الدولة الحديثة في الغالب دولة لها دستور يُحدّد شكلها ونظام الحُكم فيها ويُبيّن السلطات العامة واختصاصاتها وعلاقاتها ببعض، ويُقرر ما للأفراد من حقوق وحريات عامة تجاه الدولة.. هذا الدستور أو «النظام الأساسي» يتربّع على قمة النظام القانوني في الدولة ويتمتع بالسمو على كافة القواعد القانونية الأخرى، حيث يمنح الدستور كل سلطة من السلطات اختصاصها المستقل بحيث إنّ تلك السلطات إذا تعدت حدود الاختصاص الممنوح لها في الدستور انقلبت من سلطة قانونية تستند إلى الدستور إلى سلطة فعلية لا سند لها إلاّ القوة المادية، ولا تستطيع أي سلطة أن تنقل جزءًا من اختصاصها لسلطة أخرى إلا بسند من الدستور وإلا عُدّ هذا التفويض باطلا.
وحيث إنّ الدستور وحده لا يكفي لسد حاجة البشر لجموده «يحتاج إلى إجراءات خاصة لتعديله» واحتوائه على مواد وأحكام عامة لا تستجيب لتغيرات واحتياجات الحياة بسهولة، فكان لا بد من سن القوانين واللوائح التي تُفصّل مواد الدستور وتفصل فقراته، لتواكب المتغيرات والمستجدات الكثيرة التي تواجه المجتمع، ومن ثمّ زادت القوانين وتنوعت التشريعات وتعددت اللوائح والأوامر الإدارية التي تنظم تلك العلاقات لتحقيق الهدف الأسمى وهو العدالة وحفظ الحقوق على جميع المستويات، ونتيجة لتداخل عمل السلطات التشريعية، والتنفيذية، والقضائية وما قد يسببه ذلك من تجاوزات ومخالفات وتعارض مع نصوص الدستور في بعض الأحيان استُحدث مبدأ الفصل بين هذه السلطات لكي تمارس كل سلطة عملها باستقلالٍ وحرية تحت ظل الدستور الذي ينظم هذه العلاقات، دون أن تفقد ميزة التعاون مع السلطات الأخرى.
ويبدو أنّ هذا لم يكن كافيًا أيضًا، فكان لا بد من وجود نظام للرقابة على دستورية القوانين يتم استخدامه لفحص مدى مخالفة أو موافقة القوانين واللوائح والأوامر الإدارية للقانون الأعلى وهو الدستور أو النظام الأساسي للدولة، لذا أنشئت في أغلب الدول جهة للرقابة على دستورية القوانين، سواء كانت هذه الجهة مستقلة كالمحكمة الدستورية العليا في الكويت عام 1973م، وفي مصر عام 1979م وفي الأردن عام 2011م على سبيل الذكر، أو تكون هذه الجهة ضمن الجهاز القضائي للدولة كالمحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية التي أنشئت عام 1789م وتختص فيما تختص بمراجعة الإجراءات الحكومية والنظر في مدى تطابق القوانين والتشريعات مع المبادئ الدستورية الأساسية، وتمارس هذا الاختصاص باقي المحاكم في الولايات الأمريكية حيث توجد أكثر من 25 محكمة تمارس الرقابة على دستورية القوانين بين محاكم استئناف ومحاكم مقاطعات إضافة للمحكمة العليا.
ومنح الدستور في سلطنة عُمان (النظام الأساسي للدولة) اختصاص الرقابة على دستورية القوانين للمحكمة العليا التي أنشئت طبقًا لقانون السلطة القضائية 90/99، الذي جاء في المادة 10 منه تشكل بالمحكمة العليا -عند الحاجة- هيئة تتألف من كذا وكذا من القضاة وسمّاهم بمناصبهم، وفي المادة 11 «وتكون هذه الهيئة هي الجهة القضائية المختصة بالفصل في المنازعات المتعلقة بمدى تطابق القوانين واللوائح مع النظام الأساسي للدولة وعدم مخالفتها لأحكامه».
