دردشه درامية وافية عن فيلم الرعب ماكو
تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT
#سواليف
دردشه درامية وافية عن #فيلم #الرعب #ماكو
بقلم #فراس_الور
دردشة عامة عن الفيلم و عن بعض الخلفيات الضرورية : مما لا شك به اننا امام #عمل_درامي يعد فريد و مميز بعدة جوانب سنمر عليها بهذا المقال لمناقتشها، فهذا العمل هو من فئة #الرعب و #الاثارة، و تم عرضه لاول مرة في الاول من ايلول سبتمبر لعام 2021 في القاهرة، و سرعان ما احتل الصدارة في شباك التذاكر في مصر متفوقا على غيره من الافلام التي كانت تعرض حينها في دور العرض، و هذا الفيلم ينافس في مضمونه سلسلة جوز Jaws الشهيرة التي اخرج اول افلامها في عام 1975 المخرج الكبير ستيفن سبيلبرغ، و ينافس ايضا سلسلة افلام عن اسماك القرش المتوحشة مثل البحر الازرق العميق او Deep Blue Sea (الاسم من دون اضافة the حيث اذا اضفنا the الى اسم الفيلم سيشير الى فيلم آخ رومنسي امريكي تم انتاجه في الحادي عشر من سبتمبر من عام 2011)، و فيلم الرعب البحر الازرق العميق تم انتاج اول افلامها في عام 1999 حيث كان عن مجموعة من العلماء الذين يقومون ببحث على مجموعة من اسماك القرش من نوع ماكو ليصلوا لعلاج لمرض الزهايمر، فيلم ماكو هو من بطولة (مع حفظ الالقاب) بسمة و نيكولا معوض و عمرو وهبة و ناهد السباعي و فريال يوسف و محمد مهران و مراد يلدريم (تركي الجنسية) و منذر رياحنة كضيف شرف، و هو من اخراج محمد هشام الرشيدي، قام بتأليفه احمد حليم و محمد الحفناوي و احمد شرف السيد،
مقالات ذات صلة توثيق الوعي العربي في كتاب “ماذا يحدث في غزة؟ 2024/01/06التصوير تحت مياه البحر ليس جديدا على السينما المصرية، فرأت #السينما تجارب مماثلة بعض الشيئ و ناجحة في فيلمين مشهورين، اولهما فيلم جحيم تحت الماء الذي تم عرضه لاول مرة في الثالث من تموز (يوليو) لعام 1989 في سينما كايرو، و هو من اخراج الراحل نادر جلال، تم اقتباس رواية 1 الفيلم من قصة الاعماق للمؤلف المسرحي و الروائي الامريكي #ثورنتون_وايلدر، الفيلم من بطولة باقة لامعة من نجوم الفن المصري من بينهم الراحل سمير صبري و ليلى علوي و الراحل عادل ادهم، و ثاني هذه الافلام كان جزيرة الشيطان الذي كان من اخراج نادر جلال ايضا، و تم اقتباسه عن قصة 1 الذهب المبتل لوايلدر ايضا حيث تم انتاج هذا الفيلم و عرضه في سينما كايرو في الثاني من تموز (يوليو) لعام 1990، و هو من بطولة عادل امام و يسرا و الراحل حاتم ذو الفقار و الراحل احمد راتب مع عدد من نجوم الفن المصري، و الجدير بالذكر ان التصوير تحت الماء يتطلب معدات خاصة لم تكن بالتطور التكنولوجي حين تصوير هذه الافلام، فقام طاقم هذه الافلام بمجهود مشكور حين تصويرها و كانت ناجحة جدا حين عرضها، الثراء التي كانت و لا تزال به السينما المصرية ليس بالقليل و تراكم الخبرات اخذنا الى مراحل تنافسية قوية مع ما تقدمه السينما في بلاد الغرب حيث الامكانيات، و مما سهل على جيل تلك الافلام في مصر الخوض في غمار تجاربها، و هذا ما نقصده حينما نقول ميئة سنة سينما مصرية، فنحن لا نقصد التكبر و الغرور اطلاقا، بل نقصد الثراء في التجارب و الثراء الدرامي و تراكم الخبرات بالاخراج و الابداع فمما لا شك به ان هذه التجارب اثبتت ان السينما في مصر قوية و ناضجة بما يكفي لتنافس الافلام الغربية و ندخل بتجارب جديدة مما دفع بالمخرج نادر جلال لاخراج تلك الافلام، و ها بعد ثلاثة عقود من الزمن تلقي هذه الخبرة ظلالها بقوة على مخرج و طاقم فيلم ماكو حيث لها اساس من التجارب الناجحة دفعها الى الامام و حيث تم تصوير العمل،
و يعتمد هذا الفيلم على حادثة مأساوية مروعة حدثت بالفعل على السواحل المصرية في يوم السبت الرابع عشر من كانون الاول (ديسمبر) عام 1991، و هي حادثة غرق عبارة سالم اكسبرس2، فهذه العبارة كانت مبحرة بعرض البحر من مدينة جدة السعودية باتجاه سواحل سفاجا المصرية، و تصنف هذه العبارة بانها من سفن الدحرجة او الرورو Roro حيث بالعادة تكون مجهزة لنقل الركاب و المركبات ذات العجلات مثل السيارات و العربيات بمختلف انواعها و القطارات، و يجب التنويه هنا انها لسيت سفن نقل ركاب ترفيهية كالسفن الفندقية التي تسخى عليها الشركات العالمية، بل هي مجهزة لنقل الركاب بالمعاير المقبولة فقط، و قبل حادثة غرقها كان عمر هذه العبارة بحدود ال25 سنة تناقلت ملكيتها عدة شركات او خطوط بحرية عالمية الى ان انتهت ملكيتها عند شركة سماتور شبينغ المصرية،
