بلا سلاح أو جيوش.. كيف تغزو كوريا الشمالية أمريكا وأوروبا من خلف الشاشات؟
تاريخ النشر: 5th, August 2025 GMT
كشفت كوريا الشمالية عن وجه جديد من وجوه الحرب في معركة خفية بعيدا عن ساحات القتال وصخب السياسة، من خلال الغزو الرقمي المنظم لسوق العمل الغربي، مدفوع بهويات مزورة وخطط سرية لجمع الأموال.
وفي تحقيق موسع أجرته هيئة الإذاعة البريطانية " بي بي سي" مؤخرًا، استند إلى شهادة نادرة لمنشق كوري شمالي يدعى "جين-سو" – اسم مستعار لأسباب أمنية – يكشف جانبا غامضا من أنشطة النظام المعزول، والذي يستعين بجيوش من عمال تكنولوجيا المعلومات لاختراق عالم الوظائف عن بعد.
وقال جين-سو، الذي أمضى سنوات في الصين يعمل لصالح النظام، إنه كان يتقدم إلى وظائف في شركات أمريكية وأوروبية مستخدما عشرات الهويات المزيفة، كان يحصل شهريا على ما لا يقل عن خمسة آلاف دولار، يرسل 85 بالمئة منها إلى بيونغ يانغ، ضمن آلية تمويل ممنهجة تعتمدها الدولة تحت غطاء العمل عن بعد.
وأضاف التحقيق أن ما كشفه جين – سو يتطابق مع ما ورد في تقرير صادر عن لجنة العقوبات في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في آذار/ مارس 2024، والذي قدر العائدات السنوية من هذا النوع من الأنشطة بما يتراوح بين 250 و600 مليون دولار.
لم يكن جين-سو وحده، بل واحد من آلاف تم إرسالهم إلى دول مثل الصين وروسيا ودول أفريقية، للعمل ضمن فرق تقنية منظمة، كل فريق يتألف من حوالي عشرة أفراد، وفق ما رواه لـ البي بي سي"، وهؤلاء لا يعيشون حياة عادية، حيث يمنعون من الخروج، يخضعون لمراقبة مستمرة، لكن في المقابل، يتمتعون بحرية أكبر من تلك الموجودة داخل كوريا الشمالية، حيث يمكنهم الوصول إلى الإنترنت والمحتوى الغربي، يقول: "ترى العالم الحقيقي، وعندما نكون في الخارج، ندرك أن هناك شيئًا خاطئًا في الداخل".
وأضاف أن هذا "الامتياز" مشروط بالولاء التام للنظام، حيث كان جين-سو في البداية يستخدم هويات صينية، ثم بدأ بالبحث عن أشخاص في المجر وتركيا وحتى بريطانيا، ليستخدم بياناتهم مقابل نسبة من الأرباح، وكان يستهدف السوق الأمريكية تحديدًا لارتفاع الأجور، بينما يستخدم آخرون تطبيقات مثل "سلاك" و"زوم" دون الحاجة للظهور بوجه حقيقي، مستفيدين من الطابع الافتراضي للعمل عن بُعد.
في شهادته، قال جين-سو إن بعض زملائه كانوا يتقاضون رواتب أعلى، وإن الشركات الغربية كثيرا ما توظف أكثر من شخص كوري شمالي دون أن تدري، وأضاف: "بمجرد الدردشة قليلاً، كان الناس في المملكة المتحدة يسلمون هوياتهم بسهولة كبيرة".
ما كشفه لا يُعدّ سابقة فردية، بل نمطا آخذا في الاتساع، ففي تموز / يوليو الماضي، وجهت وزارة العدل الأمريكية اتهامات لـ14 كوريا شماليا، قال الادعاء إنهم جنوا 88 مليون دولار عبر الاحتيال والتوظيف بهويات مزيّفة على مدار ست سنوات، إضافة إلى عمليات ابتزاز ضد شركات أمريكية.