إلاّ أنّ الفرق بين المحكمة العليا الأمريكية والمحكمة العليا العمانية أنّ الأولى لم يمنحها الدستور الاختصاص في الرقابة على دستورية القوانين إنّما انتزعته لنفسها وطبقته بعد ذلك بقيّة المحاكم الأمريكية، ولم تستطع أي مؤسسة أخرى في أمريكا سواء الكونجرس أو الحكومة أو هيئة الرئاسة أن تنكر على المحكمة العليا هذا الحق أو تُقلّل من قوته وتأثيره، في حين أنّ المحكمة العليا العُمانية على العكس تماما منحها النظام الأساسي للدولة الحق لهذا الاختصاص في المادة 70 والمادة 79 من النظام الأساسي لعام 1996 على ضرورة أن تتطابق القوانين والإجراءات التي لها قوة القانون مع أحكام النظام الأساسي للدولة، ثم جاء قانون السلطة القضائية بعد ثلاثة أعوام ليؤكد على هذا الحق، لكن المحكمة العليا في سلطنة عمان ورغم مرور أكثر من عشرين عاما على صدور هذا القانون لم تمارس حقها في الرقابة على دستورية القوانين، ولم تفعّل هذا النظام رغم أهميته.
وفي النظام الأساسي الجديد الصادر عام 2021م أكد على أهمية تطابق القوانين مع أحكام النظام الأساسي، حيث نص في المادة 96 بأنه (يجب أن تتطابق القوانين والإجراءات التي لها قوة القانون والمراسيم السلطانية واللوائح مع أحكام النظام الأساسي للدولة) ورمى بالرقابة على الدستورية في مضرب المحكمة العليا قانون السلطة القضائية.
تعودنا من الإرادة السياسية في عمان التدرج البنائي الذي يأتي كل عشرة أعوام مرحلة مرحلة، وهذا ما حصل للجانب التشريعي والنيابي حيث أُنشئ أول مجلس بلدي عام 1972م تبعه المجلس الاستشاري عام 1981م ثم مجلس الشورى عام 1991، ومع نضوج التجربة تسارعت الخُطى وصدر النظام الأساسي للدولة بعد خمس سنوات أي عام 1996م، وبعد ذلك بعام أنشئ مجلس عمان بالمرسوم السلطاني 86/ 97، الذي عُدّل في أكتوبر عام 2011م وتوسعت «نوعًا ما» بموجب هذا التعديل صلاحيات واختصاصات مجلسي الدولة والشورى، إلاّ أنّ الرقابة على دستورية القوانين ظلّت على حالتها لم تتطور.
وهنا أقترح على المحكمة العليا إن جاز لي أن اقترح كمتخصص في القانون الدستوري ما يلي:
1- الإسراع في تفعيل الهيئة القضائية المشار إليها في قانون السلطة القضائية المواد 10، و11 وتحريك الدعاوى الدستورية سواء بطريق التصدي أو الإحالة أو بطريق الدفع الفرعي وجميعها تبدو متاحة في النظام القضائي العماني، فقط بحاجة لقانون تنظيمي.
٢- تشكيل لجنة قانونية من ذوي الاختصاص الدقيق في القانون الدستوري من جهات معنية، لمراجعة القوانين واللوائح والأوامر الإدارية النافذة ومطابقتها بالنظام الأساسي للدولة، ورفع تقرير بشأن ما بها من مخالفات.
٣- المبادرة إلى تأهيل قانونيين دستوريين أكفاء لتولي القضاء الدستوري مستقبلًا، والتنسيق مع كلية الحقوق بجامعة السلطان قابوس من أجل وضع برامج تعليمية متخصصة في هذا المجال، كي لا تتفاجأ المحكمة العليا بالتوجه نحو تطبيق نظام الرقابة على دستورية القوانين وليس لديها الكادر الوطني المؤهل لتولي هذه المهمة، ونستعيد تجربة المحكمة نفسها عندما أُنشئت عام 1999م وتمت الاستعانة بقضاة شرعيين لعدم وجود عدد كافٍ من القضاة المتخصصين في مجال المحاكم العامة أو الجزائية وفق القانون.
