حكم معاشرة الزوجة المتوفاة.. الإفتاء: فعل مقزز تأباه العقول.. ومن الكبائر
تاريخ النشر: 29th, July 2025 GMT
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا مضمونه: هل صحيح ما يتردد في هذه الأيام عن جواز معاشرة الزوجة بعد وفاتها؟ وهل في كتب التراث ما يبيح ذلك؟
وأجابت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمى عن السؤال قائلة: إن جماع الرجل زوجتَه بعد موتها هو فعلٌ تأباه العقولُ السليمةُ والفِطَرُ المستقيمةُ، وتَنفِرُ منه الطِّبَاعُ السوية، وقد نص الفقهاء على حرمته شرعًا، وأنه من كبائر الذنوب، يستحق مرتكبُهُ العقاب والتأديب.
وأشارت الى أنه ورود هذه المسألة في كتب التراث إنما هو على جهة فرض حصولها لبيان الآثار المترتبة عليها؛ من العقوبة ونحوها، والفقهاء إذ تحدثوا فيها من هذه الوجهة استبعدوا حدوثها من إنسانٍ عاقلٍ صاحب فطرةٍ سوية؛ تمامًا كما تكلّموا -مثلًا- عن حكم طلاق السكران؛ فلا يدِّعي عاقلٌ أن في كلامهم هذا إشارةً إلى جواز شرب المسكِر، أو نحو ذلك مما لا يرتضيه إلا جاهلٌ بالشريعة وعلومها.
معاشرة الزوجة المتوفاة وكلام الفقهاء في ذلك
وأوضحت أن الإسلام راعى الغرائز الفطرية في الإنسان؛ فلم يكبتها، ولم يُقِم أمر الدين على الرهبانيَّة، وفي ذات الوقت شرع الزواج ورفع شأنه؛ لينأى بالبشر عن استغلال الغريزة واللُّهاث خلف الشهوة، وليقرر كرامة الأنثى ويُعلِيَ شأنها، فأقام العلاقة الزوجية على المودة والرحمة، وأباح أمر الاستمتاع بالمعاشرة بين الزوجين، وجعله حقًّا للزوجين ما دامت العلاقة الزوجية قائمة، ويزول هذا الحق بأي فُرقةٍ من فُرَق النكاح.
ومن فُرَق النكاح: الموتُ فهو سببٌ طَبْعي قاطعٌ لتلك العلاقة، وبحصوله تظهر حقوقٌ جديدة، أو تتعجل حقوقٌ مؤجلة؛ كمؤخر الصداق، والإرث، وجواز الزواج بخامسة إذا كانت الزوجة المتوفاة رابعة أربعة، وحلِّ الزواج بأختها، بعد أن كان ذلك محظورًا في حياتها، بشرط انتهاء مدة التربص للزوج في الحالتين؛ وذلك لما تقرر من حرمة الجمع بين خمس زوجات أو أختين.
وأشارت الى انه متى توفيت الزوجة لم يعد من حقِّ زوجها الاستمتاع بجسدها أو حبسه ولو لوقتٍ وجيزٍ من أجل أن يقضي منها وطره وشهوته، ويحرم عليه شرعًا وَطْؤُها، ولا خلاف بين الفقهاء في ذلك؛ لانقطاع الزوجية، وكون المرأة لم تَبْق محلًا للجماع بعد الموت؛ قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار على الدر المختار" (3/ 484، ط. دار الفكر): [الميتة لم تَبْقَ زوجةً] اهـ.
وفي "الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة" للعلامة سراج الدين الغزنوي الحنفي (ص: 46، ط. مؤسسة الكتب الثقافية) قال: [المرأة لم تبق محلًّا للنكاح بعد موتها؛ فلم تبق الزوجية.. والدليل على أن النكاح ارتفع بموتها: صحةُ التزويج بأختها وأربعٍ سواها] اهـ.
ونصَّ المالكية على حرمة هذا الفعل، وإن لم يُقَمْ على الزوج الحدُّ، وأن على الحاكم أن يؤدبه ويزجره؛ قال العلامة الشيخ عليش المالكي في "منح الجليل" (9/ 246، ط. دار الفكر): [فلا يُحَدُّ إن وطئ زوجته بعد موتها وإن حَرُم، نعم يُؤَدَّب] اهـ ملخصًا.
