24 ساعة من تمرد فاغنر.. خبير فرنسي: 5 دروس مستخلصة
تاريخ النشر: 26th, June 2023 GMT
في مقال له بصحيفة "لوموند" (Le Monde) الفرنسية يقدم الخبير الفرنسي المختص بالشؤون الروسية جوليان فيركويل تقييما لمغامرة "أمير الحرب" الروسي يفغيني بريغوجين نحو موسكو والتي أذهلت العالم، موضحا أن فشل زعيم مليشيا فاغنر لا يعني أن تمرده لن تكون له عواقب وخيمة على الرئيس فلاديمير بوتين.
وحتى يُفتح المجال للوصول إلى الأرشيف ويُتمكن من الاطلاع على التفاصيل الحقيقية للأحداث التي شهدتها روسيا خلال 23 و24 يونيو/حزيران 2023 لفك خيوط مغامرة بريغوجين المجنونة، ثمة 5 دروس يقول الخبير إنها يمكن أن تستخلص من هذه الواقعة.
أولا: من الواضح أن بريغوجين لم يعمل، قبل الإقدام على مقامرته، على حشد الدعم السياسي اللازم في مثل هذا العمل، وبعد أن وصل إلى 200 كيلومتر من العاصمة الروسية أدرك أنه لم يعد بإمكانه الذهاب إلى أبعد من ذلك دون المخاطرة بحدوث كارثة نهائية، مما يعني أن فشل بريغوجين كان سياسيا في المقام الأول.
ومع ذلك، لم يواجه بريغوجين وقواته مقاومة حقيقية على الأرض، فقد تقدمت قافلة فاغر دون اشتباكات تذكر، مما يدل -حسب الخبير الفرنسي- على عدم اكتراث السكان والسلطات المحلية بما يحدث، بل ثمة معلومات تقول إن فرقة من الجيش النظامي الروسي أعلنت ولاءها لفاغنر خلال نهار ذلك اليوم.
ثانيا: لقد مثلت هذه الحادثة إذلالا لبوتين أمام شعبه ومرؤوسيه وحلفائه وأعدائه على حد سواء، وهي أسوأ إهانة إلى شخصه. فقد تمكن طابور عسكري -هدفه صراحة إزالته من الحكم- من قطع مسافة 800 كيلومتر نحو موسكو مما يعني أن بوتين واهن بشكل صارخ.
ثالثا: من المؤكد أن تأثير هذه المقامرة على وضع الجيش الروسي لم يكن فوريًا، لكنه ليس ضئيلًا كذلك -وفقا للخبير الفرنسي- صحيح أن الموارد العسكرية لم يتم تحويلها من الجبهة الأوكرانية لحماية موسكو، لكن على طول 24 ساعة، خيم نوع من الشك على التسلسل القيادي العسكري بأكمله، فالقائد العسكري الروسي الوحيد الذي يمكن أن يدعي نجاحًا حقيقيًا في أوكرانيا تمرد وتحدى قيادتهم علانية، واصفا القادة بأنهم فاسدون وعلى غير كفاءة، وهو ما يمكن أن يكون له تأثير نفسي سيئ على الضباط وضباط الصف الذين يدركون أن ما حدث سيرفع من معنويات الجنود الأوكرانيين.
رابعا: تمخض هذا الأمر عن نوع من حفظ ماء الوجه الشكلي سمح لرئيس جمهورية بيلاروسيا (ألكسندر لوكاشينكو) بالظهور ولو لمرة واحدة كرجل قوي، الوقت الحالي. وعلى النقيض من ذلك، فإن الحدث سلط الضوء على تحفظ رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف الذي طلبت منه المساعدة مثل نظيره البيلاروسي، لكنه آثر الابتعاد عن الخوض فيما حدث.
خامسا: يبدو أن النواة الصلبة للاتحاد الاقتصادي الأوراسي قد تصدعت بشكل علني، فلئن كانت وساطة لوكاشينكو قد أنقذت حياة بريغوجين وحالت دون حدوث حمام دم روسي، فإن اللجوء إلى الحليف البيلاروسي المرهق والمصاب بجنون العظمة سيكون له تكلفة دبلوماسية على بوتين، وفقا للخبير الفرنسي.
