لجريدة عمان:
2025-06-23@19:17:24 GMT

المزاج الشعبوي

تاريخ النشر: 23rd, June 2025 GMT

وحَّدت الحرب الأخيرة السواد الأعظم من شعوب العالم تحت مزاج شعبوي موحّد، رافض للمواجهات العسكرية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، ومؤيد لضربات الصواريخ الإيرانية ضد دولة الاحتلال.

هذا التشكل في الوعي الجماهيري جاء نتيجة تراكمات طويلة من الممارسات اليومية العدوانية التي تنتهجها دولة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني على مدى 76 عامًا، ما لم يترك مجالًا لأي مسوغات معاكسة.

وقد أظهرت المواجهات الأخيرة الصورة السلبية التي كانت كامنة في الوعي الجمعي، بعد أن تراجعت مسوغات القتل للأبرياء، وانكشف الزيف الذي طالما رُوِّج له.

في المواجهات السابقة بين إيران ودولة الاحتلال، لم تبلغ الأمور مستوى التصادم العسكري المباشر كما هو الحال الآن، الأمر الذي ضاعف من حجم الأصوات، ليس فقط في العالمين العربي والإسلامي، بل أيضًا في مختلف أنحاء العالم، والتي نادت بضرورة استمرار إطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية، بهدف إيجاد حالة من الردع أمام وحشية الاحتلال، الذي قاد المنطقة منذ نشأته إلى الخراب والدمار وافتعال الحروب في الشرق الأوسط، وإدامة شلال الدماء.

من بين أبرز المكاسب الشعبوية التي ظهرت مؤخرًا، انضمام أصوات عالمية واسعة إلى جانب الأصوات العربية التي تعاني من هذه الإبادة التاريخية، والاعتداء السافر على غزة، إلى جانب التهديدات التي تطال إيران، والاستيلاء على الأراضي السورية، واحتلال الأراضي اللبنانية، والغارات المتكررة على اليمن. كل هذه الأفعال مجتمعة كانت كفيلة بتغيير المزاج العالمي، الذي غفل عن الحقيقة لعقود سبعة، لتخرج الشعوب في مظاهرات ضخمة واحتجاجات مؤثرة في مختلف عواصم العالم، مطالبة بوقف العدوان، بل وداعية إلى الاستمرار في قصف المدن المحتلة، بعدما سقطت كل الحجج والمسوغات التي طالما قدمها الاحتلال لتبرير القتل والتدمير.

تاريخ الأمم جميعها يثبت أن الطغيان والتغطرس لا يدومان، وأن من يرفض التعايش مع الآخرين ويسعى إلى التفرد بالهيمنة، يسقط في نهاية المطاف في وحل الهزيمة، ويكتب نهايته بيده. فكل من أشعل الحروب تحت ذريعة «التوسع للبقاء»، انهار في لحظة، والتاريخ مليء بالعبر.

هذا المزاج الشعبوي الذي برز مؤخرًا، وكانت غزة شرارته، كشف للمجتمعات الغربية، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، حقائق لم تكن معروفة سابقًا، بفعل التضليل الإعلامي والعزلة المتعمدة. هذا التحول أوجد قناعة جديدة بأن بقاء هذا الكيان أمر غير ممكن، طالما لا يُردَع ويعتقد أنه فوق الجميع، وهو ما يشكل تحولًا فكريًّا في الرأي العام، ورافعة قوية للقضية الفلسطينية، ودعمًا كبيرًا على طريق استقلالها.

اليوم، تبلغ الأمور ذروة التصادم، ليس مع الفلسطينيين فقط الذين لا يملكون الوسائل الكافية لمواجهة ذلك الكم من التحالفات ضدهم في غزة، رغم صمودهم الأسطوري لنحو عامين، بل مع دول المنطقة أيضًا، وعلى رأسها إيران، التي يراد سحق قدراتها العلمية والعسكرية. ومع ذلك، يبدو أن صواريخ الردّ التي ضربت عمق المدن المحتلة، ساوت بين معاناة الإسرائيليين من تشرد ودمار، ومعاناة أهل غزة، بعد أن تلقى الاحتلال ضربة مؤلمة على الأقل، شتتت أسطورته وسطوته.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

في ذكرى رحيله.. ألبير قصيري حكيم العدم الذي سخر من العالم ومات ضاحكا

في غرفته الصغيرة بفندق "لوروبير" الباريسي، جلس ألبير قصيري، الذي تحل اليوم ذكرى رحيله، يحدّق في العالم من خلف نافذة، لا يخرج إلا نادرًا، وأختار العيش في غرفة فندق لأنه كان يكره التملك حيث كان يقول: "الملكية هي التي تجعل منك عبدا"، لم تكن تلك عزلة مفروضة، بل اختيار صارم، ذلك أن الرجل لم يكن يهوى الحياة كما نعرفها، بل كان يراها مهزلة كبيرة تستحق السخرية لا المشاركة.

