تمرد كاليفورنيا.. ما الأدوات التي تملكها الولايات لكبح السلطة الفدرالية؟
تاريخ النشر: 12th, June 2025 GMT
كاليفورنيا- في تصعيد هو الأقوى منذ إعادة انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوّح حاكم ولاية كاليفورنيا غافن نيوسوم بإجراء غير مسبوق تمثل في وقف تحويل الضرائب الفدرالية من الولاية إلى واشنطن، ردا على ما وصفه بـ"الابتزاز السياسي" من الإدارة الفدرالية.
وتشهد مدينة لوس أنجلوس منذ أيام احتجاجات متصاعدة على خلفية حملة اعتقالات نفذتها سلطات الهجرة الفدرالية طالت عشرات المهاجرين في مناطق تعرف بـ"مدن الملاذ الآمن"، مما أسفر عن مواجهات عنيفة بين المتظاهرين وشرطة مكافحة الشغب، وهو ما دفع ترامب إلى نشر الحرس الوطني وقوات مشاة البحرية في المدينة.
ويأتي هذا التصعيد في لحظة سياسية دقيقة، إذ تسعى إدارة ترامب إلى تطبيق أجندة مركزية أكثر صرامة ترتكز على ضبط الحدود ومعاقبة الولايات المعارضة.
وبذلك، تتحول كاليفورنيا من مجرد ولاية "متمردة" إلى ساحة اختبار حقيقي لحدود السلطة الفدرالية، ومدى استقلالية الولايات بعد عودة ترامب للرئاسة.
ويعيد هذا التوتر السياسي إلى الواجهة تساؤلات جوهرية بشأن مدى استقلالية الولايات الأميركية، والأدوات السياسية والقانونية التي تملكها الولايات لحماية سيادتها، وماذا تملك الحكومة الفدرالية من صلاحيات للرد.
إعلان مبدأ عدم التسلطيشرح آرون كابلان أستاذ القانون الدستوري في كلية لويولا للحقوق بمدينة لوس أنجلوس أن القانون الأميركي يفرض قيودا صارمة لما يمكن للحكومة الفدرالية أن تمليه على الولايات، مؤكدا أنه "من الثابت أنها لا تستطيع إلزام الولايات بتنفيذ القوانين الفدرالية".
ويشير كابلان في حديثه للجزيرة نت إلى أن المحكمة العليا لطالما رفضت فكرة تحويل الولايات إلى "أدوات تنفيذية تابعة للحكومة الفدرالية"، إذ لا يجوز -بموجب التعديل العاشر للدستور- أن تُجبر حكومة الولاية أو مسؤولوها على سن قوانين أو تنفيذ برامج فدرالية تتعارض مع إرادتهم السياسية أو التشريعية.
ويضيف أن المحكمة استخدمت في سوابق قضائية مصطلح "التسلط" للدلالة على التجاوز الدستوري، ويرى كابلان أن هذا المبدأ لا يحمي فقط استقلالية الولايات، بل يكرس أيضا التعددية السياسية داخل النظام الفدرالي الأميركي، ويحول دون احتكار المركز صلاحيات التشريع والتنفيذ على حساب المجتمعات المحلية.
ورغم أن مبدأ "عدم التسلط" متاح لجميع الولايات فإن استخدامه يختلف باختلاف التوجهات السياسية للولاية، إذ تلجأ إليه ولايات ليبرالية مثل كاليفورنيا لحماية المهاجرين أو مقاومة سياسات تعليمية أو بيئية، في حين تستند إليه ولايات محافظة لرفض تطبيق قوانين فدرالية تتعلق بتنظيم السلاح أو مناهج الهوية والعرق.
ولا تعتبر كاليفورنيا مجرد ولاية ذات توجهات ليبرالية تختلف جذريا عن سياسات إدارة ترامب، بل تعد أيضا رابع أكبر اقتصاد في العالم وأكبر "ولاية مانحة" للخزينة الفدرالية، أي أنها تحول سنويا مبالغ ضخمة من الضرائب تفوق بكثير ما تتلقاه من الإنفاق الفدرالي.
وتصنف كاليفورنيا إلى جانب ولايات مثل نيويورك وإلينوي وماساتشوستس ضمن الولايات التي تعاني من "عجز عكسي"، حيث تمول برامج فدرالية في ولايات أخرى أقل دخلا وأكثر اعتمادا على الدعم الحكومي.
