يترسّخ في أذهان كثيرين أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) مجرد جهاز بيروقراطي احتكر لعقود توزيع الغذاء على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين.
لكن تحقيقا حصريا نشرته صحيفة لوموند الفرنسية الثلاثاء الماضي كشف أهمّ من ذلك بكثير. كشف أن الأونروا هي ضمير القضية الفلسطينية، إيمانها العميق بتلك القضية قادها إلى إنجاز عملية كوماندوس إنسانية خيرية تجبر المرء على الوقوف احتراما لمن امتلكوا فطنة الانتباه لها ثم التخطيط لها وشجاعة تنفيذها.
اخترت ترجمة التحقيق ونشره هنا كاملا تعميما للفائدة وتفاديا للإخلال به أو التقصير بحق الأبطال الذي أنجزوا تلك المعجزة:
«جرى تهريب الوثائق التي تثبت صفة لاجئ لمئات آلاف الفلسطينيين من قطاع غزة خلال الأشهر الأولى من الحرب، تحت القصف الإسرائيلي، ونُقلت إلى مكان آمن في الأردن. إنها عملية إنقاذ تبدو كأنها مأخوذة من فيلم أكشن. تحت نيران القصف الإسرائيلي تدور أحداث القصة بين غزة وعمّان، العاصمة العربية الهادئة، مرورًا بصحراء سيناء. أبطال العملية: مجموعة صغيرة من موظفي الأونروا – فلسطينيون وأجانب بدعم من طياري سلاح الجو الأردني.
الوقت كان ضيقًا والمهمة سرية للغاية: إنقاذ ما يبدو كأوراق رثّة، لكنها في الواقع وثائق ذات قيمة تاريخية وسياسية هائلة.. سجلات العائلات الفلسطينية اللاجئة في غزة. يعود جزء من هذه الوثائق إلى ما بعد النكبة مباشرة، حين طردت إسرائيل أكثر من نصف الشعب الفلسطيني (750 ألف شخص من أصل 1.2 مليون) من أرضه لإنشاء دولتها عام 1948.
تُستخدم هذه الأرشيفات لأغراض إدارية، لكنها توثق أيضا تفاصيل النكبة: أسماء القرى الفلسطينية المُهجرة، أعمال العنف، التهجير القسري. هذه الوثائق تشكل أدلة على حجم المأساة وتثبت صفة «لاجئ فلسطيني» التي مُنحت للمُهجّرين عام 1948 ولأبنائهم. اختفاؤها كان سيجعل من المستحيل على الأونروا، التي تأسست عام 1950، إثبات العلاقة بين الأجيال الحالية وضحايا التهجير القسري. في غزة، حيث يشكل اللاجئون المُهجّرون نحو 70% من السكان، تعتبر هذه الوثائق حيوية.
إخلاء تحت القصف: بدأت العملية في 12 أكتوبر 2023، بعد خمسة أيام من بدء الحرب، حين اضطرت الأونروا لإخلاء مقرها في مدينة غزة عقب قصف إسرائيلي مكثف. نقلت مكاتبها إلى رفح. وسط الفوضى، تُركت العديد من المعدات في المكان، كالهواتف الفضائية وكذلك الأرشيف العائلي، الذي لم يكن قد تم رقمنته بالكامل.
بدأت اتصالات يومية بين «ناصر»، وهو مسؤول فلسطيني في الأونروا بغزة (ذُكر اسمه الأول فقط حرصا على سلامته)، و»روجر هيرن»، المسؤول الأسترالي الذي يرأس إدارة الإغاثة والخدمات الاجتماعية في مقر الوكالة بعمّان. قرروا تنفيذ مهمة سرية إلى حي «الرمال» شمال غزة لإنقاذ الوثائق.