أما بالنسبة للتكلفة السياسية لهذا التمرد، فهي -حسب الخبير- ملموسة بالفعل، وكبيرة بالنسبة لبوتين الذي أصبح ينظر إليه على أنه رئيس دولة منقسمة على نفسها قد تزعزعت للتو بوصلتها.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
تحقيقات تكشف حملة إماراتية لاستهداف حزب فرنسي وإرباك المشهد السياسي
كشفت تحقيقات صحفية متقاطعة، استندت إلى مصادر مطلعة داخل أجهزة الاستخبارات الفرنسية، عن حملة تأثير خارجية ممنهجة مرتبطة بالإمارات تستهدف حزب “فرنسا الأبية”، أكبر كتلة يسارية في البرلمان الفرنسي، في ما وصفه مراقبون بأنه أخطر تدخل أجنبي يضرب الحياة السياسية الفرنسية في السنوات الأخيرة.
وبحسب ما نقله موقع “دارك بوكس”، فإن التصعيد السياسي الجاري في باريس بات ينظر إليه داخل الدوائر الاستخباراتية الفرنسية على أنه عملية نفوذ طويلة الأمد، تقودها شبكات إعلامية واستشارية مرتبطة بأبوظبي، وتهدف إلى تشويه صورة اليسار الفرنسي، وربطه بالإسلام السياسي، وتأجيج خطاب الخوف والكراهية داخل المجتمع.
ميلانشون: أصبحنا “هدفا للإمارات”
وتفجرت القضية علنا بعد تصريحات أطلقها جان لوك ميلانشون، زعيم حزب “فرنسا الأبية” والمرشح الرئاسي السابق، أكد فيها أن حزبه “أصبح هدفا للإمارات”، وذلك عقب تقديم الحزب شكوى رسمية إلى النيابة العامة بشأن ما وصفه بـ“عملية تأثير أجنبية”.
وقال ميلانشون، في تدوينة نشرها على مدونته، إن الاستهداف جاء عبر استطلاع رأي مثير للجدل حول المسلمين في فرنسا، اعتبره الحزب جزءا من حملة منظمة تهدف إلى ربط الإسلام السياسي باليسار، ونشر الذعر داخل الرأي العام الفرنسي.
وكان الاستطلاع قد تحدث عن “ظاهرة إعادة أسلمة” في فرنسا، مصحوبة بـ“زيادة مقلقة في الالتزام بالأيديولوجية الإسلامية”، ما دفع منظمات إسلامية فرنسية إلى تقديم شكاوى قانونية متعددة، متهمة القائمين عليه باستخدام أسئلة منحازة تهدف إلى “نشر سم الكراهية في المجال العام”.
وأكد حزب “فرنسا الأبية” في شكواه أن الاستطلاع “شكل منصة لخطاب يحرض على التمييز والكراهية وربما العنف”، مشيرا إلى أنه عقب نشره سجلت أعمال معادية للإسلام.
وقد أنجز الاستطلاع من قبل المعهد الفرنسي للرأي العام (Ifop)، بتكليف من مجلة “إكران دو فاي” (Écran de Veille)، التي ربطتها تحقيقات صحفية بشبكات إعلامية واستشارية مرتبطة بالإمارات.
شبكة إعلامية مرتبطة بأبوظبي
وكشفت تقارير إعلامية، من بينها تحقيقات لصحيفتي لوموند وميديابارت، عن صلات بين أبوظبي ومسؤولين في مجلة “إكران دو فاي”، المملوكة لشركة Global Watch Analysis" (GWA)"، المعروفة بعدائها الشديد للإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين، وبتبنيها خطابا معاديا لقطر، بما ينسجم مع توجهات السياسة الخارجية الإماراتية.
وبحسب “لوموند”، فإن مؤسس ورئيس تحرير منصتي "Écran de Veille" و"GWA"، أتمان تازغارت، كان على تواصل عبر البريد الإلكتروني مع عميل إماراتي سابق، لعب دورا محوريا في عمليات تأثير نفذتها شركة الاستخبارات السويسرية "Alp Services" لصالح أبوظبي.
وفي تموز/يوليو 2023، كشفت “ميديابارت” أن شركة Alp Services جمعت بيانات عن أكثر من ألف شخص ومئات المنظمات في 18 دولة أوروبية، وصنفتهم زورا على أنهم مرتبطون بجماعة الإخوان المسلمين، قبل تمرير هذه الملفات إلى أجهزة الاستخبارات الإماراتية لاستخدامها في حملات تشويه وتحريض إعلامي.
ووفق التحقيق، كان حزب “فرنسا الأبية” من بين نحو 200 شخصية و120 منظمة استهدفت في فرنسا ضمن هذه العمليات.