إعلانومنح هذا الواقع المالي كاليفورنيا ورقة ضغط سياسية رمزية -لكنها تحمل دلالة قوية- دفعت بحاكمها غافن نيوسوم إلى التلويح بما سماها "إعادة النظر في آليات تحويل الضرائب"، ردا على ما وصفه بـ"الابتزاز الفدرالي" الذي تتعرض له برامج الولاية وجامعاتها.
ورغم أن الضرائب الفدرالية تجبى مباشرة من الأفراد والشركات عبر مصلحة الضرائب (آي آر إس) ولا تمر عبر خزائن حكومات الولايات، وبالتالي لا يمكن حجبها قانونيا بقرار محلي فإن محللين يرون أن استخدام هذه الورقة -ولو على مستوى الخطاب- يهدف إلى إعادة طرح العلاقة المالية بين واشنطن والولايات المانحة على طاولة النقاش العام.
وفي هذا السياق، يؤكد جارد والزاك نائب رئيس مشاريع الولايات في معهد الضرائب بواشنطن أن التهديد بوقف تحويل الضرائب الفدرالية لا يتعدى كونه "خطوة تفاوضية عالية الصوت"، وليس إجراء قانونيا قابلا للتطبيق من الناحية الدستورية.
ويضيف أن أي محاولة "للتفلسف الضريبي" قد تواجه برد قضائي حاسم، وذلك حسب تصريحه لمؤسسة "كال ماترز" الإعلامية.
أدوات ضغط متبادلةورغم أن تصعيد الأحداث في كاليفورنيا يبدو غير مسبوق من حيث الحدة والتوقيت فإن العلاقة المتوترة بين الحكومة الفدرالية والولايات ليست جديدة في التاريخ الأميركي، بل خضعت مرارا لاختبارات قضائية وسياسية حاسمة.
فقد رسّخت المحكمة العليا مبدأ "عدم التسلط" في قضية "برنتز ضد الولايات المتحدة" عام 1997 حين رأت أن إلزام قادة شرطة المقاطعات بتنفيذ قانون فدرالي يتعلق بفحوصات شراء السلاح يعد انتهاكا للدستور، وأكدت أن الحكومة الفدرالية لا تملك سلطة تسخير أجهزة الولايات لخدمة برامجها.
في المقابل، أقرت المحكمة في قضية "ساوث داكوتا ضد دول" عام 1987 بشرعية ربط التمويل الفدرالي بشروط محددة، مثل اشتراط رفع سن شرب الكحول مقابل استمرار تمويل الطرق، شرط أن تكون تلك الشروط واضحة ومشروعة وغير تعسفية، وقد شكّلت هذه السابقة أساسا يُستخدم حتى اليوم لتبرير ممارسات الضغط المالي على الولايات.
وتملك الحكومة الفدرالية أدوات فعلية للرد على تمرد أي ولاية، من بينها:
قطع التمويل عن قطاعات محددة. تحريك دعاوى قضائية ضد القوانين المحلية. استخدام الوكالات الفدرالية لممارسة ضغط مباشر كما حصل في لوس أنجلوس. إعلانلكنها في المقابل تخاطر بإثارة ردود فعل داخلية تتهمها بممارسة "عقاب سياسي"، خاصة عندما تكون المواجهة مع ولاية ذات ثقل اقتصادي وانتخابي كبير مثل كاليفورنيا.
ويخلص أستاذ القانون الدستوري آرون كابلان في حديثه للجزيرة نت إلى أن "التوتر بين الولايات والحكومة الفدرالية ليس عارضا، بل جزء بنيوي من النظام الفدرالي الأميركي، حيث تعاد صياغة حدود السلطة في كل حقبة سياسية، ويبقى موضوعا قابلا لإعادة التفاوض مع كل إدارة جديدة أو أزمة سياسية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الحج حريات الحج الحکومة الفدرالیة
إقرأ أيضاً:
المشهد الاقتصادي الأمريكي أمام منعطف قرار الاحتياطي الفدرالي بشأن أسعار الفائدة
يستعد المستثمرون وصانعو السياسات لموجة من الأخبار الاقتصادية الأسبوع المقبل، في الوقت الذي يصل فيه موسم الأرباح الفصلية إلى ذروته.
