محللون: تصدع بين حكومة الاحتلال وجيشه بسبب مستنقع غزة
تاريخ النشر: 9th, June 2025 GMT
أجمع محللون على أن الفجوة الآخذة في الاتساع بين الحكومة الإسرائيلية والمؤسسة العسكرية تعكس أزمة عميقة ناجمة عن استمرار الحرب على قطاع غزة، وفشل حكومة بنيامين نتنياهو في تحقيق أهدافها المعلنة، وعلى رأسها إعادة الأسرى وتحقيق ما تصفه بـ"النصر المطلق"، بينما يتعمق ما يوصف بـ"مستنقع غزة".
ويصف خبراء عسكريون وإستراتيجيون الوضع الميداني الراهن بأنه مأزق متعدد الأوجه، حيث لا تظهر في الأفق مؤشرات حاسمة لانتصار عسكري، في حين تستنزف الحرب الجيش والمجتمع والاقتصاد الإسرائيلي بسرعة، ما يهدد بتفكك في بنية الدولة نفسها، وليس فقط إخفاقا في المهمة القتالية.
وفي هذا السياق، قال الخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا، إن الجيش الإسرائيلي فشل حتى الآن في ترجمة الأهداف السياسية والعسكرية على أرض الواقع، موضحا أن المخطوفين لا يزالون في قبضة المقاومة، والعمليات العسكرية التي يُقال إنها تُنفذ ببطء لحماية الجنود لم تؤتِ نتائج مختلفة عمّا سبقها.
وأشار حنا في حديثه إلى برنامج مسار الأحداث إلى أن الإستراتيجية الإسرائيلية تغيّرت مرارا خلال الحرب، من دخول وخروج سريع إلى دخول والبقاء ثم التحصين، وكلها تكبدت خسائر بشرية كبيرة، في وقت لم تُحرز فيه الأهداف الكبرى، بينما تنفّذ المقاومة عمليات استنزاف مستمرة تعقّد الحسابات الميدانية والسياسية للاحتلال.
إعلانمن جانبه، رأى الدكتور مهند مصطفى، الأكاديمي والخبير بالشؤون الإسرائيلية، أن إسرائيل تعيش حالة "بينية" محاصرة بين فشل تحقيق النصر عسكريا واستحالة إنهاء الحرب باتفاق سياسي، وهو ما يضع الحكومة والجيش في مأزق مستمر، وسط حديث في الصحف العبرية عن الغرق في "مستنقع غزة".
وأوضح مصطفى أن هذه الحالة البينية لا تحتمل الزمن الطويل، في ظل غياب خطة للخروج من الحرب، وانعدام القدرة على التوسع العسكري، ما يُدخل إسرائيل في نمط استنزاف مزمن يؤثر سلبا على الأمن الداخلي، والاقتصاد، ووحدة المجتمع، ويجعل من الوقت نفسه أحد ألدّ أعداء نتنياهو سياسيا.
مسارات جديدةبدوره، قال الدكتور لقاء مكي، الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات، إن إسرائيل دخلت في حرب فقدت فيها القدرة على التحكم بمسارها ونهايتها، وإن نتنياهو لم يعد قادرا على تحقيق هدفه المعلن بتصفية حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بل إن صمود المقاومة يفرض مسارات جديدة على الحرب، ويقوض الخطاب الرسمي الإسرائيلي.
وأشار مكي إلى أن تقديرات إسرائيلية، مثل ما تنشره صحيفة "يديعوت أحرونوت"، تؤكد أن حماس لا تزال تحتفظ بقدرة قتالية، ولا مؤشرات على تفككها، ما يعكس واقعا مغايرا لما تروج له الحكومة. كما نبه إلى أن تصاعد تكلفة الحرب سياسيا وأخلاقيا واقتصاديا قد يدفع واشنطن إلى التدخل لفرض وقف العمليات.
