الذهب الأبيض يزهر من جديد.. محصول استراتيجي يصمد أمام التحديات ويدعم الاقتصاد الوطني
تاريخ النشر: 7th, October 2025 GMT
يظل القطن المصري، أو ما يُعرف بـ "الذهب الأبيض"، أيقونة اقتصادية واجتماعية منذ أن أدخله محمد علي باشا إلى منظومة الزراعة المنظمة عام 1818، ليصبح على مدى أكثر من قرنين أحد الأعمدة الرئيسية للاقتصاد القومي، ومصدر فخر للزراعة المصرية في الداخل والخارج.
إرث تاريخي ومكانة عالميةالمهندس سمير راشد، مدير إدارة المتابعة بمديرية الزراعة بمحافظة الشرقية، يقول إن القطن المصري حظي منذ نشأته باهتمام خاص من الدولة في مختلف مراحل إنتاجه وتسويقه وتصنيعه، نظرًا لجودته الفائقة التي جعلته في صدارة المنسوجات عالميًا.
وأضاف أن تميّز القطن المصري لا يقتصر على حجم الإنتاج، بل يرتبط بنوعيته الفريدة، التي تُرجع إلى خصوبة التربة المصرية، واعتدال المناخ، وخبرة الفلاح المصري الذي تعامل مع هذا المحصول الاستراتيجي بمهارة عالية، مما ساعده على الحفاظ على مكانته رغم فترات التراجع والتذبذب.
وأشار راشد إلى أن المساحات المزروعة بالقطن شهدت تغيرات بارزة عبر العقود؛ ففي سبعينيات القرن الماضي بلغت نحو 700 ألف فدان، وقفزت في الثمانينيات إلى مليون و250 ألف فدان، بينما استقرت في التسعينيات عند أكثر من 900 ألف فدان، لتتراجع حاليًا إلى ما بين 250 و300 ألف فدان فقط، ومع ذلك، فإن إنتاجية الفدان شهدت طفرة كبيرة؛ إذ ارتفع المتوسط من 4 قناطير في السبعينيات إلى 6 قناطير في الثمانينيات، ليصل اليوم إلى ما بين 10 و12 قنطارًا بفضل الأصناف المحسنة مثل "جيزة 94".
حصاد الشرقية.. الحقول تكتسي بالذهب الأبيضومع بداية موسم الحصاد هذا العام، تزيّنت حقول محافظة الشرقية بالذهب الأبيض في مشهد مبهج يعكس فرحة المزارعين بثمار جهدهم، وأكد الفلاحون أن الموسم يبشر بإنتاج وفير وجودة عالية، وهو ما يعزز مكانة القطن المصري في دعم الصناعة الوطنية وتوفير فرص عمل موسمية لشباب القرى.
وفي هذا السياق، أوضح محمد إبراهيم مزارع من كفر صقر أحد مراكز شمال المحافظة، أن مراكز قطاع شمال الشرقية تتصدر المساحات المزروعة بالقطن، خصوصًا في المناطق القريبة من نهايات الترع، حيث يتوارثون خبرات طويلة في زراعة هذا المحصول، بينما تبقى المساحات في قطاع الجنوب محدودة نسبيًا، مشيرا إلى أن الأصناف الحالية، وعلى رأسها "جيزة 94"، أثبتت كفاءة كبيرة بفضل مقاومتها للأمراض ونضجها المبكر مقارنة بالأصناف الأخرى، هذا العام.
ونوه عبد المولى سعفان، مزارع من أولاد صقر، إلى إن موسم القطن الحالي يُعد من أفضل المواسم من حيث جودة المحصول وزيادة الإنتاجية، موضحًا أن صنف جيزة 94 أثبت كفاءة عالية في مقاومة الأمراض وتحمّل الظروف المناخية، فيما أكد جمال إبراهيم زيدان، مزارع من صان الحجر، أن القطن ما زال يمثل مصدر فخر للفلاح المصري رغم تراجع المساحات المزروعة به خلال السنوات الأخيرة.