الذي يجب الوقوف عنده هو الظروف المريبه التي احاطت بغرقها، فكانت هذه السفينة على مسافة 9 الى 16 كيلومتر من الساحل حينما اصطدمت بشعاب مرجانية في قعر البحر مما تسبب بثقب بهيكلها ادى الى غرقها بسرعة كبيرة، و لم تتم محاولات الاغاثة بسهولة بسبب الجو العاصف الذي كان يسيطر على المنطقة، و تقول شركة سماتور شبنغ و كما تفيد التحقيقات مع شهود العيان و من نجو من الطاقم ان السفينة انحرفت عن مسارها الذي تحدده كمالك لسفنها، و يرجح سبب الانحراف الى الاجواء العاصفة التي سادت بالمكان، و تفيد شركة سماتور انها حاولت اخبار السفينة بهذا الانحراف الا ان محاولاتها كانت غير ناجحة بسبب الظروف الجوية، و لكن يفيد راي آخر 3 تناقلته صحيفة الاهرام مع صحف آخرى تعليقا على الحادثة ان قبطان السفينة حسن مورو آخذ مسار مختصر آخر غير مسموح به ليصل باكرا الى سواحل سفاجا، و حيث كان سيتوقف بالميناء البحري لفترة قبل ان يغادر نحو قناة السويس، و تفيد التقارير بان حادثة الغرق حدثت باليوم المشؤوم في الساعة 11:13 مساءا حيث تحطم جزء منها بسبب الشعاب المرجانية و مرت فقط بضعة دقائق قبل غرقها بالكامل،
لم يعرف حتى يومنا هذا عدد ركاب السفينة الفعلي و عدد الناجين، فهنالك تضارب كبير بالارقام، فأفاد تقرير للدولة ان عدد الناجين استقر عند 202 شخصا من اصل ركاب السفينة بينما افاد التلفزيون المصري ان رئيس الوزراء عاطف صدفي احصى 178 شخصا، و كانت قد نشرت شركة الملاحة المالكة ان عدد ركابها كان 658 شخصا بما في ذلك طاقمها المكون من 71 شخصا بينما ذكرت ادارة الموانئ ان عدد الركاب في بيانتها كان 589 ركبا فقط، اما الصادم في الموضوع تباين هذه التقارير التي تتضارب اساسا في دقتها مع تقرير لويدز، حيث افاد ان عدد ركابها كان 644 نجا منهم 180 شخصا فيما انتشلت جثث 117 من اصل 464 ضحية !!! و هنالك تقارير تفيد ان ركاب السفينة كانوا اساسا من الطبقات الكادحة و البسطاء و العائدين من بلاد الغربة لوطنهم، و كان عليها عائدون من اتمام الحج، و الصادم هو تقرير آخر يروي ان السفينة كانت محملة بما هو فوق طاقتها حيث بلع عدد ركابها نحو 1200 و ان عدد غرفها كان 428 و كانت تنقل 142 مركبه !!!
وسط عاصفة تضارب هذه الارقام و وسط ظروف غير مؤكدة عن سبب انحراف هذه العبارة عن مسارها قبل وصولها سفاجا، و وسط تضارب مريب عن اعداد الضحايا و الناجين، و وسط غرق هذه العبارة و عدد من الضحايا لا يزالون محبوسين في مرافقها مع فشل الجهود الحثيثة لاخراجهم…غرقت عبارة سالم و غرق سرها معها، لتعلن موقعها في قعر البحر جهات رسمية عديدة من الدولة المصرية انها مقبرة جماعية اعتصر لها القلب حزنا في مصر…الى ان قررت رنا بهجت من RASH فيلم (راش فيلم) خوض غمار رحلة الى اعماق البحر حيث استقرت ل30 عام،
دردشة درامية عن احداث الفيلم و النقاط الايجابية :
رنا بهجت (بسمة) امرأة متزوجة من شريف ناهي (نيقولا معوض)، و يفتتح الفيلم احداثه وسط مشاهد اشبه بذروة درامية ثانوية ساخنه، و هذا افتتاح غير تقليدي و لكنه شائع اذ يسعى الكاتب او المخرج بصنع افتتاح مثير لفيلمه كي يخلق رغبة المتابعة عند المشاهد للعمل، فنرى رشا بهجت بوسط حفل توزيع جوائز مهيب للبرامج الوثائقية، و تحيط قمة الاناقة بالمكان اذ نكتشف انها بدولة غربية، و يبدا بعد الافتتاح بلحظات الاعلان عن الفائز بجائزة رفيعة المستوى بالمهرجان، و فجأة يعلن مقدم الحفل عن اسم رشا بهجت بانها الفائزة، و تصعد رشا بكل سرور كالسندريلا الى المسرح وسط تصوير كاميرات الاعلام و الفرحة تتراقص في عينيها لاخذ الجائزة، و لكن سرعان ما تصطدم بخبر يقلب موازين الحفل و يسرق البهجة من قلبها و هي امام مئات من الحضور، ففجأة يجبر المقدم على توضيح انه كان هنالك خطأ باعلان اسم الفائز، ليتضح ان اسم الفائز هو شريف…زوجها،
لا شك ان هذا موقف صعب ليتعرض له اي شخص، فلو اغمضنا اعيننا لوهلة و تخيلنا اننا مكان رنا بهجت لبرهة من الزمن…اضواء و حفل رسمي بحضور المئات من صناع الافلام، كاميرات لعشرات المصورين و الاعلاميين من عدد كبير من بلدان العالم، مسرح انيق و مقدمي حفل من الطراز الرفيع و حفل خمس نجوم لتوزيع جوائز الحفل، و صانعة افلام لها مكانتها في مصر تصعد لتستلم الجائزة التي لطالما انتظرتها، و فجأة بعد بضعة ثواني من استلامها…فالجائزة لم تسخن بعد من حرارة يديها تتلقى صفعة قاسية من الزمن، لتكتشف ان اسمها كتب بالخطأ على ورقة معلومات بين يدي مقدم الحفل، و في خلال ثانية تغير حظها المهني ليتم الاعلان ان الفائز هو زوجها شريف نهري، بثوان معدودة انتزع زوجها السعادة و الفرحة من قلبها و هي بقمة صدمتها لتغادر المسرح بإرتباك تام، بل سقطت و هي تغادر المسرح لتلقط لها عدسات الكاميرا هذا الموقف المحرج، ما اقسى هذه الصفعة…بل ما اقساها على اي صانعة افلام او اي فنانة لتختبرها، انها بخعة مؤلمة، و لا اعلم ماذا شعرت به الفنانة بسمة و هي تجسد هذا الدور و تعيش هذه اللخظات من حياة رنا….
