غزة بعد هدنة الستين يوما: من يحكم القطاع في "اليوم التالي"؟
تاريخ النشر: 7th, July 2025 GMT
رغم الحديث المتزايد عن اقتراب الاتفاق على وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، تظل معضلة ما بعد الحرب في غزة مفتوحة على سيناريوهات ضبابية. اعلان
بينما تقترب المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحركة حماس من مرحلة حاسمة في الدوحة، ويأمل الرئيس الأميركي دونالد ترامب في إعلان اتفاق نهائي لوقف إطلاق النار خلال هذا الأسبوع، تبرز معضلة مركزية تتجاوز بنود التهدئة وتبادل الرهائن: من سيتولى حكم قطاع غزة بعد الحرب؟
هذا السؤال، الذي بات يتقدّم على تفاصيل الاتفاقات الأمنية والإنسانية، يُظهر أن التحدي الحقيقي لا يكمن فقط في إنهاء العمليات القتالية، بل في تحديد هوية السلطة السياسية التي ستدير شؤون أكثر من مليوني فلسطيني أنهكتهم الحرب والدمار.
في الوقت الذي يزور فيه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو واشنطن للقاء الرئيس ترامب، تتزايد المؤشرات حول تقدم المساعي لوقف إطلاق النار. فالمفاوضات في الدوحة تركّز على تفاصيل التنفيذ، وتبادل الأسرى والرهائن، وسط تفاؤل أميركي حذر عبّر عنه ترامب بالقول: "هناك فرصة جيدة لتحقيق اتفاق".
لكن، بعيدًا عن لغة التفاؤل الدبلوماسي، تصطدم هذه الجهود بجدار سياسي صلب عنوانه: "غياب طرف مقبول دوليًا ومحليًا لتولي إدارة غزة بعد الهدنة".
حماس خارج المعادلةإسرائيل أعلنت صراحة أنها لا تقبل ببقاء حماس في السلطة أو في غزة، وتعتبر ذلك "خطًا أحمر". بالنسبة للحكومة الإسرائيلية، فإن أي اتفاق يكرّس حُكم الحركة في القطاع هو "فشل استراتيجي". على المقلب العربي، لا تبدو الدول المركزية مثل مصر والأردن والسعودية مستعدة أو راغبة في دعم عودة حماس للحكم، خاصة في ظل البعد الإيديولوجي والتنظيمي بين الجماعة وتلك الدول.
لكن إخراج حماس من المشهد لا يفتح الباب تلقائيًا أمام بدائل واضحة.
السلطة الفلسطينية: غائبة جسدًا وشرعيةًالسلطة الفلسطينية، التي تُعتبر نظريًا الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، تبدو غير مطروحة عمليًا كخيار لتولي غزة بعد الهدنة. أولًا، لأنها غائبة فعليًا عن غزة منذ عام 2007، حيث لم تطأ أقدام أي من مسؤوليها الكبار غزة منذ الانقسام، بمن فيهم الرئيس محمود عباس أو أي رئيس حكومة. ثانيًا، لأن إسرائيل تعارض تولي السلطة للقطاع، معتبرة أن سياساتها "ضعيفة" وغير قادرة على ضبط الأوضاع ميدانيًا.
وفوق ذلك، يواجه مشروع إعادة السلطة إلى غزة برفض من فصائل فلسطينية مختلفة، وحتى من شرائح شعبية باتت تعتبرها جزءًا من معادلة الانقسام والتعطيل السياسي المستمر منذ أكثر من 18 عامًا.
Relatedنتنياهو: اللقاء مع ترامب قد يسهم في التوصل إلى اتفاق بشأن غزةغزة: الفصائل الفلسطينية تعتبر دم ياسر أبو شباب "مهدورًا" وتتوعد مجموعته بالملاحقةجدل في إسرائيل.. انتحار جندي بعد معاناة نفسية من آثار الحرب على غزة ولبنانواشنطن تطرح "أطرافًا فلسطينية أخرى"... من تقصد؟في خطابها، تتحدث الإدارة الأميركية عن ضرورة إسناد إدارة غزة إلى "أطراف فلسطينية أخرى" خارج حماس والسلطة، لكنها تتجنب تحديد هذه الجهات. فهل المقصود تيار محمد دحلان؟ هل هي شخصيات تكنوقراطية فلسطينية مستقلة؟ أم قوات فلسطينية بإشراف دولي؟ الغموض في الموقف الأميركي يعكس غياب تصور عملي قابل للتطبيق على الأرض، في ظل واقع أمني معقد، ونسيج اجتماعي هش، وانعدام الثقة بين الفلسطينيين أنفسهم.
