قال الناشط البرازيلي في تحالف "أسطول الحرية" تياغو أفيلا، إن نضالهم من أجل كسر الحصار المفروض على قطاع غزة مستمر ولن يتوقف مهما فعلت إسرائيل، حتى لو قامت بقتل جميع النشطاء على متن السفينة "مادلين" القادمة من جزيرة صقلية الإيطالية.

وأضاف: "إذا قتلونا، سيأتي عشرة أضعافنا، ثم مئة، ثم ألف.. نضالنا سيواصل طريقه ولن يتوقف، وجميع الاعتداءات الصهيونية لن تؤدي إلى إسكات هذا الحراك الذي يزداد قوة وانتشارا حول العالم عاما بعد عام.

هذه حركة تتسع ولن يتمكنوا من إيقافها بأي شكل من الأشكال".

جاء ذلك في تصريحات خاصة ومصوّرة أرسلها أفيلا إلى "عربي21" قبل أن تقوم القوات البحرية الإسرائيلية بقرصنة السفينة "مادلين" فجر الاثنين على بعد حوالي 120 ميل بحري في المياه الدولية.

وقال أفيلا: "إذا كانوا (الإسرائيليين) يعتقدون أنهم يستطيعون إيقافنا بالترهيب والعنف فهم مخطئون جدا. تحالف أسطول الحرية موجود منذ 17 عاما، حتى قبل أن يحمل هذا الاسم عندما كانت حركة (غزة الحرة) تحاول كسر هذا الحصار الإسرائيلي غير القانوني المفروض على غزة منذ 18 عاما".

وتابع: "العديد من مهماتنا تعرّضت للاعتراض الإسرائيلي وبعض مهماتنا تعرّضت لهجمات مثل ما حدث قبل نحو شهر عندما قُصفت سفينتنا أو قبل 15 عاما عندما هوجمت سفينة مافي مرمرة وقُتل آنذاك 10 من مشاركينا"، لافتا إلى أن هذه الاعتداءات الإسرائيلية لم ولن تثني المشاركين في "أسطول الحرية" عن مواصلة مهمتهم الإنسانية والحقوقية والسياسية.


وكانت سفينة "الضمير"، التابعة أيضا للجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة، قد تعرضت لهجوم بطائرة مسيرة إسرائيلية في 2 أيار/ مايو الماضي، أثناء محاولتها الوصول إلى غزة، ما تسبب في ثقب بهيكلها واندلاع حريق في مقدمتها.

وفي 31 أيار/ مايو 2010، تعرّض ناشطون وصحفيون كانوا على متن السفينة "مافي مرمرة (أسطول الحرية1)" التي شقت طريقها من تركيا عبر البحر المتوسط لإيصال مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة المُحاصر لقوة مفرطة استخدمتها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضدهم في المياه الدولية.

وأسفر الهجوم الإسرائيلي عن استشهاد 10 ناشطين وجرح أكثر من 50 آخرين.

المزيد من السفن قادمة

ولفت الناشط البرازيلي إلى أن الأسطول الحالي يضم 12 مشاركا فقط على متن سفينة صغيرة، مُحمّلة بما يمكن حمله من مساعدات إنسانية، إلا أن الهدف الأساسي هو "فتح ممر إنساني شعبي"، يُمهّد الطريق للمزيد والمزيد من السفن القادمة من دول متعددة، رفضا للإبادة الجماعية والتجويع القسري للأطفال في غزة.

وأشار أفيلا إلى التغير الكبير في المزاج الشعبي العالمي، قائلا: "من المهم جدا أن نعلم أن أمام وضع مختلف الآن؛ فلسنا وحدنا اليوم، ومن المهم جدا أن يفهموا (الإسرائيليين) أن لدينا الآن أغلبية اجتماعية عالمية تدعم الشعب الفلسطيني وتمقت الكيان الصهيوني، وتمقت الجيش الإسرائيلي نظرا جرائم الحرب الوحشية التي يرتكبها ضد الشعب الفلسطيني".

وقال: "لدينا اليوم أغلبية اجتماعية واسعة. الناس في مختلف أنحاء العالم يكرهون رؤية الأطفال يموتون جوعًا، يرفضون قصف المستشفيات والمدارس والملاجئ، ويقفون ضد هذا النظام الصهيوني العنصري والمتعالي، الذي يمثل أحد أبشع أنظمة القمع في جيلنا."