نرى هذا الامر يؤثر سلبا على حياة رنا و شريف، فنرى الغضب و اللوعة تسيطر على رنا و سط محاولات شريف امتصاص غضبها باكثر من مناسبة، فتارة نراه يغمرها بالفندق فورا بعد عودتها من الحفل بتفهم واضح لما تمر به، و تارة نراه يحدثها بمكتبها في مصر وسط محاولات ليسيطر على زواجه خوفا من الانهيار، و لعل غضب رنا العاصف جعل مهمته صعبة للغاية فالراي العام و نظرات موظفي الشركة المتسائلة لا ترحمها، بل حتى نرى مشهد للابلة فاهيتا (ضيف شرف في الفيلم) تتنمر عليها و هي تسقط على الارض بالحفل، في حقيقة الامر رنا تذوق الامرين و هي تحاول العودة الى مسار حياتها الطبيعي فتحاول التعامل مع آلمها بالشغل و جدولة اعمال الشركة، و هذا الامر قد نفعها ربما الى حين فالتركيز على المشاريع الايجابية بحياة المرء يكون جزء مهم من الحلول في هذه الحالة…الا اننا مع مرور مشاهد هذا العمل الدرامي نرى رنا تتحول الى كيان كاسر يسحب بكل عزم فريق شركتها الى غد مجهول،
وسط عاصفة من الاوامر الحديدية تبدأ رنا النقاش مع موظفين شركتها حول مشروعها القادم، و نتعرف هنا على غرام (ناهد السباعي) الذي يتم توظيفها في راش عن طريق مايا (فريال يوسف) بقسم الابداع او (creative section) مع تيمور (عمرو وهبة)، و يتمحور دوريهما حول ايجاد مشاريع جديدة و مميزة يمكن للشركة الاستثمار بها، و نتعرف ايضا على شقيق تيمور زياد (محمد مهران) الذي يكون المنتج المنفذ للشركة، و لا ننسى ذكر مصور الشركة خالد حسني الذي يشرف على عمليات التصوير المختلفة للشركة، و هنا تبدأ عمليات العصف الذهني لفترة من الوقت نرى فيها رنا ترفض معظم الافكار الذي يقدمها تيمور، الى ان تقترح غرام فكرة البحث في حادثة غرق عبارة سالم بملابساتها و ظروفها الغامضة،
في حقيقة الامر تخلق غرام عند ادارة الشركة حالة من الاثارة و الترقب و هي تروي قصة غرق العبارة، عدد ركابها الذي فاق 600 شخص و عدد الضحايا الذين بلغ قرب ال400 شخص، و كيف ان ظروف غرقها و قصتها خلقت عند عابري البحار و الغطاسين رهبة من المرور حتى بالقرب من المكان، و قصة الغطاسين الذي استباحوا المكان لسرقتها و سرقت من رقدوا فيها بعد فقط يومين من غرقها، و نرى هنا رنا تتحمس للفكرة و ترى بالحادثة فرصة للبحث بامر الطاقة السلبية التي قد تحيط بالمكان، و بالرغم من انقسام فريق راش على فكرة الطاقة الا ان الكفة ترجح نحو فكرة رنا،
و هنا نتعرف على مراد (مراد يلدريم) و آسيا (سارة الشامي)، و هما محترفي غطس من دائرة معارف الشركة، و نراهم يتعاونون مع طاقم الشركة فيقوموا بنصحهم بما يتعلق بالسلامة اثناء الغطس بما ان منطقة غرق السفينة عميقة و تحتاح الى وعي و مهارات خاصة، كما يشددون على ضرورة ان يكون الغطاس غير مدمن للمخدرات و غير مصاب بالامراض المزمنة لكي لا يدخل بمشاكل صحية وهو تحت سطح الماء، و لكن نرى هنا استهزاء بعض من موظفي الشركة بهذه النصائح فزياد يخفي امر تعاطيه للمخدرات عن اسيا و مراد، كما يتوضح من الاحداث ان حسام يخفي امر اصابته بمرض سكر الدم، و تزامنا مع هذه الاحداث المثيرة من الفيلم نرى مشاهد لكارثة حقيقية بالقرب منهم، فيرينا الفيلم من حين لآخر كيف ان صائدي الاسماك الذين يبحرون بالمنطقة يقومون برمي اسماك ميتة بدمائها بالبحر لجلب القروش البحرية الى حيث تكون، و لكن فريق الغطس لا يكونون على دراية بهذه العادات التي يمارسها الصيادين، فيقومون بالغطس و سط هياجان اسماك الماكو بالمحيط من حولهم،
اسماك القرش الماكو هي من عائلة علمية تسمى الماكاريل، و يتراوح طولها ما بين 2.5 الى 3.2 مترا، و تم اصطياد و توثيق منها عند العلماء ما وصل طوله 3.8 متر و 4.5 متر4 ، و يتراوح وزن هذه الوحوش البحرية من 60 الى 140 كيلوغرام، و الاحجام الكبيرة منها وصل وزنها الى 550 و 600 كيلوغرام، و عرف عنها انها قد تكون عدوانية مع البشر في حال احست بالخطر و اثناء محاولة اصطيادها بسنارات الصيد، و هذه الظروف كانت سائدة اثناء غطس فريق راش حيث زفر الصيادون منطقة كبيرة من مياه البحر فوق عبارة سالم بالطعم الدموي ليسببوا الهيجان لهذه الاسماك الخطيرة، فلذلك حينما وصل الغطاسون الى عبارة سالم في قعر البحر لم يدركوا انهم بالقرب من وحوش غريزية كاسرة تتمتع ببعض من الذكاء، و لكنها حين تجوع او تثور تصبح آلة فتك بالكائنات من حولها لا تفكر الا بالطعام و البقاء على قيد الحياة، و حتى طاقم السفينة التي نقلتهم الى موقع حطام سالم و الذي يفترض على ربانها ان يكون ذو خبرة لم يتنبه الى هذه النقطة، فلذلك بعد غطس فريق العمل نحو عبارة سالم لم تتردد هذه القروش باعتراض طريقهم،
