يمانيون / مقال / خلود همدان
في موسم الحج، تتجه قلوب الملايين نحو مكة، تُرفع الأكف وتُسكب الدموع، وتعلو الأصوات بالتلبية: “لبيك اللهم لبيك”، حيث يتساوى الناس في الرداء، ويجتمعون على طاعة واحدة. مشهد تتجلى فيه عظمة الإسلام ووحدة الأمة، وكأن الأرواح تجتمع على صعيد الطهر وتُحلّق في سماء واحدة، متجردة من الأوطان واللغات والألوان.
لكن هناك في غزة، قلوبٌ ترتجف تحت القصف، وأكفٌ مرفوعة لا رجاء فيها إلا رحمة الله، حيث تتساقط القنابل بدل قطرات زمزم، وتُقطع نداءات التلبية بصراخ الأمهات ونحيب الثكالى. في اللحظة ذاتها التي يركع فيها الحاج طواعية أمام الله، تُجبر أجساد الغزيين على السجود تحت ركام منازلهم، لا فرق بين مُصلٍ وطفل نائم، كلهم أهداف في مرمى الظلم.
في خيام النزوح ومدارس الإيواء، يؤدّي أطفال غزة مناسك رمزية، يطوفون حول مجسم للكعبة من الورق والكرتون، يردّدون “لبيك اللهم لبيك” بأصوات لا تصل الحرم، لكن تصل السماء. لا يحملون سجادًا ولا مسبحة، فقط قلوبًا مكلومة، تتعلق بالله لأن الأرض خذلتهم، والناس انشغلوا عنهم باللباس الأبيض والماء المبارك.
مشهد الحج، الذي يفترض أن يكون تتويجًا للوحدة، يتحول في وجدان الغزّي إلى وجع مضاعف، حين يرى الأمة ترفع صوتها بالتكبير، لكنها تصمت حين تُدكّ منازل غزة وتُحاصر معابرها. كيف لتلبيةٍ لا يُستجاب فيها لنداء المسرى أن تكون صادقة؟ كيف تُعلن البراءة من الشرك، بينما نغرق في صمتنا عن شرك التخاذل؟
الحج ليس طقوسًا فحسب، بل هو مدرسة للتجرد من الذات والهوى، تجديدٌ للعهد مع الله ووعدٌ بأن نكون من أنصار المستضعفين. وما قيمة الحج إذا خرجنا منه دون أن نحمل همّ الأمة؟ دون أن نشعر أن طفل غزة هو طفلنا، وأن المسجى على تراب فلسطين هو أخ لنا في الدين والدم؟
لبيك يا الله نرددها في مكة، ويهمس بها أهل غزة في الظلام، وفي كل ركن من أركان الشقاء. فهل آن للعالم الإسلامي أن يدرك أن نداء الحرم لا يكتمل إلا بنداء القدس، وأن من يبتغي وجه الله عليه ألا يصم أذنه عن صرخات الجياع والمحاصرين؟
إن لبيك الحقيقية ليست نداءً موسميًا، بل التزامٌ دائم، مسؤولية تُترجم في المواقف لا فقط في الشعارات. مادامت القدس تئن، وغزة تُدمّر، فكل من صمت أو اكتفى بالبكاء، قد خذل التلبية.
وإن التاريخ لن سيسجّل كم صعدنا جبل عرفات، بل كم مرة نزلنا إلى ميادين الحق.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
الكرملين يرفض التعليق على تصريحات لترامب هاجم فيها بوتين
أفادت قناة "القاهرة الإخبارية" في نبأ عاجل أن الكرملين يرفض التعليق على تصريحات ترامب التي هاجم فيها بوتين.
والتقى د. بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة مع سيرجي فيرشينن، نائب وزير خارجية روسيا الاتحادية، على هامش مشاركتهما في أعمال المؤتمر الدولي رفيع المستوى للتسوية السلمية لقضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين، والذي تعقد فعالياته بمقر الأمم المتحدة في نيويورك.
وأشاد الوزير عبد العاطي بمستوى التعاون بين مصر وروسيا في عدد من المشروعات الاستراتيجية ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها محطة الضبعة للطاقة النووية والمنطقة الصناعية الروسية بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، معربًا عن التطلع لزيادة الاستثمارات الروسية في مصر عبر المنطقة الصناعية الروسية.
كما تناول ملف السياحة، حيث أشار إلى الزيادة المطردة في رحلات الطيران المتبادلة بين البلدين، معربًا عن التطلع لاستمرار تدفق السياحة الروسية الوافدة إلى مصر.
ومن جهة أخرى، تبادل الجانبان الرؤى حول مستجدات الوضع في قطاع غزة، حيث استعرض الوزير عبد العاطي الجهود التي تبذلها مصر للتوصل لوقف إطلاق النار في القطاع، بما يسهم في تحقيق التهدئة ونفاذ المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى غزة ووقف تدهور الوضع الإنساني فى القطاع.
كما تناول الجهود الخاصة باستضافة مصر لمؤتمر دولي لإعادة الإعمار في غزة فور التوصل لوقف إطلاق النار.
كما بحث الجانبان تطورات الأوضاع فى سوريا، حيث أدان الوزير عبد العاطي الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، وانتهاك سيادة ووحدة وسلامة الجمهورية العربية السورية الشقيقة، مؤكدًا ضرورة انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي السورية التي احتلتها منذ عام ١٩٦٧ بما فيها هضبة الجولان.