جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-30@03:37:13 GMT

الاستثمار في الثقافة.. خيار استراتيجي

تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT

الاستثمار في الثقافة.. خيار استراتيجي

 

محمد رامس الرواس

قبل أن نبدأ حديثنا عن موضوع الاستثمار في الثقافة باعتباره خيارًا استراتيجيًا، يجب أن نعرف ونضع أيدينا على معنى كلمة "استراتيجية" التي أصلها يوناني؛ وهي تعني فنون الحرب والقتال، ثم عُرفت بعد ذلك في القرون المتأخرة على أنها التعبئة والتحريك للمعدات لما لها من أهمية في تنظيم الخطط.

اليوم في عصرنا الحديث، كبرت بيئات العمل وأصبحت ذات قوى عظيمة بسبب العولمة والانفتاح العالمي على بعضه البعض مما أوجد تنافسًا كبيرًا بين المؤسسات الكبرى أو الشركات بكافة أحجامها ومستوياتها وأنواعها، فلجأت إلى التخطيط الاستراتيجي لما يحقق من تكاملية وتنسيق بين وحداتها وأنظمتها الإدارية، يُضاف إلى ذلك أن الاستراتيجية هي مجموعة الأطر التي تتحكم في قرارات المؤسسات التي تضعها لنفسها بكافة خططها القصيرة والمتوسطة والبعيدة المدى.

الاستثمار في الأصول الثقافية التي تتمتع بها سلطنتنا الحبيبة عُمان يُعد مطمحًا استراتيجيًا ومكسبًا حضاريًا، ومن أجل ذلك جاءت الاستراتيجية الثقافية (2021-2040) ضمن المنظومة التنموية الثقافية التي تهدف إلى أن تصبح عُمان واحدة من أهم الوجهات الثقافية في محيطها الإقليمي ولتبوء الريادة في هذا المجال لما تملكه من هوية راسخة وثراء ثقافي عظيم، فالسلطنة ذات تنوع حضاري وثقافي فريد وتراكمات معرفية عظيمة اكتسبتها عبر العصور والأزمان يمكن من خلالها أن تعكس قوة استثمارها في الأصول الثقافية وفق متطلبات المرحلة الحالية والخطط المقبلة.

التنوع الثقافي الزاخر للمعرفة العُمانية مرجعه للإرث العظيم للتراث الذي يُعد بمثابة كنز ثقافي يمكن استكشافه وإعادة تقديمه للعالم، ومما يعزز ذلك أن سلطنة عُمان في بنيتها وتكوينها ذات ثقافة منفتحة وممارسات مجتمعية تتقبل ثقافات الآخرين، وتحمل في طياتها روح السلام والوئام عبر رسالتها العالمية الداعية للاحترام المتبادل والتعايش السلمي الذي لا تزال تنتهجه منذ الأزمان الفائتة إلى اليوم.

والموقع الجغرافي، والطبيعة المتميزة، والتاريخ الحضاري التليد لعُمان وبصمات أهلها أينما وجدو وأينما بسطوا نفوذهم وتركوا جذورهم الثقافية بالعالم .. كل ذلك وغيره الكثير مهّد لوجود تنوع ثقافي فريد يمكن من خلاله العمل في مجال الاستثمار الثقافي حيث توجد البيئة المناسبة التي يمكن من خلالها تحقق معاني الإبداع والابتكار؛ فالهوية الثقافية العُمانية الراسخة تشجع بلا شك في تحقيق الريادة والاستدامة في هذا المجال على المستوى القاري والدولي.

وعند الحديث عن التراث الثقافي الوطني لا بُد وأن نعرج على برنامج "ترحال بنفسجي" بالقناة الثقافية بتلفزيون سلطنة عُمان، الذي يعرض كل يوم سبت عند الساعة التاسعة مساءً، والإشادة بدوره المتميز في الحديث عن جملة قضايا وطنية والذي تقدمه الإعلامية القديرة الأستاذة شيخة المحروقية، والذي يطرح مجموعة الاستثمارات الاستراتيجية في الاقتصاد البنفسجي؛ ومنها كانت الحلقة الفائتة "الاستثمار في الصناعات الثقافية"؛ سواء كانت فنونا أو تراثا أو مهارات أو سواها.. إضافة إلى أنه يفرد مساحات جميلة للتعرف على عالم الاقتصاد البنفسجي وأبعاده الاجتماعية والسياحية والبيئية.