ربما يكون الحدث الأبرز بعد ظهر الأربعاء، عندما تعلن اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، الذراع المسؤول عن وضع السياسات في مجلس الفدرالي الأميركي، عن قرارها التالي بشأن أسعار الفائدة.
وفق الأجواء، يتوقع المحللون أن قرار اللجنة شبه مؤكد بتثبيت معدل الفائدة، وسيراقب المشاركون في السوق أيضاً بيانات الناتج المحلي الإجمالي والتضخم والتوظيف.
ما هي أبرز أحداث الأسبوع المقبل؟
الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني
سيصدر مكتب التحليل الاقتصادي تقديره الأولي للناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني يوم الأربعاء، 30 يوليو، الساعة8:30 صباحاً بالتوقيت الشرقي.
انكمش الاقتصاد بنسبة 0.5% في الربع الأول، وفقاً للرقم المُعدّل للمكتب، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى قيام الشركاتبزيادة الواردات تحسباً لتأثير الرسوم الجمركية. تُخصم الواردات من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
يتوقع الاقتصاديون قراءة أقوى هذه المرة، مع توقعات مُجمعة بنمو بنسبة 1.9%، وفقاً لـ FactSet.
اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة
ستجتمع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة يومي الثلاثاء والأربعاء قبل الإعلان عن النطاق المستهدف لسعر الفائدةعلى الأموال الفيدرالية، والذي يتراوح بين 4.25% و4.5% منذ ديسمبر. سيُعلن القرار الساعة الثانية ظهراً بتوقيت شرق الولايات المتحدة يوم الأربعاء، وسيُلقي رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي، جيروم باول، كلمة أمام وسائل الإعلامالساعة الثانية والنصف ظهراً.
لا تتوقع الأسواق أي مفاجآت، مما يُعطي اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة احتمالًا ضمنياً بنسبة 95.9% لإبقاء أسعارالفائدة ثابتة، وفقاً لمنصة CME FedWatch. مع ذلك، صرّح كريستوفر والر، محافظ مجلس الاحتياطي الفيدرالي،وميشيل بومان، نائبة رئيس مجلس الإشراف، المعينان من قِبل الرئيس دونالد ترامب، بأنهما قد يُعارضان القرار، فيمشهد يظهر الانقسام في الفدرالي الأميركي وسط ضغوط من الرئيس ترامب.
يأتي الاجتماع بعد أسبوع حافل بالأحداث لباول، الذي انتقده ترامب مراراً لعدم خفضه أسعار الفائدة بالسرعة الكافيةالتي تُرضيه. زار الرئيس مقر الفدرالي يوم الخميس لتفقد مشروع تجديد المبنى الذي تبلغ تكلفته 2.5 مليار دولار،والذي أثار الجدل في البيت الأبيض. الزيارات الرئاسية نادرة نظراً لدور الاحتياطي الفدرالي كبنك مركزي مستقل، إذكانت هذه الزيارة الرابعة لرئيس في السلطة منذ عام 1937.
وطرح ترامب وأعضاء إدارته فكرة إقالة باول، لكن الرئيس صرّح بأنه يعتقد أن باول "سيفعل الصواب" ويخفض أسعارالفائدة خلال زيارة الخميس.
وقال ترامب عن إقالة باول: "إن القيام بذلك خطوة كبيرة، ولا أعتقد أنها ضرورية". وأضاف: "أريد فقط أن أرى شيئاً واحداًيتحقق، ببساطة شديدة: يجب أن تنخفض أسعار الفائدة".
سيتابع الاقتصاديون تصريحات باول، وما إذا كان سيجيب على أسئلة حول ترامب، الذي عيّنه عام 2017. وقد صرّحباول بأنه يعتزم إكمال ما تبقى من فترة رئاسته، والتي تنتهي في مايو 2026.
نفقات الاستهلاك الشخصي لشهر يونيو
على صعيد البيانات الاقتصادية، سيصدر مكتب التحليل الاقتصادي BEA قراءته لشهر يونيو لمؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي - وهو المقياس المفضل للتضخم لدى البنك المركزي، يوم الخميس 31 يوليو.