الاحداث ابتدأت بطلب رنا بهجت من حسام الدوران حول السفينة لآخذ مشاهد تصويرية دائرية للعبارة (360 درجة)، و هنا تدخل مراد بقوة ليمنع هذا العمل فكان عنده مآخذه، فربما دوران حسام حول العبارة يعني ابتعاده عن المجموعة بعكس ما اوصيا به هو و اسيا، و نراه يعترض على ابتعاد زياد عن المجموعة ايضا حيث تبع سلحفاة ليداعبها، فتشتت تفكير مراد بين حسام و زياد لنرى اول ضحايا راش، فهجمت عليهم سمكة كبيرة و التهمت مراد مما ادخل كافة طاقم راش بحالة ذعر كبيرة، و هنا تيقن الجميع انهم بخطر كبير،
و نرى فوق الماء في طاقم السفينة التي اقلت راش عراك مؤسف بين بشري (منذر رياحنة) من جهة و ربانها الشيخ رياض و صبي السفينة سلطان و مايا من جهة آخرى، فتبقى مايا في السفينة بسبب شعور بالغثيان يصيبها و بسبب برد اصاب معدتها، و هنا تقع فريسة لتحرش بشري بها حيث يعجب بجمالها، و باكثر من مناسبة يتبين لنا كم هو رجل منحرف الاخلاق و له ماضي مشبوه فيسعى لمتاع جنسي من مايا، و تقوم مايا بصده باكثر من مناسبة، و نرى قلة اخلاقه مع طاقم السفينة حينما تكتشف مايا وجود قرش بالماء، فيهرع رياض لاخبار خفر السواحل ليأتوا لنجدة فريق الغطس، و لكن يمنعه بشري خوفا من ان ياتي الامن و يعيده الى السجن، فيكسر جهاز الارسال الاسلكي بالسفينة ليغدو جميعهم من دون وسيلة اتصال بالأمن، و هنا تستشعر مايا حجم الكارثة فتقرر الغطس لاخذ انابيب الاوكسيحين للغطاسين،
و في خلال هذه اللحظات يقع قريق راش بعدة مشاكل و هم يتجولون بين اروقة عبارة سالم، فتجبرهم القروش على الاختباء في داخلها ريثما تاتيهم المساعدة، فنرى الاوكسيجين يبدأ بالنفاذ معهم و تبدأ الضغوطات بالتراكم عليهم، فنرى المصور حسام يدخل بغيبوبة سكر مما يفقده الوعي تماما، و نرى غرام بتطور مفاجئ تتهرب من اعضاء العمل و هم يبحثون عنها فنبدأ بالتعرف على قصتها الحقيقية مع العبارة و ما يربطها بها، و نرى شريف ناهي اثناء تجواله مع رنا في العبارة يتعرض لحادث يرديه عاجز عن الحركة فيقع على ساقه باب من ابوابها، و تفشل جهود رنا بايجاد عون لهم بالرغم من اتصالهم بآسيا، و نرى طينة زياد و تيمور الحقيقية تنجلي بهذه الظروف حيث يحاول زياد اقناع تيمور بسبب قلة الاوكسيجين لديهم بالتضحية بحياة حسام، فخزان الاوكسيجين لديه ممتلئ، يرفض تيمور هذا الامر في بادئ الامر و يوبخ زياد على افكاره الشيطانية، و نرى قصة تضحية راقية من شريف لرنا وسط عراك زياد و تيمور، فاثناء محاولة اقناعها بضرورة الهرب و تركه وراءها بسبب نفاد الاوكسيجين نراه يفك رباط خزانه و يضحي بنفسه لاجل انقاذ زوجته التي يحب، و تدخل هنا رنا بحالة غيبوبة يجعلها تتخيل انها مع آسيا و غرام تحاول قتل قرش من القروش، و لكن سرعان ما تفشل و يوقظها باقي اعضاء الفريق لتستعيد وعيها، و يتبين لاحقا اثناء نقاش الفريق عن خطة للهرب ان تيمور تصرف بمنتهى الخبث، فيتنبه زياد ان الاوكسيجين معه قد زاد فجأة، فيروي حينها كيف اخذ خزان حسام و القى به للقروش خارج العبارة، يتعاركا الاخوة مع بعض ليدفع زياد باخيه نحو جدار بالسفينة لتخترق جسده حديده حادة، و لتتركه ينزف بشدة و عاجز عن مساعدة نفسه،
نتعرف في هذه الاثناء على الدافع الحقيقي لغرام حين عرضت مشروع عبارة سالم على فريق راش، فيتبين لنا ان غرام و اهلها كانوا ضحايا غرق العبارة، و بانها كطفله تركها والدها و برفقة مفتاح غرفتهم ريثم يذهب للوضوء، و لكنها خرجت من الغرفة و اقفلتها على والدتها، فابتدأت السفينة بالغرق بعدها لتبقى والدتها اسيرة الغرفة و لتموت بداخلها، و نراها بمشاهد محزنة تتذكر كيف حاول والدها العوم داخل العبارة و هو ممسك بها و كيف انقذها و اعطاها لاحدهم لتنجو هي بمفردها من هذه الحادثة، و لتبقى اسيرة شعور بالذنب خانق بانها هي سبب وفاة والدتها، و لتبقى طوال السنين السالفة اسيرة النوح و البكاء على اهلها، و نرى هنا غرام تتجول داخل العبارة لتلاقي بعض من امتعت اهلها بين ممراتها و لتبكي بمرارة على اهلها، و لكن سرعان ما ياتي قرش و يقتلها لنتنهي معاناتها مع ذكرياتها بنهاية صادمة و محزنة و مؤلمة…
في حقيقة الامر ينتهي هذا الفيلم و نحن نرى رنا على خشبة مسرح نفس المهرجان الذي خسرت به جائزتها بالعام الماضي، و لكن هذا المرة لترفض استلامها رغم اختيار لجنة التحكيم لها للجائزة الاولى، و وسط دموعها و ذكرياتها وغصات حزنها المريرة ترفض استلامها و هي تروي للحضور اسبابها، و نرى في خضم هذه المشاهد النهايات المؤلمة لزياد و آسيا و تيمور، فتلتهمهم القروش لتبقى رنا و مايا الناجياتان من هذه المآساة المؤلمة،
دردشة عن نقاط القوة و الضعف بهذا العمل الدرامي:
