لجريدة عمان:
2025-06-25@15:42:25 GMT

بيتر هندكه.. سيفا اللغة والسرد

تاريخ النشر: 5th, December 2023 GMT

بيتر هندكه.. سيفا اللغة والسرد

تتفق الكتابة الأدبية، بشكل عام، على استخدام اللغة الاجتماعية، وعلى مكانة الإنسان في المجتمع. ولكن، «في الوقت عينه»، هناك حضور لا يُحصى من الإيماءات، والأحاسيس، والأماكن، والانطباعات العابرة إلى حدّ ما، والتي تبقى كامنة أي غير معلن عنها في معظم الأوقات، والتي تشكل مع ذلك نسيج الحياة ذاته. كلّ أعمال الكاتب النمساوي بيتر هندكه -(مواليد 1942 وحائز نوبل للآداب العام 2019)- تمثل سعيًا مستمرًا لتحقيق هذا الهدف، وتتمايز عن الهياكل السردية المعتادة.

فالكتابة عنده، تتعلق بالاستيلاء على المساحة الموجودة أمامه دائمًا، على الرغم من الظروف المحيطة بها. الاستيلاء على المرئي، مثلما يتكشف ذلك في ترحلاته وسفره، فعندها يكون متشكّلا من جميع الأماكن التي يواجهها أو يختبرها، أي تلك التي يستمر في العودة إليها. إنها بذلك تشكّل مادة الأدب، و«تضمن»، باختصار، الإحساس الحقيقي.

«السيف الثاني» (منشورات غاليمار في باريس، 128 صفحة) هو جزء كامل من هذا النهج المتواصل والمستمر، والذي، مثل التنفس، هو بصمة الحياة ذاتها، التي يمكن نقلها إلى أي قارئ كاحتمال خاص به، وخاصة عبر الترجمة الجميلة والدقيقة والمرنة لجوليان لابير دو كابانا، وكأنه يعيد إنشاء النص بشكل مثالي، بعيدا عن عملية النقل من الألمانية إلى الفرنسية.

ما من شيء خاص، أو حصري في سردية بيتر هندكه هذه، فما يحدث للشخصية (الروائية) يمكن له أن يحدث للجميع، وكل ما يعيشه هذا الرجل، الذي يتحدث عنه الكتاب هو «شائع» وخاص بالجميع. باستثناء أنه زار ذات يوم ضاحية باريس الشمالية، وما إن عاد حتى أحس أن نزهته كانت أشبه «بترحال في داخل الأرض»، فما كان أمامه، إلا أن عاد إلى هناك بعد ثلاثة أيام؛ وحين غادر تلك البقعة مجددا، سيطرت عليه هذه المرة الحاجة إلى مكان آخر «مصنوع من الانتقام».

كانت حاجة هذه الشخصية، أو لنقل مشروعها، الانتقام في قلب المشهد الطبيعي. والقصد من ذلك هو قتل الصحفي الذي كتب أن والدة الراوي، في زمن مضى، انحازت إلى جانب المحتلين الألمان للنمسا. فاتح بالأمر صديقه إيمانويل، رسام هياكل السيارات، لغاية أنه سأله عمّا إذا كان قد قتل أحدا من قبل.

يقع الراوي تحت تأثير ضيق الوجود الأساسي، الذي يشكل أساس بعض المواجهات المعينة مع الواقع. إنه الانتقام كقوة دافعة للذات البشرية، كمحتوى أساسي له، لكن الانتقام ربما يكون مجرد فرصة مكثفة لهذا الوجود، لا في إنجازه، بل في مدته الزمنية المستمرة. في أي حال، تنتهي الرغبة في القتل إلى أن تتوزع على أشياء متعددة، مرئية، إلى لقاءات. الرحلة التي تبدو وكأنها خارجه، سوف تمنحه فرصة اكتشاف الذات.

