ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (هل يكتفي الإنسان بالدعاء المأثور عن النبي، أو يستعين في ذلك بما ورد من الأدعية والأذكار غيرِ المأثورة الواردة عن العلماء والأولياء، بما يُعرف بالمجربات؟

قبل الفجر بساعة.. أفضل الأدعية التي تقال دعاء خسوف القمر.. رددوا أفضل الأدعية لنصرة فلسطين على الصهاينة

وأجابت دار الإفتاء، على السؤال، بأن السُّنة عند نزول الآيات وحلول المُلِمَّات الاستغفارُ والذِّكْر والفزع إلى الله تعالى بالدعاء، وإخلاص النيَّات بالتوبة والإقلاع عن الذنوب والمعاصي، وبذلك يكشفُ الله تعالى البأس، ويرفع البلاء، ويزيح الوباء.

واستشهدت دار الإفتاء، بقول الله سبحانه كاشف الضُرِّ ورافع البلوى؛ حيث قال تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ۞ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ۞ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح: 10-12].

وقال سبحانه: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾ [الأنعام: 43]، وقل جل شأنه: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُون﴾ [البقرة: 152]، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ﴾ [الأنعام: 17]، وقال عز وجل: ﴿ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ [النحل: 53].

وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، وَإِنَّ الدُّعَاءَ وَالْبَلَاءَ لَيَعْتَلِجَانِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"، و"الأوسط"، و"الدعاء"، والحاكم في "المستدرك" وصحَّحه، وأخرجه الإمام أحمد في "مسنده" من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه.

ورُوي مُرسلًا عن الحسن البصري، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اسْتَقْبِلُوا أَمْوَاجَ الْبَلَاءِ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ» رواه أبو داود في "مراسيله".

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (2/ 542، ط. دار المعرفة): [المبادرةُ إلى الطاعة عند رؤية ما يحذر منه، واستدفاع البلاء بذكر الله تعالى وأنواع طاعته] اهـ.

وذكرت دار الإفتاء، أن الذكر والدعاء وإن كان الأفضل فيهما التيمن بما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والسلف الصالح؛ تبركًا بألفاظهم، واستشعارًا لأنفاسهم، إلَّا أنه يجوز لكل أحد من العلماء بالله تعالى والصالحين أن يدعوَ بما شاء غير المأثور، وروي في ذلك جملة من الأذكار والصلوات والأدعية والأحزاب، وصارت من المجربات في كشْف الشَّدائدِ والنوازلِ والأزمات، ولا يعتبر هذا الأمر من البِدَع في شيء؛ لأنَّ البدعة كل ما اختُرع في الدين مما يتعارضُ مع الشرع، بل يدخلُ ذلك في عموم الندب والاستحباب المذكور في الآيات والأحاديثِ الآمرة بالذكر.

قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكيُّ في "القبس في شرح موطأ مالك بن أنس" (ص: 422، ط. دار الغرب الإسلامي): [والفائدة في إدخال مالك رضي الله عنه لحديث أبي الدرداء ها هنا أنَّ الدعاء -وإن كان الأفضل فيه التيمن بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والتبرك بألفاظه الصحيحة الفصيحة- فإنه يجوز لكلِّ أحدٍ من العلماء بالله تعالى أن يدعوَ بما شاء غير المأثور، ولكن لا يخرج عن التوحيد، ألا ترى إلى قول أبي الدرداء رضي الله عنه: "نَامَتِ الْعُيُون وَصَدَقَ، وَغَارَتِ النُّجُومُ وَصَدَقَ، وَأنْتَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ فَصَدَقَ".

وأوضحت، أن أول المجربات من الأدعية والصلوات في رفع الطواعين والمُلِمَّات: الإكثارُ من الصلاة على سيِّد الأرض والسماوات صلى الله عليه وآله وسلم.

قال العلامة ابن نُجيم (ت970هـ) في "ضبْط أهل النقل في خبر الفصل في حق الطاعون والوباء" (ص: 8): [وذكر بعض الصالحين أنَّ من أعظم الأشياء الرافعةِ للطاعونِ وغيرِه من البلايا العظام: كثرةَ الصلاةِ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ.

ومن المُجربات أيضًا: قراءة سورة "نوح" على نبينا وعليه الصلاة والسلام؛ ثلاثة آلاف وثلاثمائة وستين مرَّة، لرفع الأوبئة.

