اقتصاد الشرق الأوسط يدفع فاتورة العدوان الغاشم.. عضو الاتحاد المصري للأوراق المالية: انعكاسات الحرب طالت العملات الرقمية.. وخبير اقتصادي: الصراعات سيكون لها تأثير مباشر على الاقتصاد الإسرائيلي
تاريخ النشر: 1st, November 2023 GMT
رمزى الجرم: من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة ارتفاع أسعار السلع والخدمات
ألقت الحرب الإسرائيلية الفلسطينية بظلالها على الاقتصاد العالمى والإقليمى، منذ انطلاقها 7 أكتوبر إلى الآن، فارتفعت أسعار الذهب وتقلبت أسعار النفط والغاز الطبيعى والبيتكوين- العملات المشفرة.
وتأثرت أسواق السلع بالتصعيد العسكرى فارتفع معدن الذهب من 1.
وقالت الدكتورة رانيا الجندى، عضو الاتحاد المصرى للأوراق المالية، إن أسعار النفط شهدت تقلبا شديدا وسط مخاوف من إضراب إمدادات الشرق الأوسط مع اتساع نطاق الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، وسجلت أسعار نفط برنت ٩٠.٧٥ دولار للبرميل بارتفاع يقارب من ٣٪ لجلسة الجمعة.
وأضافت الجندى، أن انعكاسات الحرب طالت العملات الرقمية، وبالأخص البتكوين بنسبة ٢٨.٥٠٪ خلال الشهر الحالى و١٥٪ خلال الأسبوع السابق، ونعلم جميعا أهمية مثل هذه العملات فى الأزمات والحروب من سرعة تنقل الأموال بلا قيود ودون الكشف عن هوية حامليها.
وبالنسبة لأسواق المال، أوضحت الجندى، أنه تباين أداء مؤشرات الأسواق المالية على غرار، حيث انخفضت المؤشرات الأمريكية ومؤشر الدولار الأمريكى وكذلك مؤشر باريس وبريطانيا وألمانيا وإسرائيل، والسوق السعودية وأبو ظبى والقدس، وارتفع كل من سوق دبى والسوق المصرية وأسواق الصين وتايوان.
وحول انعكاس الحرب على أداء سوق المال المصرية، قالت الجندى، إننا نجد أن أداء السوق المصرية يشهد طفرة حالية من الارتفاعات بعد مروره بمرحلة صعبة من التجميع استمرت لمدة أعوام منذ منتصف ابريل ٢٠١٨ ومرورا بأزمة كورونا ثم الأزمة الروسية الأوكرانية ثم الانخفاض لما يقارب ١٠٠٠ نقطة فى جلسة واحدة ثم شهد السوق انطلاقة فى آداء مؤشراته فارتفع المؤشر الرئيسى لـ ٢٣،٢٦٢ نقطة، بنسبة ارتفاع سنوى تقارب ٦٠٪، وبقيم تداول تتخطى الخمس مليارات جنيه يوميا ليصل رأس المال السوقى فى ٢٦ أكتوبر ١،٥٨٩ تريليون جنيه مصرى وبمقارنته بما كان عليه فى ٢٦ أكتوبر ٢٠٢٢ منذ عام سابق، نجد أنه ارتفع لأكثر من ٨٦٩ مليار جنيه حيث سجل وقتها ٧٢٠ مليار جنيه.
محمد عبد الهادى، الخبير الاقتصادىوحول تأثير الحرب على الاقتصاد الإسرائيلى، قال الدكتور محمد عبدالهادى، الخبير الاقتصادى، إن الحرب ستكون لها تأثير مباشر على الاقتصاد الإسرائيلى، وأشار إلى أن التوترات العسكرية ستلقى بظلالها على سوق المال الإسرائيلية.