واستطرد قائلا: "هذه الأغلبية الشعبية العالمية تدين جرائم الحرب التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي، وتكره رؤية الأطفال يموتون جوعا، وتكره رؤية المستشفيات تُقصف، وتكره رؤية الملاجئ والمدارس تُحرق وتُدمر على يد أكثر نظام بغيض في جيلنا، إنه النظام الصهيوني العنصرية والمتعالي".


نضال لا ينتهي

وزاد: "لا يمكنهم (الإسرائيليين) إيقافنا بالعنف. يمكنهم مهاجمتنا، وقد هاجموا بالفعل مهمات أخرى لنا، لكنهم لا يستطيعون ردعنا. إذا قصفونا، كل ما سيفعلونه هو قتل 12 شخصا، ولكن ما سيحدث بعد ذلك هو أنه سيكون لدينا 10 أضعاف العدد في الأسطول التالي، ثم 100 ضعف في الأسطول التالي، ثم ألف ضعف في الأسطول التالي، ولن يتمكنوا من إيقافنا مهما حدث".

ورأى أفيلا أن "مرحلة تفوق النظام الصهيوني المطلق باتت في طريقها إلى النهاية، وأن زمن ارتكاب جرائم الحرب بالإفلات من العقاب وبتواطؤ قادة العالم قد ولى"، مشيرا إلى أن "الشعوب أصبحت تتولى المهام التي عجزت عنها الحكومات والمؤسسات الدولية. لذا، هذا هو وقتنا الآن كشعوب عالمية تؤمن بعدالة القضية الفلسطينية، خاصة أن الظروف اليوم باتت مختلفة؛ إذ تحظى القضية الفلسطينية بدعم شعبي عالمي غير مسبوق".

وأعرب عن ارتباط مهمة "أسطول الحرية" بمبادرات أخرى متزامنة، مثل "المسيرة العالمية إلى غزة" التي تحاول كسر الحصار من البر، و"قافلة صمود" التي تعبر شمال إفريقيا لنقل المساعدات ودعم نضال الشعب الفلسطيني، مُعتبرا أن هذا الحراك يُمثل استمرارا لنضالات الشعوب من أجل الحرية ورفضا للاستعمار والفصل العنصري والإبادة الجماعية والتطهير العرقي.

وكانت "مادلين" تمثل جزءا من جهود متجددة ينفذها ائتلاف أسطول الحرية، بهدف لفت أنظار العالم إلى المأساة المستمرة في غزة، وإيصال رسائل دعم ومساعدات رمزية إلى سكانها المحاصرين.

وأعلن منظمو "قافلة الصمود" المغاربية لفك الحصار على قطاع غزة، أنه من المرتقب وصول القافلة البرية إلى العاصمة المصرية القاهرة، الخميس المقبل، بينما تصل مدينة رفح المصرية، الأحد، وفق المخطط له.


هزيمة "إسرائيل"

وأشار أفيلا إلى أن التهديدات التي واجهوها خلال رحلتهم لم ولن تردعهم، ولم تكسر معنوياتهم، "لقد جعلتنا أكثر اقتناعا بأننا بحاجة إلى الاستمرار في مسيرتنا. نحتاج إلى إيقاف جرائم حرب الإبادة الإسرائيلية".

وأكمل: "نحتاج إلى التأكد من أن العالم مكان نفخر بالعيش فيه، وهذا يعني الاستجابة للدعوة التاريخية لهزيمة هذا النظام (الإسرائيلي) البغيض، وبدلا من الكراهية والعنف، نحتاج إلى جلب التضامن والحب والتعاون وعالم مليء بالسعادة. هذا ما نحن هنا من أجله".

ودعا أفيلا العالم إلى مواصلة متابعة رحلة "أسطول الحرية"، مؤكدا أن "المشاهدة والاهتمام العام يُمثلان أكبر ضمانة أمنية للمشاركين"، وقال: "نعم، لدينا تدريبات، ونستعد جيدا، لكن الأهم من كل ذلك هو أن يعلم المعتدون أن العالم يراقبهم، وأن تكلفة أي اعتداء علينا ستكون باهظة سياسيا وأخلاقيا، بل ينبغي أن نجعل هذه التكلفة لا تُطاق على الصهاينة إذا فعلوا أي شيء لنا".

واختتم أفيلا رسالته لـ"عربي21"، بتذكير العالم بتاريخ النضالات السلمية الكبرى التي انتصرت رغم المخاطر، مثل حركة استقلال الهند، والنضال ضد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وحركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة. وقال: "الشعب الفلسطيني حتما سينتصر في نضاله كما انتصر غيره، وحركة التضامن العالمية لن تقتصر على دعم فلسطين، بل ستكون منطلقا نحو التحرر والعدالة في أماكن عديدة من العالم. علينا تغيير هذا العالم".