من القاهرة إلى باريس: الولادة في قلب الشرق

وُلد ألبير قصيري في حي الفجالة بالقاهرة عام 1913 لأسرة شامية ذات أصول سورية ـ لبنانية، متوسطة الحال، وكانت الفرنسية هي لغته الأولى، تعلّم في المدارس الفرنسية، وتأثر منذ الصغر بأدب فولتير وموليير، وقرأ بشغف روايات دوستويفسكي وبلزاك.

كانت فلسفة ألبير قصيري في حياته هي فلسفة الكسل، لم يعمل في حياته وكان يقول انه لم ير أحدا من أفراد عائلته يعمل الجد والأب والأخوة في مصر كانوا يعيشون على عائدات الأراضى والأملاك، أما هو فقد عاش من عائدات كتبه وكتابة السيناريوهات، وكان يقول: "حين نملك في الشرق ما يكفى لنعيش منه لا نعود نعمل بخلاف أوروبا التي حين نملك ملايين نستمر في العمل لنكسب أكثر".

نشر أولى كتاباته بالعربية، ثم انتقل سريعًا للفرنسية، ليكتب كل أعماله لاحقًا بهذه اللغة، كانت القاهرة التي كتب عنها ليست قاهرة النخبة بل قاهرة الحرافيش، المتسولين، الدجالين، الحواة، الباعة الجوالين، والكسالى الحكماء، ورغم انتقاله إلى باريس في الأربعينيات، ظل العالم المصري الشعبي مسكونًا في أدبه حتى آخر نفس.

الكتابة كسلاح ضد التفاهة

لم يكن قصيري من الكُتّاب الغزيرين، بل نشر فقط ثماني روايات ومجموعة قصصية واحدة طيلة حياته، لكنه كان يؤمن أن الجملة الجيدة تأخذ وقتها مثل كوب نبيذ معتّق، فكان يكتب جملة أو اثنتين في اليوم، يحرّرهما عشرات المرات.

في أعماله، لم تكن شخصياته تبحث عن الخلاص، بل عن الضحك من العالم، كان يخلق أبطاله من قاع المجتمع، يُلبسهم فلسفة ساخرة، ويتركهم يهزأون بالسلطة، والدين، والرأسمالية، وكل مظاهر النظام، بلا عنف، بل بابتسامة لامبالية.

من "شحاذون ونبلاء" إلى "ألوان العار".. قصص عن الحُكماء المُهمّشين

من أبرز أعماله، "شحاذون ونبلاء" (1955): رواية عن شاب ثري يختار أن يعيش كمتسول ليصل للحكمة. الرواية هجاء ساخر للطبقة الوسطى والمثقفين المزيفين، و"ألوان العار": عن امرأة تعمل في الدعارة لتُعيل أسرتها في حي شعبي، يكشف بها عن مجتمع لا أخلاقي يتظاهر بالأخلاق، و"بيت الموت المؤكد": تحفة سوداوية عن شخصيات تنتظر الموت في فندق بائس لا يزوره أحد، و"العنف والسخرية": في هذه الرواية تظهر فلسفته العدمية بوضوح، حيث لا وجود لحلول بل فقط سخرية من كل شيء.

رجل عاش ومات في غرفة واحدة

تزوج ألبير قصيري من ممثلة مسرحية فرنسية ولكن لم يدم هذا الزواج طويلا وعاش بقية حياته أعزب وحين كان يسأل عن السعادة كان يقول أن أكون بمفردى، وكانت حياته كلها غرفة، وكتاب، وسجائر، وأحاديث هامسة مع أصدقاء نادرين، وعندما اشتد عليه المرض في سنواته الأخيرة، ظل يبتسم ويقول: "كل شيء سخيف إلى حد لا يُحتمل.. حتى المرض".

مات في يونيو 2008، ولم يشيّعه سوى قلّة، لكنه ترك إرثًا فريدًا يقول لنا إن الكُتّاب الحقيقيين لا يحتاجون إلى جمهور واسع، بل إلى جملة صادقة، تسخر من العالم وتظل باقية.

طباعة شارك ألبير قصيري فلسفة ألبير قصيري فلسفة الكسل شحاذون ونبلاء ألوان العار

مقالات مشابهة

  • رئيس هيئة فلسطين العربية للإغاثة: الاحتلال يستغل حرب إيران لشنّ مذبحة صامتة بغزة
  • تقارير إعلامية: الصواريخ الأخيرة التي أطلقتها إيران استهدفت الجليل
  • من هو سعيد إيزادي الذي أعلن الاحتلال الإسرائيلي اغتياله في طهران؟
  • في ذكرى رحيله.. ألبير قصيري حكيم العدم الذي سخر من العالم ومات ضاحكا
  • ما هي القاذفات الشبحية «بي-2» التي استخدمتها أمريكا في قصف إيران؟
  • ضربة إسرائيل القوية التي وحّدت إيران
  • إنزاغي: سنواجه سالزبورغ بالروح ذاتها التي واجهنا بها ريال مدريد
  • قوافل الغضب التي هزّت عروش الصمت
  • ما هي استراتيجية الدفاع الأمامي التي تتبناها إيران؟ وهل تستمر فيها؟