، وقد لجأت إليها عشرات آلاف الأسر النازحة من بلدات جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا ومناطق أخرى في شمال القطاع.

وأعلنت بلدية غزة أن الأزمة، التي تعاني منها مناطق واسعة في وسط وشرق وجنوب المدينة، ناجمة عن عدم قدرتها على الوصول لمحابس توزيع المياه الرئيسية التابعة للخط الناقل للمياه عبر شركة إسرائيلية تسمى "ميكروت"، والواقعه في "حي الشجاعية"، شرقي المدينة، بسبب خطورة الأوضاع الأمنية.

وينشط أبو شنب في مبادرات خيرية لسقيا الماء للسكان والنازحين بالمدينة، في الوقت الذي يشكو فيه نفسه منذ نحو 12 أسبوعا من عدم توفر المياه العذبة للشرب وللنظافة والاستخدامات المنزلية الأخرى، حتى إنه استيقظ 3 مرات، صباحا، ولم يجد في المنزل ماء ليشرب أو حتى القليل منه ليغسل وجهه.

شبان في غزة ينقلون المياه بطرق بدائية في ظل ارتفاع كبير في درجات الحرارة (الجزيرة)

وتزداد الحاجة للمياه في ظل ارتفاع كبير في درجات الحرارة، ويقول أبو شنب "تتراكم الملابس التي تحتاج لغسيل، ولا أجد ما ألبسه بسبب شح المياه. وأصيبت طفلتي بالحكة لعدم توفر المياه لنظافتها اليومية". ويحتاج وعائلته يوميا ما بين 20 إلى 30 لترا من المياه للعذبة للشرب، وحوالي 250 لترا للنظافة الشخصية والاستخدامات المنزلية.

إعلان

ويقول إنهم يحرصون على تقنين استخدام المياه إلى حد كبير، بسبب صعوبة توفيرها، ولخفض التكاليف المادية في ظل أزمة سيولة مالية خانقة يعاني منها زهاء مليونين و300 ألف نسمة في القطاع الساحلي الصغير والمحاصر.

ومن أجل شراء مياه الشرب، يضطر أبو شنب للسير مسافة 500 متر لتعبئتها في غالونات سعة الواحد منها 20 لترا، في حين يحصل على مياه النظافة مجانا من بئر محلية تملكها شركة تجارية تبعد عنه ما بين 500 إلى 700 متر، وينقلها بواسطة عربة يدوية بدائية، ولا تفي بالاحتياجات الأساسية.

وفي إطار برنامج طوارئ للتخفيف من حدة أزمة المياه بالمدينة، كانت البلدية تخصص يومين أسبوعيا لوصل المياه بالتناوب بين المناطق والأحياء السكنية.

مليون و200 ألف نسمة يتكدسون في أقل من نصف مساحة مدينة غزة (الجزيرة) أعباء مادية

من جانبها، نزحت أروى عاشور مع أطفالها الثلاثة، برفقة أسرة والديها، في 29 يونيو/حزيران الماضي، من "حي الزيتون" جنوب شرقي مدينة غزة، إثر إنذار إخلاء إسرائيلي لهذا الحي، أحد أكثر أحياء المدينة تدميرا.

تقول عاشور للجزيرة نت إن البنية التحتية فيه مدمرة كليا، ولا تصل خدمات البلدية لمنطقتها بالمطلق، وللحصول على المياه كانت أسرتها تعتمد على نقل مياه للنظافة من "نقطة مياه ميكروت" في شارع كشكو على بعد نحو 200 متر من منزلها.

أما المياه العذبة للشرب فتشتريها من صهاريج تجارية تجوب المناطق والأحياء السكنية، الأمر الذي يثقل كاهل هذه المرأة، التي دمرت قوات الاحتلال بيتها شرق الحي، واعتقلت زوجها، في الأيام الأولى لاندلاع الحرب.

لم تغادر عاشور شمال القطاع، ولا تحصي عدد مرات نزوحها داخل مدينة غزة، وتقيم وعائلتها منذ نحو أسبوع في منزل شقيقتها في "شارع النفق" في "حي الشيخ رضوان" شمال المدينة، ولم تصل المياه لهم سوى مرة واحدة، وكانت ضعيفة ولم تسعفهم لتعبئة برميل منزلي صغير، حسبما تقول.