وجاءت قرصنة السفينة فجر الاثنين، حين كانت تبحر في المياه الدولية، حيث حاصرتها زوارق إسرائيلية، وظهر الجنود في بث مباشر وهم يطالبون المتضامنين برفع أيديهم.

كما حلّقت طائرات مسيرة إسرائيلية فوق السفينة، وألقت سائلا أبيض مجهول التركيب، بحسب ما وثقته لقطات البث المباشر.

وتأتي عملية القرصنة بعد تحذيرات إسرائيلية باعتبار إبحار السفينة "محاولة غير قانونية" لكسر الحصار البحري المفروض على غزة، وفق بيان صادر عن وزارة الخارجية الإسرائيلية.

ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أمريكي إبادة جماعية بغزة، تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.

وخلفت الإبادة أكثر من 181 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم أطفال، فضلا عن دمار واسع.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة عربية غزة إسرائيل إسرائيل غزة اسطول الحرية السفينة مادلين المزيد في سياسة سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشعب الفلسطینی أسطول الحریة إلى أن

إقرأ أيضاً:

شرط الحرية وجماهير مصر الثائرة.. والصامتة أيضا

وصل المناضل اللبناني جورج عبد الله إلى مطار رفيق الحريري في بيروت، يوم 25 تموز/ يوليو، وبينما كان يحدّث ويحمّس الجماهير حول استمرارية المقاومة ضد إسرائيل، ذكر مصر، فلم يتكلم عن النظام المصري، فهو ربما لا يعرف عنه الكثير بسبب سجنه، بل تكلم إلى من يرى نفسه جزءا منهم، عن الجماهير، الجماهير المصرية التي ربط شرط الحرية لنا جميعا بتحرّكها ونزولها إلى الشوارع.

الجماهير المصرية تحديدا لها تأثير بالغ وعميق في وجدان الشعوب العربية كافة، ولا سيما أهل غزة، إذ لا يمضي يوم إلا وأرى فيه منشورا كتبه ابن لمدينة غزة المُدمّرة، وهو يتحدث بأن خذلان العرب، بالنسبة له، كلّه في كفّة وخذلان المصريين وحده في أُخرى. إن أهل غزة والمصريين بينهم ترابط تاريخي، نسبَي وثقافي، ومهما حاولت سرديات ما بعد كامب ديفيد فصلها أو محوها لن تنجح كلية، ربما نجحت نسبيا، لكن سرعان ما يأتي حدث عنيف، مثل الإبادة، ليذكّرنا نحن المصريين بأن غزة وشعبها جزء منَّا، ونحن منه أيضا.

لكن، لماذا تخلّينا عن هذا الجزء؟ ليس صحيحا أن الشعب المصري تخلّى عن أهل غزة، كذلك ليس صحيحا أنه تحرك بشكل كاف من أجلها، إذ وقف في المنتصف، ثار ولم يثُر، حاول ولم يحاول بشكل كاف، لأن محاولاته كانت ضعيفة مقارنة بحجم الإبادة التي يتعرض لها أهل غزة، وكذلك بحجم القمع الذي فرضه النظام المصري بقيادة السيسي.

ليس صحيحا أن الشعب المصري تخلّى عن أهل غزة، كذلك ليس صحيحا أنه تحرك بشكل كاف من أجلها، إذ وقف في المنتصف، ثار ولم يثُر، حاول ولم يحاول بشكل كاف، لأن محاولاته كانت ضعيفة مقارنة بحجم الإبادة التي يتعرض لها أهل غزة، وكذلك بحجم القمع الذي فرضه النظام المصري بقيادة السيسي
هذه المحاولات كانت من خلال مظاهرات جماعية بالآلاف كما حدث يوم 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أي بعد أقل من أسبوعين من بدء الإبادة، فانتفض الآلاف من المصريين واقتحموا ميدان التحرير رغما عن القوى الأمنية، واستمر الهتاف لساعات. لكن سرعان ما تجمّعت قوات الأمن وفُضت المظاهرة بالقوة، واعتُقل العشرات. من بعد هذا اليوم، بدأت حملة مسعورة لاعتقال المئات من المصريين بسبب دعمهم لفلسطين بشكل حركي لا كلامي على منصات التواصل فحسب، وهم سجناء إلى الآن. اعتقل الطلاب من الجامعات، والرجال والنساء من البيوت بسبب جمعهم تبرعات لأهل غزة، وأيضا من الشوارع بسبب صرخاتهم فرادى من أجل غزة، وكذلك من قاموا بعمليات مسلحة ضد إسرائيليين في مصر طاردتهم قوات الأمن، كما اعتقلت كل من يشتبه بمعرفتهم.

