سواليف:
2025-05-28@14:10:51 GMT

ما يجري الآن في فلسطين وللفلسطينيين

تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT

ما يجري الآن في فلسطين وللفلسطينيين

ما يجري الآن في #فلسطين وللفلسطينيين

بقلم : د. #لبيب_قمحاوي

التاريخ: 14/10/2023

lkamhawi@cessco.com.jo

مقالات ذات صلة الرواية الإسرائيلية الكاذبة والأبواق الأمريكية المتواطئة 2023/10/14

الإعلان الإسرائيلي عن #الهجوم الكاسح الناجح الذي قامت به قوات #القسام على مستعمرات ومدن غلاف #غزة جاء مشيراً إلى فداحة الصدمة التي أصابت الكيان الاسرائيلي من جهة والنوايا الخبيثة الإجرامية لهذا الكيان ضد معضلتهم الأكبر في إقليم غزة الفلسطيني جغرافياً وبشرياً، وإلى التبشير الاسرائيلي المبكر بأن المعركة المقبلة مع هذا الإقليم سوف تكون طويلة ودموية لأن أهدافها تتمثل في إفراغ إقليم غزة من معظم سكانِهِ وإجراء تغييرات بشرية ديموغرافية بنقل السكان من منطقة الى أخرى بحيث يتحول سكان غزة من مجموعة واحدة الى مجموعات مبعثرة هنا وهناك يسهل التعامل معها عسكرياً وكذلك اختراقها وتدميرها.

وهكذا، فإن وقف الحرب الاسرائيلية الدائرة الآن محكوم بشكل أساسي بقدرة اسرائيل على النجاح في الوصول الى أهدافها سواء المخفية أو المعلنة . وتتمثل هذه الأهداف بشكل عام بما يلي :

أولا: تدمير مدينة غزة بشكل شبه كامل دون أي اعتبار للقانون الدولي أو الانساني أوالضحايا بين المدنيين والتبرير الاسرائيلي لذلك من خلال الإعلان الاسرائيلي العنصري المتكرر بأن الفلسطينيين ليسوا بشراً وبالتالي لا تنطبق عليهم القوانين الانسانية وأن الإسرائيليين فقط هم البشر .

ثانيا: #تهجير اكبر عدد ممكن من الفلسطينيين من إقليم غزة بحيث لا يعود هذا الإقليم قنبلة بشرية فلسطينية تقلق اسرائيل وأمنها المستقبلي .

ثالثا: #تدمير كافة التنظيمات الفلسطينية في غزة والتي تتبنى نهج المقاومة تدميراً كاملاً، ومنهم حركة حماس وكتائب القسام والجهاد الإسلامي .

رابعاً : محاولة خلق حُكماً فلسطينياً في إقليم غزة يكرس الانفصال الفلسطيني ويكون تابعاً للاحتلال وظلا َّ له مثل السلطة الفلسطينية في الضفة الفلسطينية .

خامساً : تهدئة نفوس الاسرائيليين التي أصابها الخوف والفزع من الانجاز العسكري الفلسطيني والهزيمة الاسرائيلية وإعادة ثقتهم بمؤسستهم العسكرية من خلال تدمير المدن الفلسطينيية وقتل الفلسطينيين ِبنَفَسٍ انتقامي يخلو من أي نزعة إنسانية.

