جريدة الوطن:
2025-12-14@08:19:48 GMT

شراع : صحوة إفريقية متأخرة.. ولكن

تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT

شراع : صحوة إفريقية متأخرة.. ولكن

على مدار التَّاريخ مثَّلت مناطق الثروات هدفًا رئيسًا للقوى الاستعماريَّة، وأيُّ بقعة في هذا العالَم مُرشَّحةٌ لأنْ تكُونَ هدفًا لجحافل هذه القوى بمجرَّد أنْ تفصحَ الاكتشافاتُ والتنقيباتُ عن ثروات جديدة أو مزيدٍ من الثروات التي يتواصل نهْبُها وتحديدًا في قارَّتَيْ إفريقيا وآسيا.
لذلك لا غَرْوَ أنْ يسيلَ لُعاب القوى الاستعماريَّة للثروات الهائلة التي تتمتَّع بها القارَّة السَّمراء التي توصفُ بأنَّها مَنْجَمُ العالَم، وأنْ تبقَى القارَّة بثرواتها وشعوبها مستعمَرَةً.

فالعقل الاستعماريُّ لَمْ يتورَّعْ عن قول الحقيقة بأنَّ قدرَ إفريقيا أنْ تبقَى هكذا، وإذا لَمْ تكُنْ كذلك فإنَّ أوروبا على وجْهِ التحديد لَنْ تكُونَ قوَّة اقتصاديَّة ولا قارَّة غنيَّة، سيغدو حالها حال دوَل العالَم الثالث الفقيرة، وهذا ما يُقرُّ به الأوروبيون على اختلاف مشاربهم من أكبر مسؤول إلى أصغر مسؤول، ومن أغنى مواطن أوروبي إلى أفقر مواطن.
ومَنْ يُتابعْ ردَّات الفعل الأوروبيَّة بوَجْهٍ عامٍّ، والفرنسيَّة بوَجْهٍ خاصٍّ، على خلفيَّة الانقلابات التي تشهدها إفريقيا في النيجر والجابون وقَبلها في مالي وبوركينا فاسو، يقفْ على حقيقة مفادها وهي أنَّ القارَّة العجوز ـ وخصوصًا دوَلَها الاستعماريَّة ـ تقبض على قَلْبها من أنْ يَمضيَ قطار الصحوة للشعوب الإفريقيَّة في سِكَّتِه فيأتي على كُلِّ دوَل القارَّة السَّمراء، فتتخلَّص من ربقة الاستعمار. وقَدْ بانَ ذلك على ألسنة تصريحات القادة الأوروبيِّين، حيث اعترف جوزيب بوريل مفوَّض الشؤون الخارجيَّة بالاتِّحاد الأوروبي بأنَّ ما يَحدُث في غرب إفريقيا يُشكِّل مشكلةً كبيرة لأوروبا، وأنَّ الوضْعَ محلُّ نقاش وزراء الدِّفاع والخارجيَّة الأوروبيِّين. أمَّا فرنسا، التي تجني ما اقترفته يَدُها الاستعماريَّة الآثمة، فقَدْ أعلنت على لسان رئيسة وزرائها إليزابيت بورن أنَّ فرنسا تتابع «باهتمامٍ شديد» الوضْعَ في الجابون، وأنَّ دبلوماسيَّة بلادها تُواجِه أزمات كثيرة، وهي تُتابعُ الوضْعَ في الجابون باهتمامٍ شديد، مع رفض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تنفيذ مطالب المجلس العسكري الذي يَقُودُ الانقلاب في النيجر بسَحْبِ السَّفير الفرنسيِّ الذي باتَ غيرَ مرغوبٍ فيه شَعبيًّا ولا رسميًّا، وكذلك سَحْبُ القاعدة الفرنسيَّة وإنهاء الوجود الاستعماريِّ من أراضي النيجر إلى غير رجعة. ولا يزال ماكرون يضغط على مجموعة «إيكواس» لقيادة عملٍ عسكريٍّ ضدَّ النيجر لإعادة الرئيس المعزول محمد بازوم وإعادته إلى السُّلطة، مُمَنِّيًا النَّفْسَ بأنْ تبقَى النيجر مستعمَرَةً فرنسيَّةً تُواصلُ الشركات الفرنسيَّة نَهْبَ ثرواتها. اللافت للنَّظر والمُثير للسُّخرية في الوقت ذاته، هو أنَّ هذه الانقلابات أخذَتْ تصفُها باريس وعواصم الاتِّحاد الأوروبي بأنَّها انقلابٌ على الديمقراطيَّة، في حين أنَّ الإرثَ الاستعماريَّ وتاريخَ الأنظمة الحاكمة في الدوَل الإفريقيَّة التي تشهد انقلابات يؤكِّدان أنَّ المُستعمِرَ ـ سواء في إفريقيا أو آسيا أو غيرهما ـ لا يعترف بشيء اسمه ديمقراطيَّة؛ لأنَّه يعْلَمُ يقينًا أنَّ الديمقراطيَّة الحقَّة تَعْنِي زوالَه والقضاءَ على استعماره. ومَنْ يُتابع التَّاريخ الاستعماريَّ حتَّى الآن يَجِدْ أنَّ المستعمِرَ دائمًا ما يأتي بأنظمة تابعة له لِيضْمَنَ استمرارَه في نهْبِ الثروات.
صحيح أنَّ ما تشهده بعض دوَل القارَّة الإفريقيَّة هو صحوة شَعبيَّة ـ وإن جاءت متأخرة ـ أسهم في تَبَلْوُرِها وتكَوُّنِها التحوُّلاتُ التي يشهدها العالَم وصراع النفوذ بَيْنَ الدوَل الكبرى، وكذلك الصراع الجاري بَيْنَ روسيا الاتِّحاديَّة وحِلْفِ شَمال الأطلسيِّ «ناتو» على الأرض الأوكرانيَّة، وما يَجرُّه من استقطابات وبحْثٍ عن مكامن الضَّعف والقوَّة، ومحاولة تقويضها. وتُعدُّ هذه الانقلابات في القارَّة السَّمراء هي إحدى حلقات هذا الصراع الذي ـ كما يبدو ـ لَنْ ينتهيَ دُونَ أنْ يقذفَ بِكُرَاتِ نيرانِه قارَّات العالَم، لا سِيَّما الدوَل التي تُمثِّل مناطق نفوذ ومُستعمَرَات، وهي أيضًا فرصة لكثير من الدوَل والشعوب لِتنالَ استقلالَها الكاملَ وسيادتَها غير المنقوصة وتتمتَّعَ بثرواتها، وترسي بذلك مناخ السلم الاجتماعي والاستقرار المعيشي، وتَبْنِي اقتصاداتها وسياساتها على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخُّل في الشؤون الداخليَّة، وتبادل المصالح والتَّعاون على أساسٍ من العدالة والمساواة، وهذا ما تدعو إليه اليوم روسيا الاتِّحاديَّة ومَنْ معَها مِن الشُّركاء والحُلفاء مَنْ يُشاركها هذا التوجُّه؛ لكونِه أساسًا لبناء عالَمٍ جديد مُتعدِّد الأقطاب. فلولا النَّهب والهيمنة والعمالة والخيانة لَمَا تمكَّنت قوى الاستعمار ـ قديمه وجديده ـ من إفقار الشعوب والتحكُّم في أرزاقها ومصائرها.

