الصباح الجديد -
كل صباح تشرق فيه شمس يوم جديد يدفع المواطن السوداني (فاتورة) جديدة للحرب ثمنها تضحيات بالأنفس والأرواح وتشريد ونزوح وغيرها من ضروب المعاناة والمسغبة جراء ضرب وطعن هذه الكريهة العبثية التي تراوح مكانها منذ الـ15 أبريل الماضي، فمع مع دخول النزاع في السودان شهره الثامن، يتزايد المرض والنزوح والجوع، مما يعرض ملايين آخرين للخطر.
إن الصراع في السودان بحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيؤدي إلى تفاقم آفاق التنمية البشرية المتردية وبالتالي خسائر فادحة في الأرواح البشرية وسبل العيش والبنية التحتية العامة والخدمات الأساسية.
من المتوقع بحسب تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنكماش الاقتصاد السوداني بنسبة 12 في المائة في عام 2023 بسبب توقف الإنتاج وفقدان رأس المال البشري وقدرة الدولة.
واعتبارا من نوفمبر نزح ما يقرب من 5 ملايين شخص داخلياً، وعبر 1.3 مليون آخرين الحدود بحثاً عن الأمان، مما شكل ضغطاً هائلاً على المجتمعات المضيفة، ويواجه 20 مليون شخص الجوع، مع وجود أكثر من ستة ملايين شخص على بعد خطوة واحدة فقط من المجاعة.
وفي المقابل تم الإعلان عن تفشي الكوليرا في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك في الولايات التي تستضيف أعداداً كبيرة من النازحين بسبب النزاع، وتشير التقديرات إلى أن 3.1 مليون شخص معرضون لخطر الإصابة بالإسهال المائي الحاد والكوليرا بحلول ديسمبر وتجاوزت حالات الإصابة بالملاريا 800 ألف حالة.
يحدث كل ذلك والأطراف المتحاربة تصر على الاستمرار في الحرب، الجيش يعتبرها معركة كرامة والدعم السريع يعتبرها معركة من أجل الديمقراطية فاي كرامة تهدر فيها حقوق الشعب السوداني إلى هذا الحد وأي ديمقراطية تأتي محمولة لتحكم عبر صناديق إقتراع الموتى الذين إن لم يموتوا بالرصاص لماتوا بالجوع والمرض الفتاك.
وحتى لا ننسى هناك نحو مليوني طفل أجبروا على ترك مساكنهم منذ بدء القتال، أي إن 700 طفل ينزحون كل ساعة فضلاً عن أن ملايين الأطفال يعيشون في أوضاع خطرة في ظل انتهاكات لحقوقهم، وأن أكثر من 13 مليون طفل في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية، وأن آباءهم باتوا يحتاجون إلى بناء أساس قوي لأطفالهم.
ولا تقف محنة الحرب والظروف الصعبة التي يمر بها أطفال السودان عند هذا الحد، فبعد بداية الحرب أوقف برنامج استئصال شلل الأطفال حملة التطعيم ضد "سلالة الفيروس المتحور" في السودان، وعلق البرنامج التابع لمنظمة الصحة العالمية، تنفيذ جولاته لمواجهة الفيروس بسبب الحرب.
هذا غيض من فيض فيما يتعلق بحياة المواطن السوداني التي تحولت إلى قطعة من الجحيم بسبب الحرب التي سفكت فيها الدماء وهلك جرائها الحرث والنسل وغابت المعايش ومع ذلك تجد المتحاربون يصرون على مواصلتها والاستمرار فيها ، فمتى يصحو العقل المؤجج للحرب ويرى هذه الفظاعات والمستقبل القاتم الذي ينتظر الأجيال ؟
الجريدة
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
لو ديبلومات: الحرب تلتهم السودان في ظل صمت عالمي
سلّط تقرير نشره موقع "لو ديبلومات" الفرنسي الضوء على تداعيات الحرب الأهلية التي تعصف بالسودان منذ أبريل/نيسان 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
اعتبر كاتب التقرير ألكسندر راؤول أن الحرب التي يشاهدها العالم بصمت تحولت إلى ساحة صراع بالوكالة بين عدة أطراف خارجية، ما يفاقم الانقسام وينذر بانتشار الصراع إقليميا.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2غارديان: مؤشرات على قرب وقف إطلاق النار بغزةlist 2 of 2"تلغراف" تكشف 5 قواعد عسكرية إسرائيلية استهدفتها إيرانend of list انهيار التوازن الهشوقال الكاتب إن السودان غرق في 15 أبريل/نيسان 2023 في حرب مفتوحة بين الجيش السوداني بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي"، وهي في الحقيقة نتيجة لمسار من التفكك السياسي بدأ في عام 2019.
