اليمنيون.. عام جديد ما بين طموح السلام والتدخلات الخارجية (تقرير)
تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT
بنغازي (عدن الغد) الأنباء الليبية:
ارتفع سقف طموحات الشعب اليمني مع بداية العام الجديد 2024 بإحلال سلام شامل يعم البلاد بعد الحرب الدائرة ما بين قوات الجيش اليمني وجماعة الحوثي والتي تعود إلى عام 2014، قبل تدخل السعودية والإمارات وتشكيل ما أطلق عليه “قوات التحالف” لدعم الجيش اليمني، فيما تشير تقارير إلى أن إيران وراء تسليح الحوثي وتزويده بالصواريخ.
وأعلن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، أن الأطراف المتحاربة في اليمن التزمت بوقف جديد لإطلاق النار والانخراط في عملية سلام تقودها الأمم المتحدة كجزء من خريطة طريق لإنهاء الحرب. ورحبت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا بإعلان الأمم المتحدة توصل أطراف النزاع في البلاد إلى وقف شامل لإطلاق النار.
مصالح دولية
قالت الباحثة في الشؤون اليمنية ليزا البدوي لــ “الأنباء الليبية” أن قرار وقف إطلاق النار ليس الأول في اليمن ولكن سبقه العديد من القرارات لم تنفذ بسبب تعقيدات المشهد السياسي اليمني ورغبة العديد من الأطراف في تحقيق مكاسب شخصية، مشددة على أن الشعب اليمني يريد وقف الحرب ولا تعنيه مصالح السياسيين الراغبين في السلطة، مؤكدة أن الأزمة اليمنية ضحية التدخلات الإقليمية والدولية وهي السبب في إطالة أمدها.
ترحيب عربي
بدوره، اعتبر أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية اتفاق الأطراف اليمنية على الالتزام بعدد من التدابير تشمل وقف إطلاق النار، وتنفيذ إجراءات لتحسين الظروف المعيشية، فضلا عن العمل على استئناف عملية سياسية جامعة، “خطوة إيجابية”.
وقال جمال رشدي المتحدث الرسمي باسم الأمين العام إن أبو الغيط يرى أن اتفاق الأطراف اليمنية يعد فرصة جديدة في طريق الاستجابة لتطلعات الشعب اليمني وأنها تبعث الأمل في تخفيف المعاناة الإنسانية في اليمن، وفي خلق الظروف المساعدة لإطلاق حوار سياسي يمني- يمني يؤدي إلى سلام دائم، مؤكدا أن الأولية هي مواجهة الأزمات الإنسانية، وضمان استقرار الوضع الأمني في البلاد، وعدم تشكيله تهديدات على الجيران. ودعا الأمين العام للجامعة جميع الأطراف اليمنية إلى ممارسة أقصى التحديات الخطيرة التي تهدد اليمن وكل المنطقة.
وأشاد أبو الغيط بالجهود المبذولة من جانب المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان والأمم المتحدة في دعم ومواكبة الأطراف اليمنية للوصول إلى هذه النتائج بأمل أن تتأسس عليها تسوية شاملة للأزمة اليمنية المستمرة منذ عقد.
في سياق متصل، رحبت منظمة التعاون الإسلامي، بالبيان الصادر عن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن بشأن التوصل إلى خارطة طريق لدعم مسار السلام في اليمن.
وجددت المنظمة التي تتخذ من جدة غرب السعودية مقرا لها، في بيان لها “التأكيد على وقوف منظمة التعاون الإسلامي، التي تضم في عضويتها 57 دولة مسلمة، الدائم مع اليمن وشعبه، وحرصها على تشجيع الأطراف اليمنية على الحوار البناء للتوصل إلى حل سياسي شامل ودائم برعاية الأمم المتحدة، يضع حدا لمعاناة الشعب اليمني، ويمكنه من توجيه جهوده وقدراته نحو استتباب الأمن والاستقرار، ودفع التنمية الشاملة والمستدامة تحقيقا لتطلعاته”.
وكانت وزارة الخارجية السعودية، أعلنت ترحيبها ببيان المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، بشأن التوصل إلى خارطة طريق لدعم مسار السلام في البلاد التي مزقتها الحرب. وأكد بيان للخارجية السعودية دعم المملكة لمساعي التوصل إلى حل سياسي دائم وشامل للأزمة في اليمن.