وأوضح أن عبدالهادى، أن أكثر القطاعات تأثرا سيكون قطاع النقل الجوى والبحرى، الذى يلعب دورا حيويا فى دعم السياحة والتجارة بشكل عام، بالإضافة إلى تأثر قطاع الغاز الإسرائيلى قد يتأثر أيضا إذا تعرضت بنيته التحتية للضربات، سواء كان ذلك فيما يتعلق بخطوط تصدير الغاز أو المحطات، وهذا قد يكون له تأثير على مصر أيضا، ما يهدد صادرات الغاز الإسرائيلى والتى ارتفعت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، حيث وصلت إلى ٩.٢١ مليار متر مكعب إلى مصر والأردن فى عام ٢٠٢٢، وهو ما يعكس الأهمية المتزايدة لهذا القطاع فى الاقتصاد الإسرائيلى.
وأوضح أنه بالإضافة إلى ذلك، اكتشفت إسرائيل احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعى فى البحر المتوسط، مما أدى إلى زيادة كبيرة فى الاحتياطيات خلال العقد الماضىـ وبالتالى، قد يكون قطاع الغاز الإسرائيلى أحد القطاعات الأكثر تضررا فى حالة وقوع حرب.
وفيما يتعلق بقطاع غزة، قال إن التداعيات ستكون أشد وطأة، نظرا للتخلف فى التنمية الاقتصادية هناك نتيجة الصراعات المستمرة.
رمزى الجرم، الخبير المصرفىوقال الدكتور رمزى الجرم، الخبير المصرفى، إنه لا يستطيع أحد أن ينكر أن تطورات الحرب الدائرة بين حماس وإسرائيل، سوف يكون لها تداعيات سلبية على كافة اقتصادات دول المنطقة، وبشكل خاص على الاقتصاد المصرى، على خلفية حالة عدم اليقين والضبابية التى تتعلق بمستقبل الأحداث الجارية على أرض غزة، نتيجة استعدادات قتالية غير مسبوقة لعملية برية واسعة النطاق من قبل قوات جيش الاحتلال الإسرائيلى، ودعم غربى وأمريكى ضخم، تطور إلى دعم عسكرى فى البحر المتوسط من خلال حاملات طائرات للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، بل حتى ألمانيا، التى وضعت هى الأخرى بعض أسلحتها وقواتها البحرية تحت تصرف إسرائيل.
وأضاف الكرم، أنه تبرز أهم المخاوف من قيام حرب برية، من احتمالية دخول أطراف إقليمية فى النزاع مثل إيران وحزب الله والجبهة السورية، مما قد ينذر بحرب شاملة فى المنطقة، والتى ستكون لها انعكاسات اقتصادية سلبية على بشكل كامل على دول المنطقة، سرعان ما قد يمتد إلى باقى الاقتصادات الأخرى، نتيجة توقعات بارتفاع أسعار النفط العالمية، وتعطل سلاسل الإمداد، والتى قد بدأت فى التعافى إلى حد ما خلال الفترة القليلة الماضية، مما سيؤدى إلى ارتفاع أسعار الحبوب والمنتجات الزراعية ومستلزمات الإنتاج بشكل كبير، والذى قد ينذر بمرور الاقتصاد العالمى بحالة من حالات الركود التضخمى، والذى بدأت بوادرها تفوح فى اروقة الاقتصاد العالمى منذ فترة.
وأكد أنه من المتوقع أن تشهد الفترة القليلة القادمة، ارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل كبير، مدفوعة بارتفاع أسعار النفط والحبوب الزراعية الأساسية، وفى نفس الوقت انحفاض معدلات النمو الاقتصادى العالمى، مع زيادة معدلات البطالة فى الاقتصاد العالمى.
وأشار إلى أنه على مستوى الاقتصاد المصرى، إذا لم يتم إيجاد حلول عاجلة للحرب القائمة، جراء ارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية المستوردة، نتيجة ارتفاع أسعار النفط والحبوب الزراعية، والتى تستورد نحو ٦٠٪ من احتياجاتها من الخارج، فى الوقت التى يعانى فيها الاقتصاد المصرى من نقص حاد وشديد فى موارد النقد الأجنبى، والذى تسعى الدولة المصرية إلى فتح قنوات جديدة لجلب مصادر غير تقليدية، من أجل سد فجوة النقص الحاد فى النقد الأجنبى، سوف يزداد الأمر سوءا، من خلال الضغوط الإضافية التى ستضغط على الاقتصاد المصرى بشكل شديد.