بصراحة مدة عرض هذا الفيلم على نتفلكس ساعة و واحد و ثلاثون دقيقة مع تتر النهاية (titles and credits)، و اذا حسبنا حتى ولو على وجه التقريب مدة مشاهده الدرامية تحت الماء فستكون تقريبا نصف مدة العرض، و هذا يجعله من دون منافس لغاية تاريخ كتابتي لهذا المقال، و تكمن فرادته بأن كادر العمل تمكن من تنفيذ مشاهده وسط حطام العبارة بصورة درامية رائعة و ناجحة جدا، فراينا قدرة عالية الجودة بالتصوير و تنفيذ رؤيا درامية كاملة تحت الماء تكفي لساعة تصويرية كاملة من حياة الفيلم، و تم تسجيل الحوار الدائر بين الممثلين بصورة رائعة جدا باستخدام تقنيات تصويرية متقدمة تم استيرادها لهذه الغاية الى مصر، و رأينا تمثيل درامي بالكامل تحت مياه البحر و اعضاء فريق راش يتجولون بين اروقة العبارة، راينا مشاهد تمثيلية كاملة و مؤثرة يتم تصويرها بصورة ناجحة تحت الماء، و ارى ان من نقاط قوته ايضا قدرة المصورين بتصوير الانفعالات المختلفة على وجه الممثلين باضاءة مميزة رغم عتم البحر الحالك و رغم ارتدائهم لاقنعة الغوص، و قدرة الممثلين التعبيرية الجسدية اثناء غوصهم وسط انغماسهم باداء الادوار كانت مذهلة، و خصوصا ان الفريق ادى ادواره شخصيا تحت الماء، هنيئا للفنانين و لفريق العمل بها الانجاز الساحق بتصوير فيلم درامي نصفه تم تنفيذه بعمق البحر، و المؤثرات البصرية كانت رائعة و ناضجة و مؤثرة جدا فمن الواضح انه تم استخدام جرافكس ذو جودة عالية لا يستخف بعقل المشاهد، فتم تنفيذ مشاهد القروش بصورة ممتازه مما اضفى اجواء الاثارة و الرعب الحقيقية على العمل، انا كناقد فني ارى عملقة حقيقية في تنفيذ هذا الفيلم، و حتى لو اردت مقارنتة مع اي مادة رعب شبيهة اكاد لا اجد منافس له بارشيف السينما المصرية فافلام الرعب التي تتضمن اسماك القروش او الوحوش البحرية ليست موجودة، مما يجعله فريد من نوعه،
النقد الوحيد الذي يحيط به هو ضعف واضح بكتابة السيناريو، فعملقت التصوير تحت الماء و المؤثرات البصرية و قدرة مخرجه بتقديمه كمادة بنهاية المطاف ترفيهية ناجحة انقذته من نقد لاذع كان يمكن ان يحطمه فورا، و كان يمكن للسينما المصرية ان تخسر تجربة فريدة جدا و مميزة جدا، فالسيناريو عانا من ضعف كبيرة سالخصه بهذه النقاط،
اولا) تقديم علاقة رنا و شريف بصورة غير ناصجة، فتبدا مشاهده الدرامية وسط عاصفة غضب من رنا لانها خسرت الجائزة لزوجها، و نرى التوترات تتصاعد بصورة ضخمة بسبب هذا الامر و لكن مع الاسف لم يتم ريها بصورة درامية كافية، فالبخعة كانت قاسية جدا على رنا، و فجاة نراها بمشهد مع شخصية تدعوها عم هاشم تشكي لها مشاكلها مع شريف، و تتطرق الى مشاكل عدم القدرة على الانجاب و التبني، و لكنها مشاهد درامية غير ناضجة، فراينا رنا و شريف يتعاركا باكثر من مشهد كزوجين بسبب الجائزة، و لكن اين بعض اللحظات السعيدة بينهما كزوجين؟ ليس هنالك الا وجهة نظر سودوية اوحادية الجانب حول علاقتهم لتغدو هذه العلاقة عرجاء و غير ناضجة اطلاق، و ما علاقة عدم الانجاب بالمضمون الدرامية للفيلم، من الطبيعي ان يكون لرنا شخص مقرب لها لتشتكي له همها، و لكن اقحام خلافها بسبب عدم الانجاب مع زوجها بمضمون الفيلم كان يحتم على الكاتب الحاق الفيلم ببعض من المشاهد بين رنا و زوجها لمعالجة هذا الامر،
ثانيا) امرا آخرا لفت انتباهي، فحينما طرحت غرام فكرة عبارة سالم باجتماع راش قدمت فكرة الطاقة السلبية، مما دفع رنا للموافقة عليها، و بما ان هذه حادثة تراجيدية بتاريخ الدولة المصرية شعرت كناقد و كأن هنالك رابط درامي مقنع بينهما، و لكن بصورة لم يتم تبريرها دراميا رأينا رنا ترفض هذه الفكرة على الشاطئ حينما كانت مجتمعة مع فريق عملها و آسيا و مراد؟! لماذا؟ ففقدنا هنا مصوغ درامي قوي للفيلم كله، فلو قيمنا احداث العمل بصورة سريعة و شاملة سنكتشف بأنه ليس هنالك طاقة سلبية اكثر من مصير هذه العبارة المؤلم، و النهاية المآسوية التي احاطت بمصير فريق عمل راش؟! لماذا هذا التناقض في اهداف رحلة راش لاعماق البحار؟
ثالثا) و قصة بشري، فجأة من دون خلفيات درامية و لو سريعة نراه بالفيلم رجل شرير يعمل على مركب الشيخ رضا، و نراه يتهجم على الشيخ رضا ليمنعه من الاتصال بخفر السواحل لمساعدة فريق العمل، كيف تم توظيف خارج على القانون بهذا المركب؟ و بالوقت الذي يتصل بشري على هاتفه النقال (موبايل) بشخص ليقول له ان فريق راش ليس له علاقة لا بفن ولا بالسينما و بالوقت الذي يكسر به جهاز اللاسلكي للمركب نرى عدم وجود موبايل مع مايا او الشيخ رضا او سلطان كبديل للاتصال بالأمن؟ فنحن نعيش بعصر و فوران الهواتف النقالة؟! خطأ درامي كبير،
رابع) لا شك ان كل من رنا و غرام كان له يد بنكبة فريق راش، و مما لا شك به ان هذه قصة تراجيدية كبيرة، و لكن في حقيقة الامر فقدان زملاء رنا كان كفيل ليحزن قلبها و ليمنعها من المشاركة بحفل الجوائز، فستفقد رنا الدافع المهني و متعت المشاركة بفيلمها، و لكن فجأة نراها تقف على مسرح المهرجان و بصورة مؤثرة و ترفض استلام جائزتها لتعطيها للابطال الذين فقدا حياتهم لاجل الفيلم، و لكن دراميا نحن لا نرى مصوغ لمشاركتها، ما هو دافعها؟ اهو لاشهار تضحية كادر راش لاتمام الفيلم، يبدو لي ان هذا السيناريو لم يكن ناضجا بما يكفي لمغازلة عملقة التصوير و المؤثرات بالعمل، انه كمن يقطف فاكهة غير ناضجة ويقدمها على مائدة طعام انيقة جدا في سلة انيقة جدا، لو صبر الكاتب على روايته ربما شهر آخر و راجعها اكثر مع المخرج كان سيكون مذاقها الدرامي انضج للتقديم، عموما اقول للكاتب و للفنانين جميعا و للمخرج و للمنتج ألف شكر على ما قدمتوه لنا فاستمتعنا به كثيرا، فقد جعلتم السينما المصرية تخوض تجارب جديدة و جعلتوها تاخذ خطوات ايجابية ناجحة ستفتح لها ابواب و افاق جديدة بالتأكيد،
حواشي :
قصة الاعماق و الذهب المبتل ربما تكون ترجمات غير حرفية لبعض من اعمال الكاتب الراحل ثورنتون وايلدر معلومات لحادثة غرق عبارة سالم مآخوذة من مرجع على الانترنت من الويكيبيديا يحمل اسم “حادثة العبارة سالم اكسبرس”، صفحة عبارة سالم على الويكيبيديا تضع هذه المراجع حول هذه المعلومة، مقال على صحيفة مصراوي نشر بتاريخ 23 يناير 2016 بإسم “لأول مرة.. ناجون من عبارة سالم يروون تفاصيل القضية التي طرمخها النظام”، و مقال آخر على موقع الوطن نشر بتاريخ 12 ايلول 2020 باسم “سفينة سالم إكسبريس.. مقبرة 450 ضحية تتحول لمتعة خادعة بعد عقدين من التحطم”، مرجع على موقع ويكيبيديا باللغة الانجليزية باسم Shortfin Mako Shark،المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف فيلم الرعب ماكو عمل درامي الرعب الاثارة السينما السینما المصریة فی حقیقة الامر هذه العبارة هذا الفیلم هذا الامر هذا العمل تحت الماء حادثة غرق باکثر من عدد رکاب من دون ان عدد ان اسم بعض من
إقرأ أيضاً:
ما هي رسائل قطع العلاقات السودانية- الإماراتية .. وهل ” توازن الرعب” يشكل فرصة لوقف الحرب؟
محمد المكي أحمد:
دخلت الحرب في السودان هذه الأيام مرحلة جديدة ، هي الأسوأ بتداعياتها على المواطن ، منذ اندلاعها بين قائدي الجيش وقوات “الدعم السريع” عبد الفتاح البرهان، ومحمد حمدان ( حميدتي) في 15 أبريل 2023.
التصعيد ارتفعت معدلاته بحرب المُسيرات – التي ضربت مدينة بورتسودان – وهي العاصمة السياسية والادارية المؤقتة التي لجأ اليها قائد الجيش وعدد من القادة العسكريين- كما استهدفت مواقع خدمية مدنية وأخرى عسكرية، بينها مطار بورتسودان والميناء وقاعدة بحرية .
أبرز نتائج التصعيد، السلبية، الفورية، بين طرفي الحرب، تبدو واضحة في ارتفاع معدلات المعاناة الانسانية ،التي يئن تحت وطأتها الانسان السوداني، في مناخ يسوده الذُعر، وانقطاع الكهرباء، وصعوبة الحصول على الاحتياجات الضرورية ، وبينها الماء والدواء.
تداعيات حرب المسيرات في بورتسودان كشفت بوضوح شديد أن أجواء بورتسودان، مكشوفة، وتعاني من مشكلة تأمين عسكري وأمني فاعل لأجوائها ، وهذا ما كشفته حرب مسيرات ” الدعم السريع” التي ضربت بورتسودان وتواصل التحليق في أجوائها ، وضربها لليوم الرابع على التوالي.
هذا الوضع يؤشر إلى أن القيادة العسكرية – التي تتكلم كثيرا عن موضوع الأمن والاستقرار باعتباره سبب سيطرتها على الحكم بانقلاب – لم توفر الاحتياجات الضرورية للدفاع الجوي كي يستطع أن يبني شبكة أمان لحماية أجواء المدينة بالمستوى الذي يحول دون أن تصيب بعض المسيرات أهدافها المدنية والعسكرية.
شبكة أمان جوية في مقدورها أن تسقط أو تُحد من خطورة مسيرات وُصفت بالاستراتيجية ، وأيا تكن أسباب ضرب المسيرات لبورتسودان فانها شكلت مصدر قلق شديد لسكان المدينة، ولأعداد غفيرة من النازحين ، بحثا عن حياة آمنة .
من نتائج حرب المسيرات في بورتسودان أن السودان دخل للمرة الأولى في مرحلة قطع العلاقات مع دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي دولة خليجية، تربطها بالسودان والسودانيين علاقات تاريخية قديمة، ومصالح متبادلة منذ تاريخ قديم يعود إلى أوائل سبعينيات القرن الماضي.
قطع العلاقات يؤكد أن القيادة العسكرية التي تدير دفة الأمور في السودان حاليا من مقرها في بورتسودان قد هزتها بشدة وأغضبتها وربما فاجأتها حرب المسيرات التي ضربت بورتسودان، مقر اقامتها.
معلوم أن قيادة الجيش السوداني وحلفا ءها يتهمون دولة الإمارات منذ نشوب الحرب بأنها تقدم الدعم العسكري والسياسي لقوات ” الدعم السريع” لكنها أبقت على “شعرة معاوية” ولم تقطع العلاقات، واكتفت بشن حملات إعلامية على الإمارات.
