في العمق : معالجة الازدحام المروري فـي محافظة مسقط بحاجة إلى قرار وطني يتجاوز المزاجية وعقلية الندرة
تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT
يطرح واقع الازدحام المروري اليومي في محافظة مسقط الكثير من التساؤلات والنقاشات حَوْلَ الصورة القادمة للحكومة في التعامل مع أجندة هذا الملف، في ظلِّ ما باتَ يُشكِّله من تحدٍّ للسكَّان القاطنين في محافظة مسقط أو العاملين بها، سواء كان ذلك في فترة الذَّروة الصباحيَّة والمسائيَّة أو غيرها من الفترات الأخرى، على أنَّ ارتفاع الكثافة السكَّانيَّة في محافظة مسقط والَّتي تتجاوز غيرها من محافظات سلطنة عُمان، حيث يتوقع أن يصلَ عدد السكَّان فيها بحلول عام 2040 إلى (2.
وعلى الرغم من استشراف التوجُّهات الوطنيَّة لهذا المسار المروري، سواء في رؤية عُمان 2040 وأولويَّة «تنمية المحافظات والمُدُن المستدامة» والهدف: وسائل نقل متنوِّعة وسهلة الوصول، متكاملة مع التنمية العمرانيَّة الموجَّهة بشكلٍ سليم، وبنية أساسيَّة مستدامة عالميَّة المستوى، أو كذلك، الاستراتيجيَّة العمرانيَّة لمحافظة مسقط 2040 الَّتي أعطت هذا الملف حضورًا في مُكوِّناتها حيث جاء في أهداف الاستراتيجيَّة العمرانيَّة الإقليميَّة لمحافظة مسقط، ما نَصُّه: «تأسيس منظومة نقل متكاملة ومستدامة، تتميز بالسَّلامة وارتفاع قدرتها الاستيعابيَّة، وتوفير أنماط نقل متنوِّعة وميسَّرة، بما فيها (المترو الخفيف ونظام الحافلات السريعة(، وتشجيع التنقل غير الآلي الصحِّي النشط، كالمَشي واستخدام الدراجات الهوائيَّة»؛ إلَّا أنَّ واقع ما يحصل في هذا الملف من إنجازات على الأرض ما زال خجولًا ويَدُور في حلقة مفرغة، وينتابه حالة من الغموض والتشتُّت وعدم وضوح المسار أو اكتمال الأدوات، أو تقاطع جهود المؤسَّسات المعنيَّة فيه، ولعلَّ ما يشهده هذا الملف من تصريحات متباينة من أكثر من مصدر في وسائل الإعلام ومنصَّات التواصل الاجتماعي، سواء في تنفيذ الجسور أو زيادة الحارات أو المترو أو القطار أو بدائل أخرى للنقل وغيرها ـ وقَدْ يحدُث أن تكُونَ الجهة المعنيَّة ليست على عِلم بذلك ـ ما يؤكِّد أنَّ إجراءات العمل في التعامل مع هذا الملف ما زالت غير محسومة، ودُونَ وجود مسار مشترك بَيْنَها يحدِّد بوصلة العمل القادمة في هذا الملف، ويعطي المواطن صورة متكاملة حَوْلَ ما تمَّ إنجازه والفترة الزمنيَّة المحدَّدة للإنجاز والشركات الَّتي تمَّ إسناد المشروعات إليها واحتياجات الشركات في شأن تنفيذه، فإنَّ هذا البطء قَدْ يرجع إلى التباين في مرجعيَّته والمسؤول عَنْه، إذ المسألة اليوم تتعدَّى محافظة مسقط وبلديَّة مسقط ـ كونها المعنيَّة بشؤون المحافظة ومِنْها شبكات الطُّرق والنقل ـ إن أردنا لهذا المشروع الحضاري الوطني الخروج من الصندوق، ذلك أنَّ الملف في وضوحه لدى المواطن قَدْ أُشبع دراسة وحديثًا وتناولًا في المنصَّات الاجتماعيَّة وغيرها ولَمْ يَعُدْ بحاجة إلى الدراسات والتقييمات والتصريحات والأخبار الإعلاميَّة أو مزيدٍ من التغريدات والهاشتاقات عَبْرَ المنصَّات الاجتماعيَّة أو غيرها بقدر ما هو بحاجة إلى ممارسة على الأرض تبرز جديَّة الاهتمام.