الحقيقة الأساس والأهم في محاولة فهم موقف أمريكا والعالم الغربي المجنون في إعطاءه لإسرائيل تفويضاً مفتوحاً لفعل ما تريد مهما أدى ذلك التفويض إلى عنف مجنون وعمليات قتل متعمدة وابادة جماعية لسكان إقليم غزة من المدنيين هي أن اسرائيل في واقعها الحالي نتاج للحرب العالمية الثانية . وهذا المنتج الذي جاء على حساب الشعب العربي الفلسطيني كان ومازال يشكل جزأ ً رئيساً من الرؤية الأمريكية والغربية للحفاظ على مصالحها في المنطقة وفي العالم . ومن هنا، فإن اسرائيل تقع في منظور الرؤية الأمريكية والغربية خارج نطاق القانون الدولي والإنساني والاعراف الدولية وما هو مسموح به وما هو ممنوع . فهذا ينطبق على الآخرين في العالم وليس على اسرائيل التي تشكل امتداداً للرؤية الغربية وللذنوب والانتصارات التي رافقت وأعقبت الحرب العالمية الثانية، مع أن شعوب العالم الغربي قد فاض بها الكيل من استمرار متاجرة الاسرائيليين بعقدة الذنب لما يزيد عن سبعين عاماً .

اسرائيل باقية ما بقي النظام الدولي السائد منذ الحرب العالمية الثانية ولن تزول إلا بزوال ذلك النظام . هذه هي الحقيقة المؤلمة التي تفسر الكثير من الألغاز والأحجيات التي ترافق موقف العالم الغربي من الكيان الاسرائيلي،  ولا يجدي في هذه الحالة الحديث عن الحقوق والعدالة ووجوب الكيل بنفس المكيال .. إلى آخر ذلك فهذا كلام لا يُجدي ولا معنى له في قاموس المصالح السياسية والاقتصادية للعالم الغربي .

وهذا الحال يترك الفلسطينيون في المدى المنظور أمام خيارين : الأول يتمثل بالقبول والانصياع والتعايش من منطلق الهزيمة والاستسلام وهو خيار تمثله السلطة الفلسطينية، والثاني خيار الرفض والمقاومة وعدم قبول الأمر الواقع وجعل كلفة الاحتلال عالية وبشكل مستمر وهذا موقف حماس وكتائب القسام . وخطة اسرائيل على ما يبدو تتمثل في جعل تكلفة الخيار الثاني على الفلسطينيين عالية جداً لدرجة تمنعهم من تبني هذا الخيار وهو ما تحاول اسرائيل فعله الآن .

إن استيعاب وضع النظام الدولي السائد وميزان القوى المرافق له، وهو حالياً في صالح القوى المؤيدة والداعمة لإسرائيل، يشير الى استحالة تبني خيار التحرير في هذا الوقت لأن ذلك يعني الِصَدام مع قوى العالم الغربي وعلى رأسها أمريكا . ولكن ذلك لا يعني ولا يجب أن يعني الاستسلام للأمر الواقع والقبول بالإحتلال . إن العمل على خلق الإحساس لدى الإحتلال بأن وضعه مؤقت وأن وجوده مفروض بالقوة من خلال عمليات مقاومة هو أمر ضروري وأساسي لإستمرار القضية الفلسطينية حية وذات قيمة مادية ومعنوية ووطنية عالية وأنها في نهاية الأمر َسّداً يحمي الفلسطينيين من إمكانية تطبيق الحل الأمريكي الذي أباد سكان أمريكا الأصليين من الهنود الحمر واستولى على بلادهم أو الحل البريطاني الذي أباد سكان أستراليا الأصليين واستولى على بلادهم . ومن هنا تأتي خطورة مسار السلطة الفلسطينية الذي يقبل بالاحتلال والتبعية له على مستقبل القضية الفلسطينية والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وأهمية مسار المقاومة كما تجسده حركة حماس مع أنها تعلم جيداً أن مسار المقاومة في الظروف الحالية لن يؤدي إلى تحرير فلسطين أو يسمح به  ولكنه سوف يمنع ذوبان القضية الفلسطينية وطمس معالم الشعب الفلسطيني وسرقة تراثه .