د. صالـح المسكري كاتب عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السلطة القضائیة المحکمة العلیا فی المادة
إقرأ أيضاً:
رابطة التعليم الأساسي تحذر عبر لبنان٢٤: الخطوات المقبلة ستترجم في الشارع
أكد رئيس رابطة التعليم الأساسي حسين جواد في حديث لـ"لبنان 24" "أن الإضراب الذي ينفذه المعلمون في القطاع الرسمي يهدف إلى تأكيد الحقوق المعيشية المسلوبة وحض الحكومة على التعامل بجدية مع مطالب الأساتذة، بعد أشهر من الوعود وعدم التجاوب".
وأوضح جواد "أن المطالب تشمل ضم كل الملحقات إلى أساس الراتب ورفع الراتب إلى 37 ضعفًا، في مقابل الراتب الحالي البالغ 13 ضعفًا زائد مثابرة، وهو ما يعتبر غير كافٍ لتغطية احتياجات الأسرة المكونة من أب وأم وثلاثة أولاد".
وأشار إلى "أن الإضراب الحالي تحذيري قبل خطوات تصعيدية أكبر، موضحًا أنه سيتم تنفيذ إضراب ليومين الأسبوع المقبل، يترافق مع اعتصام وتظاهرة يوم الأربعاء، للضغط على الحكومة التي لم تتجاوب بعد، ولحثها على إدراج هذا الملف على جدول أعمال مجلس الوزراء من دون مماطلة".
وأكد جواد "أن الرابطة لن تنتظر أكثر، وأن الشارع قد يكون السبيل الوحيد لتحقيق المطالب في ظل استمرار سياسة المماطلة والتسويف والترقيع". مواضيع ذات صلة رابطة المتقاعدين في التعليم الاساسي اعلنت تضامنها مع رابطة موظفي القطاع العام Lebanon 24 رابطة المتقاعدين في التعليم الاساسي اعلنت تضامنها مع رابطة موظفي القطاع العام 11/12/2025 11:50:25 11/12/2025 11:50:25 Lebanon 24 Lebanon 24 ورشة نقابية لرابطة المتعاقدين بالتعليم الأساسي بدعم نروجي في سن الفيل Lebanon 24 ورشة نقابية لرابطة المتعاقدين بالتعليم الأساسي بدعم نروجي في سن الفيل 11/12/2025 11:50:25 11/12/2025 11:50:25 Lebanon 24 Lebanon 24 روابط التعليم الرسمي قررت التعبير في الشارع لإيصال صوت الأساتذة والمعلمين Lebanon 24 روابط التعليم الرسمي قررت التعبير في الشارع لإيصال صوت الأساتذة والمعلمين 11/12/2025 11:50:25 11/12/2025 11:50:25 Lebanon 24 Lebanon 24 بهية الحريري تابعت مع رابطة متعاقدي الأساسي ملف التفرغ Lebanon 24 بهية الحريري تابعت مع رابطة متعاقدي الأساسي ملف التفرغ 11/12/2025 11:50:25 11/12/2025 11:50:25 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنان أخبار عاجلة التعليم الأساسي رابطة التعليم مجلس الوزراء رئيس رابطة لبنان 24 قد يعجبك أيضاً إصابة لبناني بإنفجار لغم ارضي عند الحدود السورية - اللبنانية Lebanon 24 إصابة لبناني بإنفجار لغم ارضي عند الحدود السورية - اللبنانية 04:46 | 2025-12-11 11/12/2025 04:46:19 Lebanon 24 Lebanon 24 مداهمة في الأشرفية… وتوقيف مجموعة داخل منزل مُشتبه به Lebanon 24 مداهمة في الأشرفية… وتوقيف مجموعة داخل منزل مُشتبه به 04:39 | 2025-12-11 11/12/2025 04:39:36 Lebanon 24 Lebanon 24 ويبينار وطني في وزارة التربية لشرح آليات جمع البيانات وتوحيدها في المدارس الرسمية Lebanon 24 ويبينار وطني في وزارة التربية لشرح آليات جمع البيانات وتوحيدها في المدارس الرسمية 04:36 | 2025-12-11 11/12/2025 04:36:38 Lebanon 24 Lebanon 24 الجميّل استقبل وفد الجامعة اللبنانية