وبالتَّالي فإنَّ قراءة هذا الملف وآليَّة التعامل مع يجِبُ أن تأخذَ في الحسبان جملة من الأبعاد الرئيسيَّة وهي: البُعد التنظيمي الهيكلي وعَبْرَ إيجاد مرجعيَّة وطنيَّة تضْمن تكامل الجهود المؤسَّسيَّة، تضْمن مشاركة كُلَّ المؤسَّسات المعنيَّة، وخلق حوار وتناغم وانسجام مؤسَّسي بَيْنَها في حلحلة متطلبات الملف وأجندته وتفاصيله، فلَمْ تَعُدِ المسألة اليوم في ظلِّ المتغيِّرات مقتصرة على مؤسَّسة بعَيْنها، بل إلى كونه منظومة مؤسَّسيَّة مُجتمعيَّة متكاملة تتشارك فيها كُلُّ قِطاعات الدَّولة والقِطاع الخاصّ والأهلي في سبيل البدء بتنفيذ كُلِّ الطموحات الوطنيَّة المتعلقة بإدارة وانسيابيَّة الحركة المروريَّة وما يرتبط به من مركز التحكم المروري، ونعتقد بأنَّ توجيهَ هذا المشروع الوطني تحت مسؤوليَّة مجلس الوزراء الموقَّر سوف يصنع التوازنات ويوجِّه مسارات العمل بطُرق أكثر سلاسة تحدُّ من تعقيد الإجراءات والبيروقراطيَّة وتنازع الاختصاصات، بالإضافة إلى البُعد المجالي المتمثل في تناول هذا الملف في إطار منظومة مروريَّة متكاملة لا تنفصل أجندتها عن بعضها البعض، بمعنى أنَّ البُعد المجالي يأخذ في الاعتبار كُلَّ ما ينضمُّ تحت هذا الملف بحيث يسير في صورة متوازنة من العمل، سواء ما يتعلق بتحسين شبكات الطُّرق وتحسين شبكات النقل ووسائل النقل الاستراتيجيَّة البديلة، والتخطيط الحضري والتقنيَّة الذكيَّة والتشريعات والإجراءات والثقافة المُجتمعيَّة، إذ إنَّ التوسُّع في الحارات مع ترك جانب الاهتمام بتطوير وتحسين وتنويع كفاءة النقل العامِّ، وتوفير والمترو وتنظيم شبكات استخدام الطُّرق قَدْ لا يُقلِّل من الازدحام المروري، إذ إنَّ نجاح هذه المنظومة المروريَّة وكفاءتها يرتبط بالنظر إلى مفرداتها ومفاهيمها وبرامجها وخططها ومُكوِّناتها في إطار منظومي متكامل؛ وكذلك البُعد الاستراتيجي التنموي إذ لَمْ تَعُدِ المسألة المروريَّة اليوم مساحة للمساومة فيها أو المزاجيَّة أو الانتظار لحين تحسُّن الموارد وارتفاع سعر النفط، أو أن يقرأَ في إطار فِقه المسؤول الحكومي وعقليَّة الندرة الَّتي يؤمن بها البعض ومفهوم الأولويَّات؛ بل خيار استراتيجي وطني يجِبُ أن يمضيَ قُدمًا في تحقيق أهدافه، كما يجِبُ أن تصنعَ الدَّولة من السِّياسات والفرص والممكنات مَن يضع هذا الملف في أولويَّة العمل الحكومي، وتمكين القِطاع الخاصِّ والأهلي والشركات الداخليَّة وتوجيه جهاز الاستثمار العُماني نَحْوَ استقطاب شركات وصناديق تمويل عالميَّة لها حضورها واهتماماتها في البنية الأساسيَّة وشبكات الطُّرق والنقل والمترو؛ بمعنى أنَّ تنفيذ هذه المشروعات لا يرتبط بوفرة الأذونات الماليَّة والموازنات