وتابع، أنه بالإضافة إلى التخوف من اندلاع حرب إقليمية واسعة، ستدفع فاتورتها دول المنطقة العربية، وبشكل خاص الدولة المصرية، على غرار الدول النفطية، والتى تستطيع مواجهة الأزمة، نظرا لارتفاع أسعار النفط الذى تقوم بتصديره لكافة الدول الأخرى، وبما يشير إلى أن تلك الدول من المتوقع أن تستفيد من أى توترات جيوسياسية سواء داخل المنطقة أو خارجها بعكس الدول الأخرى غير المصدرة النفط، بل المستوردة له، والتى قد تتحمل كافة التبعات التى تنتج عن الحرب الدائرة الآن شكل كبير للغاية.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الحرب الإسرائيلية الفلسطينية تداعيات اقتصادية ارتفاع أسعار النفط الاقتصاد العالمى الاقتصاد المصرى على الاقتصاد
إقرأ أيضاً:
هل قُتل شيمون بيريز في غزة؟
في مقالين سابقين يتمحوران حول «فلسطين: الدولة الضرورة»، طرحتُ رؤية ترى أن الدولة الفلسطينية لم تعد ترفاً سياسياً، بل ضرورة استراتيجية لبناء أمن إقليمي حقيقي. اليوم، أعود، من منظور آخر، لأسأل: هل قُتل شيمون بيريز، رمز التطبيع الاقتصادي والسلام التكنولوجي، تحت ركام الحرب والمجاعة في غزة؟
بصيغة أخرى: هل ماتت الأفكار الفلسفية التي شكّلت الأساس لرؤية بيريز في كتابه الشهير «الشرق الأوسط الجديد» (1993)؟ تلك الرؤية التي تخيّلت الإقليم مساحة تَعبر فيها المصالح فوق الجدران، وتقود فيه التكنولوجيا الإسرائيلية التنمية المشتركة.
فلسطين، في نظر بيريز، لم تكن عبئاً أمنياً، بل عنصراً أساسياً في نجاح التكامل. رؤيته لم تُولَد من فراغ؛ فقد استندت إلى جذور فلسفية واضحة: صهيونية غير قومية، كما في أفكار ناحوم غولدمان، وبراغماتية جون ديوي التي تمزج النظرية بالتطبيق، وفلسفة مارتن بوبر عن الحوار والتعددية.
بيريز أراد محاكاة النموذج الأوروبي: استبدال المصلحة بالقومية، والمشروعات بالحرب، لكنَّه لم يكن نزيهاً بالكامل؛ فرؤيته تجاهلت الاحتلال، وتغاضت عن أنَّ إسرائيل تمارس شكلاً من الفصل العنصري لا يقل فداحة عن نظام جنوب أفريقيا قبل مانديلا. مشروعه كان سلاماً بلا عدالة، لكنه، ورغم كل هذا، مهّد الطريق لاحقاً للاتفاقات.
في قلب تلك الرؤية كان الافتراض بأنَّ إسرائيل قادرة على «إدارة» التهديدات القريبة، لا إنهاء أسبابها. وقد تبنّت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية هذا المنطق في التسعينات، معتبرة أن غزة والضفة يمكن ضبطهما أمنياً دون الحاجة لحل جذري.
بعد ثلاثة عقود، ورث بنيامين نتنياهو الدولة، لكن دون أن يرث رؤية بيريز. على العكس، بنى مشروعاً نقيضاً: مشروع «إسرائيل الكبرى»، مستخدماً السابع من أكتوبر ذريعة لتصفية القضية الفلسطينية عبر الإبادة والتطهير والمجاعة، لا عبر الاندماج.