وأشار يسري تمراز إلى أنهم يواجهون تحديات كبيرة بسبب ارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات وعدم وجود تسعيرة موحدة لمستلزمات الإنتاج، داعيًا الحكومة إلى دعم المزارعين وتوفير مستلزمات الزراعة بأسعار مناسبة لضمان استمرار زراعة "الذهب الأبيض" والحفاظ على مكانته التاريخية.
أرقام وإحصاءاتووفقًا لبيانات رسمية فإن المساحة المزروعة هذا العام في الشرقية بلغت نحو 36 ألفًا و863 فدانًا، وهو رقم كان في الماضي يُزرع في مركز واحد فقط من مراكز المحافظة، وعلى مستوى الجمهورية وصلت المساحات إلى 205 آلاف فدان، مقارنة بـ 311 ألف فدان العام الماضي، بينما يُتوقع أن يصل إجمالي الإنتاج إلى نحو 1.5 مليون قنطار زهر.
وأشار راشد إلى أن نصف مليون أسرة مصرية تعتمد بشكل مباشر على زراعة القطن وصناعته كمصدر رزق، ما يمنحه بعدًا اجتماعيًا وإنسانيًا لا يقل أهمية عن قيمته الاقتصادية، ولفت إلى أن مزايدة هذا الموسم بدأت بسعر 9 آلاف جنيه للقنطار، في مؤشر على مكانته السوقية القوية.
جهود بحثية ودعم حكوميوأشاد مدير إدارة المتابعة بالدور الكبير لمعهد بحوث القطن في استنباط أصناف جديدة قادرة على مواجهة التغيرات المناخية وزيادة الإنتاجية، مؤكدًا أن الدولة تمضي في تبني سياسة تنافسية تستهدف استمرار زراعة القطن وتعزيز قدرته التصديرية، بما يحافظ على هذا الإرث الزراعي التاريخي الذي ارتبط باسم مصر عبر العصور.
وذكر راشد أن الحفاظ على القطن المصري ليس مجرد قضية زراعية، بل قضية وطنية تمس الاقتصاد القومي والهوية المصرية معًا، مشددًا على ضرورة تكاتف الجهود لضمان استعادة مكانته العالمية ودعم الفلاح المصري.
من جانبه، أكد إبراهيم إسماعيل، نقيب فلاحين الشرقية، أن الفلاحين يعانون هذا العام من تدني أسعار معظم المنتجات الزراعية، الأمر الذي أدى إلى تراجع العائد الاقتصادي وتزايد حجم الديون على المزارعين، خاصة المستأجرين الذين يتحملون أعباء مالية كبيرة تصل في بعض الحالات إلى نحو 50 ألف جنيه إيجارًا للأرض.
وأضاف أن استمرار ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج من أسمدة ومبيدات دون تسعيرة محددة يزيد من معاناة الفلاحين، مطالبًا بضرورة وضع تسعيرة واضحة وموحدة لجميع مستلزمات الإنتاج والأدوية البيطرية، للحد من جشع بعض التجار والأطباء البيطريين.
وطالب نقيب فلاحين الشرقية بسرعة صرف مستحقات المزارعين عقب مزادات القطن، حتى يتمكنوا من سداد جزء من مديونياتهم والاستعداد للموسم الزراعي الجديد، مشددًا على أهمية وقوف الحكومة بجانب الفلاح في هذه المرحلة الحرجة، دعمًا لدوره الحيوي في الحفاظ على الأمن الغذائي باعتبار الزراعة ركيزة أساسية للاقتصاد المصري.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الأعمدة الرئيسية الاقتصاد القومي القطن المصري الذهب الأبيض نقيب فلاحين الشرقية القطن المصری هذا العام ألف فدان إلى أن
إقرأ أيضاً:
بعد أن سجّل 50 قمة قياسية في 2025.. 4 سيناريوهات لأسعار الذهب في 2026
شهد الذهب أداء استثنائيًا في عام 2025، وحقق أكثر من 50 مستوى قياسيا مدفوعا بعوامل، منها تصاعد حالة عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي، وضعف الدولار، وعوامل أخرى، وزاد كل من المستثمرين والبنوك المركزية من استثماراتهم في المعدن النفيس سعيًا إلى تنويع محافظ الاستثمار والاستقرار.