توجهت مجموعة صغيرة إلى المقر تحت تهديد القصف وهدير الطائرات المسيّرة. تم تحميل ثلاث شاحنات بالوثائق. الطريق إلى رفح كان مدمّراً لكنه ما يزال سالكاً. تكررت العملية مرتين إضافيتين قبل أن تدخل الدبابات الإسرائيلية شمال القطاع في 27 أكتوبر، وتقصف مقر الأونروا.
في رفح تم تخزين الأرشيف في مستودع أصيب في قصف في مارس 2024، مما أسفر عن مقتل موظف وجرح آخرين. خططت الإدارة لنقل الوثائق إلى مصر عبر شاحنات، لكن السلطات المصرية رفضت ذلك واشترطت التنسيق مع إسرائيل، فتقرر اللجوء إلى «الخطة ب»: بدءًا من نوفمبر 2023، أُخفيت الوثائق في حقائب موظفي الأونروا الأجانب المغادرين غزة، دون علم السلطات المصرية.
كان عدد الموظفين المحليين المطّلعين على الخطة محدودا للغاية. في سيناء، وتحديدا في العريش، كانت الطائرات العسكرية الأردنية تُسقط مساعدات إنسانية وتعود محملة بالوثائق إلى عمّان، حيث المقر الوحيد المتبقي للأونروا. الأردن، الداعم القوي للوكالة، استمر في دعمها رغم اتهام إسرائيل، دون دليل، لـ12 من موظفيها بالمشاركة في هجوم 7 أكتوبر.
الرحلة الأخيرة – ومرارة النصر: في أبريل 2024، ومع اقتراب الدبابات الإسرائيلية من رفح، هُرّبت آخر الوثائق على عجل. هبطت آخر طائرة عسكرية أردنية تحمل أرشيف الأونروا في 21 إبريل بمطار قرب عمّان. في 6 مايو دخل الجيش الإسرائيلي رفح وأُغلقت الحدود المصرية بالكامل.
لم يتسنَّ إنقاذ جميع الوثائق: نُسخ من جوازات سفر تعود لفترة الانتداب البريطاني (1923-1948) ووثائق ملكية بقيت في غزة، لكنها كانت قد رُقمنت قبل الحرب.
أما الأرشيفات غير المرقمنة، مثل المراسلات الرسمية، فربما دُمّرت. يطرح هذا الأمر سؤالاً: لماذا الاحتفاظ بهذه الوثائق المهمة في منطقة حرب؟ رغم أن رقمنة الأرشيف بدأت في أوائل 2000، إلا أنها توقفت بسبب نقص التمويل وتفضيل الأونروا التركيز على التعليم والصحة. لكن روجر هيرن يعتبر أن ذلك دليل إهمال شديد. في نوفمبر 2024 عاد روجر لفترة قصيرة إلى غزة. هناك التقى ناصر، لكنه لم يتعرف على المدينة التي عمل بها 20 عاما لكثرة ما أصابها من دمار.
الأونروا هي عقدة الذنب الأزلية للإسرائيليين
في عمّان جرت رقمنة أرشيف عائلات غزة، وكذلك لاجئي الضفة الغربية الذين هُرّبت وثائقهم سرا من مكاتب الأونروا في القدس الشرقية. يُعدُّ الحفاظ على هذه الوثائق انتصارا في معركة الدفاع عن حقوق اللاجئين وذاكرتهم. يمكن من خلالها يوما ما إعادة بناء تاريخ القرى الفلسطينية المدمّرة عام 1948. لكنه نصر بطعم المرارة: أدلة طرد لاجئي غزة والضفة من بيوتهم وأراضيهم لم تعد محفوظة في فلسطين. لا تزال إسرائيل تواصل حملتها على الأونروا وأغلقت مكاتبها في القدس الشرقية. كما دمّرت ثلاثة مخيمات لاجئين في شمال الضفة الغربية. مستقبل الوكالة يبدو اليوم قاتما أكثر من أي وقت مضى». انتهى نص لوموند.
