شاهد.. حجم الدمار الذي لحق بطائرات في مدرج مطار الخرطوم
تاريخ النشر: 24th, September 2023 GMT
الخرطوم – نبض السودان
اظهرت صور تم تداولها حديثا حجم الدمار الذي لحق بعدد من الطائرات بمدرج مطار الخرطوم الدولي جراء المعارك بين الجيش والدعم السريع .
.
المصدر: نبض السودان
كلمات دلالية: الخرطوم بمدرج دمار شاهد طائرات مطار
إقرأ أيضاً:
الخرطوم بين عنف البادية وغفلة الساسة!
بقلم: حسن أبو زينب عمر
عدسات الكاميرا التي تسللت رغم قلتها على العاصمة المثلثة نقلت للعالم ملامح من البشاعات لا تقل ضراوة من فظاعات هيروشيما ونجازاكي بعد أن انقض عليها الطيار الأمريكي (بول تيبيتس) بطائرته بي 29 .. هيروشيما في صبيحة السادس من أغسطس 1945 ونجازاكي في التاسع من الشهر وتركهما قاعا صفصفا ورمادا تذروه الرياح وذلك بموجب أمر تنفيذي صادر من الرئيس الأمريكي وقتها هاري ترومان ..وقتها قال عالم الفيزياء الشهير (البرت انشتاين) وفى نبرة تقطر ندما وحسرة لزميله (روبرت أوبنهايمر) الذي صنع القنبلة الذرية (الآن جاء دورك لمواجهة عاقبة انجازك فماذا أنت فاعل وماذا أنت قائل ) .
(2)
بعكس الحال هنا وهناك ما بين اعلام يتثائب وعالم يتفرج فقد أوشكت أن تضيع معالم الكارثة فالخرطوم التي سطا عليها اللصوص صنيعة البشير وتربية البرهان في ذلك اليوم الأغبر لم يكتفوا بقلع نوافذ وأبواب بيوتها بل حفروا الأعماق بحثا عن نحاس (كيبلات خطوط الكهرباء) ولم يتركوها الا خرابات لا تصلح حتى لنعيق طائر البوم ومع ذلك لم تجد لها بواكي من العالم الخارجي يشق لها الجيوب ويلطم لها الخدود حتى بعد بيع السفلة والقتلة وتجار الحروب تاريخها وتراثها النادر الذي نهبوه من المتاحف في المزادات السرية بتراب (الأرض) . وهاهم أهلها وقد صفعتم الفاجعة وأعياهم النزوح مشردون تائهون في فجاج الأرض وقد أثقل كاهلهم عذابات اللجوء في المنافي ولكن الرحيم الرحمن الحنان المنان لطف بقممهم السامقة محمد أحمد محجوب ومنصور خالد وعبد الله الطيب والروائي العالمي الطيب صالح ووردي والكابلي وود الأمين وآخرون في كل مجالات المعارف أنهم غادروا الفانية قبل الاعصار.
(3)
كان بوسع الاعلام السوداني أن يخرج من الغوغائية ويستثمر الفظاعات التي تشيب لها رؤوس الأجنة في أرحام النساء لصناعة راي عام عالمي يتعاطف ويستنكر على أضعف الايمان ويطالب بمحاكمة الجناة ولكن وحاسرتاه فقد سجلت الجريمة ضد مجهول وأرخيت الستارة. فلا شيء مثل الجن بالليمون في زمن الحروب وأجمل الأثداء في اللمس المليء المستدير كما يقول نزار قباني.