شارك في الحملات الإعلامية بنشاط واستماتة عناصر تنتمي إلى ( الحركة الإسلامية) وهي حركة ( الإخوان المسلمين) ويطلق سودانيون على أعضائها اسم ( الكيزان) وآخرون متحالفون معهم، وسودانيون تضرروا من ممارسات قوات ” الدعم السريع” التي استباحت بيوت الناس، ونهبتها، وفتحت باب السرقة للصوص محترفين، واغتصبت، وقد شكل انتهاك حقوق الانسان قاسما مشتركا بينها وقوات تابعة للجيش ارتكبت أيضا انتهاكات صارخة لحقوق الانسان السوداني .
أشير في هذا السياق إلى أن الإمارات تخوض حربا معلنة ومعروفة على ” الإخوان المسلمين” وتنظيمات ترى أنها ” إرهابية ومتطرفة” ما يؤشر إلى طبيعة تعقيدات العلاقة الحالية بين السودان والإمارات.
وبالعودة إلى بيان مجلس الدفاع السوداني فقد تضمن اتهامات محددة ، إذ قال إن الإمارات “سخرت المزيد من امكانياتها لإمداد التمرد ( قوات الدعم السريع) بأسلحة إستراتيجية متطورة”.
وجاء في البيان أن أسلحة الإمارات المتطورة لـ” التمرد” “ظلت تستهدف بها المنشآت الحيوية والخدمية بالبلاد، وآخرها إستهداف مستودعات النفط والغاز ، وميناء ومطار بورتسودان ، ومحطات الكهرباء والفنادق وعرضت حياة ملايين المدنيين وممتلكاتهم للخطر ، الأمر الذي يهدد الأمن الإقليمي والدولي، وبصفه خاصة أمن البحر الأحمر”.
الجديد في هذا النص أن البيان أشار إلى أن ما تقوم به الإمارات يهدد ” الأمن الإقليمي والدولي” ويبدو واضحا أن هذا النص يخاطب دول في الإقليم، و أهمها السعودية ومصر، وكانت بيانات سعودية ومصرية نددت باستهداف مرافق مدنية في السودان، ورأت أنه تهديد لأمن المنطقة، أي أن البيان السوداني يتقاطع مع بيانات سعودية ومصرية.
وبقراءة حقائق المشهد الحالي في ضوء البيان السوداني الذي أعلن أن ” دولة الإمارات العربية المتحدة دولة عدوان ” فان هذا القرار يعكس حالة تدهور وانتكاسة كبيرة وخطيرة لعلاقات البلدين، وضربة لمصالح مشتركة، خصوصا أن الإمارت تحتضن أعدادا كبيرة من السودانيين.
السودانيون في الإمارات لعبوا وما زالوا يلعبون أدوارا ايجابية وحيوية في تعزيز الأواصر بين البلدين بجهدهم وعطائهم وخصالهم الإنسانية، وقد وجدوا الرعاية في الإمارات، وما زالوا ينعمون بالاحترام والتقدير، كما احتضنت الإمارات أعدادا كبيرة من السودانيين الذين فروا اليها من جحيم الحرب.
لكن رغم هذا السجل المشرق للعلاقة التاريخية والأخوية بين السودانيين والإماراتيين ، فان هذا لا يلغي حقيقة تقول إن اتهامات القادة العسكريين في بورتسودان للإمارات بشأن دعمها لـقوات “الدعم السريع “هي قضية شائكة ومعقدة، و لا أعتقد بأن قطع العلاقات وسحب الدبلوماسيين ستعالج المشكلات بين الجانبين، وقد لا يتجاوز بيان قطع العلاقات كونه رسالة احتجاج وغضب بصوت مرتفع.
لكن لا يمكن اغفال أن بيان السلطة العسكرية في السودان يُحمل الإمارات مسؤولية ضرب “الدعم السريع” لبورتسودان، ويبدو أن من أهداف البيان مخاطبة الرأي العام السوداني وابلاغه أن ما تعرضت له بورتسودان ومواقع أخرى خلال عامين من الحرب هو نتاج تآمر خارجي وليس تقصيرا من القابضين على مفاصل السلطة في بورتسودان، أي أنه يمكن أن يكون محاولة لتبرير الحال ، وتبرئة الذات.
قرار قطع العلاقات الدبلوماسية، السودانية – الاماراتية، هو رد فعل سريع ورسالة للعالم ، بعدما أعربت الإمارات عشية صدور قرار قطع العلاقات عن “ارتياح” تجاه قرار “محكمة العدل الدولية” في 5 مايو 2025 حيث طوت ملف الدعوى التي قدمتها السلطات السودانية وشطبتها المحكمة بسبب ” عدم الاختصاص”، ومعلوم أن السلطات السودانية رفعت دعوى للمحكمة الدولية في 5 مارس 2025 اتهمت الإمارات بالمشاركة في جرائم إبادة جماعية في دارفور.
قرار قطع العلاقات السودانية الرسمية مع دولة الإمارات هو رسالة أيضا إلى دول مجلس التعاون الخليجي، وهي السعودية وقطر وسلطنة عمان والكويت والبحرين، والإمارات هي عضو في هذا التجمع الخليجي، المهم للسودان ، إذ تحتضن دوله الست ملايين السودانيين، الذين يشكلون مصدرا حيويا لمساعدة أهلهم داخل السودان وأيضا لدعم مَن شردتهم الحرب، ولجأوا مضطرين الى دول في المنطقة، وبينها الإمارات .
دول مجلس التعاون الخليجي درجت على التضامن مع أية دولة من دولها في السراء والضراء في الظروف العادية والطبيعية التي تخلو من خلافات ثنائية ، لكن ما جرى في بورتسودان من ضرب لمرافق مدنية وخدمية أثار قلقا وانزعاجا خليجيا ، وقد تجلى ذلك في بيانات ادانة وشجب من دول خليجية في صدارتها السعودية وقطر.
