سلط الزميل غير المقيم بمعهد السلام الكردي، ماثيو بيتي، الضوء على طرح كثير من المتطرفين الإسرائيليين الأردن كوطن بديل للفلسطينيين بدلاً من إقامة دولة مستقلة لهم، باعتبار أن الأردن كان يحكم الضفة الغربية، والعديد من الأردنيين لديهم جذور فلسطينية، مؤكدا أن الأردن لا يستطيع تحمل تكاليف مشكلات الدولة العبرية.

وذكر بيتي، في تحليل نشره بموقع "ريسبونسبل ستيتكرافت" وترجمه "الخليج الجديد"، أن النسخة الأقل تطرفا من هذا الطرح تتضمن وضع مناطق من الضفة الغربية التي لا تريد إسرائيل إعادتها للفلسطينيين تحت الحكم الأردني، أما النسخة الأكثر تطرفاً فتتضمن طرد الفلسطينيين بهذه المناطق إلى الأردن.

ورغم عدم وجود موافقة أردنية أو فلسطينية، إلا أن فكرة الأردن كوطن للفلسطينيين لا تزال تطفو في الأوساط القومية الإسرائيلية، وتكتسب زخمًا في أروقة غير متوقعة في واشنطن أيضًا، بحسب بيتي.

ففي الشهر الماضي، نشرت مجلة Just Security ذات الميول الليبرالية اقتراحًا لجوناثان بانيكوف، مدير مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي، ذكر فيه أن "بعض المستوطنات [الإسرائيلية] [في الضفة الغربية] والأراضي التي توجد عليها ستحتفظ بها إسرائيل حتماً في أي اتفاق".

وأضاف بانيكوف أن عدد المناطق الذي ستصر إسرائيل على الاحتفاظ به يتزايد كل عام، "وبدون هذه الأراضي، لا يمكن لفلسطين أن تكون دولة مستقلة قابلة للحياة".

ويتلخص حل بانيكوف في استبدال الأراضي الفلسطينية المفقودة لصالح المستوطنات الإسرائيلية من خلال منح فلسطين بعض الأراضي الأردنية، وفي المقابل، يحصل الأردن على بعض الأراضي السعودية بالإضافة إلى امتيازات اقتصادية.

ولإبرام الصفقة، سيُطلب من العائلة المالكة الأردنية مشاركة أغلى إرث لها، وهو الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس، مع العائلة السعودية المالكة، بحسب بانيكوف.

وهنا يشير بيتي إلى أن المحاولة الأخيرة لبناء دولة فلسطينية داخل الأردن، وهي انتفاضة أيلول الأسود عام 1970، انتهت بحرب أهلية مريرة.

وأضاف أن الأرض التي يفكر بانيكوف في منحها للفلسطينيين (ادي نهر الأردن) هي سلة غذاء البلاد، فالأردن بلد فقير مائيا؛ وبدون النهر والأراضي الخصبة المحيطة به، سيواجه كارثة بيئية. وعلى بعد أميال قليلة إلى الشرق، تتحول المناظر الطبيعية في الأردن إلى صحراء غير مناسبة لعدد كبير من السكان.

قصر نظر

ولذا يشكل اقتراح بانيكوف عَرَضاً من أعراض "قصر النظر" فيما يتصل بالشرق الأوسط في واشنطن، حسب تعبير بيتي، مضيفا: "غالباً ما ينظر صناع السياسة الأمريكيون إلى المصالح الإسرائيلية باعتبارها قضايا وجودية يجب التعامل معها بأقصى قدر من العناية. وفي الوقت نفسه، نادراً ما يُنظر إلى الدول العربية، حتى تلك الصديقة للولايات المتحدة، في الضوء نفسه، وغالباً ما يتم التعامل مع مصالحهم الحيوية على أنها أشياء يمكن استبدالها".

وتابع: "لن يطلب أي مركز أبحاث من إسرائيل التخلي عن تل أبيب من أجل الأردن، لكن بانيكوف يستطيع أن يقترح عرضاً لتفكيك الأردن من أجل إسرائيل".