الَّتي تدفعها الدَّولة، إذ يُمكِن أن تؤسسَ الدَّولة فرص نجاح هذا المشروع الوطني من خلال تعزيز الاستثمارات وتوفير الامتيازات والتسهيلات للشركات العاملة دُونَ الحاجة إلى موازنة الدَّولة في هذه الجانب، الأمْرُ الَّذي سيسرع من عمليَّة تنفيذه، لذلك نعتقد بأنَّ مسألة التأخير الحاصلة في إدارة الحركة المروريَّة بحاجة اليوم إلى قرار وطني استراتيجي للتنفيذ، يتجاوز حالة التفكير المالي المنغلق على نَفْسه، والَّذي ينتظر من الدَّولة توفير الموازنات، بل عَبْرَ فتْح آفاقٍ أرحب للاستثمارات الخارجيَّة، وطرح مشروعات بنية الطُّرق والنقل ومتعلقاتها للشركات العملاقة العاملة في قِطاع الطُّرق والنقل، كما أنَّ توسيع قاعدة الشراكة مع القِطاع الخاصِّ والحدَّ من عمليَّات الاحتكار باتت اليوم الطريق الَّذي يضْمن لهذا الخيار الوطني واقعيَّة التنفيذ.
عَلَيْه نعتقد بأنَّه آنَ الأوان للوقوف الجادِّ على معطيات الوضع المروري وإعادة توجيه الاهتمام به، وطرحه على الشركات العاملة والمتخصِّصة في إطار تعزيز الاستثمار في هذا القِطاع، ومراجعة آليَّات ونمط العمل الحالي الَّذي يتمُّ في إدارة وتنفيذ مشاريع الطُّرق الداخليَّة بمحافظة مسقط في ظلِّ ما تواجهه من بطء التنفيذ وعدم اكتمال هذه المشاريع أو عدم التزامها بالمواصفات المُحدَّدة من قِبل جهات الاختصاص نظرًا للتحدِّيات المتعلِّقة بالمتابعة والرقابة، ونقل هذا الملف من محافظة وبلديَّة مسقط إلى مجلس الوزراء حتَّى يتمَّ التعجيل فيه، خصوصًا في ظلِّ ارتفاع سقف الازدحام المروري الَّذي باتَ يُمثِّل تحدِّيًا لدى سكَّان المحافظة، بالإضافة إلى التفكير في بناء تشريعات وأُطر وطنيَّة تعظِّم من شأن الدوام المَرِن والدوام عن بُعد، وتوفير وسائل النقل لطلبة الجامعات ومؤسَّسات التعليم العالي بِدُونِ استثناء في سبيل الحدِّ من الاعتماد على النقل الخاصِّ مع تعزيز الكفاءة والجودة والأمان وتوفير نقاط داخليَّة في وسط الأحياء السكنيَّة لنقل الطلبة والموظفين وغيرها من الأمور الَّتي باتت تبرز حجم التوسُّع في الخيارات المتاحة والتنوُّع فيها؛ الأمْرُ الَّذي يؤكِّد أهمِّية إخراج هذا الملف من الدائرة المغلقة (الموازنات الماليَّة والتعقيد في الإجراءات والتنسيق بَيْنَ المؤسَّسات و… و…) إلى فتْح آفاقٍ أرحب تستشعر حجم التداعيات المرتبطة بالتأخير في معالجة هذا الأمْرِ على مختلف المنظومات التنمويَّة الاقتصاديَّة والإنتاجيَّة والوظيفيَّة والسِّياحيَّة ومعايير التنافسيَّة الدوليَّة، وبالتَّالي التسريع في تنفيذ متطلبات هذا الملف باعتباره أولويَّة الأولويَّات الَّتي يجِبُ أن يتمَّ التعامل معها بكُلِّ جديَّة ومهنيَّة وإخلاص.