تهدف هذه الرحلة، من دون حتى إطالتها، إلى مصالحة غريبة مع التاريخ الذي حرص بيتر هندكه دائمًا على إبعاد نفسه عنه: تستعيد هذه السردية قصة الــ«Wanderung» (التجول) سيرًا على الأقدام في «إيل دو فرانس»، والتي سبق أن بدأتها شخصية الممثل في كتاب سابق لهندكه وهو «السقوط العظيم» (2011)؛ ففي روايته هذه، يستيقظ الممثل ذات يوم على صوت الرعد الشديد، لينتهي به الأمر بالسقوط العظيم. كان قد نام في منزل امرأة كان قد التقى بها في ذلك المساء نفسه، هناك، في المدينة الكبرى. هل هما شخصان متواطئان أم عاشقان؟ في أي حال، كان الثنائي الذي يشكلانه لا يزال غامضا للغاية في نظر الراوي الذي يتابع إعداد «ممثله» خطوة بخطوة. كان من المقرر أن يبدأ التصوير في اليوم التالي، لكن يتعين عليه أولا مغادرة المنزل وعبور الغابة ثم الوصول إلى العاصمة. أغرب اللقاءات تتبع بعضها البعض دون أن نعرف حقًا أي الشخصيات موجودة وأيها متخيلة. يأخذنا هندكه في كتابه هذا في رحلة شعرية. ونجد أن المجتمع والسياسة وحتى الطبيعة تتحدث عبر هذا الممثل الذي يتجه بلا هوادة نحو السقوط العظيم، الذي لم يكن سوى عراك يسقط فيه مضرجا بالدماء حتى الموت، بعد أن وصل على ساحة المدينة. هنا أيضا نجد طريقا مماثلا من الضواحي الداخلية إلى وسط باريس. لكن هذه الرحلة هي أيضًا رحلة يكون فيها، على الرغم من نفسه، منغمسًا على وجه التحديد في هذا التاريخ الذي ينضم إلى أسسه بينما يبدو أنه يتحداه.

يُظهر عنوان الكتاب الفرعي «قصة في مايو» كيف يتم استيعاب الانتقام وعكسه و«تضمينه» في التكوين العام للمكان، لذا ليس من قبيل الصدفة أن يظهر «بور رويال» مرة أخرى في قصة لبيتر هندكه؛ إذ يُعدّ «بور رويال» مكانًا لاضطراب الروح، وقطبًا للتعافي الذاتي، وهو على وجه التحديد في قلب التاريخ البشري منذ أن نشأ باسكال وراسين هناك، وفي الأسس ذاتها التي تجعل هناك لغة: الصرف والنحو.

اللغة في الواقع هي اللحظة الحاسمة في كلّ ما يكتبه بيتر هندكه، اللغة في تزامنها مع ما يقوله (هل هذا هو سبب اللجوء إلى النص الكتابي، «السيفان» اللذان يظهران في «إنجيل لوقا» «فَقَالُوا: «يَا رَبُّ، هُوَذَا هُنَا سَيْفَانِ». فَقَالَ لَهُمْ: «يَكْفِي!»، 22:38)؟ إنها اللغة التي تشكل السيف الأول، ولكن بكونها غير مبرمجة مسبقا.

تشكل المناظر الطبيعية في «إيل دو فرانس»، وفي قلبها مقهى «المحطات الثلاث»، الإطار الأسطوري. كل العناصر المادية الصغيرة، والأصوات، ومواقف الأشخاص الذين نواجههم، هي علامات على هذه الاستمرارية. «ما رأيته، الشيء مثل الكلمة، كان استمرارًا. - الأبدية؟ - لا شيء سوى الاستمرار. لنستمر في التجول إذًا». كتاب هندكه هذا، وكأنه بمثابة رحلة عبر كتبه الأخرى؛ إذ مع بعض الإيهام، نجدها حاضرة كلها تقريبًا هنا، حتى كتابه «مقالة عن مجنون الفطر».