خميس بن حبيب التوبي
[email protected]

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: العال م الدو ل التی ت

إقرأ أيضاً:

بسمة داود تنضم لمسلسل أب ولكن .. رمضان 2026

انضمت الفنانة بسمة داود إلى أسرة مسلسل «أب ولكن»، المقرر عرضه ضمن سباق الدراما الرمضانية لعام 2026، في تجربة فنية جديدة تُضاف إلى مشوارها الفني.

المسلسل من تأليف ماريان هاني، وإخراج ياسمين أحمد كامل، ويواصل فريق العمل حاليًا تصوير مشاهده تمهيدًا للانتهاء منه في الوقت المحدد للعرض.

وينتمي مسلسل «أب ولكن» إلى الدراما الاجتماعية، حيث يتناول مجموعة من الحكايات الإنسانية التي تُطرح في إطار مشوّق، ويُناقش من خلالها قضايا تمس العلاقات الأسرية والمجتمع، ما يجعله من الأعمال المنتظرة في موسم رمضان المقبل.

ومن المنتظر أن يشهد العمل مشاركة عدد من النجوم، على أن يتم الإعلان عن باقي التفاصيل تباعًا خلال الفترة المقبلة.

طباعة شارك بسمة داود اخبار الفن نجوم الفن

مقالات مشابهة

  • ناقد رياضي: خطة إفريقية قوية لبث كأس الأمم .. و«العميد» على أعتاب إنجاز تاريخي |فيديو
  • كيف خسرت أوروبا: هل تستطيع القارّة الإفلات من فخّ ترامب؟
  • بسمة داود تنضم لمسلسل أب ولكن .. رمضان 2026
  • بسمة داود تنضم لمسلسل "أب ولكن" بطولة محمد فراج
  • استكمال أعمال إحلال وتجديد أعمدة الإنارة المتهالكة بواحة سيوة
  • حين يسقط العالِم في فخ التبسيط .. خطيئة جمال حمدان حين أفتى في الأدب
  • اليمن نموذج ناصع في مواجهة أطماع التوسع الاستعماري
  • فيديو دهس إفريقية في الشارع يقود صاحبه إلى السجن
  • حنان يوسف تنضم إلى مسلسل أب ولكن .. رمضان 2026
  • محافظ كفر الشيخ يعلن انتهاء تدريب وفد من 10 دول إفريقية