وأشار إلى أن واشنطن اعتادت على إجبار بقية دول الشرق الأوسط على تلبية المصالح الإسرائيلية، و"لأسباب أيديولوجية، يعتقد الساسة الأمريكيون أن عليهم مسؤولية حماية إسرائيل، التي يعتبرونها دولة صغيرة ضعيفة ومحاطة بأعداء عرب أقوياء".

اقرأ أيضاً

خلال رئاسته.. ترامب عرض على ملك الأردن السيطرة على الضفة الغربية المحتلة

لكن هذه الصورة يصفها بيتي بأنها "عفا عليها الزمن منذ عقود"، فالعديد من الدول الإقليمية ومواطنيها أكثر عرضة للهجوم الإسرائيلي، وليس العكس.

وعلى سبيل المثال، كثيراً ما يقول القادة الإسرائيليون إنهم يحتاجون إلى المستوطنات للحفاظ على "حدود يمكن الدفاع عنها"، وإلا فإن المدن الإسرائيلية، مثل تل أبيب، ستكون على بعد أقل من 20 ميلاً من الأراضي العربية، في حين أن الأردن معرض لخطر مماثل، إذ يتمركز الجيش الإسرائيلي على بعد 20 ميلاً فقط من عمان، العاصمة الأردنية، وإربد، ثاني أكبر مدينة.

والميناء الوحيد في الأردن (العقبة) هو شريط ساحلي يبلغ طوله 10 أميال يقع بين الحدود الإسرائيلية والسعودية. وعلى بعد أميال قليلة إلى الشرق من الحدود، تتحول أرض الأردن إلى صحراء سوداء غير مناسبة لعدد كبير من السكان.

ولذا، فعندما يطرح السياسيون الإسرائيليون إمكانية طرد الفلسطينيين بشكل جماعي نحو الأردن، أو يقفون أمام خريطة تظهر الأردن كجزء من "إسرائيل الكبرى"، فإن الأردنيين لديهم كل الأسباب لفهم ذلك باعتباره تهديدًا وجوديا.

وهنا يلفت بيتي إلى أن الضفة الغربية كانت جزءاً من إدارة الأردن عندما غزتها القوات الإسرائيلية واحتلتها في عام 1967، ولكن لا أحد يقترح تقطيع الأراضي الإسرائيلية حتى يشعر الأردنيون بقدر أكبر من الأمان.

والأردن ليس الجار الإسرائيلي الوحيد الذي يعيش تحت هذا النوع من التهديد، فقد تعرضت كل من مصر وسوريا ولبنان للغزو والاحتلال من قبل القوات الإسرائيلية.

ورغم أن الولايات المتحدة حاولت في الماضي كبح جماح كلا الجانبين، فإن السياسة الأمريكية اليوم تركز بالكامل على ضمان الهيمنة الإسرائيلية على الدول العربية.

فبينما يهدد المسؤولون الإسرائيليون بإعادة لبنان إلى "العصر الحجري"، وتخترق الطائرات الحربية الإسرائيلية المجال الجوي اللبناني، تناقش واشنطن كيفية إضعاف ميليشيا حزب الله اللبنانية وتعزيز جيش لبناني لا يهدد إسرائيل.

وضع فريد

الأردن فريد في هذا الإطار، لأن الولايات المتحدة تعتبره "حليف رئيسي من خارج حلف شمال الأطلسي"، وأغدقت الحكومة الأمريكية الثناء الخاص عليه لالتزامه بـ "الأهداف الاستراتيجية المشتركة"، وتعتبر استقراره مصلحة أمريكية.

 وفي هذا الصدد، بذل الأردن الكثير سعياً لتحقيق السلام مع إسرائيل بالشروط التي تفضلها واشنطن. ووقعت الحكومة الأردنية معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1994، وتخلت عن مطالباتها بالضفة الغربية، واستوعبت اللاجئين الفلسطينيين في المجتمع الأردني.

ويعلق بيتي على تلك الخلفية التاريخية بقوله: "بعد مرور 30 عاماً، يبدو أن القوميين الإسرائيليين وداعميهم الأمريكيين على استعداد لمعاقبة الأردن على تعاونه".