وهكذا، ومع أن ما حصل مؤخراً لن يؤدي الى التحرير، كون الفلسطينيون اكثر وعياً من الانجرار وراء الوهم والسراب،إلا أنه يشكل جهداً هاماً وخطيراً لتغيير قواعد التعامل مع القضية الفلسطينية التي أصبحت الآن في صالح اسرائيل بشكل يكاد أن يكون كاملاً، وأخذت تترجم نفسها مؤخراً في عمليات إهانة واذلال بشكل عملي وعلني ويومي للفلسطينيين والتعامل معهم باحتقار كامل واهانتهم واهانة مقدساتهم، الأمر الذي خلق وضعاً ضاغطاً ولم يترك أمام الفلسطينيين من خيار سوى هز المياه الراكدة من خلال عملية تُعيد وضع الفلسطينيين على خارطة الأحداث وتجعل منهم طرفاً رئيساً في أي تسوية أو مباحثات حتى ولو كانت جزئية للقضية الفلسطينية وللعلاقة بين اسرائيل والفلسطينيين، خصوصاً بعد أن تنازلت السلطة الفلسطينية تحت قيادة محمود عباس عن هذا الدور للإسرائيليين وقبلت أن تجعل الفلسطينيين ظلا ًّ تابعاً للإحتلال .

إن ما أثار جنون #اسرائيل وأمريكا والعالم الغربي أن #الفلسطينيين نجحوا بعمليتهم الأخيرة في تحدي الحصار الاسرائيلي وآلة الحرب والحماية الاسرائيلية والتكنولوجيا الأمريكية وتمكنوا من اختراق #الحصار الاسرائيلي واحتلال العديد من مدن ومستوطنات غلاف غزة مما شكَّل هزة للفلسفة الأمنية الاسرائيلية بأوجهها المختلفة والهادفة إلى إلغاء أي دور للفلسطينيين واعتبار وجودهم على أرض فلسطين أمراً طارئاً وغير شرعي وغير مرغوب به وأن أصحاب الحق بالتواجد على أرض فلسطين هم الاسرائيليون حصراً.

الأمور لم تعد كما كانت، وقواعد الاشتباك والتفاهم لن تعد كما كانت . الذعر الذي خلفة  النجاح الفلسطيني الملحوظ بين أوساط الاسرائيليين أجبر الولايات المتحدة على ارسال حاملة الطائرات جيرالد فورد وأطنان من الذخيرة خلال ساعات من وقوع الهجوم الفلسطيني وذلك حتى تعيد الثقة إلى حلفائها الإسرائيليين المذعورين . ومع ذلك، من الصحيح الافتراض بأن نجاح الفلسطينيين في هجومهم على مدن ومستوطنات غلاف غزة سوف يؤدي بالنتيجة إلى سقوط حكومة اليمين المتطرف ويشكل نهاية الحياة السياسية لنتنياهو ، وربما نهاية اليمين الإسرائيلي إلى الأبد كما حصل لحزب الماباي بعد حرب 1973 . الأمور لن َتعُد كما كانت داخل الجسم السياسي الإسرائيلي الذي يجب أن يبحث عن مسار جديد  بعد أن كاد حكم اليمين العنصري المتعصب أن يطيح بأمن إسرائيل من خلال ِفْكرَهُ المتعصب ذو المنظور الاحادي الاقصائي، الذي إستثار الغضب الفلسطيني وأسس لرد الفعل الفلسطيني الأخير  .   

الأمور سوف تنصب الآن على اعادة رسم خارطة الأحداث في المنطقة . والخيار بالنسبة للإسرائيليين وحلفائهم في العالم الغربي يتأرجح بين إلغاء أي دور للفلسطينيين على الاطلاق، أو الاعتراف بحقهم في دولة خاصة بهم ضمن مواصفات معينة بهدف تخفيف الاحتقان الفلسطيني ومنع انفجار الأوضاع في المستقبل، وإن كان ذلك قد يعني مطالبة الفلسطينيين بدفع أثمان فادحة مقابل الحصول على تلك الدولة والمرشح أن تكون دولة تابعة أمنياً واقتصادياً لإسرائيل . وهذا يعني استبدال عنوان الحكم الذاتي بعنوان الدولة دون أي تغيير في المحتوى .