لكن ما يهم هو السيف الثاني، سيف السرد، وبالتالي سيف الفعل (الكلمة)، إنه علامة الاستمرار، وربما يشير شهر مايو إلى الوعد العبثي والضروري المطلوب دائما: تراجع العنف. أحد هذه الأماكن الأساسية هو بالقرب من حظائر مزرعة بور رويال، وهو جزء من جدار منقوش عليه «اليوم، 8 مايو 1945، أجراس النصر تقرع» الحرب العالمية الثانية مع تحقيق الانتقام.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

أمير هشام: هناك لاعبين بالأهلي فكرت في نفسها فقط.. وهؤلاء يستحقون الإشادة

أكد الإعلامي أمير هشام عبر برنامجه بلس 90، أن هناك بعض اللاعبين فكروا في أنفسهم أكثر من النادي الأهلي، وكانوا يحاولون تسجيل الأهداف، وهذا الموضوع لن يمر مرور الكرام، منها ركلة الجزاء في انتر ميامي، وبعض الفرص الضائعة في الـ3 مباريات، بالإضافة إلى أن هناك لاعبين يتفقدون لرتم المباريات.

أمير هشام: هناك لاعبين بالأهلي فكرت في نفسها فقط.. وهؤلاء يستحقون الإشادة

وأشاد بمستوى محمد علي بن رمضان، بعد الأداء الجيد الذي قدمه مع الأهلي في كأس العالم للأندية، قائلا: لاعب ملتزم ولم ينشغل مطلقا بالسوشيال ميديا، ومنذ الاعلان عن ضمه لم ينشر أي صورة أو بوست عبر حسابه على انستجرام. رغم أن كل لاعبي الفريق نشروا العديد من الصور على مدار الفترة الاخيرة، بينما بعض اللاعبين كانوا يتعمدون استلام الكرة وهم قريبين من ميسي لالتقاط الصور.

وأضاف: زيزو لم يكن جاهزًا بنسبة كبيرة، لكنه كان له دور كبير في الملعب، واستطاع الحصول على ركلتي جزاء، فماذا عندما يكتمل لياقته البدنية والفنية.. والأهلي ضم لاعب بقيمة جيدة دون أي تكاليف مالية لناديه، وسيكون مكسب للفريق.

وواصل: يجب الإشادة أيضا بمستوى أليو ديانج الذي شارك مع الأهلي وهو ما يؤكد أن كولر كان تقييمه خاطئًا بالنسبة للاعب، والمدرب السويسري كان يريد بيعه، ولكن إدارة النادي رفضت، اللاعب المالي قدم مستوى مميز للغاية خلال مواجهة الأمس أمام بورتو، وهو لاعب لا غنى عنه، بالتأكيد كان هناك أمرًا خاطئًا بالنسبة له.

وأشار إلى أن وسام أبوعلي لن يرحل عن الأهلي إلا بمقابل مالي يتخطى الـ8 إلى 10 مليون دولار، وهناك اهتمام من بعض الأندية، لكن لا توجد عروض رسمية حتى الآن وصلت للأهلي.

وشدد على أن هناك بعض اللاعبين ظهروا بشكل جيد خلال منافسات البطولة مثل ياسر إبراهيم وكوكا الذي لم يشارك في مركزه، بينما محمود حسن تريزيجيه ليس في حالته الفنية الجيدة.

وختم: أفشة يمر بمرحلة عدم اتزان واضحة مؤخرًا، وتحدث عن تأثير السوشيال ميديا، وهو يخلق مبررات لنفسه، والواضح أنه يتابع جيدًا، ولا بد أن يحذر من تلك الأمور.

مقالات مشابهة

  • قرار عاجل بشأن انتقام 8 أشخاص من أبناء عمهم في البدرشين
  • إعلامي: هناك لاعبون بالأهلي فكروا في نفسهم فقط بالمونديال.. وهؤلاء يستحقون الإشادة
  • معاريف: هناك منشأة نووية إيرانية سرية محصنة أكثر من فوردو
  • أمير هشام: هناك لاعبين بالأهلي فكرت في نفسها فقط.. وهؤلاء يستحقون الإشادة
  • هل هناك حرب أخرى تلوح بالأفق في المنطقة؟
  • ترامب: دمرنا المنشآت النووية الإيرانية.. ولا أريد تغيير النظام هناك
  • ترامب: إسرائيل لن تهاجم إيران وطياريها هناك في «مهمة ودية»
  • عاجل ـ ترامب: نأمل ألا يكون هناك مزيد من الكراهية
  • ترامب: لماذا لا يكون هناك تغيير للنظام في إيران؟
  • الضربات الأمريكية على إيران تثير مخاوف في دول الخليج من الانتقام