وأكد العميد إلياس حنا، أن مؤشرات الإنهاك داخل الجيش الإسرائيلي باتت واضحة، لا سيما مع الاستعانة المتزايدة بالمجندات والاحتياط، وبلوغ تكلفة الجندي الاحتياطي يوميا نحو 45 ألف شيكل، إلى جانب الاستخدام المفرط للذخائر، ومنها ذخيرة قديمة من خمسينيات القرن الماضي، بما يعكس عمق الاستنزاف.
ولفت حنا إلى أن معيار "النصر" في العقيدة الإسرائيلية يرتبط بالحسم السريع وتقديم إنجاز سياسي، وهي عناصر غائبة تماما في المعركة الحالية، في ظل غياب قدرة الجيش على تقديم حسم ميداني، وتراجع الروح المعنوية للجبهة الداخلية، وتزايد تساؤلات الجنود عن الهدف من استمرار القتال.
إعلانوذهب د. مهند مصطفى إلى أن تراجع الثقة بالحكومة مقابل ارتفاع التأييد للجيش، وتحديدا لقائد الأركان إيال زامير، يكشف عن فجوة اجتماعية عميقة. إذ يدرك زمير أهمية "جيش الشعب" للحفاظ على شرعية المؤسسة العسكرية، ولهذا يتخذ مواقف مخالفة لنتنياهو، لا سيما في ما يخص تجنيد الحريديم.
وأشار مصطفى إلى أن زمير قرر إصدار 50 ألف استدعاء للحريديم مطلع يوليو المقبل، ليس فقط لتغطية النقص البشري، بل لتعزيز الشرعية الاجتماعية للجيش، بينما يتعامل نتنياهو مع هذا الملف بوجهة نظر سياسية، ما يعكس بداية تصدع بين المؤسستين السياسية والعسكرية.
أما الباحث لقاء مكي فاعتبر، أن أزمة إسرائيل متجذرة في بنية الكيان ذاته، وليست فقط أزمة عسكرية. وقال إن الصراع الاجتماعي المتفاقم، خاصة بين المتدينين والعلمانيين، إضافة إلى تراجع صورة إسرائيل كواحة أمنية وديمقراطية لليهود، سيؤدي مستقبلا إلى هجرة معاكسة وتفكك داخلي.
ورأى أن فقدان إسرائيل مكانتها كقوة ردع وملاذ لليهود، وتحولها إلى عبء أخلاقي على حلفائها الغربيين، يطرح تساؤلات جوهرية عن بقائها، خاصة إذا استمرت الحرب وتعمق الانقسام، ما قد يسرّع في إعادة النظر في إستراتيجياتها وتوجهاتها الإقليمية.
إطالة أمد الحربوحذر العميد حنا من أن فشل عملية تحرير الرهائن عبر العمليات العسكرية يهدد بإطالة أمد الحرب دون جدوى، مؤكدا أن عملية النصيرات، التي تم خلالها تحرير 4 أسرى، تمت بعملية خاصة مكلفة جدا، أسفرت عن مقتل مئات الفلسطينيين، لكنها لم تحقق نموذجا يُبنى عليه.
وبيّن أن المقاومة أدركت خطورة هذه العملية وعدّلت قواعد الاشتباك، ما يجعل أي محاولة مستقبلية لتحرير الأسرى ميدانيا محفوفة بإمكانية قتلهم، وهو ما يضع الجيش والحكومة في مأزق كبير، إذ لا يمكنهم إعلان الفشل ولا الاستمرار بالمخاطرة، ما يعزز طرح ضرورة الذهاب نحو صفقة شاملة.
إعلانووفقا للدكتور مهند مصطفى، فإن التناقض بين استعادة الأسرى والقضاء على المقاومة بات واضحا، والجيش نفسه بات أكثر واقعية في قراءته لهذا الملف، ما أفضى إلى مواقف متباينة بينه وبين الحكومة، وهو ما قد يؤدي إلى انكسار الجدار الصلب الذي حاول نتنياهو بناؤه بينهما.