مسار السلام
وبعد سلسلة من الاجتماعات مع الأطراف في السعودية وسلطنة عمان، أفاد بيان صادر عن مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرج، السبت الماضي بأنه “يرحب بتوصل الأطراف للالتزام بمجموعة من التدابير، تشمل تنفيذ وقف إطلاق نار يشمل عموم اليمن والانخراط في استعدادات لاستئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة”.
ومؤخراً، كثف المبعوث الأممي إلى اليمن مشاوراته من أجل التوصل إلى اتفاق لإنهاء النزاع في اليمن التي تشهد حربا منذ نحو تسع سنوات خلفت واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالعالم.
وأشار إلى أن “خارطة الطريق التي سترعاها الأمم المتحدة ستشمل، من بين عناصر أخرى، التزام الأطراف بتنفيذ وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، ودفع جميع رواتب القطاع العام، واستئناف صادرات النفط، وفتح الطرق في تعز وأجزاء أخرى من اليمن، ومواصلة تخفيف القيود المفروضة على مطار صنعاء وميناء الحديدة”.
وأدى اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة، الذي دخل حيز التنفيذ في أبريل 2022، إلى انخفاض ملحوظ في الأعمال العدائية، وانتهت الهدنة في أكتوبر من العام الماضي، غير أن القتال لا يزال معلقاً إلى حد كبير.
وبحسب البيان، فإن خارطة الطريق التي ترعاها الأمم المتحدة ستشمل “دفع جميع رواتب موظفي الخدمة المدنية، وفتح الطرق المؤدية إلى مدينة تعز التي يحاصرها الحوثيون وأجزاء أخرى من اليمن، واستئناف صادرات النفط”.
وقال غروندبرغ: “30 مليون يمني يراقبون وينتظرون أن تقود هذه الفرصة الجديدة لتحقيق نتائج ملموسة والتقدم نحو سلام دائم”. وأضاف: “لقد اتخذت الأطراف خطوة مهمة”، مشيرا إلى أن “التزامهم هو، أولاً وقبل كل شيء، التزام تجاه الشعب اليمني”.
أرقام محبطة
لكن هذه الخطوات نحو السلام يواكبها أرقام محبطة إذ أعلنت منظمة الهجرة الدولية نزوح 33 أسرة يمنية خلال الأسبوع الماضي من عدة محافظات، وذكرت المنظمة في بيان أن آلية تتبع النزوح التابعة لها رصدت نزوح 33 أسرة تمثل 198 فردا خلال الفترة من 17 إلى 23 ديسمبر الجاري.
وأوضحت أن حالات النزوح استقرت في مأرب بواقع 19 أسرة، وتعز بواقع 11 أسرة، والحديدة بواقع 3 أسر.
وأشارت المنظمة إلى أن حالات النزوح الإجمالية ارتفعت في الفترة من 1 يناير إلى 23 ديسمبر 2023، إلى 9 آلاف و 896 أسرة، أي نحو 59 ألفا و 376 فرداً. (الأنباء الليبية – بنغازي) هــ ع
المصدر: عدن الغد
كلمات دلالية: المبعوث الخاص للأمین العام للأمم المتحدة إلى الیمن الأطراف الیمنیة وقف إطلاق النار الأمم المتحدة الشعب الیمنی التوصل إلى فی الیمن إلى أن
إقرأ أيضاً:
من سبأ إلى حمير .. اليمن التي علّمت التاريخ معنى السيادة
يُعدّ اليمن مهدًا لحضارات ضاربة في عمق الزمن، تشكّلت على أراضيه دول وممالك قديمة عظيمة لعبت أدوارًا محورية في تاريخ شبه الجزيرة العربية، والعالم القديم عمومًا، على امتداد آلاف السنين، ظهرت في اليمن ممالك مثل سبأ، ومعين، وقتبان، وحضرموت، وحِميَر، لم تقتصر إنجازاتها على الحدود الجغرافية للجنوب العربي، بل امتدت آثارها إلى أعماق الشام والعراق وشرق إفريقيا، وحتى الإمبراطوريات الكبرى مثل روما وفارس.