كل هذه المحاولات لم تكن كافية للضغط على النظام -الذي يملك قوة أمنية كبيرة- لوقف تواطئه وتنسيقه مع إسرائيل والضغط عليها لوقف الإبادة وإدخال المساعدات، وأخذ مواقف سياسية ودبلوماسية أكثر صلابة. لكن من المهم معرفة ما هو التشخيص الموضوعي الذي جعل هذه المحاولات ضعيفة وغير كافية!

بإيجاز، توجد أسباب متباينة ومتداخلة للإجابة، أولها، أن الشعب المصري منذ عام 2011 حتى 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، قد مورس عليه عنف لم يشهده من قبل في تاريخه الحديث. آلاف القتلى في الشوارع بدءا من ثورة يناير مرورا بأحداث ثورية عنيفة جدا مثل أحداث محمد محمود (تشرين الثاني/ نوفمبر 2011) واستاد بورسعيد (شباط/ فبراير 2012) وفض اعتصامي رابعة والنهضة (آب/ أغسطس 2013)، هذا بجانب التصفيات الجسدية والقتل تحت التعذيب في مقرات الاحتجاز والسجون، فالمصريون منذ كانون الثاني/ يناير 2011 وصولا إلى عام 2016، لم يتركوا الشوارع، وكانوا في ثورة وقمع دائمين.

نتج عن هذا العنف آلاف القتلى ومئات المختفين قسريا، فضلا عن مئات الآلاف من المعتقلين، إذ منذ تموز/ يوليو 2013، دخل وخرج مئات الآلاف من المواطنين السجون بتهم سياسية، واستقر منهم بشكل كبير قرابة 40 ألف سجين سياسي، وعشرات الآلاف من "المنفيين"، فمصر تحتل المراتب الأولى في مؤشرات القمع العالمي، هذا فضلا عن تمثلات أُخرى من القمع عبر المراقبة والمتابعة الدائمة لأجساد المواطنين.

هذا العنف، بجانب الإفقار المعيشي، تسبب في إنهاك المصريين بشكل كبير، جعلهم في حالة موات مشاعري تجاه أنفسهم، وتجاه أي حدث، فضلا عن غياب أي تنظيمات سياسية أو اجتماعية، ما تسببَّ في نفي أي تحرك جماعي كبير سواء من أجل مطالبات داخلية أو خارجية مثل وقف الحرب على غزة. ومع هذا، دائما ما وُجدت صرخات ثورية فردية، في دلالة على تغيير الحالة الثورية المصرية من الجماعية إلى الفردية، فتجد شابا أو امرأة تصرخ وحدها في الشارع من أجل فلسطين، والناس يرونها، لكنهم لا ينضمون إليها، مع حاجتهم الشديدة للصراخ مثلها، لكنهم لا يستطيعون بعد كل هذا الإنهاك أن يصرخوا، لمعرفتهم اليقينية بأن أجسادهم ستُقتل بشكل مباشر أو حتى ستقتل ببطء، حين تدخل في ظلامات السجون لسنوات طويلة، وسينساها الناس، ويدفع الإنسان وحده الثمن والذي لا يستطيع تحمل تكلفته.

أيضا، تغيرت كثير من المفاهيم والتمثلات لدى المجتمع المصري، لا سيما عند الأجيال الجديدة، فلم تعد الثورة هي حدث يشغل بال المصريين، بكل أجيالهِم، فلا تأتي الثورة كل يوم، الثورة تحتاج إلى عمل ورؤى وأفكار، تبنى لسنوات كثيرة، كما أن المفاهيم الحياتية الحالية، والناعمة، باتت أيديولوجيا عند فئات كثيرة من الشعب، من الفردانية والإنجاز والنجاة الفردية والاستهلاك بكل تمظهراتِه. هذه هي الممارسات اليومية للمصريين؛ لا ممارسات تخص الفكر السياسي والعمل للتغيير، وهذه حالة عمّت المنطقة كلها وليست حصرا في مصر.