المقاومة المستمرة هي الرد الفلسطيني الصحيح على الاحتلال وهذا الاحتلال يزداد شراسة ولؤماً كلما زاد استسلام الفلسطينيين وقبولهم بالاحتلال .وسلوك الاحتلال  الشاذ المجرم الذي لا يعتبر الفلسطينيين بشراً، هو السبب في تأزيم الأوضاع وتأجيج المشاعر بين أوساط الشعب الفلسطيني، وعلى المجتمع الدولي أن يحاكم الإسرائيليين على أفعالهم  التي تسببت في رد الفعل الفلسطيني الآخير .

الإسرائيليون سوف يشربوا بالنتيجة وإن عاجلاً أو آجلاً من نفس الكأس المرّ الذي أجبروا الفلسطينيين على تجرعه. ولا أحد يلوم الفلسطينيين، فالعين بالعين والبادئ أظلم . ماذا سيقول العالم لو أن الفلسطينيين طالبوا  الإسرائيليين أن يسارعوا إلى ترك كيانهم البائس حفاظاً على أرواحهم ؟؟  إسرائيل الآن تطلب من سكان إقليم غزة من الفلسطييين ترك بيوتهم ومغادرة غزة حفاظاً على حياتهم !! ماذا يقول العالم ازاء ذلك ؟ ماذا يقول العالم لرئيس إسرائيل عندما يصرح بأنه لا يوجد فلسطيني برئ في غزة، أهي دعوة لتبرير عملية القتل الجماعي للمدنيين؟ الغرب المتوحش كشر عن انيابه دفاعاً عن عنصرية اسرائيل وهي امتداد لعنصرية العالم الغربي التاريخية .

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: فلسطين الهجوم القسام غزة تهجير تدمير اسرائيل الفلسطينيين الحصار السلطة الفلسطینیة القضیة الفلسطینیة العالم الغربی من خلال غزة من

إقرأ أيضاً:

فلسطين مرآة للاختلال الكوني.. حين تصبح العدالة عبئا على المظلوم

الميزة الأهمّ للقضية الفلسطينية هي عدالتها التي لا تحتمل الالتباس من حيث التأسيس، ومن حيث المسار، فالفلسطينيون هم أكثر شعوب المنطقة الأصليين الذين دفعوا ثمن الاستعمار الغربي بعد انهيار السلطنة العثمانية، فبينما انتهت سايكس بيكو إلى تأسيس دول عربية جديدة على أساس التقاسم الانتدابي بين بريطانيا وفرنسا، فإنّ الانتداب البريطاني لفلسطين انتهى إلى وعد بلفور الذي تجسّد تاليا بإقامة إسرائيل في العام 1948، ولم يكن بين سايكس/ بيكو (3 كانون الثاني/ يناير 1916)، ووعد بلفور (2 تشرين الثاني/ نوفمبر 1917)، إلا سنة وتسعة شهور فحسب. وبينما تتشكل اليوم في المجال العربي المحيط بفلسطين وطنيات على أساس هذا التقسيم؛ يعاني الفلسطينيون لا الاستعمار الإسرائيلي فحسب، ولكن أيضا استمرار سياسات الإبادة والتطهير العرقي والإمعان في محو خياراتهم السياسية والنضالية، ويدفعون ثمن الاختلال العالمي السياسي والأخلاقي، وانهيار السرديات الكبرى الجامعة، بحيث يجد الفلسطيني نفسه وحيدا، مهما كانت خياراته سواء سلك طريق التسوية وقدّم فيها كل التنازلات غير المحتملة، أو احتفظ بأدوات المقاومة المسلحة.