(4)
بالطبع فان الخرطوم التي يكللها الخراب والدمار الآن ليست الخرطوم (ﺍﻟﻼﺀﺍﺕ ﺍﻟﺜﻼﺙ) بعد نكسة حزيران 1967 ليس لأنها ﺍﺣﺘﻀﻨﺖ أﻫﻢ وأﺧﻄﺮﻣﺆﺗﻤﺮ قمة عربي فحسب لأن الذي زارها وقتها لم يكن ينتمي لأبالة آل دقلو بل كان ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﻭ ﺍﻟﻤﺴﺮﺣﻲ ﻭﺭﺍﺋﺪ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺍﻟﺤﺮ ﺍﻟﻘﺎﻣﺔ ( ﺻﻼﺡ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺼﺒﻮﺭ ) وﻛﺎﻥ وقتها ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺿور للمؤتمر فأخذ بلبه سحر ﻣﻠﺘﻘﻲ ﺍﻟﻨﻴﻠﻴﻦ في المقرن فتغزل بها يقول
(5)
ﻳﺎ ﻗﺪﺭﺍﻥ ﻓﻲ ﻣﺠﺮﻯ
ﺗﺒﺎﺭﻙ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺠﺮﻱ
ﻓﻴﻤﻨﺎﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻴﺴﺮﻯ
ﻭﻳﺴﺮﺍﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺧﺮﻱ
ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻷﺯﺭﻕ ﺍﻟﻌﺎﺗﻲ
ﺗﺪﻓﻖ ﺧﺎﻟﺪﺍ ﺣﺮﺍ
ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻷﺑﻴﺾ ﺍﻟﻬﺎﺩﻱ
ﻳﻀﻢ ﺍﻷﺯﺭﻕ ﺍﻟﺼﺪﺭﺍ
ﻻ ﺍﻧﻔﺼﻼ ﻭﻻ ﺍﻧﺤﺴﺮﺍ
ﻭﻻ ﺃﺧﺘﻠﻔﺎ ﻭﻻ ﺍﺷﺘﺠﺮﺍ
ﻭﻻ ﻫﺬﻯ ﻭﻻ ﺗﻠﻚ
ﻭﻻ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ
ﺗﺴﺎﻭﻯ ﻣﻠﺘﻘﻰ ﺍﻟﻨﻴﻠﻴﻦ
ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺮﻃﻮﻡ ﻳﺎ ﺳﻤﺮﺍ
(6)
ولكن لأن الخرطوم لم تكن يومًا مجرد نقطة على خارطة الجغرافيا، بل كانت وما زالت نُقطة التقاء الروح بالزمان والمكان والإرادة. بل ملتقى ذاكرة تُنسج من الماء والتراب، من الحنين والصبر، من المروءة والمكرمات فقد افتتن بجمالها أيضا الشاعر إبراهيم رجب وإبراهيم رجب لم يكن ينحدر من حثالة همج عرب شتات أفريقيا. بل لم يكن سودانيا كما يعتقد الكثيرون فهو شاعر مصري يقال انه كان يعمل ضمن البعثة المصرية للتعليم سكنت الخرطوم في وجدانه وسرت في دمه (جنة رضوان) ..هام بها وجدا فكلل عنقها بالرياحين وورد الخزامى وكتب ما يحسده عليه ابن البلد
(7)
يا حليلك وحليل ايامك على ليالي زمان
طول عمري ما شفت مثالك في أي مكان
وقلبي عايش لي غرامك ما بعد غرام
كانت ايام يا وطني زي الأحلام يا وطني
بتذكر فيك عهد صبايا على شاطئ النيل
حبيبي جالس حدايا أسمر وجميل
انا بفخر بيك يا وطني بالروح افديك يا وطني
(8)
كانت الخرطوم التي انتهك حرمتها وبال على رأسها وذبحها من الوريد الى الوريد السفلة والقتلة عاصمة الثقافة العربية بجدارة واستحقاق فبقدر ما تعلق قلوب الأجانب بالسودان وتغنوا له فان ملوك الطرب في بلدنا حلقوا كالنحل يقتاتون من ورد الابداع العربي وها هو بحر الشعر الغنائي السوداني مليء بالدرر والأصداف الجميلة. وفي محاولة منهم للتميز وتقديم الأفضل، تغنى الفنانون السودانيون بأغنيات لشعراء عرب قدامى ومحدثين بدءاً بالشاعر الوطني والمغني الوطني خليل فرح، وفضل المولى زنقار صاحب أغنية (سوداني الجوا وجداني) و(من بف نفسك يا القطار) فقد تغنى برائعة الياس فرحات (عروس الروض) .. ولكن يظل الكابلي من أكثر الفنانين الذين حظوا برصيد كبير من قصائد الشعراء العرب، فقد تغنى لأبى فراس الحمداني والمتنبي وأبي نواس وللعقاد (شذى زهر) وتغنى للشاعر نزار قباني الفنانان محمد الأمين (طائشة الضفائر) وحمد الريح (حبيبتي إن يسألوك يوماً فلا تفكري كثيراً) فيما تغنى الفنان عبد العزيز أبو داؤود (هل أنت معي) للشاعر المصري محمد أحمد علي، وتغنى سيد خليفة لشعراء مصريين بجانب (بلد أحبابي) وسمرا و(حلم الصبا)
من انت يا حلم الصبا
من انت يا أمل الشباب
فيما تغنى الثنائي الوطني بقصيدة أمة الأمجاد) للشاعر المصري مصطفى عبد الرحمن
(9)
من أوائل الذين مهدوا الطريق للتغني لشعراء عرب الشاعر والمغني والملحن خليل فرح فقد غنى قصيدة الشاعر العربي الغزلي المعروف عمر ابن أبي ربيعة
أعبده ما ينسى مودتك القلب ولا هو يسليه رخاء ولا كر
ولا قول واش كاشح ذي عداوة ولا بعد دار أن نأيت ولا قرب.
وتغنى عبد الدافع عثمان برائعة للشاعر اليمني أحمد با كثير
ان رأيت الصبح يهدي لك سحره
فأذكريني وأذكري يوم البحيرة
يوم أقبلت وفي يمناك زهرة
قد حكت في وجهك الصباح ثغره
(10)
ولكن تظل دائما كلمات من شعر محمد محمد على ومحمد أحمد محجوب وادريس جماع مكتوبة بأحرف من ذهب لا تصدأ ويظل بريقها يلمع وتتغنى بها الأجيال ضمن إبداعات من عيون الشعر السوداني فقد صدح عبد العزيز مجمد داؤود من كلمات محمد محمد علي
همسات من ضمير الغيب تشجي مسمعي
وخيالات الأماني رفرفت في مضجعي
وأنا بين ظنوني وخيالي لا أعي
عربدت بي هاجسات الشوق إذ طال النوى
وتوالت ذكرياتي عطرات بالهوى
كان لي في عالم الماضي غرام وأنطوي
كان لي في الأمس أحلام وشوق وحبيب
كان للجرح طبيب لا يدانيه طبيب
كان ما كان وبتنا كلنا ناء غريب
(11)
ومن حق الفنان محمد عبده (عندليب الخليج) أن يرتاح في بستان ادريس جماع بعد عناء طويل من الترحال ليصدح بكلماته
آنست فيك قداسة ولمست اشراقا وفنا
ونظرت في عينيك آفاقا وأسرارا ومعنى
اما المحجوب فقد أنتصر له الكاتب والأديب المصري عبد الرحمن الشرقاوي فقال ان مشاعر رئيس وزراء السودان الشاعر الأديب السياسي المحامي المهندس هاجت في زيارة لأسبانيا فهاجمته ذكريات الأمجاد العربية التي غربت شمسها بعد تسليم عبد الله الصغير آخر ملوك الأندلس الذي لقبه العرب بالمشؤوم مفاتيح غرناطة بعيون دامعة لفيرناندو وزوجته ايزابيلا فكتب رائعته (الفردوس المفقود) يقول
نزلت شطك بعد البيد ولهانا
وذقت فيك من التبريح ألوانا
وسرت فيك غريبا ظل سامره
دارا وشوقا وأحبابا وأخوانا
فلا اللسان لسان العرب نعرفه
ولا الزمان كما كنا وماكانا
لهفي على القدس في البيداء دامية
نفديك يا قدس ارواحا وأبدانا
oabuzinap@gmail.com