الضغط على النظام بالاحتجاجات أمام مقرات السفارات المصرية يسبب له مزيدا من الضغط، وربما يدفعه للتمرّد على الصمت تجاه الإبادة في غزة، مع الالتزام بأولوية الضغط على من يقومون بالإبادة ذاتها، إسرائيل ومن ورائها الولايات المُتحدة
أيضا، يتملّك المصريون الخوف من الفوضى. نعم، وصل جزء كبير من الشعب المصري، بشكل لا واع، إلى تبني فكرة العيش المُذلّ تحت الاستبداد أفضل من العيش المذل تحت الفوضى. يرى المصريون كل البلاد من حولهم وقد تحولت إلى ساحات اقتتال داخلي، مثل سوريا وليبيا واليمن والسودان، أو خارجي متمثل في حروب الاحتلال على غزة ولبنان. لذا، يخاف المصريون من الفوضى، والنزوح، واللجوء، والحروب الأهلية، وتفشي جماعات التطرف. وقد لعب النظام المصري الحالي على أوتار هذه السردية منذ توليه الحكم، ففي كلماته الشهيرة والمُكررة، يقول السيسي دائما "مش أحسن ما نبقى زي سوريا والعراق". وقد تأثر الشعب وخاف كثيرا من تلك السردية.

إن النظام المصري خذل غزة، واستطاعت أمريكا وإسرائيل توظيفه، بإرادته، كمنسق وشاهد صامت على حرب الإبادة، بل وقامع لأي تحرك يضغط لوقف الحرب وكسر الحصار. لذا، الضغط على النظام بالاحتجاجات أمام مقرات السفارات المصرية يسبب له مزيدا من الضغط، وربما يدفعه للتمرّد على الصمت تجاه الإبادة في غزة، مع الالتزام بأولوية الضغط على من يقومون بالإبادة ذاتها، إسرائيل ومن ورائها الولايات المُتحدة، فلا يُصبُّ كل الضغط والحشد تجاه النظام المصري الذي لا يملك قرار وقف الحرب، ولا يملك إدخال المساعدات من الجانب الإسرائيلي، لكنه يملك إدخالها أو على الأقل حشدها، مع مؤسسات دولية، أمام معبر رفح من الجهة المصرية، وهذا ما يفترض أن يفعله.

الشعب المصري -لا النظام- لا يرضى بحرب الإبادة وكل تمثلاتها المأساوية التي نراها يوميا بحق أهلنا، لكنه شعب أُنهك وخُوّفَ وأُفقرَ وقُمع، بطريقة لن يدركها سوى من اختبر تمثلات القمع نفسها، وبات لا يحمل أي أيديولوجيا أو تنظيم يتحرك من خلاله لمنع أحداث مأساوية. إن التقاط الأنفاس للشعوب بعد سنوات من التدمير شيء طبيعي، ويأخذ سنوات وسنوات، كما الوصول إلى الإصلاح والثورة يأخذ سنوات من العمل والتنظيم وتراكم الاحتجاج، وقد وقع من أجل قضايا الحرية والتحرر، ومنها قضية فلسطين، خلال السنوات الماضية، عشرات الآلاف من الشهداء؛ لا شخص واحد! فكانت فلسطين حاضرة في كل المنعطفات الثورية المصرية.

ختاما، هذا التشخيص ليس دعوة أو تبريرا للصمت على الاستبداد بحجة التقاط الأنفاس، أو التيه والخوف والاستسلام، بل -عن نفسي- أتمنى أن يُكسر هذا الصمت، اليوم قبل الغد، لكنه تشخيص نفهم من خلاله ما وصلنا إليه، وأسبابه، ونحاول معالجته. فهكذا المُجتمعات تصمت أو تثور، بنسب متبانية، بسبب دوافع وشروط، تحيا وتموت وتختفي عبر العقود.

مقالات مشابهة

  • احتيال شركات الذكاء الاصطناعي يجب أن يتوقف
  • أمنستي تتهم إسرائيل بالتواطؤ في مقتل ناشط فلسطيني وتطالب بتحقيق دولي
  • ترامب: إسرائيل ترفض حصول حماس على المساعدات التي يتم توزيعها في غزة
  • أكاذيب الكيان الصهيوني التي لا تنتهي
  • رئيس لجنة تنسيق الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة: إسرائيل تتجاهل الأعراف الدولية
  • لم يتوقف العمل .. قسم الجيزة يقدم خدمات متميزة للمواطنين
  • ترامب: أنقذت العالم من 6 حروب.. وسأقلل مهلة الـ 50 يوما التي منحتها لبوتين
  • أسطول الحرية يؤكد استمرار محاولات كسر الحصار على غزة رغم اعتداءات الاحتلال
  • شرط الحرية وجماهير مصر الثائرة.. والصامتة أيضا
  • لأول مرة… هولندا تدرج إسرائيل ضمن الدول التي تشكل تهديداً