وهو ما يدلُّ عليه كلامُ الشافعية؛ حيث يعدون الإنسان بعد وفاته ذكرًا كان أو أنثى مَحْرَمًا مُحَرَّمًا على الحي، وإن بقيت بعض آثار الزوجية؛ قال الشيخ الجمل الشافعي في "حاشيته على شرح المنهج" (4/ 180، ط. دار الفكر) في "باب ما يحرم من النكاح" -ناقلًا عن شيخ الإسلام أبي حامد الغزالي-: [الزوجة تُنزل بعد موتها منزلة المَحْرَم] اهـ.
فعُلِمَ من ذلك أن منزلة الزوج من زوجته المتوفاة عنه بمنزلة الأخ من أخته من جهة حرمة الوطء.
ونصَّ على حرمة ذلك أيضًا الحنابلة؛ فقال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (8/ 308، ط. دار إحياء التراث العربي): [قال القاضي في جواب مسألة: ووطء الميتة مُحَرَّمٌ] اهـ، بل عدّ شيخ الإسلام ابنُ حجرٍ الهيتميُّ الشافعي هذا الفعلَ من كبائر الذنوب؛ فقال في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/ 236، ط. دار الفكر): [الكبيرة الرابعة والستون بعد الثلاثمائة: وطء الزوج لزوجته الميتة] اهـ مختصرًا.
بيان خطورة هذا الفعل وتعارضه مع مقاصد الشرع
بالإضافة إلى أن هذا الفعل الشنيع والجريمة النكراء تأباه العقول السليمة والفطر المستقيمة، وتنفر منه الطباع السوية، وتمجه الأسماع النقية، حتى إن البهائم تَسْتَنْكِفُهُ، فكيف بالإنسان المكرم في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70].
كما أن هذا الفعل المقزز يتعارض مع مقاصد التشريع الإسلامي في مقتضيات مصيبة الموت وما يترتب عليه من إجراءات تكريم الميت وسرعة تجهيزه بالتغسيل والتكفين والصلاة عليه ودفنه والحزن على مفارقته وما حلَّ به من مصيبة الموت، وأخذ العظة والاعتبار، والحذر من الاغترار بالدنيا والانغماس في شهواتها؛ فعن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «كَفَى بِالْمَوْتِ وَاعِظًا، وَكَفَى بِالْيَقِينِ غِنًى، وَكَفَى بِالْعِبَادَةِ شُغْلًا» أخرجه الإمام البيهقي في "شعب الإيمان".
وأخرج الإمام أبو نعيم في "الحِلية" عن أبي الدرداء رضي الله عنه: أنه كَانَ إِذَا رَأَى جَنَازَةً قَالَ: "اغْدُوا فَإِنَّا رَائِحُونَ، أَوْ رُوحُوا فَإِنَّا غَادُونَ، مَوْعِظَةٌ بَلِيغَةٌ، وَغَفْلَةٌ سَرِيعَةٌ، كَفَى بِالْمَوْتِ وَاعِظًا، يَذْهَبُ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ، وَيَبْقَى الْآخِرُ لَا حِلْمَ لَهُ".
هذا من جهةِ الشَّرع والطَّبع.
ومن جهةٍ أخرى نجد علماء النفس يعُدُّون الانجذاب الجنسي إلى الجثث نوعًا من الشذوذ الجنسي الناتج عن مرضٍ نفسيٍّ يسمى بــــ "النيكروفيليا- Necrophilia"، وأن فاعله ممن يتمتعون بشخصية سايكوباتيَّة غير سويَّة، وأهم دوافع هذا السلوك: - إرادة الحصول على شريكٍ غير قادرٍ على المقاومة.
- أو تقوية الثقة بالنفس بأشخاص لا يملكون القدرة على المقاومة.
- أو الاتحاد والتواصل مع شريكٍ جنسيٍّ سابق.
- أو الانجذاب الجنسي نحو الجثث.
- أو التغلب على الانطواء والعزلة، انظر: "تشريح نزوع الإنسان إلى التَّدمير" لعالم النفس والفيلسوف الإنساني إريك فروم.
الفهم الصحيح لما ورد في كتب التراث في ذلك
أما ورود هذه المسألة في كتب التراث: فإنها لم تأتِ في مَعْرِضِ الحديث عن حِلِّ الاستمتاع، ولكن جاءت في مباحث أخرى كثيرة لعلاج تشعبات هذا الفعل على فرض حصوله والآثار المترتبة عليه برؤيةٍ شاملةٍ حكيمةٍ من فقهاء المسلمين الأجلّاء؛ لذا نجد أنهم إذ يتكلمون عن أمثال هذه المسائل، يستبعدون حدوثها من إنسانٍ عاقلٍ صاحب فطرةٍ سوية؛ تمامًا كما تكلّموا -مثلًا- عن حكم طلاق السكران؛ فلا يدِّعي عاقلٌ أن في كلامهم هذا إشارةً إلى جواز شرب المسكِر، أو نحو ذلك مما لا يرتضيه إلا جاهلٌ بالشريعة وعلومها.
