بأسود مادة عرفها الإنسان.. قمر صناعي يواجه التلوث الضوئي بالفضاء
تاريخ النشر: 25th, June 2025 GMT
إذا كنت من المهتمين بمتابعة الظواهر الفلكية ورصد الأجرام السماوية والمجرات البعيدة، فلا شك أنك واجهت يوما مشكلة "التلوث الضوئي"، كأن يعترض ضوء قمر صناعي عدسة تلسكوبك، ليعكس الضوء كما تفعل المرآة.
وباتت السماء تعج بآلاف الأقمار الصناعية اللامعة التي تسرق سواد الليل، وتربك أعين العلماء، مسببة ضجيجا بصريا متزايدا، وهي المشكلة التي يستعد فريق من الباحثين في المملكة المتحدة لمواجهتها عبر إطلاق قمر صناعي مكسو بأسود مادة عرفها الإنسان، وهي "فانتابلاك"، تلك المادة الشهيرة التي تمتص 99.
ويأمل الباحثون أن تثبت هذه التجربة نجاعتها، بما يمهد لتعميم استخدامها مستقبلا، في محاولة لاستعادة ظلمة السماء المهيبة، التي تحتاجها البشرية لفهم أعمق للكون.
القمر الصناعي الجديد، الذي يحمل اسم "جوفيان-1″، من المقرر إطلاقه عام 2026، ويبلغ حجمه تقريبا حجم علبة أحذية، وتكمن مهمته في اختبار قدرة مادة "فانتابلاك" الخارقة على تقليل الانعكاسات الضوئية الصادرة عن الأقمار الصناعية، وهي ظاهرة تزداد بشكل مقلق في سماء الليل، ما يعطل عمل المراصد الفلكية حول العالم.
مع وجود أكثر من 14 ألفا و900 قمر صناعي يدور حول الأرض اليوم، والتوقعات بارتفاع هذا العدد إلى أكثر من 100 ألف خلال العقود المقبلة، بفعل "الأسراب الفضائية" التجارية مثل شبكة "ستارلينك" التابعة لشركة سبيس إكس، تتفاقم التحديات أمام الفلكيين.
وتتمثل أبرز هذه التحديات في الانعكاسات الضوئية الصادرة من الأقمار المعدنية، التي تضيء السماء وتؤثر سلبا على جودة الرصد، وقد ازداد الوضع سوءا مع إطلاق أقمار صناعية فائقة السطوع، مثل سلسلة "ألف شراع" الصينية، التي تتجاوز بكثير حدود اللمعان التي توصي بها الجهات الفلكية.
وللتصدي لهذه المشكلة، تعاونت جامعات سري وساوثهامبتون وبورتسموث ضمن مشروع مشترك يعرف باسم "جوبيتر" لإطلاق القمر الجديد، حيث تم تزويده من أحد جوانبه بمادة "فانتابلاك 310″، وهي نسخة معدلة من المادة الأصلية صممت خصيصا لتحمل تقلبات درجات الحرارة والإشعاع الكوني في مدار الأرض المنخفض.
وصرّحت شركة "سري نانوسيستمز"، المنبثقة عن جامعة سري والمطورة للمادة في بيان صحفي رسمي أن "فانتابلاك 310، توفر أداء بالغ السواد من مختلف الزوايا، دون أن تتأثر ببيئة الفضاء القاسية".
إعلانويقول كيران كليفورد، كبير التقنيين في الشركة وقائد المشروع: "هدفنا من هذا الطلاء هو ضمان وصول مستدام ومنصف إلى سماء ليلية مظلمة للجميع".
ورغم أن الطلاء الأسود قد يُسهم في الحد من التلوث الضوئي، إلا أن هناك تحديات أخرى، أبرزها التداخل الإشعاعي (الراديوي)، الذي تصدره الأقمار، مما قد يهدد مستقبل علم الفلك الراديوي من على سطح الأرض.
كما أن الزيادة الهائلة في عدد الأقمار الصناعية ترفع من احتمالات التصادم الفضائي، ما يؤدي إلى تفاقم مشكلة الحطام المداري.
ولا تزال الآثار البيئية الناجمة عن احتراق الأقمار عند عودتها للغلاف الجوي، بما تطلقه من معادن وجزيئات، قيد الدراسة والفهم.
وفي ظل هذه التحديات، يمثل مشروع "جوفيان-1″ خطوة واعدة نحو استعادة سماء ليلية أكثر صفاء، وإذا أثبتت المادة فعاليتها في المدار، فقد يصبح طلاء الأقمار بـ"فانتابلاك" خيارا معتمدا في تصميم المركبات الفضائية المستقبلية، للحد من آثارها السلبية على الرصد الفلكي، وتمكين العلماء من استكشاف أعماق الكون بعيون أوضح.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الأقمار الصناعیة قمر صناعی
إقرأ أيضاً:
تشاهدها بعينيك.. دليلك لرصد أمطار شهب البرشاويات بداية من الليلة
في الليالي الواقعة بين 11 و13 أغسطس/آب كل عام يشهد العالم العربي واحدة من أكثر الظواهر امتاعا، هي زخة شهب البرشاويات، حيث تتساقط الشهب في تلك الليلة بمعدلات قد تصل إلى 120 شهابا في الساعة الواحدة، لكن هناك عائق هذا العام وهو بروز القمر في السماء، ما يعكر صفو الرصد، لكنه لا يمنعك من رؤية الشهب.
لماذا تمطر السماء شهبا؟تخيّل أنك تقود سيارتك الآن، ثم يحدث أن تدخل في سحابة خفيفة من الدخان سببتها شجرة مشتعلة بجانب الطريق، هذا هو ما يحدث بالضبط في السماء، فبينما تدور الأرض حول الشمس مرة كل 365 يوما، تدخل في بقايا صخرية تركها مذنب أو كويكب أثناء مروره من تلك المنطقة.
وحينما يحدث ذلك تخترق تلك البقايا الصخرية أثناء دخولها للغلاف الجوي للأرض بسرعات كبيرة تصل إلى 75 كيلومتر في الثانية الواحدة، هذه هي الشهب التي نراها في السماء.
تمر الأرض بمجموعة من تلك الصخور الصغيرة مرة كل عدة أسابيع (35 مرة في السنة)، فنرى الشهب في تلك الفترة، وقد تكون أعداد الشهب كبيرة أو صغيرة حسب حجم تلك البقايا الصخرية (سحابة الدخان) التي تمر بها الأرض، فكل واحدة منها هي شهاب منتظر أو ربما عدة شهب.
وهناك درجة عالية من الاختلاف بين أعداد الشهب في زخّات الشهب المختلفة، فقد نرى في ليلة واحدة حتّى 400 شهاب كما سيحدث عادة في حالة البرشاويات (بمكان ناء)، أو قد نرى 10 شهب فقط.
لذلك فإنه على الرغم من كثرة زخّات الشهب سنويا، والتي تتكرر في نفس الموعد، إلا أن هناك مرتين فقط يمكن أن نرى خلالها -هنا في الوطن العربي- عددا كبير جدا من الشهب في ليلة واحدة وبشكل واضح.
الأشهر والأهم هي ما نسميه بـ"زخّة البرشاويات"، شهب الصيف، تلك التي سنراها بأعيننا هذه الأيام، حينما تمر الأرض في بقايا مذنب "سويفت تتل"، ثم تأتي "التوأميات" في ديسمبر/كانون الأول، إذ يمكن أن نرى ليلة 13 ديسمبر/كانون الأول ما قد يصل إلى 100 شهاب في الساعة، إنها شهب الشتاء والطقس البارد
إعلانالبرشاويات تبدأ من 17 يوليو/تموز حتى 24 أغسطس/آب، خلال كل تلك الفترة يمكن أن نرى عدد من الشهب في السماء، وهو يزداد تدريجيا كلما اقتربت الأرض من مركز انطلاق الشهب، لكن فقط في أوج الزخة، حينما تمر الأرض بالكم الرئيسي من تلك الصخور، ويكون عادة حول 11 و12 أغسطس/آب.
الآن ربما يتبادر إلى ذهنك سؤال آخر مهم، فأنت لا تود أن تجلس لتنتظر الشهب طوال الليل، لذلك دعنا نوضح أن أفضل موعد لرصد الشهب سيكون بعد انتصاف الليل، إذ تنشط الشهب كلما اقتربنا من الصباح.
تقول القاعدة، ببساطة، أنه كلما ابتعدت عن ضوء المدينة كان أفضل، إذا كنت في الصحراء مثلا فيمكن أن ترى عدد كبير جدا قد يصل إلى 500 شهاب، إذا لم يكن هناك قمر، ولكن مع وجود القمر ينخفض ذلك العدد بشكل جذري، لكنك على الأقل سترى الشهب اللامعة بوضوح تام.
أمّا إن كنت تعيش في مدينة ضخمة فربما فسترى شهب أقل، وذلك لأن التلوث الضوئي يقلل من قدراتك على رؤية الشهب بشكل درامي.
لذلك يسافر البعض ضمن فاعليات فلكية لرصد الشهب في مناطق نائية، لكن في كل الأحوال، وكما يقول هواة الفلك، فإن سطح منزلك هو أفضل مرصد ممكن.
ما الأدوات المطلوبة لأرى الشهب؟زخّات، أو أمطار، الشهب هي ظاهرة فلكية ماتعة لا تتطلّب أية أدوات، فقط تتطلب عينيك المجردتين، اصعد إلى سطح المنزل وجهز مكانا للاستلقاء على الأرض بشكل مريح، سوف يكون من الماتع كذلك أن تجهز بعض الشاي والعصائر.
ويمكن أيضا أن تدعو الأحبة، الأصدقاء، وأطفالك، أو العائلة كلها، لقضاء تلك الليلة فوق سطح المنزل وانتظار الشهب، حيث تحلو الظواهر الفلكية دائما، وتكون أمتع ما يكون، بالرفقة. إنها حفلة سماوية مجانية لن تكلفك شيئا.
في تلك النقطة ربما سوف تتسائل عن موضع خروج الشهب من سماء الليل، في الشمال أم الجنوب؟ بالأعلى أم على الجانب؟ هنا يمكن أن نتّبع قاعدة مختصرة تقول "انظر فوقك تماما وسوف ترى الكثير من الشهب". لكن لو كانت لديك معرفة بالكوكبات السماوية، فانظر ناحية كوكبة "برشاوس" أو "حامل رأس الغول".