الدور العربي والدوليأُثيرت في مراحل سابقة احتمالات تتعلق بإرسال قوة عربية أو دولية إلى غزة، تشرف على إدارة المرحلة الانتقالية، لكن دون وضوح حول طبيعة هذه القوة وصلاحياتها. هل ستكون أمنية فقط أم ذات صلاحيات سياسية وإدارية؟ وهل ستُقبل شعبيًا في قطاع أنهكته الحروب والتدخلات الخارجية؟
أضف إلى ذلك، أن إسرائيل - بحسب ما يتسرّب من دوائر صنع القرار - لا تعتزم الانسحاب الكامل من غزة بعد الهدنة. فهي ستُبقي على وجود أمني في رفح وتُطالب بجعل المعبر خاضعًا لإشراف مصري- إسرائيلي مباشر، ما يعني عمليًا استمرار سيطرة الدولة العبرية على مداخل القطاع ومخارجه، وإضعاف أي سلطة فلسطينية قد تقوم هناك.
الشعب الغائب الحاضر
في ظل هذا التعقيد، يبقى الشعب الفلسطيني في غزة هو الطرف الأضعف، رغم كونه المتضرر الأكبر. فهو لم يُستشر في مصيره، ولم يُعرض عليه أي تصور لما بعد الحرب. يعيش اليوم بين ركام المنازل، وألم الفقد، وغياب الأفق. ويطرح بعض المراقبين السؤال التالي: هل يمكن بناء مستقبل لغزة من دون رؤية سياسية تنبع من أهلها؟ وهل يقبل المجتمع الدولي فرض سلطة جديدة بقوة التوافقات الخارجية لا عبر الشرعية الشعبية؟
رغم اقتراب الاتفاق على وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، تظل معضلة ما بعد الحرب في غزة مفتوحة على سيناريوهات ضبابية. فرفض حماس، وغياب الثقة بالسلطة، وتردّد الأطراف الإقليمية والدولية في تقديم نموذج حكم بديل، كل ذلك يجعل السؤال الجوهري: من سيحكم غزة؟ ليس مجرد تفصيل سياسي، بل شرطًا حاسمًا للاستقرار أو وصفة لانفجار الأوضاع مجددًا.
حتى إشعار آخر، تبقى غزة بلا معبر واضح للمستقبل، محكومة بتهدئة مؤقتة، وصراع مفتوح وشرعية غائبة.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثةالمصدر: euronews
كلمات دلالية: إسرائيل غزة حركة حماس دونالد ترامب فلسطين إيران إسرائيل غزة حركة حماس دونالد ترامب فلسطين إيران حركة حماس دونالد ترامب غزة إسرائيل بنيامين نتنياهو الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيل غزة حركة حماس دونالد ترامب فلسطين إيران تغير المناخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني عاشوراء سوريا الصحة بشار الأسد إطلاق النار بعد الحرب غزة بعد فی غزة
إقرأ أيضاً:
صدام علني بين الحلفاء.. الإخوان يكشفون دورهم في حرب السودان
شهدت الساعات الأخيرة داخل معسكر بورتسودان تصاعدًا لافتًا في التوتر بين قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وقيادات الحركة الإسلامية المسلحة التي تقاتل إلى جانب القوات الحكومية، بعد تفجر خلاف علني على خلفية تصريحات البرهان التي نفى فيها وجود عناصر من الإخوان المسلمين أو كوادر الحركة ضمن قواته المنخرطة في الحرب منذ أبريل 2023.