يمانيون/ تقرير/ طارق الحمامي
يتناول هذا التقرير استعراضًا لتاريخ الممالك اليمنية القديمة، بدءًا من النشأة والتطور، مرورًا بأهم إنجازاتها الحضارية في مجالات الري والزراعة والتجارة والكتابة، وانتهاءً بعلاقاتها المتشعبة مع الممالك والدول المجاورة، من الحبشة إلى فارس، ومن كندة إلى بيزنطة، كما يتوقف التقرير عند مواطن القوة التي جعلت من هذه الممالك حضارات مزدهرة قادرة على التأثير العالمي، وكذلك مواطن الضعف التي ساهمت في تراجعها وسقوطها، سواء بسبب الانقسامات الداخلية أو الأطماع الخارجية.
تكمن أهمية هذا التقرير في كونه يسلط الضوء على فترة تاريخية شديدة الغنى لكنها لا تحظى غالبًا بالاهتمام الكافي في الوعي العربي العام، رغم أنها تمثل أحد أهم جذور الهوية التاريخية والحضارية لليمن والمنطقة، فمن خلال دراسة هذه الممالك، نفهم ليس فقط كيف تشكّلت الدولة في جنوب الجزيرة، بل كيف كان للعرب دور فعّال في صناعة التاريخ الإقليمي والدولي منذ عصور مبكرة.
مملكة سبأ .. العظمة برائحة البخورقامت مملكة سبأ في الألف الأول قبل الميلاد، وكانت عاصمتها مأرب، اشتهرت ببناء سد مأرب، أحد أقدم وأعظم مشاريع الري في التاريخ، والذي سمح لها بالتحكم في الزراعة والمياه ، واستخدمت الخط المسند، ونشرت تأثيرها السياسي والديني في المنطقة ، وارتبطت بشخصية الملكة بلقيس، التي ورد ذكرها في القرآن الكريم ، وامتدّت بنفوذها إلى شمال الجزيرة وإفريقيا الشرقية.
مملكة معين .. إمبراطورية القوافلنشأت في منطقة الجوف، واتخذت من قرناو عاصمة لها، واشتهرت بتنظيم التجارة عبر طريق البخور ، وأنشأت شبكة قوافل تجارية محكمة تصل الهند بموانئ الشام ومصر كما حافظت على استقلالها رغم قربها من ممالك منافسة.
مملكة قتبان .. الازدهار الصناعي والتجاريتمركزت في وادي بيحان، وازدهرت من خلال الزراعة، والصناعة، وتجارة اللبان ، وكانت تمنع مركزًا سياسيًا وتجاريًا متقدمًا ، كما شاركت في التحكم بطريق التجارة بين حضرموت والبحر الأحمر.
مملكة حضرموت .. كنوز اللبان والموانئ الحيويةعاصمتها شبوة، وامتدت أراضيها إلى سواحل المحيط الهندي ،واشتهرت بإنتاج وتصدير اللبان ، كما أنشأت موانئ بحرية قوية مثل قنا، وعززت العلاقات مع الهند وشرق إفريقيا ،واحتفظت باستقلال طويل قبل أن تخضع لحمير.
مملكة حمير .. التوحيد والقوة العسكريةظهرت في القرن الثاني قبل الميلاد، ونجحت في توحيد اليمن السياسي تحت سلطتها ، وتحولت إلى اليهودية في القرن الرابع الميلادي ، حيث خاضت صراعات دينية وسياسية مع مملكة أكسوم المسيحية حتى تدخلت فارس لإسقاط الاحتلال الحبشي بطلب من الحميريين.
العلاقات الإقليمية والدولية للدول والممالك اليمنيةمع ممالك الجزيرة العربية ، تفاعلت مع كندة وبقية القبائل الكبرى في نجد والحجاز ، وساهمت في نشر ثقافتها ودياناتها شمال الجزيرة.
مع الحبشة (أكسوم) ، شهدت العلاقات تحولًا من التجارة إلى صراع مسلح ، حتى غزت أكسوم اليمن بدعم بيزنطي في القرن السادس الميلادي.
مع الإمبراطورية البيزنطية والرومانية ، كانت اليمن شريكًا تجاريًا هامًا ، وحاولت روما وبيزنطة الالتفاف على احتكار اليمنيين لطريق البخور.
مع فارس (الساسانيين) ، استجابت لحلفاء من حمير لمساعدتهم ضد الأحباش ، وأصبحت اليمن ولاية فارسية حتى الفتح الإسلامي.
التوازن بين الازدهار والتحديات في مسيرة الدول والممالك اليمنية القديمةلقد مرت الدول والممالك اليمنية القديمة، على مدار أكثر من ألف عام، بفترات ازدهار لافتة، جعلتها من أبرز الحضارات في جنوب الجزيرة العربية، لكن هذا الازدهار لم يكن خاليًا من التحديات، فقد جمعت هذه الدول والممالك بين عناصر القوة المتعددة، وبين نقاط ضعف كامنة ساهمت لاحقًا في إضعافها وتعرضها للتدخل الخارجي والانهيار.
لقد كان الموقع الجغرافي لليمن، المتاخم للبحر الأحمر والمحيط الهندي، وكونه عقدة رئيسية على طريق البخور واللبان، من أبرز العوامل التي ساعدت على صعود هذه الممالك، وقد مكّنها هذا الموقع من تطوير شبكات تجارية واسعة امتدت إلى الشام، وبلاد فارس، والهند، وشرق إفريقيا، مما جلب ثروات ضخمة عززت نفوذها السياسي والعسكري، كما أسهمت البنية الاجتماعية المنظمة، القائمة على القبائل المستقرة، والأنظمة الإدارية المركزية، في تعزيز الاستقرار الداخلي نسبيًا داخل بعض الممالك مثل سبأ وحمير.
في المقابل، واجهت هذه الممالك تحديات خطيرة، من أبرزها التنافس المستمر بينها، حيث أدت الصراعات الداخلية إلى إضعاف الجبهة اليمنية أمام الأطماع الخارجية. كما أن التحولات الدينية، خاصة في أواخر عهد مملكة حمير، أدت إلى تفكك النسيج الاجتماعي والسياسي، وخلقت مبررات للتدخل من قِبل قوى أجنبية، مثل مملكة أكسوم الحبشية، ثم الإمبراطورية الفارسية. يُضاف إلى ذلك اعتماد هذه الممالك بشكل كبير على التجارة العابرة، مما جعل استقرارها الاقتصادي هشًا في حال تغيرت طرق التجارة أو ظهرت موانئ بديلة.
ورغم كل ذلك، ظلت الممالك اليمنية قادرة في فترات طويلة من تاريخها على التكيّف مع هذه التحديات، بل وتحويلها أحيانًا إلى فرص للبقاء والتمدد ، كانت القوة تكمن في القدرة على إدارة الموارد، وبناء التحالفات، وتوظيف العقيدة والهوية في تعزيز الشرعية السياسية، أما مواطن الضعف، فقد كانت في الغالب نتيجة لعدم الاتفاق على وحدة مستدامة، مما سهّل اختراق البلاد في اللحظات الحرجة.
إن هذا التوازن بين القوة والتحديات، هو ما يضفي على تجربة الممالك اليمنية القديمة عمقها وثراءها، ويجعل من دراستها نموذجًا لفهم كيفية صعود وسقوط الحضارات في سياقات معقدة ومتشابكة.
القوة العسكرية المنظمة .. كيف أصبحت اليمن مقبرة الغزاة؟على امتداد العصور القديمة، لم تكن الدول والممالك اليمنية مجرد كيانات مزدهرة اقتصاديًا وثقافيًا، بل كانت تملك قوة عسكرية منظمة ومؤثرة جعلتها في فترات طويلة عصية على الاحتلال الخارجي، وصعبة الاختراق حتى على أعظم الإمبراطوريات في العالم القديم، أظهرت النقوش والآثار اليمنية القديمة إشارات واضحة إلى وجود هياكل عسكرية منظمة لدى معظم الممالك، حيث تشير نقوش مملكة سبأ وحمير إلى فرق عسكرية متخصصة، وقادة ميدانيين، واستخدام متقدم للأسلحة التقليدية في تلك المرحلة مثل السيوف، والرماح، والدروع، والعربات القتالية،
كما اتبعت بعض الممالك، خصوصًا حمير، سياسة التجنيد القبلي وتشكيل جيوش شبه دائمة، كان يتم تدريبها لحماية الطرق التجارية والمعابد والمدن، وكذلك لردع الغزوات الخارجية، مما ساعد على تأمين الاستقرار السياسي والاقتصادي
كما تميزت مدن اليمن القديمة بوجود تحصينات دفاعية قوية، فقد بُنيت كثير من العواصم والمراكز الحضرية فوق مرتفعات جبلية أو خلف أسوار عالية، كما في شبام، وقرناو، وظفار، وهو ما صعّب على الغزاة مهمة اختراقها، وكانت تلك المدن مجهزة بأنظمة إنذار ومراقبة، وتمتلك طرقًا ملتوية للدخول تجعل أي غزو مباشر محفوفًا بالمخاطر.
تاريخ اليمن القديم مليء بالأمثلة على التصدي الناجح لمحاولات الغزو الأجنبي ، حيث حاولت الإمبراطورية الرومانية إرسال حملة بحرية إلى اليمن في عهد الإمبراطور أغسطس، لكنها فشلت في تحقيق أي اختراق فعلي ، على الرغم من تمكن الأحباش من احتلال أجزاء من اليمن في القرن السادس الميلادي، إلا أن المقاومة الحميرية لم تهدأ، ونجحت في استدعاء الفرس لطرد الغزاة بعد معارك طويلة ،
وما تجدر الإشارة إليه أن الممالك اليمنية القديمة لم تُستعمر استيطانيًا من قبل أي قوة أجنبية قبل العصر الحديث، بل كانت تتمتع دائمًا بمساحة من الاستقلال والندية .
لقب “مقبرة الغزاة”… استحقاق له جذور تاريخيةما يُعرف اليوم بـ”مقبرة الغزاة” ليس مجرد وصف حديث، بل يعكس تراكمًا تاريخيًا طويلًا من الفشل الخارجي في إخضاع اليمن بالكامل ، فقد واجه اليمنيون الحملات الخارجية بالصبر والمقاومة، مستخدمين وعورة التضاريس، وتماسك القبائل، والخبرة القتالية في الجبال والصحارى، لتحويل أرضهم إلى شَرَكٍ للمعتدين ، وكانت القوة العسكرية المنظمة أحد أعمدة الصمود في الممالك اليمنية القديمة، ولم تكن هذه القوة تعتمد فقط على العدد والعدة، بل على الاستراتيجية، والتحصينات، وروح المقاومة، وقد ساهم هذا العامل، إلى جانب الهوية الثقافية المتجذرة، في جعل اليمن في نظر الغزاة أرضًا عسيرة لا تستسلم بسهولة، بل تقاوم وتنتصر، أو تموت واقفة.
الهوية اليمنية القديمة .. كيف حافظت على خصوصيتها الثقافية والسياسية والاجتماعية؟رغم تعاقب القوى، احتفظ اليمن القديم بهويته الخاصة التي تميزت عن باقي حضارات المنطقة ، حيث استخدموا الخط المسند، ورفضوا استيراد نظم كتابة أجنبية، ووثقت النقوش والمجسمات أزياء وزينة تقليدية ما تزال مؤثرة حتى اليوم ، كما أنها احتفظت بنمطها المعماري الفريد، أبرزها معابد أوام ومدينة شبام ، وحافظوا على طقوس محلية حتى مع دخول الديانات السماوية ، أما التقاليد الاجتماعية كالزواج والميراث والملكية القبلية، ساعدت في بناء تماسك اجتماعي قوي واستقلال إداري حتى في ظل الاحتلال، استمرت النظم المحلية في العمل، ورفض اليمنيون الانصهار في الثقافات المفروضة عليهم.
خاتمةإن الدول والممالك اليمنية القديمة لم تكن مجرد كيانات سياسية، بل حضارات متكاملة حافظت على خصوصيتها، وهويتها، وأسهمت في تشكيل ملامح المنطقة تاريخيًا وثقافيًا. واليوم، لا تزال آثارها شاهدة على ماضٍ مجيد، يستحق أن يُدرس ويُحتفى به، ليس كتراث محلي فقط، بل كجزء من ذاكرة الإنسانية المشتركة.