د.رجب بن علي العويسي
Rajab.2020@hotmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: الازدحام المروری فی محافظة مسقط هذا الملف من التعامل مع من إجمالی فی إطار ة الیوم ة مسقط
إقرأ أيضاً:
لهذهِ الأَسباب لم تعُد الإِنتخابات عُرساً وطنيّاً!
آخر تحديث: 31 ماي 2025 - 9:17 صبقلم:نـــــــــزار حيدر ١/ بغضِّ النَّظرِ عمَّن يشترِك أَو يُقاطع من الأَحزاب والتيَّارات والزَّعامات، ستظل العمليَّة الإِنتخابيَّة عبثٌ لا طائِلَ من ورائِها وعِبءٌ لا تُرتجى لإِحداثِ أَيِّ تغييرٍ مُحتملٍ، وذلكَ للأَسبابِ التَّاليةِ؛ *لأَنَّها لم تُنتج أَغلبيَّة وأَقليَّة تحتَ قُبَّة البرلمان، فالمُخرَجاتُ التي يتمُّ التَّأسيسُ عليها لا تعتمدُ على عددِ المقاعدِ التي يحصل عليها المُتنافسُونَ عند صندُوق الإِقتراع وإِنَّما تعتمِدُ على التَّوافقِ والتَّحاصُصِ والتَّوازُن الذي يتناقض مع فلسفةِ العمليَّةِ الإِنتخابيَّةِ جُملةً وتفصيلاً والتي تقومُ على أَساسِ التَّنافسِ على صَوتٍ إِنتخابيٍّ واحدٍ فقط قد يُشكِّل الأَغلبيَّة يُؤَهِّلُها لتشكيلِ الحكُومةِ أَو يدفع بها للأَقليَّةِ فتُشكِّل المُعارضةَ البرلمانيَّةَ لمُراقبةِ السُّلطةِ التَّنفيذيَّةِ ومُحاسبتِها ومُعاقبتِها. *هي إِذن لا تُنتِجُ لنا عمليَّة تداول للسُّلطة [المادَّة (٦) من الدُّستور] والتي تعني تغيير الحزب أَو الكُتلة البرلمانيَّة التي تُشكِّل الحكومة في كُلِّ مرَّةٍ برُؤَاها وبرامجَها المُختلفة من دونِ الإِكتفاء بتغيير الإِسم والوجهِ معَ الإِبقاءِ على كُلِّ شيءٍ، فهذا ليسَ من تداوُل السُّلطة في شيءٍ. لقد ظلَّت نفس القُوى والكُتل البرلمانيَّة وبنفسِ الرُّؤى والبرامجِ والشِّعارات الكلاسيكيَّة المعروفة تُشكِّل الحكومات منذُ التَّغيير عام ٢٠٠٣ ولحدِّ الآن والمُتغيِّر هي الأَسماء والوجُوه!. *فمهما تعدَّدت قوائم التَّحالفات الإِنتخابيَّة فإِنَّ النَّتيجةَ واحدةٌ إذ ستعودُ وتأتلف تحتَ قبَّة البرلمان لتشكِّل الثُّلاثي المعرُوف [الكُتلة الشيعيَّة والأُخرى السنيَّة والثَّالثة الكُرديَّة] لإِعادةِ تدويرِ الحُصصِ والنُّفوذِ والإِستحواذِ على المَواقعِ الأَساسيَّةِ وغَير الأَساسيَّةِ في الدَّولةِ. *وعلى العكسِ من كُلِّ الإِنتخاباتِ التي تشهدَها النُّظُم الديمقراطيَّة، فإِنَّ النَّاخب العراقي