تحذير من اختراق المؤسسات
وحذر الحزب، في شكواه، من أن “شبكة نفوذ إماراتية قد تكون تسللت إلى مؤسسات الدولة الفرنسية”، في إشارة إلى استدعاء لجنة تحقيق برلمانية لمستشارين مرتبطين بمنصة “إكران دو فاي” للإدلاء بشهاداتهم حول ما سمي “التغلغل الإسلامي”.
وقد استمعت اللجنة إلى كل من نورا بوسيني وإيمانويل رازافي، اللذين يقدمان نفسيهما كصحفيين، ويعرفان بتأليف كتب تتهم حزب “فرنسا الأبية” بالارتباط بإيران وبـ“معاداة السامية الجديدة”.
ويرى الحزب أن اختيار هذين الاسمين يعكس نجاح عمليات التأثير الأجنبية في توجيه النقاش السياسي الداخلي، خصوصا أن التحقيق البرلماني وصف من قبل معارضين بأنه “سيئ التصميم” ويخدم أجندات اليمين واليمين المتطرف.
الاستخبارات تنفي… وميلانشون يحذر
وخلال مثوله أمام لجنة التحقيق، شدد ميلانشون على أن جميع مسؤولي الاستخبارات الفرنسية الذين أدلوا بشهاداتهم نفوا وجود أي صلة بين حزبه وجماعات إسلامية، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين.
وحتى ماتيو بلوخ، النائب اليميني المقرر للجنة، أقر قائلا: “في هذه المرحلة، لا يوجد ما يثبت وجود روابط هيكلية أو مالية بين الأحزاب السياسية والمنظمات الإسلامية”.
في المقابل، تساءل ميلانشون عن تجاهل اللجنة لما وصفه بـ“الخطر الإماراتي”، محذرا من أن فرنسا قد تتحول إلى ساحة لتصفية حسابات إقليمية، ولا سيما في ظل التوتر بين الإمارات وقطر.
وقال أمام اللجنة: “احذروا، هناك قوة خارج فرنسا تتلاعب وتتدخل لتصفية حساباتها مع قطر… لا أقبل أن تكون فرنسا مسرحا لهذه الصراعات”.
قضية كارلوس بيلونغو تعود للواجهة
كما أعيد فتح ملف استهداف النائب كارلوس مارتنز بيلونغو، عضو حزب “فرنسا الأبية”، الذي خضع عام 2023 لتحقيق مالي بعد تقرير صادر عن وحدة الاستخبارات المالية الفرنسية Tracfin بتهم التهرب الضريبي وغسل الأموال.
وبعد عامين، أسقطت النيابة العامة القضية، معترفة بعدم وجود أي مخالفات. وكشف موقع “L’Informe” الاستقصائي أن تقرير Tracfin كان مليئا بـ“أخطاء غير معقولة”، ما أثار شبهات بأنه أعد تحت ضغط إماراتي، خصوصا بعد انتقادات بيلونغو لتنظيم الإمارات لقمة المناخ COP28 برئاسة مدير شركة “أدنوك”.
ووصف بيلونغو القضية بأنها “فضيحة تدخل أجنبي”، وتقدم بشكوى بتهمة “الوشاية الكاذبة” و“التواطؤ مع قوة أجنبية”.
سياق أوسع لحملات التأثير
وتخلص التحقيقات إلى أن ما يجري في فرنسا ليس حادثا معزولا، بل جزء من استراتيجية إماراتية طويلة الأمد تهدف إلى إعادة تشكيل النقاش الأوروبي حول الإسلام، وإضعاف الأصوات الداعمة لفلسطين، وتعزيز خطاب اليمين المتطرف.
وتشير تقارير إلى أن أبوظبي أقامت علاقات مع أحزاب يمينية متطرفة في أوروبا، من بينها حزب التجمع الوطني الفرنسي بزعامة مارين لوبان، الذي استفاد – بحسب “ميديابارت” – من قرض بقيمة 8 ملايين يورو مر عبر بنك إماراتي عام 2017.
ورغم ذلك، تجاهل تحقيق برلماني فرنسي حول التدخل الأجنبي عام 2023 الإشارة إلى أي دور إماراتي أو إسرائيلي، مكتفيا بالتركيز على روسيا والصين.
وبحسب “دارك بوكس”، فإن حجم الاختراق لا يزال غير واضح، لكن المؤكد أن فرنسا تواجه معركة نفوذ غير مسبوقة على أراضيها، وسط تساؤلات متزايدة حول مدى استعداد الطبقة السياسية والإعلامية لمواجهة هذا النوع من التدخل الخارجي، الذي يجري – وفق التحقيق – “على مرأى من الجميع”.