ويتوقع مجلس الذهب العالمي أن يكون ارتفاع العام الحالي رابع أقوى عائد سنوي للذهب منذ عام 1971.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ارتفاع في سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولارlist 2 of 2ارتفاع قياسي للفضة والذهب يستقر مع ترقب خفض الفائدة بأميركاend of listوارتفعت أسعار الذهب خلال السنة الحالية بنحو 60% إلى 4381 دولارا بعد أن بدأ العام عند مستوى 2626.60 دولارا. ولا تزال أسعار المعدن الثمين متماسكة فوق 4200 دولار وقت كتابة التقرير.
عوامل ارتفاع أسعار الذهبارتفاعات الذهب جاءت على وقع خفض البنوك المركزية الكبرى معدلات الفائدة لا سيما بنك الاحتياطي الاتحادي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي والبنوك، لكن الرئيس التنفيذي للإستراتيجيات بشركة فورتريس للاستثمار، مصطفى فهمي يقول، إنه لا يمكن اختزال أسباب هذا الارتفاع في عملية خفض الفائدة فحسب، فقد زاد المعدن الأصفر قرابة 40 إلى 45% قبل بدء الاحتياطي الاتحادي خفض الفائدة لأول مرة في 2025 هذا العام.
ويضيف في حديث للجزيرة نت، أن ثمة عوامل أخرى تمثل محركات رئيسية لأسعار الذهب، منها الحرب التجارية التي بدأها الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ أبريل/نيسان هذا العام والتي جعلت المنظومة التجارية كاملة في الاقتصاد العالمي تهتز.
يشار إلى أن الإدارة الأميركية توصلت إلى اتفاقات تجارية مع العديد من دول العالم بعد ضغوط متبادلة في بعض الحالات لا سيما الصين، والاتحاد الأوروبي الأمر الذي أثار مخاوف الأسواق وألجأها إلى الملاذات الآمنة وعلى رأسها الذهب.
ويشير مصطفى فهمي إلى أسباب أخرى، منها التوترات الجيوسياسية لا سيما في الشرق الأوسط وحرب إسرائيل على غزة وامتداداتها في المنطقة التي شملت عدة دول، وحرب أوكرانيا المستمرة رغم محاولات وقفها من جانب الولايات المتحدة الأميركية.
إعلانويضيف أن ارتباك الاقتصاد العالمي في ظل معدلات تضخم مرتفعة نسبيا في الولايات المتحدة ضغطت على القدرة على تحمل تكلفة معيشة نسبة من الأميركيين، كما أن الاقتصاد الأوروبي لا يزال يعاني ضغوطا على معدلات نموه.
ورجّح صندوق النقد الدولي في آخر توقعاته نمو الاقتصادات المتقدمة 1.6% في عامي 2025 و2026، في حين توقع نمو الاقتصاد الأميركي 2% في 2025 و2.1% في 2026.
وتوقع الصندوق نمو منطقة اليورو في 2025 و2026 بنسبتي 1.2% و1.1% على التوالي.
توقعات أداء الذهب في 2026تتأثر توقعات 2026 باستمرار حالة عدم اليقين الجيواقتصادي، ويعكس سعر الذهب عموما توقعات أداء الاقتصاد العالمي، وقد يبقى المعدن الأصفر ضمن نطاق محدد إذا استمرت الظروف الحالية.
ومع ذلك، وبالاستناد إلى مؤشرات هذا العام، فمن المرجح أن يستمر عام 2026 في مفاجأة السوق، حسب مجلس الذهب العالمي.
وإذا تباطأ النمو الاقتصادي وانخفضت أسعار الفائدة أكثر، فقد يشهد الذهب مكاسب معتدلة، أما في حالة حدوث انكماش اقتصادي حاد يتسم بتزايد المخاطر العالمية، فقد يحقق الذهب أداءً قويًا، في المقابل، فإن نجاح السياسات التي وضعتها الإدارة الأميركية من شأنه أن يسرع النمو الاقتصادي ويقلل من المخاطر الجيوسياسية، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة وقوة الدولار، وبالتالي انخفاض سعر الذهب.