كما ورد أيضًا جملة من المجربات من أذكار الصالحين وأدعيتهم: قال الإمامُ الشاعر الأديب شهاب الدين أبو العباس بن أبي حَجَلة التلمساني الحنفي ([ومما يُدفَع به الطاعون أيضًا: الدعاء. فمن ذلك ما شاع في هذه الأيام بالقاهرة المحروسة، وهو أنَّ بعضَ الصالحين حين كثر الموت بالطاعون في المحلة، ذكر أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام، وشكا إليه حال الناس، فأمره أن يدعوَ بهذا الدعاء الآتي ذكره، فقال: أخافُ أن أنساه، فقال: اكتبه، وأشار إلى إصبعه الشريفة إلى كف الرجل الصالح بكتابته، فاستيقظ فوجده مكتوبًا في كفه، وهو:"بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم، اللهم نعوذ بك من الطعن والطاعون، وعظم البلاء في النفس والمال والأهل والولد، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، مما نخاف ونحذر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، عدد ذنوبنا حتى تُغفَر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، اللهم كما شفعت نبينا فأمهلنا واعمر بنا منازلنا ولا تهلكنا بذنوبنا، يا أرحمَ الراحمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم".

قلت: وما تبعد صحَّة هذا المنام؛ لأنه عليه ديباجة كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأيضًا فيه موافقة الحديث المتقدم الموفي عشرين من كون الصلاة عليه في أوله وأوسطه وآخره] اهـ.

[ومما نقل عن غير الصحابة من الأئمَّة الأولياء والأئمة العلماء، فمنها: ما أخبرني العلامة محمد بن يوسف بن الحسن محدث مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مشافهة قال: نقل الإمام عمر بن علي اللخمي المالكي قال: أخبرني الشيخ الصالح موسى الضرير: أنه ركب في مركب في البحر المالح قال: وقامت علينا ريح تسمى "الإقلابية" قلَّ من ينجو منها من الغرق، فضجَّ الناس خوفًا من الغرق، قال: فغلبتني عيناي فنمتُ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: قل لأهل المركب يقولوا ألف مرة: اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، وتقضي لنا بها جميع الحاجات، وتطهرنا بها من جميع السيئات، وترفعنا عندك بها أعلى الدرجات، وتبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة وبعد الممات، قال: فاستيقظت وأعلمت أهل المركب بالرؤيا، فصلينا نحو ثلاثمائة مرة ففرَّج الله عنا هذا أو قريبًا منه.

قال أبو عبد الله: وأخبرني الشيخ الصالح الفقيه حسن بن علي بن سيد الكل المهلني الأسواني، رحمه الله تعالى بهذه الصلاة، وقال: من قالها في كل مهم ونازلة ألف مرة فرَّج الله عنه وأدرك مرامه] اهـ.
وقال الحافظ شمس الدين السخاوي (ت902هـ) في "القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع" (ص: 221، ط. دار الريان): [ذكر الشيخ شهاب الدين بن أبي حجلة أيضًا أنَّ بعض الصالحين حين كثُر الطاعون في المحلة ذكر أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام وشكا إليه الحال، فأمره أن يدعوَ بهذا الدعاء: اللهم إنا نعوذ بك من الطعن والطاعون وعظيم البلاء في النفس والمال والأهل والولد، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر مما نخاف ونحذر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر عدد ذنوبنا حتى تُغفَر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر وصلى الله على محمد وآله وسلم، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، اللهم كما شفعت نبيك فينا فأمهلتنا وعمرت بنا منازلنا فلا تهلكنا يا أرحم الراحمين] اهـ.

وبناءً على ذلك: فالسُّنة عند حلول الأوبئة الاستغفارُ والذكر والدعاء، وهي وإن كان الأفضل فيها التيمن بما ورد عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والسلف الصالح رضوان الله عليهم، إلَّا أنه يجوز الدعاء والذكر بما ورد عن الصالحين من غير المأثور، وروي في ذلك جملة من الأذكار والصلوات والأدعية والأحزاب، وصارت من المجربات في كشف الشدائدِ والنوازل؛ كالإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتعدد صيغ الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم، وكقراءة سورة نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وكقراءة أدعية الحفظ والاعتصام الواردة عن بعض الصالحين، والمجربة في رفْع الطواعين، وكقراءة الأحزاب والصلوات: كحزب الإخفاء وحزب الطمس لسيدي أبي الحسن الشاذلي رحمه الله، والصلاة المشيشية لسيدي عبد السلام بن مشيش، ونحو ذلك.
ولاتعتبر هذه الأدعية والأذكار من البدع في شيء؛ لأن البدعة كل ما اختُرع في الدين مما يتعارضُ مع الشرع؛ بل يدخلُ ذلك في عموم الندب والاستحباب المذكور في الآيات والأحاديث الآمرة بالذكر والتضرُّع في الدعاء.