وقال مصطفى، إن العامل الحاسم في تغيير مسار الحرب لم يعد الشارع أو عائلات الأسرى، بل المؤسسة العسكرية، التي بدأت تبتعد عن الحكومة وتتحسس خطورة الاستمرار في النهج القائم، بما قد يقود إلى تغيّر جوهري في موازين القرار داخل إسرائيل.
وفي السياق ذاته، أوضح الدكتور مكي، أن المقاومة باتت تدير ورقة الرهائن بطريقة تضرب مصداقية الرواية الإسرائيلية، كما أن استخدام هذه الورقة بوصفها أداة "وجودية" يجعل من المستحيل تحقيق نصر ميداني دون صفقة، ما يقوّض مجمل رواية الحكومة ويكرّس سردية المقاومة.
وفي ختام الحلقة، قال مصطفى، إن أصواتا إسرائيلية من التيار السائد، مثل الصحفي بيني درور يميني، بدأت تتحدث علنا عن "مستنقع غزة" وضرره الوجودي على إسرائيل، محذرة من فقدان المناعة الوطنية والوحدة الداخلية، وهو ما يزيد مأزق نتنياهو تعقيدا، خاصة مع تهاوي نقاط قوته واحدة تلو الأخرى.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الحج حريات الحج مستنقع غزة وهو ما إلى أن
إقرأ أيضاً:
مستشار نتنياهو يكشف ملامح رؤيته في غزة: لا دولة فلسطينية أو إعمار دون نزع السلاح
كشف رون دريمر، وزير الشؤون الاستراتيجية وأحد أبرز مهندسي السياسة الإسرائيلية في مكتب نتنياهو، عن خطوط عريضة لرؤية الاحتلال الإسرائيلي لما بعد الحرب في غزة، متحدثا بوضوح عن رفض إقامة دولة فلسطينية، واشتراط نزع سلاح المقاومة، كشرط لأي إعمار أو ترتيبات إدارية في القطاع.
وفي إحدى الحلقات الحوارية عبر بودكاست نُشر مؤخرًا، قال دريمر إن السعودية لن توافق على تطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي ما لم تكن غزة قد وُضعت على طريق "تسوية ما"، لكنه استدرك قائلاً إن "القتال العنيف في غزة بات من الماضي"، في إشارة إلى دخول المرحلة السياسية من المعركة، رغم تعثّر محادثات الهدنة.
ملامح "الحد الأدنى" من الأهداف
تحدث دريمر بـ"إيجابية" عن الصفقة التي كانت مطروحة قبل أيام، والتي كان من المفترض أن تؤدي إلى استعادة نصف الأسرى (أحياء وجثامين) مقابل هدنة مدتها 60 يومًا، تُستأنف خلالها مباحثات لإنهاء الحرب إذا توفرت ظروف تحقيق "الحد الأدنى من الأهداف".
وحدد دريمر هذه الأهداف بـ: ( تفكيك البنية العسكرية لحماس - إقصاء الحركة عن الحكم في غزة - ضمان ألا يشكل القطاع تهديدًا أمنيًا للاحتلال الإسرائيلي).
كما رفض فكرة تكرار "نموذج حزب الله في لبنان" داخل غزة، معتبرًا أن مجرد بقاء حماس كسلطة أمر غير مقبول.
وفي رد على تصريحات وزير الخارجية الأمريكي السابق أنتوني بلينكن، الذي قال إن "حماس فكرة لا يمكن القضاء عليها"، شبّه دريمر حماس بـ"النازيين"، موضحا أن القضاء على الحركة لا يعني محوها فكريا، بل نزع سلطتها وقدرتها العسكرية، كما جرى في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.
وأضاف أن حماس موجودة في الضفة الغربية وتركيا وقطر، لكنها لم تنفذ هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر إلا من غزة، لأنها كانت تملك السلطة والقدرة هناك.