الكندية Lebanon 24 الجميّل استقبل وفد الجامعة اللبنانية الكندية 04:34 | 2025-12-11 11/12/2025 04:34:03 Lebanon 24 Lebanon 24 منصة لبنانية ناشئة تبتكر حلاً.. Waynou تحافظ على ممتلكاتك الثمينة آمنة Lebanon 24 منصة لبنانية ناشئة تبتكر حلاً.. Waynou تحافظ على ممتلكاتك الثمينة آمنة 04:30 | 2025-12-11 11/12/2025 04:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة المنخفض الجويّ يصل الليلة إلى لبنان... أمطارٌ طوفانيّة وثلوج كثيفة Lebanon 24 المنخفض الجويّ يصل الليلة إلى لبنان... أمطارٌ طوفانيّة وثلوج كثيفة 07:59 | 2025-12-10 10/12/2025 07:59:48 Lebanon 24 Lebanon 24 رحلة متّجهة إلى تل أبيب غيّرت مسارها... ما الذي جرى فوق بيروت؟ Lebanon 24 رحلة متّجهة إلى تل أبيب غيّرت مسارها... ما الذي جرى فوق بيروت؟ 06:09 | 2025-12-10 10/12/2025 06:09:50 Lebanon 24 Lebanon 24 تقرير استرالي: مع اقتراب الموعد .. هل سينجو لبنان من حرب إسرائيلية جديدة؟ Lebanon 24 تقرير استرالي: مع اقتراب الموعد .. هل سينجو لبنان من حرب إسرائيلية جديدة؟ 10:30 | 2025-12-10 10/12/2025 10:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 تعقيدات شمال الليطاني واحتمالات الحرب Lebanon 24 تعقيدات شمال الليطاني واحتمالات الحرب 10:00 | 2025-12-10 10/12/2025 10:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 تحذير عاجل من الأمن العام للبنانيين: هذا الموقع تابع للعدوّ الإسرائيليّ Lebanon 24 تحذير عاجل من الأمن العام للبنانيين: هذا الموقع تابع للعدوّ الإسرائيليّ 05:27 | 2025-12-10 10/12/2025 05:27:55 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك عن الكاتب "خاص لبنان24" أيضاً في لبنان 04:46 | 2025-12-11 إصابة لبناني بإنفجار لغم ارضي عند الحدود السورية - اللبنانية 04:39 | 2025-12-11 مداهمة في الأشرفية… وتوقيف مجموعة داخل منزل مُشتبه به 04:36 | 2025-12-11 ويبينار وطني في وزارة التربية لشرح آليات جمع البيانات وتوحيدها في المدارس الرسمية 04:34 | 2025-12-11 الجميّل استقبل وفد الجامعة اللبنانية الكندية 04:30 | 2025-12-11 منصة لبنانية ناشئة تبتكر حلاً.. Waynou تحافظ على ممتلكاتك الثمينة آمنة 04:18 | 2025-12-11 السيّد: هل تكفي الدولارات القليلة التي تحال على القطاع العام ليومين في لبنان ؟ فيديو محمد اسكندر يطلق " انسى وطنش ".. وملكة جمال تُشاركه الكليب ! Lebanon 24 محمد اسكندر يطلق " انسى وطنش ".. وملكة جمال تُشاركه الكليب ! 05:09 | 2025-12-06 11/12/2025 11:50:25 Lebanon 24 Lebanon 24 بسعر منافس جداً.. إطلاق هاتف جديد بقدرات تصوير مميزة (فيديو) Lebanon 24 بسعر منافس جداً.. إطلاق هاتف جديد بقدرات تصوير مميزة (فيديو) 04:00 | 2025-12-06 11/12/2025 11:50:25 Lebanon 24 Lebanon 24 بث مباشر.. البابا لاوون الرابع عشر في ساحة الشهداء Lebanon 24 بث مباشر.. البابا لاوون الرابع عشر في ساحة الشهداء 09:14 | 2025-12-01 11/12/2025 11:50:25 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان فيديو خاص إقتصاد عربي-دولي متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24