غير أن النفي لم يمرّ مرور الكرام؛ إذ ردّت قيادات الحركة الإسلامية بسلسلة تسجيلات ومقاطع فيديو تثبت—وفق روايتهم—مشاركتهم المباشرة في العمليات الجارية، بل وتظهر أنهم "العصب الرئيسي" للقتال، بينما اعتبر بعضهم أن الجيش السوداني لا يمكنه الاستمرار دون دعمهم.
وفي أحدث ردٍّ على تصريحات البرهان، قال أحمد عباس، والي سنار الأسبق في عهد نظام البشير، إن "من يديرون الحرب الآن هم الحركة الإسلامية، وإن 75% من المقاتلين الذين يقاتلون مع البرهان هم من أفراد الحركة". وأضاف بتحدٍّ: "هل ما زال هناك من ينكر أن الحرب في السودان هي حرب الحركة الإسلامية؟"
وأكد عباس أن الحركة الإسلامية لا تعمل في الظل، بل تمارس دورها بشكل مباشر، قائلاً: "نحن من نسند الحكومة، ونحن من يجلب لها الدعم… وحتى علاقاتها الخارجية تُحلّ عبرنا". كما شدد على أن التنظيم لا يزال يسيطر على جزء كبير من اقتصاد البلاد، رغم حلّ لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو.
من جانبه، يواجه البرهان انتقادات متزايدة بعد إنكاره أي وجود للإخوان داخل السلطة التي يديرها حاليًا، رغم أن الواقع الميداني—وفق مراقبين—يشير إلى هيمنة واسعة لعناصر التنظيم على مفاصل الدولة العسكرية والمدنية. وهو ما أكده القيادي الإسلامي عبدالحي يوسف خلال ندوة في إسطنبول حين قال: "البرهان أعجز من أن يقضي على الإسلاميين لأنهم موجودون حتى في مكتبه".
تصريحات يوسف وعباس فتحت الباب واسعًا أمام تساؤلات حول حجم الشرخ بين المؤسسة العسكرية وقيادات الحركة الإسلامية التي تُعد الشريك الأبرز للجيش في الحرب الدائرة مع قوات الدعم السريع.
وفي تصريحات لموقع سكاي نيوز عربية، قال الطيب عثمان يوسف، الأمين العام للجنة تفكيك التمكين، إن حديث البرهان عن عدم سيطرة الإخوان على السلطة "يكذبه الواقع"، مقدّرًا نفوذهم بما يفوق 95% من أجهزة الدولة ومؤسساتها. وأضاف أن اللجنة تمتلك من الأدلة ما يكشف حجم الجرائم والفساد الذي مارسه التنظيم وكيفية تمكين كوادره داخل قطاعات الأمن والقضاء والاقتصاد.
ويرى محللون أن هذا الجدل العلني غير المسبوق بين طرفي التحالف الحكومي–الإسلامي لا يُعد مجرد سجال إعلامي، بل يعكس أزمة بنيوية عميقة داخل المعسكر الذي يقود الحرب. فبينما يسعى البرهان لإظهار الجيش كقوة وطنية مستقلة بلا هوية أيديولوجية، يتمسك الإسلاميون بإبراز دورهم المركزي كقوة قتالية وتنظيم سياسي يريد فرض نفسه لاعبًا رئيسيًا في مرحلة ما بعد الحرب.
ويحذر خبراء من أن هذا التوتر المتصاعد قد يكون مقدمة لتحولات أكبر في بنية التحالف القائم، خصوصًا في ظل الضغوط الدولية والإقليمية المتزايدة، وتراجع الوضع الميداني في عدة جبهات.
ومع استمرار الحرب وتعقّد المشهد، تبدو العلاقة بين الجيش السوداني وحلفائه الإسلاميين مرشحة لمزيد من الانفجار، وسط مؤشرات على صراع نفوذ داخل السلطة المؤقتة. ففي وقت يسعى البرهان إلى تقديم نفسه للمجتمع الدولي كلاعب مستقل، يصر الإخوان على تذكيره بأنهم جزء أساسي من قوته على الأرض.
وبين الاتهامات المتبادلة والظهور العلني للتنظيم، يبدو أن الحرب في السودان لم تعد فقط مواجهة عسكرية، بل صراعًا داخليًا على السلطة والشرعية ومسار الدولة خلال المرحلة المقبلة.