لا احتلال.. ولا إعمار مع السلاح
نفى دريمر نية الاحتلال الإسرائيلي احتلال غزة أو البقاء فيها عسكريًا، لكنه شدد على أن أي جهة ستتولى إدارة القطاع يجب أن تتولى أولًا تجريده من السلاح، ثم الانخراط في عملية "نزع التطرف"، بحسب تعبيره، من خلال تغيير المناهج التعليمية، بالتعاون مع شركاء عرب مثل الإمارات، وأثنى على "الإصلاحات" السعودية في هذا السياق.
وأكد أن "من نفذ هجوم السابع من أكتوبر لن يكون له مكان في غزة"، تمامًا كما لم يبقَ للنازيين أي وجود في ألمانيا، على حد قوله.
قال دريمر صراحة إن إقامة دولة فلسطينية "غير مطروحة على الإطلاق" في المدى المنظور، مضيفًا أن "نسبة تأييد الجمهور الإسرائيلي لذلك أقل من صفر".
وأضاف أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لن يمنح الفلسطينيين "فيتو" على اتفاقات التطبيع الجارية مع دول عربية، في إشارة إلى تقاطع المواقف بين الاحتلال الإسرائيلي وإدارة ترامب.
وأشار إلى أن تقليص قدرات حماس سيُسهّل على أي جهة "محلية أو إقليمية" إدارة غزة لاحقًا، دون الحاجة إلى تدخلات عسكرية إسرائيلية متكررة، قد تُقوّض أي سلطة مستقبلية.
الغزيون "كان يجب تهجيرهم"
عبّر دريمر عن رفض الاحتلال الإسرائيلي لإعمار غزة في ظل وجود أكثر من 20 ألف مسلح، وقال إنه "لا أحد سيموّل إعمار القطاع إذا كانت الحرب ستعود بعد عشر سنوات".
واعتبر أن "حرب الجبهات السبع" شارفت على نهايتها، وأن الحرب في غزة هي الأخيرة لعقود، رغم تراجعه لاحقًا بالتعبير عن احتمال وقوع حروب لاحقة.
وانتقد دريمر مصر لإغلاقها معبر رفح أمام المدنيين خلال الحرب، قائلًا إن "استقبال المدنيين مؤقتًا في سيناء كان سيساهم في تقليل الخسائر البشرية، وتسريع إنهاء الحرب"، معتبرًا أن الغزيين كانوا سيعودون لاحقًا، وكان يمكن تجنيبهم ويلات الحرب.
اغتيالات بـ"ميزان خسائر".. وتجويع محسوب
كشف دريمر أن الاغتيالات الإسرائيلية تُدار بمنطق "حجم الهدف"، ما يبرر برأيه مقتل عشرات المدنيين عند استهداف قائد ميداني كبير، تحت مظلة "الحرب على الإرهاب".
وفي واحدة من أكثر التصريحات إثارة للجدل، اعترف بأن الاحتلال الإسرائيلي يراقب مستوى الغذاء في غزة ويسمح بإدخال كميات محدودة عندما تسوء الأوضاع بشكل قد يستفز الرأي العام العالمي، قائلاً: "نخنق الناس دون أن نتركهم يموتون، حتى نتفادى الضغوط الدولية".
يشير مراقبون إلى أن أهمية تصريحات دريمر لا تنبع فقط من محتواها، بل من كونه مهندس السياسة الإسرائيلية في الكواليس، والمبعوث الدائم لتنسيق المواقف مع واشنطن، مما يجعل رؤيته مؤشّرًا دقيقًا على الاتجاهات الاستراتيجية في الحكومة الإسرائيلية، في وقت يتركّز فيه اهتمام الإعلام على شخصيات هامشية مثل بن غفير أو ليبرمان.
وبينما تتعثر مفاوضات الهدنة، ويضاعف الاحتلال الإسرائيلي ضغطه العسكري والسياسي على غزة، تكشف تصريحات دريمر عن طبيعة المعادلات القاسية التي ترسمها تل أبيب لما بعد الحرب، في ظل تجاهل دولي متواصل للجرائم والانتهاكات، وتواطؤ معلن أو صامت من حلفاء إسرائيل في الغرب.