السؤال في هذا السياق، كيف سيكون رد الفعل الخليجي على قرار قطع العلاقات الدبلوماسية بين السودان و الإمارات؟ هل ستصمُت الأمانة العامة لدول المجلس، ولا تصدر تعليقا في هذا الشأن؟، وهل سيكون الخيار المفضل لقادة دول المجلس هو الدبلوماسية الهادئة ، التي تجري اتصالات ولقاءات مع طرفي الصراع في السودان، ومع الإمارات داخل غرف مغلقة، بعيدا عن الأضواء ، في سبيل لملمة خيوط هذه الأزمة الجديدة والساخنة التي تلقي بظلالها على الساحة الخليجية؟
أشير في هذا السياق إلى أن قضية “التدخل الخارجي” في حرب السودان حظيت و قوبلت باهتمام وموقف سعودي هو المتميز والأوضح في منطقة الخليج وربما في العالم العربي، إذ دعت الرياض في كلمتها في مؤتمر لندن بشأن السودان في 15 أبريل 2025 إلى وقف الدعم الخارجي “لطرفي الصراع في السودان”.
الرياض تعلم ان هناك دعما يتلقاه طرفا الحرب من دول في المنطقة، ولهذا شددت في مؤتمر لندن على ” أن وقف الدعم الخارجي لطرفي الصراع مسألة جوهرية لا بد منها، لتهيئة بيئة حقيقية لوقف إطلاق النار، وفتح الطريق أمام حل سياسي شاملٍ”.
وقال ممثلها في المؤتمر الدولي بلندن ،وهو نائب وزير الخارجية السعودي المهندس وليد بن عبد الكريم الخريجي إن ”تحييد التدخلات الخارجية يمهّد لتسهيل العمليات الإنسانية، وفي مقدّمتها فتح الممرات الآمنة، بما يضمن إيصال المساعدات إلى مستحقيها في مختلف مناطق السودان دون إبطاء، وقد رأينا الأثر الإيجابي لفتح معبر (أدري) الحدودي”.
خلاصة موقف السعودية التي تدعو لتطبيق ” إعلان جدة” يركز على “حل سياسي سوداني- سوداني يحترم سيادة ووحدة السودان ويقوم على دعم مؤسسات الدولة السودانية”، وأتوقع أن يدعم الرئيس الأميركي دونالد ترمب الدور السعودي أثناء جولته الخليجية التي تبدأ 13 مايو الجاري و تشمل المملكة و قطر والإمارات، والمؤكد أن الرئيس الاميركي سيبحث الوضع في السودان والأزمة الإماراتية السودانية مع القيادة الإماراتية.
في ضوء كل هذه التفاعلات السودانية والإقليمة والدولية،وأيا تكن مسارات الأحداث بعد حرب المسيرات التي ضربت بورتسودان، أكرر رأيي الذي أوضحته في مقالات غير مرة، وهو أن لا خيار أفضل للسودانيين جميعا من خيار الحوار والحل السياسي السلمي لأزمة حرب قضت بالفعل على الأخضر و اليابس في السودان، وتسببت في تأزيم علاقاته الخارجية.
كتبت قبل فترة مقالا باللغة الانكليزية( موجود في موقعي الالكتروني ) وقلت إن ” منبر جده فرصة لمرة واحد".
هذا معناه أنه على الرغم من سخونة الأحداث في بورتسودان والسودان عامة فان أفضل السيناريوهات هو أن يقتنع من يحملون السلاح بمختلف أشكاله وأنواعه أن الحوار الجاد والاستعداد النفسي والعقلي لاتخاذ القرار الشجاع بوقف الحرب هو مفتاح الحل الذي يوفر أجواء السلام والاستقرار والأمن والطمأنينة والعيش الكريم للجميع .
أما إذا واصل طرفا الحرب التعنت والأصرار على لغة الحسم و” المجد للبندقية” فستستمر الحرب، وتتسع دوائر لهيبها وسيتواصل مسلسل الخراب والتدمير والتشريد للسودانيين ، وهذا يعني أن حرب المسيرات المتبادلة بين الدعم السريع والجيش يمكن أن تُفاجئ دعاة الحرب قبل غيرهم بكوارث ومصائب جديدة لا تخطر ببالهم.
وقف الحرب ضرورة سودانية وانسانية ، ولا سبيل لاستقرار السودانيين في وطنهم إلا بتراضي الجميع على بناء دولة المواطنة التي يستظل بظلالها السودانيون كافة، بمختلف توجهاتهم وأعراقهم وثقافاتهم وأديانهم.
دولة المواطنة، التي يتراضى عليها السودانيون هي أيضا مفتاح الحل – لأنها توفر مناخا يحترم خيارات الإنسان السوداني وتعالج جذريا أزمة العلاقات الخارجية المتوترة مع الإمارات وغيرها ،والحصار الاقليمي و الدولي.
دولة المواطنة هي أيضا العلاج لأزمة شرعية الحكم ، والدليل أنه منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021 سعى ويسعى قادة عسكريون ،وفي صدارة الصفوف قائد الجيش الفريق البرهان وقائد الدعم السريع الفريق دقلو إلى الجلوس على كرسي ” الشرعية” بانقلاب ثم بالحرب الحالية .
لم يفلح البرهان وحميدتي بانقلابهما على حكم انتقالي بقوة البندقية في اكتساب الشرعية ، والمؤكد أنهما و” شركاؤهما” لن يحصلوا على الشرعية بالحرب الحالية، سواء واصلوا استخدام الطائرات وبراميلها الحارقة أو المسيرات الاستراتيجية.
حرب مسيرات قوات “الدعم السريع” والجيش، الشرسة والمدمرة قد تكون فرصة أمام الجميع، في الداخل والخارج، لتأمل مسارات الأحداث المتوقعة ، و الممكنة، لمراجعة الخطي.
سؤال الساعة ، هل يجد أطراف الحرب في “توازن الرعب” الحالي فرصة للتفكير بهدوء، ومدخلا للتأمل ، للاعتراف بحقائق الواقع ، في سبيل اصدار قرار شجاع يوقف نزيف الدم السوداني ومسلسل التدمير البشع لموارد السودان ومؤسساته، ويرفع المعاناة والعذاب عن كاهل السودانيين داخل الوطن وفي الشتات، ويساهم أيضا في إصلاح علاقات السودان الخارجية لخدمة المصالح المتبادلة، لا المصالح الشخصية ومصالح تجار الحروب وسماسرتها؟
mohamedelmaki.com