لا علاقةَ لهُ في تحديدِ هويَّة الكُتلة النيابيَّة الأَكثرُ عدداً والتي يحقُّ لها دستوريّاً تشكيل الحكُومة بعدَ كُلِّ انتخاباتٍ [المادَّة (٧٦)] ولذلكَ فهوَ لم يعُد يكترِث بالإِنتخاباتِ ولم يعُد يحسِب لصندُوقِ الإِقتراع أَيَّ حسابٍ، فهو مهما تنافسَ قبلَ الإِنتخابات فالنَّتيجةٌ واحدةٌ، رئيساً كُرديّاً من الكُتلةِ النيابيَّة الكُرديَّةِ حصراً، ورئيس حكُومة شيعيّاً من الكُتلةِ النيابيَّةِ الشيعيَّةِ حصراً ورئيس برلمان سُنيّاً من الكُتلةِ البرلمانيَّةِ السنيَّةِ حصراً، وكُلُّ ذلكَ يتمُّ بالتَّوافُقِ تحتَ الطَّاولة ثُمَّ يتمُّ إِخراجهُ فَوقَ الطَّاولة بانتخاباتٍ صُوريَّةٍ تحتَ قُبَّةِ البرلمان!. ولأَنَّهم جميعاً لا يأخذونَ بنظرِ الإِعتبارِ نتائج صندُوق الإِنتخابات كونَهم سيعودُونَ ويتجمَّعونَ بكُتلهِم الثَّلاث تحتَ قبَّة البرلمان، هذا يعني أَنَّ الرِّئاسات الثَّلاث ستتشكَّل على أَيَّةِ حالٍ من نفسِ القُوى السياسيَّة المُخضرَمة المُهيمِنة، فالزَّعامات الحاكِمة التي تتحكَّم بالدَّولة وبالعمليَّة السياسيَّة لا تتغيَّر أَبداً وإِنَّما الذي يتغيَّر هيَ الآلات من الوجُوهِ والأَسماءِ وبعضِ المساحيقِ التَّجميليَّةِ والأَلوانِ [الزَّاهيةِ] التي تُدهَن فيها الشِّعارات وتُلوَّن بها الخِطابات النَّاريَّة والبرامِج الإِنتخابيَّة لخداعِ السذَّجِ والمُغفَّلينَ من خلالِ إِعطاءِ الإِنتخابات [صِبغةٍ] تحديثيَّةٍ ظاهريَّةٍ!. ما لم يتيقَّن النَّاخب بأَنَّ صوتهُ الإِنتخابي هو الذي يُحدِّد الكُتلة الأَكبر وبالتَّالي هو الذي يرسِم ملامِح الحكُومة الجديدة فستظَل الإِنتخابات عبثيَّةً ليسَ فيها فائدةٌ تُرتجى. ٢/ برأيي فإِنَّ الأَصوات الإِنتخابيَّة محسومَةٌ سلفاً، وهي مُقسَّمة حسبَ المُكوِّنات ومِن ثمَّ داخل كُل مكوِّن بينَ القُوى السياسيَّة. قد تزيدُ أَو تنقُص بمقدارِ دانقٍ إِلَّا أَنَّها تبقى محسومةً سلفاً فلا أَحدَ يأكلُ من جُرفِ الآخر كما يقولُونَ سواءً على مُستوى المكوِّنات أَو القُوى والتَّحالُفات الإِنتخابيَّة إِلَّا اللَّمم. ولذلكَ فإِنَّ أَصوات التيَّار الصَّدري إِذا ما أَصرَّ السيِّد مُقتدى الصَّدر على مُقاطعةِ الإِنتخابات سوفَ لن تذهَب لأَحدٍ لا بعناوينِ القُوى السياسيَّة الشيعيَّة ولا بغيرِها من العناوينِ لبقيَّةِ المُكوِّناتِ. أَمَّا الضجَّةُ الإِعلاميَّةُ [الطَّائفيَّة] التي يُثيرُها البعض في العاصِمةِ بغداد إِثر قرار الصَّدر عدم خَوض الإِنتخابات وكَونَ ذلكَ سيُرجِّح كفَّة السنَّة على حسابِ الشِّيعة فإِنَّ ذلكَ هُراءٌ الغرَض منهُ بثَّ الرُّعبِ في نفوسِ النَّاسِ لتحريضِ [الخائفينَ] على المُشاركةِ في الإِنتخاباتِ ليُساعِدُوا في تدويرِ النِّفاياتِ بالرُّعبِ!. فمنذُ أَوَّل إِنتخاباتٍ دستُوريَّةٍ عام ٢٠٠٥ ولحدِّ الآن لم تتغيَّر نِسب تمثيلِ المُكوِّنات تحتَ قبَّة البرلمان على الرَّغمِ في كُلِّ المُتغيِّرات والعواصفِ التي مرَّت بها العمليَّة الإِنتخابيَّة!. وكُلُّ هذا في إِطارِ النِّسبةِ المُتدنِّيةِ للمُشاركةِ والتي من المُتوقَّع في هذهِ الحالةِ أَنَّها ستكونُ رُبَّما أَقل من ٢٠٪ بكثيرٍ. أَمَّا النِّسبةُ الأَكبر وهي نِسبة المُقاطعين، فهيَ كذلكَ تشمِل كُلَّ المُكوِّنات وكُل القُوى السياسيَّة وكُل الدَّوائر [المُحافظات] فالمقاطعةُ لا تقتصِر على مُكِّون دونَ آخر وإِنَّ أَرقام ونِسَب المُشاركات في الإِنتخاباتِ الماضيةِ دليلٌ واضحٌ على ذلكَ سواءً في الإِنتخاباتِ النِّيابيَّةِ الأَخيرةِ أَو في الإِنتخاباتِ المحليَّةِ [إِنتخابات مجالس المُحافظات]. ٣/ وما يُؤسفُ لهُ هوَ أَنَّ العمليَّة الإِنتخابيَّة التي هي بمثابةِ العُرسِ الوطني في النُّظُم الديمقراطيَّة كَونَ النَّاخِبُ ينتظِرُ منها أَن تُحقِّقَ تغييرٌ في الحزبِ أَو الكُتلةِ البرلمانيَّةِ وفي المناهجِ والأَدواتِ، باتت اليَوم أَداةً [ديمقراطيَّة] لتكريسِ الإِنقسامِ المُجتمعي العِرقي والطَّائفي والعشائِري والحِزبي، وذلكَ لسبَبينِ اثنَينِ؛ *غَياب التَّحالفات الإِنتخابيَّة [الوطنيَّة] فكلُّها تحمِلُ لوناً واحِداً إِن على مُستوى الدِّين أَو المذهب أَو الإِثنيَّة، فليسَ من بينِها تحالُفاتٍ تحتضِنُ المُرشَّحُ في قوائمِها كمُواطن وليسَ بخلفيَّتهِ المُحدَّدة والمعلُومة، إِلَّا اللَّمم من التَّحالُفاتِ الهامشيَّةِ!. *غَياب البرامج الإِنتخابيَّة الوطنيَّة التي تعتمِد مفهُوم الدَّولة والمصالِح الوطنيَّة العُليا، وانتشارِ البرامجِ الطائفيَّةِ والخطابِ الإِنتخابي التَّسقيطي والتَّحريضي بدلاً عنها. إِنَّ عَماد العمليَّة الإِنتخابيَّة هو العشِيرة و [الأُسرة] ما يعني أَنَّها أَداةٌ لتكريسِ العقليَّةِ العشائريَّةِ على حسابِ العقليَّةِ المدنيَّةِ [عقليَّة المدينة]. العقليَّةُ الأُولى تبني عشيرةً والثَّانيةُ تبني دَولةً!. لقد تحوَّلت الإِنتخابات إِلى موسمٍ للتَّحريضِ الطَّائفي والعُنصري وهي موسمُ الفضائحِ والتَّشهيرِ والتَّسقيطِ واغتيالِ الشَّخصيَّاتِ [سياسيّاً] ليسَ بينَ كُتل المكوِّنات الثَّلاثة فحسب وإِنَّما داخل كُلَّ مكوِّن كذلكَ!. ٤/ قرار الزَّعامات الهرِمة والصَّدئة، التي اعترفت بفسادِها وفشلِها أَكثر من مرَّة، خَوض الإِنتخابات في العاصمةِ بغداد الهدف منهُ هو زِيادة الصَّخب الإِعلامي وتكريس الطائفيَّة والعنصريَّة أَكثر فأَكثر. هوَ ردُّ فعلٍ من جهةٍ وخَوفاً من الفشلِ والهزيمةِ بعدَ إِخفاقها في تصديرِ شخصيَّاتٍ جديدةٍ يُعتدُّ بها للسَّاحةِ من جهةٍ أُخرى، فهو يشبهُ قرارُ [بايدِن] عندما قرَّرَ خَوض الإِنتخابات للدَّورةِ الثَّانيةِ لَولا الضُّغوطِ التي تعرَّضَ لها والتي أَثنتهُ عن قرارهِ، ومعَ ذلكَ فشلَ!. وهوَ دليلُ خوفٍ وهلعٍ لا علاقةَ لهُ بمساعي التَّغيير والتَّجديدِ!. إِنَّهُ تحدٍّ وقحٍ للعراقيِّين الذين سئمُوا هذه الوجوهِ الكالِحة والمحروقةِ، وكذلكَ للنَّجفِ الأَشرفِ التي حذَّرت من إِعادةِ تدويرِ النِّفاياتِ بقَولها [المُجرَّب لا يُجرَّب].إِنَّهم يتحدَّونَ كُلَّ التَّجربةِ بإِعادتِها إِلى المُربَّع الأَوَّل!.شيءٌ واحدٌ ستستَفيدُ منهُ السُّوق العراقيَّة بقرارهِم هذا إِذ سيتمُّ ضَخُّ المزيدِ من الأَموالِ الطَّائلة التي ستُحرِّك الإِقتصاد! ليُثبتُ كُلَّ [صنمٍ] وكُلَّ [عجلٍ سمينٍ] وجودهُ في لُعبةِ تناطُحِ [الثِّيران] مع بعضهِم!.ستكونُ هزيمتهُم هذهِ المرَّة مدوِّية و [رسميَّة]!. ٥/ وأَخيراً، سيُحرم قرابة [١٣] مليون مُواطن من التَّمثيلِ النِّيابي، إِذ ارتفعَ عدد نفُوس البلاد إِلى أَكثر من [٤٥] مليُون نسمة طبقاً لآخِر إِحصاء سُكَّاني رسمي، وهو الأَوَّل منذُ التَّغييرِ عام ٢٠٠٣، وحسب نصِّ المادَّة [(٤٩) أَوَّلاً] من الدُّستور ينبغي أَن يرتفِع عدد مقاعِد مجلس النوَّاب إِلى [٤٥٠] مقعداً.هذا الموضوعُ بحاجةٍ إِلى [فتوى قانونيَّة] تُفتي بها المحكمة الإِتِّحاديَّة العُليا حصراً فهي المسؤُولة دستوريّاً عن تفسيرِ الدُّستور والقوانين!.وإِلَّا فإِنَّ مجلس النوَّاب [الجديد] سيكُونُ ناقِص الشَّرعيَّة!.