فمن ذلك وُرُودُ هذه المسألة في "مبحث العقوبات" في سياق الكلام عن العقوبة فيها؛ هل هي الحدُّ كالزنا، أم التعزير الذي يخضع لتقدير القاضي.
وَوُرُودُها في "مبحث الطهارة" في سياق الكلام عن الغسل على فرض حصول هذه الفعلة الشنيعة النَّكراء؛ هل يجب على الفاعل الغسل؟ وهل يجب إعادة غسل المتوفى؟ وهَلُمَّ جَرّا.
وأكدت بناء على ما سبق أن جماع الرجل زوجتَه بعد موتها أمرٌ محرمٌ شرعًا، بل هو من كبائر الذنوب، يستحق مرتكبُهُ العقاب والتأديب، علاوةً على أنه فعلٌ تأباه العقولُ السليمةُ والفِطَرُ المستقيمةُ، وتَنفِرُ منه الطِّبَاعُ السوية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الزوجة وفاة الزوجة الإفتاء فی کتب التراث هذا الفعل بعد موتها دار الفکر ک ف ى ب ال
إقرأ أيضاً:
للمطلقات.. هل يصدر حكم بالحبس للمطلق حال تخلفه عن سداد نفقة المتعة؟
وفقا لقانون الأحوال الشخصية، منحت الزوجة -حال طلاقها- دون إرادتها حق المطالبة بنفقة متعة، وهي تعتبر نفقة تعويضية أو جبر لخاطرها كون الطلاق وقع بسبب غير صادر منها بشرط أن لا تكون الزوجة المتسببة فيه، ويقدم المطلق لمطلقته مبلغ مالي في تلك الحالة لتعويضها عن الأضرار التي لحقت بها، وتقدر النفقة وفق مدة الزواج ووضع الزوج المالي .
وخلال السطور التالية نجيب عن بعض الأسئلة الخاصة بنفقة المتعة هل يصدر حكم بالحبس للزوج حال تخلفه عن سداد نفقة المتعة، متي يتم تقسيط تلك النفقات، والحالات التي لا تستحق المطلقة فيها تلك النفقة.
- تجب نفقة المتعة للمطلقة حال كان سبب الطلاق ليس بيدها إي إذا لم تكن الزوجة هي المتسببة في الطلاق، فتستحق نفقة المتعة سواء كان الطلاق رجعياً أو بائناً.
- شروط استحقاق نفقة المتعة الدخول الشرعي، يجب أن تكون الزوجة مدخولاً بها في زواج صحيح، يجب أن يقع الطلاق بين الزوجين، سواء كان رجعياً أو بائناً، يجب ألا تكون الزوجة هي السبب في وقوع الطلاق.
- تقدير نفقة المتعة وفقاً لحال الزوج المادية وفق يساره أو إعساره وظروف الزوجة ومدة الزواج.
-تعتبر نفقة المتعة -مبلغ مالي- تعويضاً للمطلقة عن الألم النفسي الذي قد يصيبها بسبب الطلاق وجبر لخاطرها.
- الزوجة تستحق نفقه المتعة بسبب حق الزوج في احتباس الزوجة في عصمته ومن ثم حدوث الطلاق.
- نفقة المتعة تقدر بنفقة سنتين على الأقل ويجوز فرض المتعة لمدة أكبر من ذلك .
-تصل نفقة المتعة في بعض الأحيان إلي ملايين الجنيهات لزوجات في حين نفقة زوجات أخريات تقدر بعشرات الألاف وذلك بناء على حالة المطلق المالية والاجتماعية وظروف الطلاق ومدة الزوجية .
- تحسب مبلغ نفقه المتعة بالسنوات وهي النفقة الطبيعية الكفاية لسداد احتياجات الزوجة شهريا مضروب في عدد شهور المدة.
-يمكن للمطلقة إقامة دعوى أمام محكمة الأسرة للمطالبة بنفقة المتعة بعد تقديم طلب إلى مكتب تسوية المنازعات الأسرية.
-يجوز للمطلق طلب قسيط نفقة المتعة إذا لم يتمكن الزوج من سداد المبلغ بالكامل، كما أن تلك النفقة لا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء .