كيف نقرأ جهود المبعوث الأممي لليمن في ظل غموض يلف المسارات الراهنة للوساطة؟
تاريخ النشر: 7th, December 2023 GMT
يبدو أن مهمة المبعوث الأممي الخاص لليمن، هانس غروندبرغ، قاربت نهايتها، أو بالأصح قاربت من إكمال الترتيبات النهائية لتوقيع اتفاق خريطة الرياض وآليتها التنفيذية، إلا أن مهمته الحقيقية، وعلى الرغم من ذلك، ما زالت محفوفة بتعقيدات يكشف عنها استمرار الغموض الذي يلف الترتيبات الأخيرة، وبخاصة ذات العلاقة بقضايا الخلاف المرتبطة بالتسوية السياسية، ومن يصنع هذه التسوية ويقرها، ويمضي بها حتى إعادة السلطة للشعب.
تنشر وسائل الاعلام المحلية مؤخراً وبشكل يومي تسريبات وشائعات عما يجري في كواليس تجاذبات الموافقة النهائية من جهود الوساطة الأممية عقب توقف الوساطة الإقليمية، لكن هذه التسريبات تبدو في معظمها ضمن مهام تهيئة الأجواء أو تقسيط الأمل، أو بالأصح جس نبض الشارع اليمني، في ظل وصول هذا الشارع لمرحلة فقد فيها بصيص أمل في تسوية قريبة متوقعة وحاسمة، في ظل اعتياده على مثل هذا التوتر السياسي والإعلامي الذي يرافق جهود المبعوث الأممي وقبله الوسطاء الآخرون في كل مرحلة، لكنها في النهاية تنتهي بخيبة أمل، يبدأ الأطراف عقبها في تبادل الاتهامات إزاء المسؤول عن عرقلة الوصول إلى اتفاق.
إلا أنه يمكن القول إن المسار الراهن تقف خلفه الرياض بكل ثقلها، وهي التي تريد طي صفحة الحرب في اليمن، وتجاوز مأزقها هناك، من خلال تحقيق تسوية وفق خريطة طريق وضعتها هي، ويبدو أن ثمة توافقاً على كثير من تفاصيلها، وبخاصة المرتبطة بالمرحلة الأولى من الخريطة.
لقاء وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، بالمبعوث الاممي في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني كان بمثابة خطوة متقدمة للأمام، لاسيما أنه أعقبها تصريحات للحوثيين يطالبون فيه الرياض ببدء تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بخصوص «إجراءات بناء الثقة» وهنا لا بد أن نسأل: كيف يتم البدء في التنفيذ دون توقيع الاتفاق؟ وهو سؤال يذهب بقراءة ما يجري بعيداً، لكن على الرغم من ذلك نقول إن الطرفين لم يُظهرا إيجابية في التعامل مع ما يتم الترتيب له أكثر من هذه المرة، لكن ما زال الغموض سيد الموقف.
المبعوث الأممي لليمن استأنف، أمس الأربعاء، لقاءاته، إذ التقى رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، في الرياض.
وطبقاً لمصادر رسمية فقد استمع العليمي إلى «إحاطة من المبعوث الأممي بشأن اتصالاته الأخيرة المنسقة مع الرياض وسلطنة عُمان والمجتمع الدولي لاستئناف عملية يمنية سياسية شاملة تحت رعاية الأمم المتحدة».
وفق ما طرحته المصادر الرسمية فهذا يعني أن المبعوث وضع أمام العليمي ما انتهت إليه جهود الوساطة، بما فيها مسودة الاتفاق والآلية التنفيذية، وتعديلات الحوثيين الأخيرة على مسودة الاتفاق، وعلى ما يبدو أن الجانب الحكومي وافق عليها.
وذكرت وكالة الأنباء الحكومية أن اللقاء «تطرق إلى تطورات الوضع اليمني، بما في ذلك مستجدات الوساطة السعودية من أجل وقف شامل لإطلاق النار، وتخفيف معاناة الشعب اليمني، وإحياء مسار السلام وفقاً لمرجعياته الوطنية، والإقليمية، والدولية».
وأشارت الوكالة الحكومية إلى أن الرئيس العليمي «أكد دعم المجلس والحكومة لجهود الأمم المتحدة وولاية ومهام مبعوثها الخاص ذات الصلة بتنفيذ قرارات مجلس الأمن وعلى وجه الخصوص القرار 2216».
مما سبق، نرجح أن المبعوث الأممي قد يزور عُمان أو صنعاء خلال الأيام المقبلة للقاء جانب الحوثيين وإطلاعهم على الصيغة النهائية لمسودة الاتفاق والآلية التنفيذية، ليتسنى إعداد برنامج التوقيع عليهما، لكن يبقى هذا احتمالاً لأن الغموض ما زال يكتنف كثيراً من قراءات مسار الوساطة.
علاوة على ذلك، تأتي جهود المبعوث الأممي في سياق السعي الحثيث بهدف تحقيق تسوية يمنية قريبة قبل تفاقم الوضع الإقليمي جراء العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، واستمرار تنفيذ الحوثيين هجمات ضد أهداف إسرائيلية، بالإضافة إلى استهدافهم السفن الإسرائيلية أو المحسوبة على إسرائيليين، التي تمر قبالة المياه الإقليمية اليمنية في البحر الأحمر.
تأتي هذه الجهود بالتزامن مع إعلان الخارجية الأمريكية أن المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينغ، سيواصل هذا الأسبوع «الدبلوماسية الأمريكية المكثفة والتنسيق الإقليمي لحماية الأمن البحري في البحر الأحمر وخليج عدن وسط هجمات الحوثيين على الشحن الدولي» وفق ما حمله البيان الأمريكي، الذي يرى أن هذه الهجمات تهدد ما يقرب من عامين من جهود إنهاء الحرب في اليمن.
وقال البيان إن المبعوث الأمريكي يعمل مع الأمم المتحدة والرياض وأبوظبي ومسقط والشركاء الدوليين الآخرين لدعم حل الصراع في اليمن في أقرب وقت ممكن وتخفيف المعاناة التي سببها الصراع.
وأضاف أن لقاءات المبعوث الأمريكي تستهدف مناقشة «الخطوات اللازمة لتأمين وقف دائم لإطلاق النار وإطلاق حوار سياسي يمني- يمني شامل بقيادة الأمم المتحدة، مع مواصلة الجهود لتخفيف الأزمات الاقتصادية والإنسانية».
في السياق، تشهد مناطق نفوذ الحكومة اليمنية المعترف بها تجاذبات سياسية من خلال ما تبذله مكونات من جهود لضمان مواقع متقدمة في طاولة مفاوضات التسوية.
التقى رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، في الرياض هيئة رئاسة مجلس حضرموت، في خطوة تؤكد دعم الحكومة لهذا المجلس، وهو ما سبق وأكدته الحكومة عقب تأسيسه.
خبر لقاء العليمي بهيئة رئاسة مجلس حضرموت نشرته، الأربعاء، صحيفة صوت حضرموت على حساباتها في منصات التواصل الاجتماعي. وذكرت أن العليمي أعرب عن مباركته لإشهار المجلس وإعلان هيئة رئاسته، متمنياً أن يشكل المجلس رافداً جديداً في منظومة العمل السياسي الوطني، وإضافة نوعية في جبهة الشرعية الدستورية لأجل استعادة الدولة وإحلال السلال والانطلاق في مسيرة التنمية والبناء.
مما سبق فإن دعم الحكومة لمجلس حضرموت الوطني ينطلق من الحرص على تعزيز قوة مكون الحكومة المعترف بها باعتبار مجلس حضرموت لم يعلن نفسه منافساً، بل يؤكد دائماً اعترافه بالحكومة، ويرفع علمها الوطني في فعالياته، كتأكيد واضح أنه جزء من الحكومة كمشروع، وفي ذات الوقت يقدم نفسه مدافعاً عن حق حضرموت في السلطة والثروة وضمان موقعها في مفاوضات التسوية السياسية المقبلة.
يؤكد مراقبون أن الحكومة باتت موافقة على مسودة اتفاق خريطة السلام وكذا الآلية التنفيذية، وعلى ما يبدو أن جميع المكونات المنضوية تحت لواء الحكومة تلتزم ذات الموقف، تحت ضغط من الرياض، بما فيها المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال.
يرى متابعون أن مسار التفاوض مهما أبدت الأطراف من موافقة ما زال ملغوماً بعدد من القضايا التي تشكل خلافاً جوهرياً، فهل تم ترحيل هذه القضايا لمراحل لاحقة؟ من أجل تثبيت الواقع الراهن؟ سؤال مفتوح على احتمالات عديدة.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن المبعوث الأممي المفاوضات الأزمة اليمنية الحوثي المبعوث الأممی الأمم المتحدة مجلس حضرموت
إقرأ أيضاً:
انهيار اقتصادي وشيك في اليمن وعجز مزمن وراء زيارة الرئيس العليمي للرياض
لا يوجد دليلٌ واحدٌ على أن السلطة الشرعية في اليمن وحلفاءها الإقليميين؛ اتخذوا خطوات عملية تتمتع بالاستقلالية باتجاه الاستفادة المفترضة من التحولات الجوهرية التي شهدها ويشهدها اليمن والمنطقة، وهو أمر لن يتحقق إلا عبر إجراءات لا تحتمل أقل من الجاهزية الكاملة والصلاحيات السيادية غير المنقوصة، للتعاطي الخشن مع استحقاق إنهاء الحرب في اليمن، وتجاوز السقف الحالي المنخفض جدا والغارق في تعقيدات الوضع الاقتصادي والنقدي.
خلال تواجد الرئيس رشاد العليمي في فترة تعتبر طويلة نسبيا رغم قصرها في عدن، تبنّى بشكل لافت قضية الخلية الأمنية التي كُشف عنها مؤخرا وقيل إنها بقيادة العميد أمجد خالد، القائد السابق للواء النقل الرئاسي في عدن، الذي يتواجد مناطق سيطرة الحوثيين. ومن التهم الموجهة للخلية، اغتيال أحد موظفي برنامج الأغذية العالمي في مدينة التربة بمحافظة تعز ومحاولة اغتيال محافظ عدن، والعمل مع عناصر من تنظيمي القاعدة وداعش لتنفيذ عمليات تخريبية مستقبلية، وهو أمر يشير للتعاون المفترض بين جماعة الحوثي وهذين التنظيمين.
السلطة الشرعية لا تزال مشدودة إلى أولويات القوى الخارجية التي لا علاقة لها بالتحديات الحقيقية المسؤولة عن استمرار الحرب، وتصر على النظر إلى المشهد اليمني من زاوية التهديد الإرهابي
إن حرص الرئيس رشاد العليمي على التعاطي مع هذه القضية باعتبارها إنجازا كبيرا، ونقطة تحول، وأساسا لبناء سردية جديدة فيما يخص الأزمة والحرب، يكشف بالتأكيد أن السلطة الشرعية لا تزال مشدودة إلى أولويات القوى الخارجية التي لا علاقة لها بالتحديات الحقيقية المسؤولة عن استمرار الحرب، وتصر على النظر إلى المشهد اليمني من زاوية التهديد الإرهابي، أملا في إعادة توجيه الأنظار إلى الحوثيين من هذه الزاوية تحديدا، رغم أنهم خرجوا للتو من أتون الضربات العسكرية الأمريكية المميتة، ورغم أن واشنطن صنفت الحوثيين "منظمة إرهابية أجنبية".
ما من دليل ذي قيمة يمكن أن تضيفه سردية الرئيس وحكومته بشأن تورط الحوثيين في دعم الإرهاب، في وقت يتعين عليهما التركيز على التحولات المجانية في الموقف الأمريكي وعلى الإجراءات العقابية التي اتخذتها واشنطن بحق الحوثيين، والحرص على أولوية فرض إرادة السلطة الشرعية ونفوذها السياسي والعسكري والاقتصادي والمالي.
ثمة عجز غير مبرر للسلطة الشرعية تجاه واجباتها الشاملة، وهو عجز يتجلى في أسوأ مظاهره في عدم وحدة القوى العسكرية وخضوعها لسلطة عسكرية مركزية هي سلطة وزارة الدفاع وهيئة الأركان العامة، بالنظر إلى ما تمثله القوة العسكرية المركزية ذات العقيدة الوطنية الموحدة والقوام البشري المنسجم من أهمية في تعزيز قدرة الدولة على إنفاذ واجباتها وفرض نفوذها، وصد التحديات والتهديدات من أي طرف كان.