لقد جاءت الاستراتيجية الثقافية العُمانية بعد أن حددت خطواتها وأهدافها فوضعت ثمان قيم للتحسين المستدام نختصرها في التالي: ترسيخ الهوية الثقافية، والشراكة، والإبداع والابتكار، والتواصل والحوار، والفعالية والجودة، والإنتاج، والتعددية والانتماء، والاحترافية والمعايير العالمية، وأخيرًا الحرية الفكرية.

ووضعت الاستراتيجية الثقافية لنفسها 7 محاور، لأجل الإرشاد والقياس والتطبيق والإنجاز؛ أولها: الإبداع والتطوير الثقافي من خلال تمكين وتعزيز الإنتاج الثقافي المبني على التجديد والإبداع والابتكار وتوظيف التكنولوجيا المتقدمة لإنتاج ونشر المحتوى الثقافي العُماني ودعم الدراسات والبحوث المعززة للإبداع والتطوير ورعاية الموهوبين والمبدعين. بينما جاء المحور الثاني ليُركز على الصناعات الثقافية والإبداعية الذي تتحقق أهدافه من خلال تعزيز المساهمة الاقتصادية للقطاع الثقافي وتقديم التسهيلات للمشاريع الإبداعية وتعزيز الوعي بأهمية الاستثمار في المجال الثقافي. وأكد المحور الثالث على الهوية الثقافية عبر تفعيل الدور المحوري للمؤسسات الثقافية الأهلية وتشجيع إنشاء مبادرات ثقافية لترسيخ منظومة الشراكة المجتمعية رفع مستوى الوعي بمبدأ التنوع الثقافي المحلي والخارجي والحوار والنقد البناء وأنسنة المدن ثقافيًا.

أما المحور الخامس: التنمية الثقافية، فجاء مُطالِبًا بتوظيف التكنولوجيا لدعم البرامج ومشاريع القطاع الثقافي وتعزيز منظومة الاستثمار في الأصول الثقافية وتطويرها بجانب تطوير الإجراءات المالية والإدارية وإعداد وتأهيل الكوادر البشرية العاملة في القطاع الثقافي.

المحور السادس عُنوِنَ لضرورة وضع اللوائح والتشريعات الثقافية بهدف مراجعة واستحداث اللوائح المنظمة للعمل الثقافي وتطويرها بجانب تفعيل الاتفاقيات والمعاهدات الثقافية التي وقعتها السلطنة مع المنظمات والمؤسسات الدولية. بينما نوه المحور السابع بأهمية التواصل الثقافي عبر استثمار التنوع الثقافي كوسيلة للترويج والتعريف بالسلطنة وتعزيز التواصل والحوار الثقافي مع دول العالم وتبادل الخبرات على الصعيد الداخلي والخارجي من أجل تحقيق الشراكة والتكامل مع المؤسسات المحلية والدولية في المجالات الثقافية.

ختامًا نقول.. إنَّ الخطط الاستراتيجية التي تضعها الوزارات والمؤسسات الحكومية من الأهمية بمكان أن تهدف إلى تكاملية المقصد والأهداف؛ فالاستراتيجية الوطنية للتعليم (2040) والاستراتيجية الوطنية للابتكار، واستراتيجية عُمان الرقمية، والاستراتيجية الثقافية (2040)، وغيرها من الاستراتيجيات، يجب أن تكون منسجمة ومرتبطة في ضوء مرجعيتها الأساسية رؤية "عُمان 2040"، وتنتج لنا مؤشرات قياس لمستقبل منشود.

وجميع هذه الاستراتيجيات يمكن البناء عليها؛ فجميعها- بحق- تحمل أهدافًا كبرى لاستثمارات واعدة تواكب المتغيرات المستقبلية؛ فالصناعات الثقافية مثل الفنون والمتاحف الخاصة، ودور النشر، والسياحة الثقافية، والمبادرات المجتمعية وغيرها، تحتاج بلا شك برامج تمويلية وصندوقًا مختصًا بالاستثمارات الصناعية لصناعة المنتج الوطني الثقافي، مشفوعًا بتشريعات وقوانين مناسبة، لذا من الأهمية بمكان الرعاية والدعم والتحفيز للنهوض بالمواهب والابتكارات.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

في تصعيد استراتيجي.. اليمن تدخل المرحلة الرابعة من حصارها البحري لـ الاحتلال الإسرائيلي