وأضاف: "من المفارقات أن الأردن قبل معاهدة 1994 لتجنب تحمل تكاليف القضية الفلسطينية. وكما أوضح وزير الخارجية الأردني السابق، مروان المعشر، في مقابلة أجريت معه مؤخراً، فقد تخلت المملكة عن مطالباتها بالضفة الغربية من أجل إقامة حدود دائمة ووضع حد لفكرة أن الأردن سيكون "وطناً [فلسطينياً] بديلاً".

 ومع خروج الأردن من الصورة، كان من المفترض أن يقوم الإسرائيليون والفلسطينيون بحل مشاكلهم داخل حدود إسرائيل وفلسطين.

ويحذر بانيكوف من أن استمرار الحكم الإسرائيلي على الضفة الغربية "سيخاطر بإنهاء هوية إسرائيل كدولة ذات أغلبية يهودية".

وبطبيعة الحال، فإن إجلاء الآلاف من الإسرائيليين قبل تسليم أراض للفلسطينيين سيكون مؤلماً سياسياً لإسرائيل، لكن "هذه مشكلة إسرائيلية وليست أردنية"، بحسب بيتي، مضيفا: "إذا كانت إسرائيل راغبة حقاً في الانفصال عن الضفة الغربية وتجنب تقاسم الدولة مع الفلسطينيين، فسوف تجد طريقة للقيام بذلك".

وأكد أنه "لا يوجد مبرر أخلاقي أو عملي لجعل الأردن يتحمل التكاليف"، واصفا اقتراح بانيكوف بأنه "أيديولوجي" ويستند إلى الاعتقاد الأمريكي بأن الانزعاج الإسرائيلي أكثر أهمية من المعاناة العربية.

ويخلص بيتي إلى أن "التلاعب باستقرار الأردن، الدولة الصديقة، ليس له أي معنى على الإطلاق. والقيام به من أجل المستوطنات الإسرائيلية هو مجرد تعصب أعمى".

اقرأ أيضاً

ملك الأردن: ضم الضفة يضر التطبيع ويعزز قوة حماس

المصدر | ماثيو بيتي/ريسبونسبل ستيتكرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الأردن إسرائيل الدولة الفلسطينية الضفة الغربية السعودية إربد عمان الضفة الغربیة أن الأردن على بعد إلى أن من أجل

إقرأ أيضاً:

الضفة الغربية تحت نيران الاقتحامات والتطهير العرقي

 

واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي تصعيدها العسكري في الضفة الغربية المحتلة، من خلال تنفيذ اقتحامات واعتداءات على المدنيين الفلسطينيين في عدة مدن، ما أدى إلى حالة من التوتر والمواجهات، وسط تحذيرات من خطط تهجير قسرية ممنهجة.

 

واقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة نابلس فجر اليوم من عدة مداخل، وانتشرت في شوارعها، وداهمت منازل ومباني ومحال تجارية، وسط إطلاق نار كثيف باتجاه الشبان الفلسطينيين في المنطقة الشرقية، وخاصة في شارع فيصل قرب قاعة البلور والمقبرة الشرقية، بحسب شهود عيان.

كما اقتحمت قوة من جيش الاحتلال بناية سكنية في حي المخفية غرب المدينة، وظهرت مقاطع مصورة توثق انتشار الجنود في الحي واقتحام أحد المباني.

وفي مدينة طولكرم، اقتحمت آليات الاحتلال بلدة بيت ليد شرق المدينة، ترافقها وحدات مشاة، ونفذت عمليات تمشيط واسعة شملت توقيف المركبات وتفتيشها، دون تسجيل اعتقالات حتى اللحظة. وذكرت مصادر محلية أن الاحتلال خرّب مشروعًا لتعبيد طريق يربط قريتي نزلة عيسى وقفين شمال المدينة، واستولى على معدات المقاول واحتجز العاملين.

 

في تطور خطير، أعلنت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أن مليشيات المستوطنين أجبرت سكان تجمع "مغاير الدير" البدوي شرق رام الله على الرحيل القسري من مساكنهم، في أحدث حلقات التهجير الذي طال أكثر من 30 تجمعًا بدويًا منذ بداية العام، ويشمل 323 عائلة فلسطينية.