يتحمل حلفاءُ السلطة الشرعية المسؤولية المباشرة عن هذا العجز، وتتحمل معظم القوى الدولية ذات النفوذ في مجلس الأمن الدولي، جزءا من المسؤولية، بالنظر إلى تواطؤ هذه القوى لتمرير الانقلاب وشرعنته وتعزيز مناعته، والعمل الممنهج لتهشيم الإمكانيات التي توفرت لدى السلطة الشرعية منذ شرع اليمنيون في بناء دولتهم ضمن عملية انتقالية تورطت هذه القوى في إجهاضها.
لذا، يمكن فهم لماذا تنحسر الأولويات لدى مجلس القيادة الرئاسي، إلى مجرد الإبقاء على قدرته وقدرة الحكومة على "دفع المرتبات، وتأمين السلع والخدمات الأساسية، وتحسين وضع العملة الوطنية، وتعزيز فرص التعافي الاقتصادي" بحسب تصريح لمصدر مسؤول في رئاسة الجمهورية.
سيبقى اليمن ضمن هذه الدائرة المفرغة والمفزعة، ما لم يتم سلوك مسار واضح للإنقاذ الاقتصادي، بالتزامن مع تعزيز القدرة العسكرية للسلطة الشرعية على مواجهة الانقلابيين وتفادي تحدي التشظي الراهن في بنية السلطة الشرعية بسبب المشروع الانفصالي
إنه مؤشر واضح على تراخي الداعمين الإقليميين وعدم استعجالهم في إنهاء الحرب والكوارث الناجمة عنها في اليمن، وعن تخليهم عن تعزيز قدرة السلطة الشرعية العسكرية والأمنية والاقتصادية على فرض نفوذها وتعزيز تماسكها الداخلي، ورفع جهوزيتها للتعامل مع التحدي الرئيس المتمثل في إنهاء الانقلاب.
هناك تكهنات بشأن دوافع زيارة الرئيس الدكتور رشاد العليمي الحالية إلى العاصمة السعودية، لكن الحقيقة هي أن هذه الزيارة لن تفضي إلى فرض سلطة جديدة، ولن تخرج عن دائرة الرغبة الملحة من جانب الرئيس في الحصول على الدعم من أكبر اقتصاد في المنطقة، وهو الاقتصاد السعودي، لمنع سقوط الدولة اقتصاديا إلى أتون الفوضى العارمة، وهو أمر وشيك الحدوث إذا لم تُلبّ السعودية مطالب الرئيس، وإذا لم يكن من بين ما يمكن بحثه مع الجانب السعودي مساعدة الشرعية عمليا على استعادة مواردها السيادية وفي مقدمتها النفط والغاز وتمكينها من تصديرهما للحصول على العملة الصعبة، واستدامة قدرة السلطة الشرعية على الإيفاء بالتزاماتها الحتمية تجاه الشعب اليمني.
لطالما سارعت السعودية للقيام بـ"إجراءات إسعافية" تتمثل في "الودائع النقدية" التي لا يمكن تقدير طبيعتها، ولا تبعاتها القانونية: هل هي قروض أم هبات. لكن من الواضح أن هذه الودائع هي التي تُبقي الحكومةَ الشرعيةَ واقفة على قدميها، دون أن تنجح للأسف في تحقيق الاستجابة الضرورية للاحتياجات الاقتصادية والنقدية، وفي المقدمة الاستمرار في صرف المرتبات ذات القيمة المتدنية أصلا، ووقف تدهور سعر الريال، الذي خلَّف تداعيات خطيرة في مقدمتها التضخم وانهيار القدرة المجتمعية على الشراء واتساع نطاق الفقراء والمعدمين الواقعين دون خط الأمن الغذائي.
وأخيرا، سيبقى اليمن ضمن هذه الدائرة المفرغة والمفزعة، ما لم يتم سلوك مسار واضح للإنقاذ الاقتصادي، بالتزامن مع تعزيز القدرة العسكرية للسلطة الشرعية على مواجهة الانقلابيين وتفادي تحدي التشظي الراهن في بنية السلطة الشرعية بسبب المشروع الانفصالي الذي سكن في قلبها برعاية كاملة من الداعمين الإقليميين.
x.com/yaseentamimi68