الجديد برس| مع اعلان القوات اليمنية، الاثنين، دخول المرحلة الرابعة من الحصار البحري على الاحتلال الإسرائيلي، تكون عمليات الاسناد اليمني قد انتقلت إلى مستوى جديد من المواجهة، فماهي ابرز مراحل الحصار اليمني على مدى اكثر من عامين من الاسناد وما وسائل انجاحها في ظل بعد المسافات؟ في نوفمبر من العام 2023، اطلقت اليمن أولى عمليات اسناد غزة  بحظر الملاحة إلى الموانئ الإسرائيلية على البحر الأحمر ، ورغم ان القرار كان بنظر الاحتلال وحلفائه في المنطقة مستحيلا باعتبار اليمن أولى دولة في العصر الحديث تنتقل للمواجهة المباشرة مع الاحتلال إضافة إلى انها تعاني من تبعات سنوات من الحرب والحصار، الا انها على مدى الأيام والاسابيع والاشهر الأولى نجحت بفرض واقع جديد وصل من خلاله لإغلاق كلي لميناء ايلات الرئيسي والاهم للاحتلال على البحر الأحمر. ومع أن العمليات ضد ايلات برا وجوا  لا تزال مستمرة ، الا ان اليمن انتقلت أيضا إلى مرحلة أخرى تمثل بحصار جوي مع اعلان مطار بن غوريون هدفا رئيسيا وكثفت الضربات الصاروخية ضده حتى وصل المطار إلى مرحلة اللاعودة مع اعتراف الاحتلال بتعليق عشرات الخطوط الجوية  الدولية وتصاعد وتيرة الإضرابات في المطار مع تزايد المخاوف من  الهجمات المتكررة وارتفاع فاتورة التامين على الرحلات الجوية في مؤشر على ان اغلاق المطار بات قاب قوسين او ادني. ولم تقتصر العمليات اليمنية على  اطباق الحصار جوا وبحرا بل امتدت أيضا إلى ابعد نقطة للاحتلال لم يتصوره وقد قررت اغلاق ميناء حيفا ونفذت هجمات إلى ميناء اسدود وتلك اخر منافذ الاحتلال البحرية على المتوسط. هذه المراحل تضاف إلى 5 مراحل أخرى تتعلق بنوعية الهجمات التي بدأت بتوجيه نداءات للسفن واعتراضها قبل السيطرة عليها وامتدت إلى اغراقها مع قصفها بالصواريخ والطائرات المسيرة والزوارق بمديات مختلفة وأنواع متعددة، ناهيك عن توسيع رقعة المواجهة من البحر الأحمر إلى خليج عدن وبحر العرب وصولا إلى المتوسط ومرورا بالمحيط الهندي. قد تكون اليمن نفذت عشرات العمليات واطلقت مئات الصواريخ والمسيرات، لكن المرحلة الجديدة تؤكد بانها انتقلت من مرحلة التجزئة على الحصار البحري الشامل وبما يشمل أيضا سفن لدول عربية وإسلامية متواطئة مع الاحتلال ومشاركة بجرائمه.

مقالات مشابهة

  • السفير الاميركي المقترح للبنان: نزع سلاح حزب الله ليس خيارًا بل ضرورة
  • كواحدٍ من رموزها الثقافية.. مدينة برمنغهام تعلن تفاصيل جنازة أوزي أوزبورن
  • إنطلاق “جوائز فلسطين الثقافية” في دورتها الثالثة عشرة – 2025/2026
  • نتنياهو يُصر على هزيمة حماس ويوجه رسالة لـ"المحور الإيراني"
  • في تصعيد استراتيجي.. اليمن تدخل المرحلة الرابعة من حصارها البحري لـ الاحتلال الإسرائيلي
  • الجيل الديمقراطي: تحويل مصر لمصنع عالمي هدف استراتيجي ندعمه منذ ربع قرن
  • طلبة دولة قطر يناقشون الهوية الثقافية في البرلمان العربي للطفل بالشارقة
  • يربط البصرة بإيران.. العراق يستعد لتنفيذ مشروع سككي استراتيجي جديد
  • مكتبة مصر العامة تحقق قفزات في الأنشطة الثقافية والتدريبية| تفاصيل
  • أحمد خضر: 5 محاور لتنمية الصناعات المغذية في مصر