كما صدر حكم في الشهر الجاري بسجن امرأة أمريكية لأكثر من ثماني سنوات، بعد أن ثبت تورطها في تسهيل حصول كوريين شماليين على وظائف وتحويل الأموال لهم عبر قنوات سرية، ووفقًا لمنظمة "بيسكور" المعنية بحقوق الإنسان في كوريا الشمالية، فإن هناك شهادات مماثلة تدعم رواية جين-سو، من بينها شهادة منشق آخر يدعى "هيون-سونغ لي"، التقى بعمال تكنولوجيا المعلومات خلال رحلاته إلى الصين كممثل تجاري للنظام.
وأشار التحقيق إلى أن مديرو التوظيف في الغرب باتوا أكثر حذرًا، حيث قال الشريك المؤسس لشركة أمن سيبراني أمريكية روب هينلي، إنه اشتبه في أن نحو 30 مرشحًا كانوا من كوريا الشمالية.
وأضاف: "في البداية، كان الأمر يشبه لعبة، نحاول تمييز الحقيقي من المزيف. لكنّه تحوّل إلى مصدر قلق حقيقي"، وفي بولندا، شارك مؤسس شركة "فيدوك سيكيوريتي لاب" مقطع فيديو لمقابلة مع مرشح كان يستخدم برنامج ذكاء اصطناعي لتغيير ملامحه، ورجّح أنه من كوريا الشمالية.
ورغم أن هذه الشبكة تختلف عن جماعات القرصنة السيبرانية مثل مجموعة "لازاروس"، التي يُعتقد أنها سرقت مؤخرًا 1.5 مليار دولار من شركة العملات الرقمية "بايبت"، إلا أن الخيط المشترك بين كل هذه العمليات هو التمويل غير المشروع لنظام يخضع لعقوبات خانقة منذ سنوات.
وتابع التحقيق أنه يبدو أن هذه الوظائف تمثل أيضا منفذا نادرا للهروب، وحيث قرر جين-سو، وبعد سنوات من العمل الرقمي تحت سيطرة الدولة، الانشقاق قائلا "الشعور بالاختناق كان يتزايد... لا يمكنك ممارسة الرياضة، ولا الخروج، ولا حتى أن تعيش كما تريد"، يقول. ومع أنه يخسر الآن جزءًا من دخله، بعدما توقف عن العمل بهويات مزيفة، إلا أنه يحتفظ بمعظم ما يكسبه، وأضاف: "الآن، أعمل بجد وأكسب ما أستحقه".
ورغم المخاطر، لا يفكر كثيرون بالهروب، فمعظمهم يعود إلى كوريا الشمالية بعد انتهاء مهمته، وهم على دراية أن عائلاتهم قد تعاقب إن هم قرروا الانشقاق، وهكذا، تستمر هذه الشبكة في العمل، في الظل، تبتلع أموالًا من النظام العالمي باسم العمل، بينما تفتح ثغرات يصعب سدّها في عصر يعتمد بشكل متزايد على الوظائف عن بعد والأنظمة الرقمية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة دولية كوريا الشمالية تكنولوجيا المعلومات تكنولوجيا المعلومات كوريا الشمالية المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة کوریا الشمالیة
إقرأ أيضاً:
لافروف: نسعى لتحقيق سلام دائم ومستدام في أوكرانيا.. وأوروبا تريد هدنة لالتقاط الأنفاس
أكد وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، أن موسكو تصر على حزمة من الاتفاقيات لتحقيق سلام دائم ومستدام في أوكرانيا مع ضمانات أمنية لجميع الأطراف.
وقال لافروف، خلال اجتماع مائدة مستديرة مع السفراء لبحث سبل تسوية الأزمة الأوكرانية: «نصر على التوصل إلى حزمة من الاتفاقيات لتحقيق سلام دائم ومستدام وطويل الأمد، مع ضمانات أمنية لجميع الدول المعنية. ومفاوضاتنا مع الرئيس الأمريكي وفريقه تركز على هذا الهدف تحديدا، أي إيجاد حل طويل الأمد يعالج الأسباب الجذرية لهذه الأزمة».
وأضاف لافروف أنه «يجب الاعتراف بفضل الزعيم الأمريكي الحالي الذي بدأ بعد عودته إلى البيت الأبيض، بمعالجة هذه القضية بشكل جدي» وقال: «حسب تقييمنا، فهو يسعى بصدق للمساعدة في حل النزاع الأوكراني عبر الوسائل السياسية والدبلوماسية».
وأشار سيرجي لافروف، إلى أن هناك حاليا الكثير من التكهنات والأكاذيب والافتراءات حول التسوية الأوكرانية، هدفها الرئيسي هو "عرقلة البحث عن حل تفاوضي وإطالة أمد النزاع، بما في ذلك عرقلة مبادرات الولايات المتحدة والرئيس ترامب التي تهدف بصدق إلى إيجاد حلول تساعد في معالجة الأسباب الجذرية للأزمة الأوكرانية".
وقال: «عندما زارنا مؤخرا ستيفن ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس ترامب، أكد الجانبان الروسي والأمريكي عقب اجتماعه مع بوتين التفاهمات التي تم التوصل إليها في ألاسكا، والتي تشمل تثبيت وضع كييف المحايد وخارج التكتلات وعدم امتلاكها أسلحة نووبة».
وأضاف لافروف أن «هذه نتيجة بالغة الأهمية، إذ شهدنا فترة من الركود بعد اجتماع أنكوراج. أما الآن، فأعتقد شخصيا أن مظاهر سوء التفاهم وسوء التواصل في مفاوضاتنا مع الأمريكيين بشأن القضية الأوكرانية، قد تم تجاوزها».
وحسب لافروف، فإن «التفاهمات التي تم التوصل إليها في أنكوراج تستند إلى المقترحات بشأن مبادئ حل النزاع الأوكراني والتي لخصها الرئيس بوتين مرة أخرى في يونيو 2024».
وقال لافروف: «أرادوا إلحاق هزيمة استراتيجية بنا ثم فرض شروطهم الغربية في القضايا التي تهم العواصم الأوروبية.. لكن مخططات شن حرب خاطفة على روسيا باستخدام أوكرانيا قد فشلت».
وشدد لافروف على أن «أحدا في أوروبا لا يذكر الأسباب الجذرية للنزاع الأوكراني ويطالب بشيء واحد فقط هو وقف فوري للأعمال العدائية، ومنح أوكرانيا والأوروبيين فرصة لالتقاط الأنفاس وكسب الوقت لتقديم ولو قدر من الدعم بالأسلحة والمال لنظام كييف».
وأشار لافروف إلى أن خسائر القوات الأوكرانية في النزاع تجاوزت مليون شخص، مضيفا أن روسيا سلمت أوكرانيا أكثر من 11 ألف جثمان لجنودها القتلى مقابل 201 جثمان للجنود الروس.
وأضاف لافروف أن الغرب بات يعاني من نقص الموارد اللازمة لشن حرب بالوكالة ضد روسيا، وأن الغرب، بدافع اليأس، يحاول تصعيد الموقف بتضخيم تهديد عسكري مزعوم من روسيا.
وحذر من أن الدول الأوروبية ترغب اليوم في «زرع بذور صراع جديد» وتتحدث علنا عن استعدادها لمثل هذا السيناريو.
وأشار لافروف إلى أن الدول الأعضاء في حلف «الناتو» تعمل على تعزيز قواتها على حدود دولة الاتحاد الروسي البيلاروسي، مؤكدا أن روسيا لا تريد حربا، لكن إذا قررت أوروبا خوض الحرب، فإن روسيا مستعدة لها في أي لحظة.
وأكد لافروف أنه يجب على أوكرانيا الالتزام بأحكام ميثاق الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وأن اختزال التزاماتها إلى مجرد الامتثال لقواعد الاتحاد الأوروبي في هذا المجال أمر غير مقبول.
وأشار لافروف إلى أن الدول الغربية تسعى إلى استغلال الصراع الأوكراني لصرف انتباه المجتمع الدولي عن قضايا أخرى، لاسيما القضية الفلسطينية.
اقرأ أيضاًلافروف: موسكو تأمل أن تمتنع واشنطن عن خطوات قد تصعّد الصراع الأوكراني
لافروف: روسيا تتفق مع ترامب في رأيه بأن القضايا المتعلقة بالتسوية الأوكرانية قابلة للحل
لافروف: خطة ترامب بشأن غزة هي الأمثل حاليا لإنهاء الصراع