وثمة عوامل أخرى تؤثر على توقعات 2026، مثل طلب البنوك المركزية واتجاهات إعادة تدوير الذهب.
ويقول محلل الأسواق المالية، وليد فقهاء في حديث للجزيرة نت، إنه حتى اللحظة لم تتغير هيكلية السوق ولم تتغير العوامل الرئيسية التي أدت إلى الارتفاعات بشكل كبير وعليه، فإنه على الرغم من الأداء العرضي الحالي أو الهدوء النسبي إلا أنه ثمة حديث عن سيناريوهات الصعود إلى 5000 دولار للأوقية في 2026 لا سيما مع استمرار شراء البنوك المركزية والتضخم المستمر وضعف الدولار والضغوط الجيوسياسية والتوترات والحروب التي قد يتجدد تأثيرها على وقع التوتر بين أميركا وفنزويلا.
4 سيناريوهات لأداء الذهب في 2026وبالعودة إلى توقعات مجلس الذهب العالمي فإن ثمة 4 سيناريوهات لأداء الذهب تعتمد على مستجدات الاقتصاد العالمي وسلوك البنوك المركزية والمخاطر الجيوسياسية في 2026:
السيناريو الأول: يفترض بقاء المؤشرات الاقتصادية العالمية ضمن نطاقها المعتدل وتراجعاً محدوداً في أسعار الفائدة وتحسناً تدريجياً في مستويات التضخم، وقد يفضي هذا إلى تحرك أسعار المعدن ضمن نطاق مستقر بين تراجع أو ارتفاع 5%، مع احتمال تسجيل مكاسب أو خسائر طفيفة لا تتجاوز بضع نقاط مئوية مقارنة بمستويات نهاية 2025. السيناريو الثاني: يرتبط بتباطؤ اقتصادي محدود أو تراجع في شهية المخاطرة لدى المستثمرين نتيجة ضغوط في الإنفاق أو اهتزازات في بعض القطاعات، وهو ما قد يعيد الذهب إلى صدارة الملاذات الآمنة ويدعم ارتفاعه بنسب تتراوح بين 5% و15% خلال 2026، بدعم من تراجع الدولار والسياسات النقدية الأكثر تيسيراً. السيناريو الثالث: يتضمن انزلاق الاقتصاد العالمي نحو تراجع أعمق أو تصاعدت التوترات الجيوسياسية والاضطرابات التجارية، وهي بيئة عادة ما تدفع البنوك المركزية إلى تخفيف السياسة النقدية بقوة، وتزيد الطلب على الملاذات الآمنة، وفي هذه الحال قد يتجه الذهب إلى تسجيل مكاسب كبيرة تتراوح بين 15% و30% على أساس سنوي. السيناريو الرابع: يضع احتمالا عكسيا إذا شهد العالم دورة انتعاش اقتصادي واسعة وعودة معدلات النمو إلى مستويات أعلى، الأمر الذي قد يدفع الاحتياطي الاتحادي إلى تشديد السياسة النقدية أو الإبقاء على الفائدة مرتفعة، بما يعزز قوة الدولار ويزيد جاذبية الأصول المدرة للعائد، وضمن هذه الفرضية قد يتعرض الذهب لضغوط هبوط تتراوح بين 5% و20% خلال 2026. إعلان شراء أم بيع الذهب؟وعن قرارات الاستثمار، يقول فقهاء إنها تعتمد على الإجابة عن هدف المستثمر. فبالنسبة للمستثمرين الإستراتيجيين (طويلي الأجل) تمثل هذه الأسعار فرصة للشراء مع استمرار عوامل الصعود وهيكلية السوق.
أما للمستثمرين قصيري الأجل، يمثل الأداء الحالي فرصة لجني الأرباح خلال الفترة الحالية نظرا لتراجعات محتملة على الأمد القصير مع بداية 2026 للاستفادة من ارتفاعات 2025.
ويتوقع فقهاء أن يتراجع الذهب في نهاية 2025 إلى 3800 دولار ما يمثل فرصة لشراء المضاربين، وذلك قبل أن يعاود الصعود من جديد.