فبعد سقوط نظام عمر البشير، بدأت مرحلة انتقال سياسي هشة، استندت إلى توازن غير مستقر بين المدنيين والعسكريين.
وأضاف الكاتب أن هذا التوازن الهش انهار في أكتوبر/تشرين الأول 2021 عندما دبّر البرهان وحميدتي انقلابا ضد السلطات المدنية، وأصبح الوضع المستقبلي لقوات الدعم السريع ومسألة دمجها ضمن القوات النظامية محلّ خلاف كبير، وقد أدى غياب الوساطة إلى اندلاع صدام مسلح.
وأورد الكاتب جردا للخسائر البشرية والمادية الناتجة عن هذه الحرب خلال العامين الماضيين.
صراع قوى خارجية ووساطات فاشلة
ووفقا للكاتب، أصبح السودان تدريجيا مسرحا لمواجهات غير مباشرة بين قوى إقليمية ودولية ذات مصالح متباينة، وذكر العديد من الدول في المنطقة وغيرها، والتي تدعم أحد طرفي القتال مع أسباب دعمها.
ولفت الانتباه إلى أن عدة أطراف بذلت جهودا للوساطة، لا سيما الاتحاد الأفريقي، والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، والمبادرات الأميركية السعودية المشتركة، لكن دون أي نجاح في إقناع الأطراف المتنازعة بوقف إطلاق النار.
وفي أبريل/نيسان 2025، اختُتم مؤتمر في لندن كان من المفترض أن يحشد الدعم المالي لمساعدة الشعب السوداني، بفشل جزئي، إذ لم يُجمع سوى 10% من الأموال المتوقعة.
إعلانواعتبر الكاتب أن التقاعس الدبلوماسي وغياب الاهتمام الإعلامي يسهمان في التعتيم على طبيعة الصراع على الساحة الدولية، على الرغم من حجمه الكبير.
ألكسندر راؤول: في غياب مبادرة دبلوماسية متماسكة ومستقلة، يتزايد خطر انزلاق السودان إلى سيناريو فوضى طويلة الأمد نحو انهيار النظامأكد الكاتب أن السودان يُظهر اليوم مؤشرات على انهيار طويل الأمد، فقد تفككت مؤسسات الدولة ولم تعد هناك سلطة سياسية مركزية، وانقسمت الأراضي السودانية بين مناطق خاضعة لسيطرة القوات المسلحة، وأخرى تحت سيطرة قوات الدعم السريع، أو فسيفساء من الفصائل المستقلة.
ووفقا له، يعتمد الاقتصاد إلى حد كبير على موارد خارجة عن الأطر القانونية، مثل أنشطة التعدين، وتهريب الأسلحة، والجباية غير الشرعية، كما أن الخدمات العامة معدومة سواء في المناطق الريفية أو الحضرية، ويعتمد السكان على شبكات غير رسمية، ومنظمات غير حكومية، وجهات أجنبية من أجل البقاء.
ويرى الكاتب أن هذا الوضع يُسهم في تكاثر أمراء الحرب، وتعزيز نفوذ المليشيات المحلية، بما يُحوّل النزاع من حرب على السيادة إلى حرب للنهب.
استدامة الفوضى
وخلص راؤول إلى أن النزاع في السودان يُجسِّد ديناميكيات الحروب الأهلية المعاصرة، إذ يؤدي انهيار الدولة، والتنافس العسكري بين الأطراف المتنازعة، والتدخلات الأجنبية، إلى خلق فوضى مستدامة.
وحسب رأيه، لا تملك القوات المسلحة السودانية ولا قوات الدعم السريع الوسائل لتحقيق نصر حاسم، ويترافق هذا المأزق العسكري مع انهيار إنساني دراماتيكي يتم تجاهله على الساحة الدولية.
ويختم بأنه في غياب مبادرة دبلوماسية متماسكة ومستقلة، يتزايد خطر انزلاق السودان إلى سيناريو فوضى طويلة الأمد، أشبه بما حدث في الصومال أو ليبيا ما بعد رحيل الزعيم الليبي معمر القذافي.