 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: دار الإفتاء النبي الأدعية الأذكار العلماء رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم النبی صلى الله علیه وآله وسلم على سیدنا محمد محمد وآله وسلم رضی الله عنه دار الإفتاء الله تعالى الله أکبر أن یدعو

إقرأ أيضاً:

«يوم عرفة».. رحلة إيمانية وفرصة مغفرة عظيمة

تبدأ مناسك الحج من اليوم، الثامن من ذى الحجة وهو يوم التروية، بإحرام الحجاج وعقد النية للحج والطواف بالبيت العتيق بعد الإحرام، والسعى بين الصفا والمروة والمبيت بمنى ليلة التاسع من ذى الحجة.
ويبدأ غداً -بإذن الله- يوم وقفة عرفة والذى يعد ركناً أساسيا من أركان الحج، لحديث النبى صلى الله عليه وسلم:«الحج عرفة»، وهذا اليوم له فضل كبير وعظيم ومكانة عند الله تعالى، فهو يوم تجتمع فيه جموع حجاج المسلمين من كل بقاع الأرض فى وقفة عظيمة يرجون فيها رحمة الله تعالى ومغفرته.
عرفة هو يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار لحديث السيدة عائشة رضى الله عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهى بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء »، وأيضا يعد يوما مستحبا للدعاء ففيه يجتمع المسلمين يدعون الله تعالى بكل ما فى قلوبهم ويرجون أن يستجيب لهم دعائهم.
وينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا فى يوم عرفة ويباهى بأهل عرفة الملائكة ويقول سبحانه: «انظروا إلى عبادى جائونى شعثا غبرا من كل فج عميق يرجون رحمتى ولم يروا عقابى»فلم ير يوما أكثر عتقا من النار من يوم عرفة.
والوقوف بعرفة هو الركن الأساسى من أركان الحج، ويجب على الحاج أن يقف بعرفة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ويستحب الدعاء بكل ما فى القلب وبالأدعية المأثورة عن النبى صلى الله عليه وسلم، ثم بعد يكمل الحاج باقى المناسك بعد غروب الشمس بالنزول إلى مزدلفة لجمع الحصى والمبيت للذهاب صباحا لرمى جمرات العقبة الكبرى فى أول أيام التشريق ثم طواف الإفاضة والسعى بين الصفا والمروة ثم الحلق وتغيير ملابس الإحرام ويسمى التحلل الأصغر، ثم العودة إلى منى للمبيت بها باقى أيام التشريق وجمع الحصى لرمى جمرات هذه الأيام.
ولغير الحاج يستحب الصيام من أول ذى الحجة وحتى يوم عرفة، أو صيام يوم عرفة على الأقل لما له من فضل كبير على المسلمين، لحديث أبى قتادة عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التى قبله، والسنة التى بعده», ويستحب أيضاً كثرة الدعاء وأن يكون بصيغة الجمع للناس والمسلمين أجمعين والأهل، والإكثار من الصدقات وذكر الله، لحديث النبى صلى الله عليه وسلم قال: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلى، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهوعلى كل شىء قدير»، فيوم عرفة يوم عظيم ومبارك، ويجب على المسلمين أن يغتنموا هذا اليوم فى الدعاء والذكر والعبادة وأن يرجو الله تعالى أن يغفر لهم وذويهم ويجيب لهم دعائهم.
ولمن بتمنى حج بيت الله الحرام وزيارة المسجد النبوى الشريف أن لا ييأس من تحقيق حلمه، فالله تعالى يسر عباده المؤمنين، وعليه أن يعلم أن حج بيت الله هو رحلة إيمانية عظيمة تغسل الذنوب وتطهر القلوب، وأن زيارة المسجد النبوى الشريف شرف عظيم وفخر لا مثيل له.
سعى لتحقيق حلمك، واعلم أن الله سبحانه وتعالى سوف يحققه بإذنه.
 
[email protected]
 
 

مقالات مشابهة

  • ما أفضل وقت لذبح الأضحية؟.. معلومات مهمة من دار الإفتاء
  • عاجل- ما هو حكم من شرب أو أكل ناسيا فى نهار عرفة؟.. الإفتاء تجيب
  • خطيب عرفة: الحج إظهار للشعيرة وإخلاص في العبادة
  • موعد أذان المغرب يوم عرفة
  • حكم ترك الاغتسال قبل الإحرام بالحج والعمرة
  • ما هي أفضل الأعمال في يوم عرفة؟
  • حكم تقبيل الحجر الأسود.. «الإفتاء» تحسم الجدل
  • الأدعية المستحبة لغير الحجاج في يوم التروية.. تعرف عليها
  • هل يجوز حلق الشعر في العشر الأوائل من ذي الحجة لغير الحاج؟..الإفتاء تجيب
  • «يوم عرفة».. رحلة إيمانية وفرصة مغفرة عظيمة