قوات الاحتلال 75% من آبار المياه في مدينة غزة منذ اندلاع الحرب (الجزيرة)

واضطرت عاشور لشراء 600 لتر مياه عذبة بمبلغ 90 شيكلا (الدولار يعادل 3.5 شواكل)، تستخدمها وأسرتها للشرب والطبخ والنظافة الشخصية والمنزلية، وتؤكد أن "الأمر مرهق جدا ماديا".

ويقول المتحدث باسم بلدية غزة المهندس عاصم النبيه للجزيرة نت إن المواطنين والنازحين في المدينة يعانون من أزمة مياه خانقة، ولا يحصلون إلا على كميات ضئيلة جدا من احتياجاتهم، وقد احتدت الأزمة في الآونة الأخيرة بسبب عدم قدرة طواقم البلدية على الوصول لمحابس المياه في المناطق الشرقية، التي لا يزال بها عشرات آلاف السكان، رغم إنذارات الإخلاء الواسعة.

وتوجد في نطاق تلك المناطق آبار مركزية، مثل "بئر الباشا"، و"آبار الصفا" التي تنتج ربع واردات المياه للمدينة، يتعذر الوصول إليها، علاوة على عدم توفر الوقود اللازم لدعم لجان الأحياء وتشغيل آبار المياه المحلية، وفقا للنبيه. ويوضح أن البلدية تشغل حاليا 30 بئرا فقط من أصل 80، وهي الآبار المتبقية عقب تدمير الاحتلال حوالي 75% من آبار المياه في نطاق حدود البلدية.

إعلان صعوبات

وتواجه بلدية غزة صعوبات كبيرة في تنفيذ مشاريع إسعافية وضرورية، بسبب تداعيات الحرب والحصار، ويضيف النبيه إنها تعاني من عدم توفر الوقود والآليات وقطع الصيانة لآبار المياه ومحطات الصرف الصحي، والمواسير ومواد البناء، ومعدات أخرى ضرورية لصيانة المرافق الخدمية.

وبحسب بيانات البلدية، فإن 13 مشروعا حيويا من بين 16 مدرجا قد دخلت حيز التعاقد، إلا أن التنفيذ الفعلي لا يزال متعذرا نتيجة استمرار الحرب، والإخلاءات المتكررة، وتصاعد الأوضاع الميدانية، خاصة في الأحياء الشرقية من المدينة التي تعيش أوضاعا صعبة وخطرة.

وتتعاظم التحديات التي تواجه بلدية غزة -حسب المتحدث باسمها- جراء تدمير الاحتلال حوالي 85% من إجمالي الآليات الثقيلة والمتوسطة، وهذا يجعلها غير قادرة على تقديم الحد الأدنى من الخدمات، كصيانة خطوط وشبكات المياه، وفتح الشوارع المغلقة بفعل القصف والتدمير، وترحيل النفايات المتكدسة بالشوارع ومكبات مؤقتة وعشوائية.

بلدية غزة تقلص خدماتها بسبب تعذر الوصول للمناطق الشرقية من المدينة نتيجة الخطر (الجزيرة)

وكان البروتوكول الإنساني الملحق باتفاق التهدئة المبرم في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، ينص على إدخال مثل هذه الآليات لتعويض المدمرة، ومواكبة الحاجة الماسة لها، إلا أن الاحتلال لم يلتزم بذلك، قبل أن ينقلب على الاتفاق برمته ويستأنف الحرب بأكثر شراسة في 18 مارس/آذار الماضي.

ويؤكد النبيه أن استمرار أزمة النزوح وقلة الإمكانيات يفاقمان الكارثة الإنسانية التي تعيشها المدينة، ويزيدان من حالة العطش الشديد والكارثة الصحية والبيئية.

وإزاء ذلك، قالت البلدية في بيان أصدرته قبل 3 أيام، إنها تعطي الأولوية الأولى لتشغيل آبار ومحطات المياه نظرا للحاجة الماسة لها، في ظل نزوح المواطنين من محافظة شمال القطاع والأحياء الشرقية من المدينة، حيث تزايدت أعداد السكان بنسبة تقارب 50%، إذ وصل العدد الحالي إلى نحو مليون و200 ألف نسمة، يتركزون في مساحة تقل عن نصف المساحة الكلية للمدينة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات آبار المیاه مدینة غزة المیاه فی بلدیة غزة عدم توفر أبو شنب

إقرأ أيضاً:

تحذير من إعدام الاحتلال لأسير فلسطيني مسن بسبب نقله إلى سجن تحت الأرض

أكد نادي الأسير الفلسطيني، أن قرار إدارة السجون الإسرائيلية نقل الأسير المسن محمد أبو طير، إلى قسم "ركيفت" الواقع تحت الأرض في سجن "نيتسان" بالرملة ، هو قرار بإعدامه.

وقال النادي في بيان له الخميس، إن القرار يعد "استمرارا لسياسة الانتقام التاريخية الممنهجة بحقه"، لافتا أن سنوات اعتقاله في سجوم الاحتلال "تجاوزت ما مجموعه 44 عاما معظمها رهن الاعتقال الإداري التعسفي دون تهمة أو محاكمة".

وذكر البيان أن "قرار الاحتلال الإسرائيلي نقل المعتقل الإداري المقدسي المسن محمد أبو طير (75 عاما) إلى قسم ’ركيفت’ الواقع تحت الأرض، يأتي في إطار نهج منظم يهدف إلى تصفية المعتقلين جسديا وإعدامهم".


وبين أن قسم "ركيفت" الواقع أسفل سجن الرملة خصصته "إسرائيل" لاعتقال الأسرى الذين تطلق عليهم لقب "النخبة" وصنفتهم بأنهم "مقاتلون غير شرعيين"، بحسب ما نقلت وكالة "الأناضول".

ولفت إلى أن القسم "تحول إلى رمز للرعب والتعذيب والقتل البطيء بحق معتقلي غزة بعد العدوان، في ظل ما وثقته المؤسسات من فظائع غير مسبوقة عبر زيارات أجرتها للمعتقلين فيه".

وأوضح نادي الأسير أن "الاحتلال حوّل أبو طير إلى الاعتقال الإداري لمدة أربعة أشهر، بعد ثمانية أيام فقط من اعتقاله عقب اقتحام منزله في بيت لحم" جنوبي الضفة الغربية المحتلة.


وتابع أن "الاحتلال كان قد أبعد أبو طير عن القدس، وسحب هويته المقدسية، وقد تعرض لعمليات اعتقال عديدة، واليوم يعاني من مشاكل صحية مزمنة، جلّها نتجت جراء عمليات الاعتقال المتكررة".

ويعتبر أبو طير من أبرز قيادات حركة حماس في مدينتي القدس ورام الله، وشغل منصب عضو في المجلس التشريعي الفلسطيني عن حركة حماس عام 2006.

وحمّل النادي في بيانه "الاحتلال المسؤولية الكاملة عن مصيره وحياته، وكافة المعتقلين الذين يواجهون جرائم تشكل امتدادا لحرب الإبادة".

وبلغ عدد المعتقلين الإداريين الفلسطينيين دون تهمة أو محاكمة 3 آلاف و368، حتى تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، معظمهم جرى اعتقالهم خلال الحرب على غزة، وفق نادي الأسير.

مقالات مشابهة

  • تحذير من إعدام الاحتلال لأسير فلسطيني مسن بسبب نقله إلى سجن تحت الأرض
  • رئيس مياه الشرب بالقليوبية يتفقد فرع قليوب ومحطة المياه الارتوازية
  • حماة.. المدينة التي أرادها حافظ الأسد عبرة فكانت بوابة سقوط نظام ابنه
  • معجبين فنان تركي شهير يواجهون دعاوي قضائية بسبب أغانيه
  • مياه الشرب بالجيزة: قطع المياه عن بعض المناطق بالمحافظة.. تفاصيل
  • استشهاد فلسطيني وإصابة آخر في اعتداءات إسرائيلية جنوب شرق مدينة غزة ونابلس
  • بعد سلسلة من الإنذارات.. رئيس جهاز مدينة بدر: «لن نترك شبرًا في المدينة خارج سيطرة القانون»
  • رئيس بلدية بقسطا أكد العمل على حل أزمة المياه في المنطقة
  • تقرير دولي: أكثر من 21.2 مليون سوداني يواجهون المرحلة الثالثة من المجاعة
  • استشهاد فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي في مدينة الخليل