نتنياهو أخذ عنوان «الشرق الأوسط الجديد» وجرّده من مضمونه. شعاره كان «السلام مقابل السلام»، بلا دولة فلسطينية، بل خريطة لإسرائيل الكبرى. وتزامَن ذلك مع صعود أصوات في واشنطن تعلن صهيونيتها علناً، دون خجل. بعد السابع من أكتوبر، لم تعد غزة مشكلة أمنية، بل «تهديداً يجب اقتلاعه»، وانهارت معها فكرة الاندماج الإقليمي. إسرائيل لم تعد تفكر في الربط عبر سكك الحديد أو مشاريع المياه، بل عبر الجدران الإلكترونية والطائرات المسيّرة وغرف المراقبة. تحوّل «غلاف غزة» إلى مبدأ إقليمي: جنوب لبنان منطقة عازلة، غور الأردن شريط أمني، وإيران خريطة ردع تمتد إلى نطنز وفوردو.
تطبيع دون تعايش. اندماج في الأسواق دون انفتاح على الشعوب. مشاريع تنمية بلا التزامات سياسية أو أخلاقية.
في هذا السياق، نعم: شيمون بيريز قُتل رمزياً في غزة. لم يُقصف جسده، لكن جرى اغتيال رؤيته برُمّتها. ورغم افتقاد رؤيته للعدالة لكننا نتحسر عليها في زمن الإبادة والمجاعة. سقطت فكرة بيريز التي كانت ترى إسرائيل جسراً اقتصادياً، عند أول صاروخ ضرب منزلاً في رفح، وعند أول غرفة عمليات حلّت محل غرفة التجارة. تحولت التنمية من شراكة إلى أداة سيطرة. وتحوّل الحلم إلى كابوس الإبادة.
نتنياهو لا يريد شرق أوسط جديداً كما تصوّره بيريز، بل شرق أوسط تحت السيطرة الأمنية الكاملة. تطبيع دون تعايش. اندماج في الأسواق دون انفتاح على الشعوب. مشاريع تنمية بلا التزامات سياسية أو أخلاقية. وهذا نموذج لا يمكن أن يستقر.
المفارقة أن إسرائيل التي تطمح إلى الاندماج التجاري، تُواصل بناء الأسوار والحواجز الأمنية. كأنَّها تريد أن تكون جزءاً من المنطقة اقتصادياً، ومعزولة عنها أمنياً. لكن في علم السياسة، هذا التناقض لا يصمد طويلاً، فلا يمكن لدولة أن تهيمن بالسلاح، وتُعامَل كشريك استثماري في الوقت نفسه.
مشروع بيريز كان ناقصاً، لم يعترف بالاحتلال، ولم يضع فلسطين شرطاً بل وسيلة، لكنَّه أدرك أنَّ العزلة خطر استراتيجي. أمَّا مشروع نتنياهو فيجعل من العزلة قيمة، ويَعدّ أن التفوق العسكري هو مفتاح الاستقرار.
ما نشهده، اليوم، ليس غلافاً أمنياً لإسرائيل، بل طوق خانق يلف المنطقة كلها.
«غلاف غزة» تمدَّد ليشمل دول الجوار. وهذه ليست وصفة لأمن مشترك، بل لتفجُّر دائم. ليس سلاماً، بل إملاء أمني.
من هنا، علينا نحن العرب أن نتمسك بالمسلَّمة الأساسية: لا شرق أوسط جديداً دون فلسطين. لا أمن دون عدالة. ولا استقرار دون دولة فلسطينية ذات سيادة. وها هي فرنسا تقترب من هذه الرؤية العربية التي تحتاج إلى مزيد من الزخم.
شيمون بيريز مات رمزياً في غزة، لكن رؤيته قابلة للإنقاذ، إذا أُعيد تعريف الشرق الأوسط الجديد كحاجة عربية، لا كتصوّر إسرائيلي مفروض. وإن حجر الأساس لهذا الشرق الأوسط الجديد هو الدولة الفلسطينية.
الشرق الأوسط