لم يدفع الفلسطينيون، والحالة هذه، ثمن التقاسم الاستعماري للمشرق العربي فحسب، ولكن حُلّت المسألة اليهودية، والتي هي مسألة غربية بامتياز، على حساب الشعب الفلسطيني، في أكثر أنماط الظلم غرابة ودلالة على إمكانات الانحطاط البشري، وبالرغم من القبول الفلسطيني الضمني بدفع ثمن هذا الظلم باتجاه الفلسطينيين نحو القبول باقتسام فلسطين على أساس غير عادل، فإنّ هذا الخيار كذلك بات أمرا مستحيلا، وفي هذا السياق نفسه، كان اقتلاع شعب من أرضه وإحلال آخرين مكانه، وتشييد ذلك على تصورات أسطورية، يفترض أنّها تصادم العقلانية والعلمانية الغربية، لكن المفارقة في كون هذا الغرب العقلاني/ العلماني هو الذي أسّس إسرائيل!

لم ينحصر الظلم الواقع على الفلسطينيين في ذلك، فقد دفع الفلسطينيون ثمن الهزائم العربية في حربي 1948 و1967، وثمن التناقضات العربية الداخلية، من قبل النكبة وأثناءها وبعدها حتى الساعة. وبالرغم من كون هذه الحقيقة التاريخية يفترض بها أن تكرّس فلسطين قضية عربية، فقد انتهى الأمر لأن تكون فلسطين بوابة عربية إلى قلب العالم الغربي، ولا سيما واشنطن، لا بحملها إلى ذلك العالم والدفاع عنها فيه، ولكن تماما بالتخلي عنها، أي بالتحالف مع إسرائيل، أو دفع الأثمان للغرب بغرض الحماية وطلب النفوذ، من كيس القضية الفلسطينية.

هذه الاعتبارات كلّها من شأنها أن توفّر الأساس المناسب لصياغة مشروع كوني لمواجهة الاختلال الأخلاقي وما ينجم عنه من سياسات منحطة في هذا العالم، ليس فقط لأنّ فلسطين تملك الطاقة الفائضة للكشف الدقيق عن اختلالات العالم، ولكن أيضا لأنّ كل القضايا الكونية سواء الناجمة عن الرأسمالية وتمركزها في الغرب/ الشمال لأسباب تاريخية، أو عن النيوليبرالية المذرّرة للاجتماع الإنساني لصالح الفردانية والهويات الصغيرة، وهو ما سوف تدفع ثمنه المجتمعات والشعوب التي لا تجد من يقف معها، تتجلّى كوارثها في فلسطين وعلى الفلسطينيين، وفي كيفيات تكريس التبعية للغرب/ الشمال، وللشبكات الاقتصادية النافذة في العالم، على حساب الفقراء، وعلى حساب الاستقلال الحقيقي للدول التابعة، خاصة في المنطقة العربية التي تملك، كما يفترض، التطلعات التاريخية والثقافية، والموارد السياسية والاقتصادية، لتكون صاحبة إسهام كوني يتجاوز موقع التابع الراهن.

وبعدما تجلّى هذا الظلم التاريخي بنحو فاحش وغير مسبوق بحرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، فإنّه وبدلا من الالتفات إلى فلسطين، بوصفها محورا صالحا لتشييد مشروع كوني لمواجهة اختلال العالم، فقد تمكن الإسرائيلي، بلا أدنى كابح من الاستمرار 18 شهرا، حتى الآن، في حرق أكثر من مليوني فلسطيني وتجويعهم في مساحة مغلقة لا تزيد على 365 كيلومترا مربعا.

والفلسطيني كأيّ مظلوم، تتسم مظلمته بهذا القدر العالي من العدالة والوضوح، لا بدّ وأن يسعى إلى تركيز مظلمته هذه في وعي العالم، ومن باب أولى الذين هم أقرب إليه ثقافيّا واجتماعيّا، علاوة على مسؤوليتهم التاريخية تجاه هذه المظلمة، أي العرب والمسلمين، بيد أنّ الاستجابة العالمية، على مستوى جماهير الناس وأفرادهم، كانت أحسن منها في المجال العربي في فلسطين، ليس فقط بسبب السطوة الأمنية للأنظمة العربية المتحالفة قطعا مع إسرائيل، ولكن أيضا لسياسات التحطيم والتذرير للمجتمعات العربية، ومركزتها حول يومياتها الاقتصادية، وتجريدها من الهمّ السياسي، وهو ما انتهى لا إلى وعي مشوّه فحسب بخصوص القضية الفلسطينية، وما تمثله من مشترك عربيّ يتداخل حتى مع اليوميات الاقتصادية للعربيّ المطحون، ولكن أيضا إلى ضمور في الإحساس الأخلاقي.

ويمكن ملاحظة هذا الضمور الأخلاقي في الكيفيات التي يُعبّر بها نشطاء ومثقفون عرب عن موقفهم من الإبادة المفتوحة على الشعب الفلسطيني بغزة، بعد استثناء الإعلام الممول رسميّا وما يتصل به من لجان إلكترونية، ففي غمرة الإبادة والتجويع، يعجز هؤلاء الناشطون والمثقفون عن إبداء تعاطفهم مع الشعب المشرد والمسحوق والمجوّع إلا بإدانة بعض من هذا الشعب بتحميله المسؤولية عن مصاب الفلسطينيين، في تجاوز مريع لمسار القضية الفلسطينية برمته وسلوك الاحتلال، فاتهام المقاومة الفلسطينية تراوح بين إدانتها وتحميلها المسؤولية في تبرئة ضمنية للاحتلال، وبين اتهامها بالعمل لأجندة إقليمية، أو السعي لتكريس سلطتها، بالرغم من أنّها هدمت كلّ مكتسباتها السلطوية في سياق نضالها.

لكن الأسوأ من ذلك، تلك الخطابات التي لا تقصر إدانتها على المقاومين، ولكنّها تدين الفلسطينيين كلّهم بدعوى أنهم حوّلوا قضيتهم من قضية عادلة إلى دين، وأنفسهم إلى آلهة، وهي خطابات -للأسف- يتبناها بعض النشطاء السوريين، في مدّ منهم لخطّ تنافس المظلوميات الذي اخترعوه طوال 14 عاما من عمر المعاناة السورية. ويمكن ملاحظة هذا الاختلال العقلي والضمري، ليس فقط في الكيفية التي يجري فيها توصيف قضية من شأنها أن تكون أساس مشروع كوني مشترك، علاوة على أنّها بالبداهة ينبغي أن تكون كذلك عربيّا وإسلاميّا، ولكن أيضا لو قلبنا هذه الخطابات على أصحابها وقيّمنا تجاربهم ونضالهم وثوراتهم بالمنظور نفسه لنلاحظ مستويات التمركز المريعة حول الذات، تصبح فلسطين والحالة هذه شرطا لشفاء بعض العرب والمسلمين من أسقام ضمائرهم وخراب عقولهم أيضا.

x.com/sariorabi

مقالات مشابهة

  • فتح: رفع علم فلسطين بـ الصحة العالمية دليل على دعم المجتمع الدولي للشعب الفلسطيني ونصرته
  • هذا كل ما تغير في موقف العالم من حرب إسرائيل
  • صور| قبائل أبو صالح بالبيضاء يؤكدون وقوفهم الثابت في نصرة الشعب الفلسطيني حتى تحرير كامل أرض فلسطين
  • فلسطين مرآة للاختلال الكوني.. حين تصبح العدالة عبئا على المظلوم
  • ما سر الجسم المجنح الذي ظهر أعلى الشمس في صور ناسا؟
  • أحمد موسى: إسرائيل حولت غزة لسجن.. والشعب الفلسطيني مش هيسيب أرضه.. فيديو
  • أحمد موسي: الشعب الفلسطيني مستمر في مكانه ومش هيسيب أرضه ولن يسمح بالتهجير
  • سرديات المقاومة.. رحلة طاهر النور من تشاد إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة
  • «الخارجية الفلسطينية» ترحب بإعلان مالطا عزمها الاعتراف بدولة فلسطين
  • الجماز: الإدارة سبب مشاكل الهلال الذي لم يحسم أي صفقة حتى الآن .. فيديو