البيان وصف ما يجري بأنه "إرهاب منظم للمستوطنين يتم بدعم مباشر من مؤسسات الاحتلال الرسمية"، مشيرًا إلى أن تجمع "مغاير الدير" الذي يتألف من 25 عائلة تضم 124 مواطنًا، أصبح فارغًا نتيجة الاعتداءات المتكررة وإقامة مبانٍ استيطانية داخله.

اعتداءات ممنهجة ومخططات تهويدية متواصلة

وفق معطيات رسمية فلسطينية، ارتكب المستوطنون الإسرائيليون منذ مطلع 2025 نحو 1200 اعتداء، 38% منها استهدفت التجمعات البدوية في السفوح الشرقية والأغوار، بينما شهد أبريل/نيسان وحده تنفيذ 341 اعتداء ومحاولة إقامة 10 بؤر استيطانية جديدة.

وارتفع عدد المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة إلى نحو 770 ألف مستوطن، موزعين على 180 مستوطنة و256 بؤرة استيطانية، منها 138 بؤرة رعوية وزراعية، ضمن مساعٍ لضم الضفة الغربية وفرض واقع استيطاني على الأرض.

 

وتشير الإحصائيات الفلسطينية إلى أن عدوان الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك المستوطنين، في الضفة الغربية والقدس الشرقية، منذ حوالي 18 شهراً، أدى إلى استشهاد ما لا يقل عن 969 فلسطينيًا، وإصابة نحو 7 آلاف آخرين، واعتقال أكثر من 17 ألفًا.

ويتزامن هذا التصعيد مع استمرار المجازر في قطاع غزة، حيث يرتكب الاحتلال الإسرائيلي ، بدعم أمريكي، إبادة جماعية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، راح ضحيتها أكثر من 175 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود، ومئات آلاف النازحين.


© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)

سيف الزعبي

قانوني وكاتب حاصل على درجة البكالوريوس في الحقوق، وأحضر حالياً لدرجة الماجستير في القانون الجزائي، انضممت لأسرة البوابة عام 2023 حيث أعمل كمحرر مختص بتغطية الشؤون المحلية والإقليمية والدولية.

الأحدثترند الضفة الغربية تحت نيران الاقتحامات والتطهير العرقي تعيين زيني رئيسًا لـ"الشاباك" يشعل أزمة داخل " إسرائيل" ويدفع لموجة احتجاجات نصائح للتغلب على حساسية الجيوب الأنفية في الصيف أبراج تحب التملص من العمل والمماطلة.. من هم؟ نصائح مهمة للسلامة أثناء موجات الحر Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا حل مشكلة فنية الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTube

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن

اشترك الآن

اقرأ ايضاًسعر الدولار اليوم في مصر الجمعة 8 نوفمبر 2024.. الأخضر أقوى © 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter

مقالات مشابهة

  • خريطة تفاعلية تستعرض هجمات المستوطنين في قرى الضفة الغربية
  • الضفة الغربية تحت نيران الاقتحامات والتطهير العرقي
  • السلاح المسعور.. إسرائيل تسلح مستوطنيها لتهويد الضفة الغربية
  • عاجل- وزير الخارجية الإيطالي: إسرائيل تنتهك القانون الإنساني وندعم المقترح المصري لإعمار غزة دون تهجير
  • ‏الصين تدين إطلاق القوات الإسرائيلية النار تجاه دبلوماسيين في الضفة الغربية وتعتبره "تهديدا" لسلامتهم
  • طلقات تحذيرية من الجيش الإسرائيلي باتجاه دبلوماسيين في الضفة الغربية
  • ماذا تريد إسرائيل من حملاتها العسكرية في الضفة الغربية؟
  • الأردن: إطلاق إسرائيل النار على وفد دبلوماسي في الضفة جريمة تخالف الأعراف الدولية
  • بعد الضوء الأخضر الإسرائيلي .. غزة الإنسانية بديل من المؤسسات الدولية
  • الاحتلال الإسرائيلي يهجّر 8 تجمعات سكنية في الضفة الغربية