لعلكم أدركتم الآن أن سعار المسؤولين الإسرائيليين تجاه الأونروا ليس لأنها جهاز بيروقراطي أو مجرد سوبرماركت يحتكر توزيع الغذاء، كما يدّعون. ولعلكم تأكدتم أيضا أن الأونروا هي عقدة الذنب الأزلية للإسرائيليين التي تحيلهم دائما إلى جرائم سلفهم في 1948.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الأونروا غزة غزة الاحتلال الأونروا مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذه الوثائق
إقرأ أيضاً:
الأونروا: يجب وقف القصف في غزة والسماح بدخول المساعدات
عمان-سانا
جددت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” دعوتها إلى وقف طويل الأمد لإطلاق النار في غزة كجزء من اتفاق من شأنه أن يُخفف معاناة سكان القطاع، ويضمن تدفقاً مستمراً للإمدادات الأساسية.
وفي تدوينة على حسابها بمنصة “إكس” أكدت الأونروا أنه يجب وقف القصف في جميع أنحاء قطاع غزة وإنقاذ الأرواح والسماح بدخول المساعدات.
وأعربت الأونروا عن أملها بأن يُسمح لها بإدخال آلاف الشاحنات المحملة بالغذاء والدواء ولوازم النظافة الموجودة حالياً في الأردن ومصر بانتظار الضوء الأخضر لإدخالها إلى القطاع، مبينةً أن هناك حاجة إلى 600 شاحنة يوميًا على الأقل من المواد الأساسية.
وأوضحت الأونروا أن طفلاً من بين كل 5 أطفال يعاني من سوء التغذية في مدينة غزة، محذرةً من أن أعداد الأطفال المتوفين بسبب الجوع تزداد، وأن عدد الوفيات من المجوّعين وصل إلى أكثر من 100 شخص.
وأشارت الأونروا إلى أنها تملك أكثر من 10,000 موظف في غزة، وأنه عندما تصل المساعدات، سيقومون بتوزيعها مباشرة.
ومنذ الـ 7 من تشرين الأول 2023 تشن إسرائيل حرب إبادة جماعية بغزة، تسببت بارتقاء أكثر من 59821 فلسطينياً، وجرح 144851 آخرين، إضافة إلى آلاف المفقودين ومئات آلاف النازحين، ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم عشرات الأطفال.
الأونروا غزة 2025-07-28najwaسابق قافلة مساعدات جديدة تتوجه إلى السويداءالتالي لأول مرة… هولندا تدرج إسرائيل ضمن الدول التي تشكل تهديداً انظر ايضاً الأمم المتحدة تحذر من تزايد معدلات سوء التغذية في غزةنيويورك-سانا حذرت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، من أن طفلاً واحداً من …
آخر الأخبار 2025-07-28لأول مرة… هولندا تدرج إسرائيل ضمن الدول التي تشكل تهديداً 2025-07-28الأونروا: يجب وقف القصف في غزة والسماح بدخول المساعدات 2025-07-28قافلة مساعدات جديدة تتوجه إلى السويداء- فيديو 2025-07-28وزير الإعلام: نأمل ألا تُعرقل الجهة الخارجة عن القانون وصول قوافل المساعدات إلى السويداء 2025-07-28وزير الطاقة يصل الدمام لزيارة منشآت إستراتيجية في قطاع الطاقة 2025-07-28ارتفاع أسعار النفط بعد الاتفاق التجاري الأمريكي الأوروبي 2025-07-28ندوة توعوية في حلب حول مخاطر المخدرات وضرورة التكاتف المجتمعي لمكافحتها 2025-07-28أردوغان: تركيا في حالة تأهب دائمة لحماية الغابات من الحرائق 2025-07-27مصرع ثلاثة أشخاص في حادث قطار غرب ألمانيا 2025-07-27الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يتوصلان لاتفاق تجاري بشأن الرسوم الجمركية
صور من سورية منوعات اختفاء غامض لعشرات الطواويس من فندق تاريخي في كاليفورنيا 2025-07-27 أمازون تغلق مختبرها للذكاء الاصطناعي بالصين 2025-07-25
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |